Sunday, May 1, 2022

فرص انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي

فرص انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي

 

تصعيد محتمل :

فرص انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي
السبت، 23 أبريل، 2022
تصعيد محتمل   :

 

أثارت تصريحات كل من رئيسة الوزراء الفنلندية، سانا مارين، ونظيرتها السويدية، ماجدالينا أندرسون، خلال مؤتمر صحفي مشترك بينهما في 13 أبريل الجاري جدلاً واسعاً في أوروبا وروسيا، إذ أكدت مارين على أن قرار التخلي عن سياسة فنلندا بعد الحرب الباردة المتمثلة في عدم الانحياز، والانضمام إلى الناتو سيتخذ في غضون "أسابيع وليس شهور". وبالمثل، أشارت أندرسون أن السويد، وبالتنسيق مع فنلندا، بدأت نقاشاً نشطاً حول الانضمام إلى الناتو.

وبالتوازي مع ذلك، أرسلت الحكومة الفنلندية تقريراً أمنياً للبرلمان، تشرح فيه الجوانب الإيجابية والسلبية للانضمام إلى الحلف، وهو ما جعل مارين تؤكد على أن الانضمام وعدم الانضمام هما خياران لهما عواقب، ولكنها أكدت على ضرورة تحقيق هدف فنلندا قبل كل شيء، وهو "ضمان أمن فنلندا والفنلنديين في جميع الأحوال". 

وبالنسبة للسويد، تشير التقديرات إلى أن حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي السويدي، الحزب الحاكم بقيادة أندرسون يعكف حالياً على دراسة كل الخيارات المتاحة في ظل تغير الخريطة الأمنية بعد الغزو الروسي في أوكرانيا.

دوافع الانضمام للناتو: 

تتمثل أبرز الأسباب وراء إبداء رغبة البلدين، فنلندا والسويد، في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في التالي: 

1- الحصول على المظلة الأمنية للحلف: لا شك أن عضوية الناتو، حال تحقيقها لكلا البلدين، ستوفر حماية لهما ضد موسكو، بموجب المادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي، والتي بموجبها يكون الهجوم على أي عضو في الحلف، هجوماً على جميع الأعضاء، يستوجب الرد الجماعي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون ملزمة بتقديم المساعدات العسكرية للبلدين في حال تعرضها لأي هجوم.

ويلاحظ أن البلدين تتمتعان بشراكة مع حلف الناتو عبر "شركاء الفرص المعززة"، لا سيما أنهما شاركا في العملية التي يقودها الناتو في أفغانستان، ويعمل كلاهما بشكل وثيق مع الولايات المتحدة.

ويرى الاستراتيجيون الأوروبيون أن قبول فنلندا عضواً في الناتو هو قيمة مضافة للحلف، إذ إن لديها قدرة على تعبئة 280 ألف جندي، كما أنها تمتلك دبابات قتال أكثر من برلين، وتمتلك قوة جوية مكونة من 64 طائرة من طراز " أف – 18"، ومن المتوقع أن تتسلم أيضاً 64 طائرة من طراز "إف – 35" بحلول عام 2026.

ومن ناحية أخرى، فإن الجيش السويدي يحتل المرتبة رقم 25 بين أقوى 142 جيشاً في العالم، وفقاً لتقديرات موقع جلوبال فاير بور الامريكي لعام 2022. كما يُعد أسطولها من أضخم 5 أساطيل بحرية في العالم.

2- العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا: يتمثل السبب الرئيسي المعلن وراء إبداء رغبة فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي هو "الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا". 

فقد كان الخطاب السياسي الفنلندي متمسكاً بما يسمى بنهج هلسنكي، المعروف باسم "الفنلندنة" (Finlandization)، وهو نهج الحياد، أي تجنب الانضمام إلى حلف وارسو السوفييتي خلال الحرب الباردة، على الرغم من ضغوط موسكو، وذلك مقابل عدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. 

أما السويد، فتتبنى سياسة الحياد منذ أكثر من قرنين من الزمن. وعلى الرغم من أن انضمام ستوكهولم إلى الاتحاد الأوروبي، وتعاونها مع الناتو من خلال برنامج الشراكة من أجل السلام، فإنها كانت تصر على أنها متمسكة بالحياد في وقت الحرب وعدم التحالف العسكري وقت السلم. 

3- مخاوف على جوتلاند السويدية: ينظر إلى الجزيرة من قبل الخبراء العسكريين باعتبارها "حاملة طائرات غير قابلة للغرق"، إذ إنها تتمتع بموقع استراتيجي يضمن السيطرة البحرية والجوية على بحر البلطيق، وتخشى السويد من أن تقوم موسكو باحتلالها. 

فقد قررت ستوكهولم في 2015 نقل فوج عسكري إلى هذه الجزيرة، وذلك في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا. كما تم إرسال تعزيزات ومدرعات لتسيير دوريات في منطقة فيسبي الريفية، في يناير 2022، عندما أصبح التهديد الروسي لأوكرانيا أكثر وضوحاً. ويعتقد أنه في سيناريوهات التصعيد بين روسيا والغرب، قد تقوم موسكو باكتساح جوتلاند. 

4- وجود رأي عام داعم: أظهر استطلاع للرأي أجرته محطة الإذاعة الحكومية الفنلندية (Yle)، في الآونة الأخيرة، أن 53% من الفنلنديين يؤيدون الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وذلك على عكس نتيجة استطلاع عام 2017، والتي كان 19% فقط من الفنلنديين يؤيدون الانضمام مقابل 53% يعارض الفكرة. وفي استطلاع آخر، تم إجراؤه من قبل منتدى الأعمال والسياسة الفنلندي في مارس الماضي، تبين أن 60% من الذين شملهم الاستطلاع أيدوا الانضمام إلى الناتو، بزيادة قدرها 34% عن عام 2021.

وعلى الصعيد السويدي، كشف استطلاع للرأي، في 4 مارس 2022، أجرته شركة "ديموسكوب" (Demoskop) التابعة لصحيفة أفتون بلادت (Aftonbladet Newspaper) السويدية أن 51% من السويديين يؤيدون انضمام بلادهم إلى حلف الناتو، وهو ما يعكس دعماً أقل للانضمام للحلف مقارنة بفنلندا. 

5- محاولة الغرب الضغط على بوتين: لعبت العملية العسكرية الروسية دوراً حاسماً في تقييد "سياسة الباب المفتوح" لحلف الناتو، إذ بات من الواضح ما هي التداعيات الأمنية التي سوف تتعرض لها الدول المجاورة لروسيا في حال قررت ذلك. وكان من الملحوظ أن كل من جورجيا ومولدوفا التزمت الصمت، ولم تعلن نيتهما الانضمام إلى الحلف، خاصة بعد التدخل العسكري الروسي. 

وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة والدول الغربية إلى التأكيد على أن هذا لن يحدث بالضرورة، وأن هناك دولاً أخرى، على غرار فنلندا والسويد، سوف تقوم بمعاقبة روسيا، والانضمام إلى حلف الأطلسي، أي أن سياسة موسكو في أوكرانيا سوف يكون لها نتائج عكسية متمثلة في انضمام الدولتين إلى الحلف، خاصة أن الحدود الروسية – الفنلندية المشتركة تمتد لنحو 1300 كيلومتر، مما يعني زيادة تهديد حلف الأطلسي إلى روسيا.  

ردود فعل الكرملين:

لا شك أن رغبة هلسنكي وستوكهولم في الانضمام إلى الناتو سيمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، وسوف تدفع موسكو لتبني سياسات تصعيدية، وذلك على النحو التالي:

1- نشر صواريخ نووية: يرى الروس أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، سيعني عملياً استضافتهما قوات عسكرية أجنبية وأسلحة على أراضيهما.

وفي هذا الإطار، أكدت الخارجية الروسية أن انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف ينذر بعواقب سلبية على الاستقرار بشمال أوروبا، إذ شددت على أن العضوية في الناتو ستجعل البلدين غير قادرين على تعزيز أمنهما القومي، لأنهما سيكونان تلقائياً على خط المواجهة الأول في الناتو ضد روسيا، وهو ما سيجبرها على نشر قواعدها ومعداتها العسكرية بالقرب من حدود البلدين لتأمين نفسها، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً لهما. 

كما حذّر الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن، ديمتري ميدفيديف، في 14 أبريل الجاري من أن روسيا ستنشر أسلحة نووية قرب دول البلطيق والدول الاسكندنافية في حال قرّرت الدولتين الانضمام إلى الحلف.

2- فرض عقوبات اقتصادية: قد تتخذ موسكو تدابير اقتصادية عقابية أخرى ضد الدولتين، والتي قد تمتد إلى إدراج فنلندا والسويد ضمن "الدول غير الصديقة". وتعتمد فنلندا على إمدادات الغاز الروسي بنسبة تتجاوز الــ 90%، وبذلك تُصبح فنلندا من أكثر الدول الأوروبية اعتماداً على الغاز الروسي. وبالتالي، فإن حدوث أزمة دبلوماسية وسياسية بين موسكو وهلسنكي، ستكون لها تبعاتها الاقتصادية السلبية على اقتصاد فنلندا، لاسيما في حالة قرار أحدهما الاستغناء عن الآخر فيما يتعلق بإمدادات الغاز، أو النفط. 

وفي الختام، يمكن القول إن انضمام هلسنكي وستوكهولم لحلف شمال الأطلسي قد يتسبب في مشاكل أمنية واقتصادية للدولتين، خاصة أن لهما وضعهما الخاص، ولا يمكن مقارنتهما بأوكرانيا، والتي سعت للانضمام إلى حلف الناتو، ومن ثم نقل قواعد حلف شمال الأطلسي إلى الجوار المباشر لروسيا، بما يحمله ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي لموسكو. كما أن الادعاء بإمكانية أن تقوم روسيا باحتلال جزر تتبع السويد يعد أمراً مستبعداً طالما أن الدولتين لا تفرضان أي تهديد أمني لروسيا. 

وفي المقابل، قد تتبنى الدولتان نهج النرويج، والتي على الرغم من كونها عضواً مؤسساً في حلف الأطلسي، فإنها تعمل دائماً على الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا من خلال عدم سماحها بإنشاء قواعد عسكرية للحلف على أراضيها، وكذلك وضعها لقيود على تدريباته.

Friday, April 22, 2022

هل تغير مسيرات سويتش بليد الأميركية معادلة الحرب الأوكرانية

هل تغير مسيرات سويتش بليد الأميركية معادلة الحرب الأوكرانية

 هل تغير مسيرات سويتش بليد الأميركية معادلة الحرب الأوكرانية

السبت، 16 أبريل، 2022
العرب:

تواصل الولايات المتحدة سعيها لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني بغية مقاومة الغزو الروسي ولم لا صده حيث دفعت بحزمة مساعدات عسكرية جديدة قالت تقارير إعلامية إنها ستشمل تزويد الجيش الأوكراني بمسيرات “سويتش بليد”، ما يثير تساؤلات حول قدرة هذا النوع من المسيرات الذي ينضاف إلى بيرقدار التركية في دعم الجيش الأوكراني على مواجهة الهجوم الروسي.

واشنطن – مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتركيز روسيا على شرق البلاد تواصل الولايات المتحدة محاولاتها لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني من خلال معدات عسكرية من شأنها على الأقل إطالة أمد صموده في مواجهة الغزو الروسي.

ويثير ذلك تساؤلات عن فرص نجاح التحركات الأميركية خاصة بعد إدراج الرئيس الأميركي جو بايدن الدرونز كجزء من حزمة الأسلحة المتجهة لأوكرانيا، والتي تم الإعلان عنها مؤخرا من دون الخوض في تفاصيل حولها. 

وصرّح بايدن في معرض حديثه عن حزمة المساعدة عموما، بأنها أظهرت “التزام الولايات المتحدة بإرسال أحدث أنظمتنا إلى أوكرانيا للدفاع عنها”. 

وأكدت تقارير إعلامية نقلا عن مسؤولي دفاع أميركيين منذ ذلك الحين أن الدرونز المتضمنة في حزمة الأسلحة المزمع إرسالها ستشمل درونز سويتش بليد المسلحة.

سلاح مثالي

يتم إطلاق سويتش بليد من أنابيب، وهي أسلحة تستخدم مرة واحدة وقادرة على إلحاق أضرار جسيمة بقوات الخصم. ويأتي اسم هذه الدرونز (والذي يعني الشفرات) من أجنحتها التي تشبه الشفرات التي تظهر عند تشغيل الجهاز، ثم تتحرك مروحته الصغيرة.

ويرى خبراء وباحثون أن هذا النوع من المسيرات يكتسي أهمية خاصة لقدراتها الفائقة في مواجهة خصوم أكثر تسليحا وأكبر حجما على غرار ما يحدث بين القوات الروسية والأوكرانية.

وقال الباحث في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات والدراسات المتقدمة آش روسيتير إن “درونز سويتش بليد من عدة أوجه هي السلاح المثالي لنمط الحرب غير المتكافئة التي يخوضها الأوكرانيون، فنموذج 300 من درونز سويتش بليد وهو النظام الذي تم إرساله على الأرجح إلى أوكرانيا يزن حوالي خمسة أرطال، ويطير لمدة تصل إلى 15 دقيقة في المرة الواحدة، وهو مصمم ليُحمل في حقيبة ظهر. لذا فإنه من نواح كثيرة يعد النظام التكتيكي المثالي لوحدات المشاة الصغيرة التي تهدف إلى ضرب الخصوم”.

وأوضح روسيتير في ورقة بحثية أن “هناك سمة أخرى بارزة وهي سهولة تشغيل نظام سويتش بليد، فعملية إطلاقه تتم باستخدام نظام تحكم أرضي بسيط للأجهزة اللوحية”. 

وتابع “وبعد أن يخرج الدرون من الأنبوب وتنفتح أجنحته وتدور مروحته لأعلى، يبدأ في الطيران في أي اتجاه يبغاه مشغّله. ثم يُبث فيديو مباشر من الدرون إلى المشغّل، بحيث يمكن مشاهدته على وحدة التحكم اليدوي. وما إن يتم تحديد الهدف المحتمل، يستطيع المشغَل تعيين هذا الهدف على شاشة التحكم، ثم يسيّر درون سويتش بليد نفسه بنفسه في تحديد التوجيه النهائي وينفجر فوق هذا الهدف”.

ويأتي ذلك في وقت تستمر فيه المعارك في أوكرانيا، وسط حملة شديدة من الغرب لتحميل روسيا مسؤولية “انتهاكات محتملة” في ما يتعلق بقتل مدنيين أوكرانيين في مدينة بوتشا الأوكرانية، ونفت موسكو صحة المزاعم الغربية وطلبت التحقيق في “استفزازات” هناك.

وتلعب التكلفة دورا كبيرا في ترجيح كفة سويتش بليد على حساب مسيرات أخرى حيث تقل تكلفة هذا النوع من الدرونز بكثير عن أغلب الدرونز، بما في ذلك بيرقدار التركية. 

انتصار مستحيل

 تعد من الأجهزة غير المعمرة ومن الوارد استبدالها. وعرض الولايات المتحدة إرسال 100 درونز من هذا النوع هو عرض شديد السخاء، خاصة أنها من أحدث التقنيات، بيد أنه لا يمكن الرهان عليها للفوز في أي حرب، ولكن هذه الشحنة قد تكون الأولى من سلسلة شحنات، كشحنات الصواريخ المضادة للدبابات والأسلحة المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف التي أرسلها البنتاغون.

ورغم المراهنة على مسيرة سويتش بليد إلا أنه ليس من المرجح أن يصل تأثيرها على ميدان المعركة إلى حد قلب موازين القوى أو تحقيق أوكرانيا انتصارا على روسيا التي تعيد قواتها التمركز بشكل يزيد الضغط في عدة مناطق مثل ماريوبول وجنوب البلاد.

وقال روسيتير إنه “على الرغم من مقاومة حكومة أوكرانيا وجيشها الشديدة، فإن انتصار أوكرانيا هو أمر شبه مستحيل، فلا تزال القوات الروسية تحقق مكاسب مهمة في الجنوب”.

لكن قد يكون لهذه المسيرات، إلى جانب الدرونز التركية الصنع بيرقدار، تأثير خاص على قدرة القوات الأوكرانية على مقاومة الهجوم الروسي الذي لا يبدو أن شيئا قادرا على إيقافه بسرعة غير تدخل مباشر من حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يرفض بشدة ذلك، خاصة وأن هكذا خطوة ستدخل العالم متاهات مواجهة بين جيوش تمتلك قوة نووية.

هذه المسيرات لها تأثير على قدرة القوات الأوكرانية على مقاومة الهجوم الروسي الذي لا يبدو أن شيئا قادرا على إيقافه بسرعة

وقال روسيتير إن “الولايات المتحدة وشركاءها سيستمرون في البحث عن وسائل تٌمكّن القوات الأوكرانية من الاستمرار في القتال وتجنب الهزيمة الكاملة على الأقل، وهي استراتيجية مبنية على مبدأ أنه إذا لم تنتصر روسيا في الحرب، فستخسر. ويتطلب تنفيذ هذه الاستراتيجية تزويد أوكرانيا بالأسلحة الأكثر ملاءمة لوضعها التكتيكي”. 

وأضاف أن “الواقع يخبرنا أن الجنود والمواطنين الأوكرانيين ممن يقاتلون ويدافعون عن أراضيهم ومدنهم أضعف من المهاجمين الروس عددا وعتادا. وهم يعون ذلك جيدا، وهذا هو سبب أهمية نجاح الهجمات باستخدام درونز بيرقدار لرفع روحهم المعنوية، فضلا عن الأضرار المادية التي ألحقتها بالخصم. وقد نشهد في الأسابيع والأشهر المقبلة كُتّاب الأغاني الأوكرانيين وهم يؤلفون أغاني عن سويتش بليد كما فعلوا مع بيرقدار”.

Saturday, January 23, 2021

دوافع الضربات الإسرائيلية على الحدود العراقية - السورية

دوافع الضربات الإسرائيلية على الحدود العراقية - السورية

 

جبهة جديدة:

دوافع الضربات الإسرائيلية على الحدود العراقية - السورية
الأربعاء، 20 يناير، 2021
جبهة  جديدة:

شنّت إسرائيل عدة ضربات جوية على مواقع بالقرب من الحدود السورية- العراقية خلال الأسبوعين الأخيرين. ووفقاً لتقارير سورية وإسرائيلية متقاربة، فإن تلك الضربات وُجِّهت لمواقع رصدت فيها عمليات تخرين لأسلحة فى محيط مدينة البوكمال السورية المتاخمة للحدود العراقية، بالتزامن مع عقد اجتماعات لقيادات من الحرس الثورى الإيراني وفصائل عراقية مسلحة موالية لإيران، حيث يرجح أن الأخيرة تسعى لتوسيع بنيتها العسكرية في تلك المنطقة لتفادي الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقعها بالقرب من العاصمة دمشق، بحيث تستعيض عن ذلك بقدرات عسكرية لاسيما صاروخية طويلة المدى. ووفقاً لتلك التقارير، فإنه لا يمكن الفصل بين كثافة الضربات الإسرائيلية في نطاق دائرة واسعة من البوكمال إلى الحدود العراقية عن تزايد قدرة المليشيات الموالية لإيران على التمويه في عمليات نقل شحنات الأسلحة إلى مواقع عديدة، حيث تم نقلها عبر العراق في شاحنات (برّادات) ومركبات عسكرية تحمل العلم السوري. 

دلالات عديدة: 

يعكس هذا السياق دلالات عديدة ترتبط بمسارات المواجهة بين إسرائيل من ناحية وإيران وحلفائها من ناحية أخرى، يتمثل أبرزها في: 

1- تموضع عسكري واسع شرق سوريا: لاسيما في منطقة البوكمال باعتبارها الأقرب إلى العمق العراقي، وبالتالي يسهل من الناحية اللوجستية نقل الأسلحة من التمركزات والنقاط اللوجستية العراقية، بحيث تصبح نقطة تمركز للتوزيع والإمداد، بما يشكل تحدياً بالنسبة لإسرائيل، خاصة وأن قِصَر المسافة من الحدود العراقية يحقق ميزة تقليص الفترة الزمنية التي يستغرقها نقل شحنات الأسلحة إلى العمق السوري من ساعات، بحيث كان من السهل على إسرائيل رصدها وتتبعها، إلى جزء من الساعة على نحو يضعف من قدرة إسرائيل في هذا الصدد. ومن المرجح أن تلك الشحنات يتم تخزينها في مواقع داخل العمق العراقي مثل منطقة حصيبة (20 كلم)، وبالتالي لن تزيد رحلة الشحنة عن 30 إلى 40 كلم. كما أن هناك العديد من المليشيات العراقية التي تسيطر على الحدود المشتركة تحت قيادة الحرس الثوري. وتشير محاور الحركة على خريطة تلك المنطقة، إلى أن بناء قاعدة واسعة في منطقة البوكمال سيمنح إيران القدرة على التحرك في ثلاث محاور باتجاه العراق والعمقين السوري واللبناني أيضاً.

2- متغير في معادلة الاشتباك: كانت هذه المنطقة ساحة لعمليات أساسية خلال الحرب على تنظيم "داعش"، وكانت قاعدة "التنف" هى القاعدة المركزية التي تتصدى لتحركات التنظيم على الحدود العراقية الطويلة التي تمتد إلى 600 كلم مع سوريا، إلا أن مهمة هذه القاعدة تراجعت بشكل نسبي بعد انهيار التنظيم، كما أنها كانت محل استهداف من جانب قوات الجيش السوري، فيما كانت إيران تسلك طرقاً التفافية حول القاعدة للعبور إلى داخل سوريا، إضافة إلى فصائل "الحشد الشعبي" التي تسيطر على الطريق الدولي. إلا أن إيران استهدفت تمركزات في المنطقة في مطلع عام 2018 بعد عملية لتنظيم "داعش" في الأحواز، حيث شن الجيش الإيراني هجمات صاروخية كانت لافتة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة. وفي أعقاب تلك العمليات، بدأت إيران تطور من مسرح العمليات في تلك المنطقة مع بناء قاعدة "الإمام علي"، والتي تشير تقارير للجيش الأمريكي إلى أنها رصدت عمليات واسعة لبناء خنادق ومخازن تحت الأرض لتكديس الأسلحة فيها، ومنها صواريخ إيرانية يصل مداها إلى 750 كلم مثل صواريخ "ذو الفقار" و"قيام" (800 كلم). وبالتالي يمكن القول إن الهجمات الأخيرة ستنقل المواجهات بين إيران وإسرائيل إلى الجبهة الشرقية الإسرائيلية، فيما توفر القاعدة الأمريكية معلومات استخبارية حول طبيعة الوجود العسكري الإيراني في تلك المنطقة وفقاً لمعهد ستراتفور، وهو ما يتماشى مع تقديرات عاموس يادلين قائد سلاح الجو الإسرائيلي الذي أشار فيها إلى أن حجم الغارات الأخيرة يكشف استهداف أعلى مستوى من التموضع الإيراني في تلك المنطقة. 

3- ترتيبات انتشار جديدة: من المتصور أن الترتيبات التي تقوم بها واشنطن تركزت حول توسيع انتشار مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) الأقرب اليها في تلك الساحة، وبالتالي من المرجح أن الاستراتيجية الإيرانية تعمل على عدم تمدد "قسد" باتجاه محور الجنوب في المنطقة الشرقية مع الحدود العراقية، ومحاصرة قاعدة "التنف" الأمريكية، وبإمكانها نشر مليشيات على هذه الخطوط لعزل تلك المناطق، التي تأوي العديد من تلك المليشيات بالفعل حالياً مثل المليشيات التابعة لـ"حزب الله" اللبناني و"لواء فاطميون" الأفغاني و"لواء زينبيون" و"كتيبة 313" و"لواء باقر"، وبالتنسيق المشترك مع الجيش السوري، كما يمكنها بسهولة استقدام مليشيات للدعم من داخل الحدود العراقية. وبالطبع، فإن كل تمدد إضافي في منطقة دير الزور، التي تضم تلك المدن، يأتي على حساب مناطق انتشار الفصائل العشائرية العربية وقوات "قسد" التي باتت محصورة حالياً بين قوات تركية في الشمال والمليشيات الإيرانية في الجنوب.

متغيران رئيسيان:

يمكن القول إن مستقبل التموضع الإيراني يعتمد على متغيرين رئيسيين هما: 

1- دور الحكومة العراقية في عملية ضبط الحدود: فخلال العام الماضي، وسّعت الحكومة العراقية من أدوات الرقابة باستخدام التقنية الجوالة مثل بالونات الرصد، بالإضافة إلى نشر الكاميرات الحرارية لمراقبة الحدود. لكن من المرجح أنها تواجه تحديات في السيطرة على المليشيات التابعة لـ"الحشد الشعبي" التي تنسق مع إيران في هذا السياق. فعلى سبيل المثال، فإن إحدى عمليات شحن الأسلحة التي قامت بها مليشيا "أبو الفضل العباس" عبر محور "القائم" الحدودي تمت دون اعتراض من جانبها. كذلك، فإن مشاركة قيادات من الفصائل المسلحة في الاجتماع الأخير الذي رصده الجانب الأمريكي بين قيادات الحرس الثوري والجيش السوري والفصائل العراقية، تمت من خلال عملية تأمين تحركات الدخول والعودة من جانب تلك الفصائل عبر الحدود. وبالتالي فإن التوسع في عامل التقنية لمراقبة حدود مشتركة طويلة لا يشكل قيمة عملية في ظل عدم السيطرة الحكومية على تلك المواقع. 

2- الموقف الأمريكي في ظل إدارة بايدن: على الرغم من إشارة وزارة الخارجية السورية، في بيانها رداً على تلك الضربات، إلى أن هناك إمدادات عسكرية أمريكية وصلت تلك المنطقة، لكن اللافت للانتباه هو انحصار الانخراط الأمريكي في العمليات الميدانية على الأرض على تلك الجبهة، ما يوفر هامش حركة للمليشيات الموالية لإيران، حتى وإن كانت القوات الأمريكية قادرة على رصد طبيعة التحولات التي تقوم بها إيران في تلك المنطقة، وإمداد الإسرائيليين بها. لكن العديد من التقديرات الأمريكية كشفت أن إسرائيل كانت تحظى بدعم كبير في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في حين أن إدارة الرئيس الجديد جو بايدن قد لا توفر المستوى نفسه من الدعم، وبالتالي ستحتاج لفترة لتقييم هذا الموقف، خاصة وأنها تواجه معضلة في هذا السياق، حيث أن تنامي النفوذ الإيراني على حساب "قوات سوريا الديمقراطية" يشكل تحدياً لحلفاء واشنطن المحليين في تلك الساحة.

لكن على جانب آخر، فإن الوجود الإيراني يحول دون تجدد حضور تنظيم "داعش"، إلا أنه يشكل معضلة لإسرائيل في ظل توسع البنية العسكرية الإيرانية في المنطقة، مما سيخل بطبيعة التوازن التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه في معادلة الاشتباك الخاصة بسوريا، ومن ثم فعلى الأرجح لن تعارض الإدارة الجديدة استمرار تلك الضربات، بهدف إضعاف إيران فقط وليس بهدف إبعادها عن المنطقة، الأمر الذي لا يتعارض مع الاستراتيجية الإسرائيلية. 

انعكاسات جانبية:

في مرحلة ما بعد "داعش" في شرق الفرات، توزعت نقاط السيطرة بين مواقع للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وانتشار أوسع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" على مساحة تعادل حالياً ما يقارب 26% من الأراضي السورية، مع سيطرة المليشيات الإيرانية وقوات النظام على مفاصل الحركة والممرات. وفي حال نجاح إيران في السيطرة على تلك المواقع فبمقدورها توسيع مساحة سيطرة النظام، الذي قد يجد بيئة حاضنة للتقارب مع عشائر شرق الفرات في ظل توتر العلاقة بينها وبين "قسد"، وهى نقطة التقاء مصلحة مشتركة بين إيران وتركيا والنظام السوري. 

ومن المتصور أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على شرق سوريا تستهدف تقويض تنامي البنية العسكرية الإيرانية في تلك المنطقة، لكن إسرائيل، في الغالب، لن يكون بإمكانها إزاحة هذا الوجود الإيراني وفقاً لطبيعة قوة هذا المحور وعمقه المشترك بين سوريا والعراق، وبالتالي ستظل معادلة الصراع بين الطرفين محكومة بمتغير التوازنات العسكرية، وفي ظل مساعي ايران الحالية سيقود هذا السياق إلى نقل جبهة المواجهة من العمق في محيط دمشق إلى الشرق مع الحدود العراقية، الأمر الذي سيخفف نسبياً من الضغط على النظام من جهة ويمنحه فرصة لإبعاد المواجهة عن خطوط دفاعه الرئيسية، وربما يوفر له فرصة أكبر تعبد له الطريق إلى شرق الفرات في المستقبل. 

لماذا تركز العقوبات الأمريكية على مؤسسات البنياد الإيرانية؟

لماذا تركز العقوبات الأمريكية على مؤسسات البنياد الإيرانية؟

 

اتجاه جديد :

لماذا تركز العقوبات الأمريكية على مؤسسات البنياد الإيرانية؟
الأحد، 17 يناير، 2021
اتجاه جديد :

واصلت الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات جديدة على إيران، في إشارة إلى سعى إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب إلى وضع مزيد من العقبات أمام إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، قبل أن تحاول اختبار مدى إمكانية الوصول إلى تفاهمات محتملة مع إيران في المرحلة القادمة. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن العقوبات الجديدة لم تتركز على المؤسسات النافذة في الدولة، على غرار الحرس الثوري أو الشركات الرئيسية مثل شركات الطاقة والبتروكيماويات وغيرها، وإنما بدأت تمتد حتى إلى بعض المؤسسات الخيرية الاجتماعية التي تعرف بـ"البنياد" وتحظى بنفوذ واسع داخل وخارج إيران.

ففي 13 يناير الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على مؤسسة "آستان قدس رضوي" و"هيئة تنفيذ أوامر الإمام"، بما يتضمن المديرين التنفيذيين والشركات التابعة لهما. وقبل ذلك، تعرضت مؤسسة "المستضعفين" لعقوبات أمريكية مماثلة في 18 نوفمبر الماضي.

اهتمام متأخر:

اللافت في هذا السياق، هو أن امتداد العقوبات الأمريكية إلى تلك المؤسسات يعبر عن اتجاه جديد لكنه متأخر، خاصة أن تلك المؤسسات تمارس أدواراً اقتصادية وسياسية واجتماعية ليست هينة، ولا تقتصر أنشطتها على الساحة الداخلية بل تمتد إلى الساحة الخارجية أيضاً، لاسيما في الدول التي تحاول إيران تكريس نفوذها فيها، على غرار سوريا والعراق.

وقد بدا ذلك جلياً في استناد وزارة الخزانة الأمريكية إلى أسباب تعد "تاريخية" في تبرير بعض تلك الإجراءات، حيث أشار وزير الخزانة ستيفن منوشين، على سبيل المثال، إلى أن فرض عقوبات على "هيئة تنفيذ أوامر الإمام"، يعود إلى أنها "انتهكت بشكل منهجي حقوق المنشقين بمصادرة الأراضي والممتلكات من معارضي النظام، بمن فيهم المعارضون السياسيون والأقليات الدينية والمنفيون"، وهو إجراء لا تنفيه المؤسسة ولا السلطات الإيرانية من الأساس، حيث كان الهدف الرئيسي من تأسيسها هو إدارة الثروات (لاسيما العقارات) التي كان يمتلكها النظام الملكي السابق وأنصاره وقادة ورموز بعض تنظيمات المعارضة التي لجأت إلى دول أخرى. وقد وفر لها ذلك مصادر مالية ضخمة، ومنحها نفوذاً واسعاً، لاسيما بعد أن بدأت في ممارسة أنشطة اقتصادية كبيرة تم إعفاءها من الضرائب ووضعت تحت إشراف المرشد الأعلى للجمهورية بشكل مباشر.

وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن تلك المؤسسات تمتلك أصولاً تقدر بنحو 200 مليار دولار. كما أنها تحصل على إيرادات ضخمة سنوياً. وعلى سبيل المثال، قال رئيس مؤسسة "المستضعفين" برويز فتاح، في 27 يوليو الماضي، أن إيرادات المنظمة زادت بنسبة 34% في نهاية العام المالي (الذي انتهى في 20 مارس 2020)، وقدّر تلك الإيرادات بحوالي 2.5 مليار دولار في العام.

 اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير اتجاه إدارة ترامب إلى التركيز على مؤسسات البنياد في الوقت الحالي في ضوء اعتبارات ثلاثة رئيسية تتمثل في:

1- احتواء العقوبات: مارست تلك المؤسسات دوراً رئيسياً في الجهود التي بذلتها إيران في احتواء تداعيات العقوبات الأمريكية. ويعود ذلك في البداية إلى أن هذه المؤسسات لم تتعرض لتلك العقوبات، على عكس المؤسسات والشركات التابعة للدولة بشكل رسمي، على نحو وفر لها فرصة لملء الفراغ الناتج عن تراجع الأنشطة الرسمية للدولة في بعض القطاعات. وتمتلك بعض تلك المؤسسات، مثل آستان قدس رضوي، شركات في قطاعات الطاقة والتعدين والسيارات والبناء. ووصل نفوذها حتى إلى التدخل بشكل واسع في الجهود التي تبذلها الدولة من أجل مكافحة انتشار فيروس "كوفيد-19"، على نحو بدا جلياً في تصريحات رئيس "هيئة تنفيذ أوامر الإمام" محمد مخبر، في 29 ديسمبر الفائت، التي قال فيها أن "المؤسسة مستعدة لإنتاج مليون ونصف حقنة لقاح فيروس كوفيد-19 شهرياً في غضون أسبوعين".

2- دعم النفوذ الإيراني في الخارج: يبدو أن تلك المؤسسات تساهم في تمويل العمليات التي يقوم بها فيلق القدس التابع للحرس الثوري في الخارج. فعلى سبيل المثال، قامت مؤسسة "آستان قدس رضوي" برعاية مؤتمر في شمال شرق إيران، في 14 أغسطس الماضي، بالتعاون مع فيلق "فاطميون" الذي يضم الشيعة الأفغان الذين يقاتلون في سوريا إلى جانب النظام السوري. كما يقوم مركز "إعمار العتبات المقدسة" بتوفير خدمات عديدة للمقاتلين في تلك الميليشيات، حيث تم تأسيسه في العراق وامتد نشاطه إلى سوريا. 

3- إضعاف الحرس والمحافظين الأصوليين: ربما لا تنفصل تلك الإجراءات عن الجهود التي تبذلها واشنطن لإضعاف الحرس الثوري وتيار المحافظين الأصوليين على الساحة الداخلية الإيرانية، باعتبار أن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى ممارسة ضغوط أقوى على النظام وربما دفعه، في مرحلة لاحقة، إلى إجراء تغييرات في سياسته الخارجية، لاسيما إزاء الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبها. وهنا، كان لافتاً، على سبيل المثال، أن إبراهيم رئيسي، الذي يتولى في الوقت الحالي منصب رئيس السلطة القضائية، أوكل له في السابق المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، مسئولية الإشراف على مؤسسة "آستان قدس رضوي"، على نحو ساهم في تعزيز دوره السياسي واقترابه من مؤسسة الحرس الثوري، وكان لذلك دور في ترشحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أجريت في يونيو 2017، بعد أن ضغطت أطراف عديدة على رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف للانسحاب لصالحه من أجل تعزيز قدرته على منافسة الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي تمكن في النهاية من الفوز عليه وتجديد ولايته الرئاسية.

تأثير محدود:

ربما يكون التأثير الأهم لتلك العقوبات منحصراً في إلقاء الضوء على الأدوار السلبية التي تقوم بها تلك المؤسسات، على نحو يمكن أن يزيد من حدة الاستياء الشعبي ضدها، حيث كان لافتاً أن الاحتجاجات التي شهدتها إيران في نوفمبر 2017 للاعتراض على تردي الأوضاع المعيشية، كانت نقطة انطلاقها مدينة مشهد تحديداً، وهى مركز ثقل مؤسسة "آستان قدس رضوي". لكن لا يبدو أن تلك العقوبات سوف تساهم في فرض قيود على الأدوار الاقتصادية لتلك المؤسسات، خاصة أنها تقوم بذلك بشكل غير رسمي، فضلاً عن أنه من المستبعد أن تكون لها أرصدة مالية في الخارج، حيث دائماً ما تستخدم واجهات أخرى في هذا السياق، بما يوحي في النهاية بأنها سوف تواصل أدوارها المختلفة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال المرحلة القادمة.

Wednesday, December 30, 2020

أسباب تصاعد عمليات "داعش" في العراق مؤخراً

أسباب تصاعد عمليات "داعش" في العراق مؤخراً

 

تهديدات متزايدة :

أسباب تصاعد عمليات "داعش" في العراق مؤخراً

الأربعاء، 23 ديسمبر، 2020
تهديدات متزايدة :

تصاعدت حدة عمليات تنظيم "داعش" على الساحة العراقية منذ يوليو 2020، على نحو يوحي بأن التنظيم يسعى حالياً إلى إعادة تعزيز دوره مجدداً في العراق. وقد تنوعت العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم ما بين استهداف عناصر أمنية ومنشآت مدنية وعسكرية ومواطنين ومليشيات مسلحة. وربما يساهم ذلك في تحويل العراق إلى إحدى أبرز الساحات التي تشهد نشاطاً متزايداً للتنظيم في عام 2020، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تتعرض لها حالياً.

نشاط لافت:

تمكن تنظيم "داعش"، منذ يوليو الماضي، من توسيع نطاق العمليات الإرهابية التي يقوم بها على الساحة العراقية. ويعتبر يوم 10 ديسمبر من كل عام هو عيد النصر في العراق، وهو ذكرى الإعلان عن هزيمة تنظيم "داعش" في الموصل وإسقاط ما يسمى بـ"دولة الخلافة" في العراق في ديسمبر 2017. لكن مع حلول الذكرى الثالثة، استطاع "داعش" تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية داخل العراق والتي أسفرت عن سقوط ما يقرب من 35 قتيلاً وجريحاً في يوم واحد، وهو استمرار لتصاعد قوة التنظيم في العراق خلال المرحلة الجارية، حيث يأخذ نشاطه منحنى تصاعدياً داخل الساحة العراقية في الشهور الستة الأخيرة، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب تركيز "داعش" في عملياته الإرهابية على الساحة العراقية. 

دوافع عديدة:

يمكن تفسير تصاعد عمليات "داعش" على الساحة العراقية خلال الشهور الستة الأخيرة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- استغلال الانسحاب الأمريكي: يبدو أن التنظيم يحاول ملء الفراغ الذي يمكن أن ينتج عن بداية الانسحاب الأمريكي من العراق، لاسيما في ظل الدور الذي تقوم به القوات الأمريكية في مساعدة القوات العراقية على مواجهة التنظيم وفي العمليات التي يقوم بها التحالف الدولي ضده. وربما يرى التنظيم أن الانسحاب الأمريكي تدريجياً من العراق يمكن أن يؤدي إلى تراجع، أو توقف، العمليات الأمنية التي تشنها قوات التحالف الدولي ضده، بشكل قد يساعده في إعادة السيطرة على بعض المناطق داخل العراق.

2- دور "الحشد الشعبي": لا تنفصل مساعي التنظيم لتعزيز نفوذه على الساحة العراقية عن الدور الذي تقوم به مليشيا "الحشد الشعبي". ففضلاً عن أنها سعت إلى الترويج لدورها في الحرب ضد التنظيم والانتصار عليه واستعادة المناطق التي سبق أن سيطر عليها، فقد اتُهِمت بارتكاب انتهاكات في بعض المناطق التي تم تحريرها من "داعش"، على نحو استغله التنظيم في دعم قدرته على استقطاب عدد من العناصر للانضمام إليه.

3- رمزية العراق: تكتسب العراق مكانة رمزية خاصة لدى التنظيم، ففضلاً عن أنها كانت نقطة الانطلاق الأساسية للأخير في عام 2014، فقد بدا لافتاً سيطرة العديد من العراقيين على المناصب القيادية داخل التنظيم، وهو ما يدفعه إلى منحها الأولوية باستمرار عند تصعيد العمليات الإرهابية التي يقوم بها، حتى بعد أن انتقل الثقل إلى المجموعات الفرعية التابعة للتنظيم، لاسيما التي تسعى إلى توسيع نطاق نشاطها ونفوذها داخل بعض دول القارة الأفريقية.

4- سياسات الكاظمي: مع تولي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، بدأت العراق تنخرط في عملية بناء تحالفات إقليمية مع بعض الأطراف، بالتوازي مع تبني سياسة جديدة تقوم على استعادة سلطة الدولة وتقليص نفوذ المليشيات والمؤسسات الموازية، على نحو اعتبره "داعش" مصدر تهديد لنشاطه، الذي كان يعتمد في الأساس على تصاعد حدة عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني.

5- إعادة فرض السيطرة: يسعى "داعش"، عبر التركيز على الساحة العراقية خلال النصف الثاني من العام الجاري، إلى إعادة فرض السيطرة على بعض المناطق الجغرافية التي افتقدها في أعقاب الإعلان عن هزيمته في الموصل في يونيو 2017 بجانب التمدد داخل بعض المناطق الجديدة بالعراق، كنوع من إعلان القوة في أعقاب تولي أبي إبراهيم الهاشمي القرشي قيادة التنظيم بعد مقتل أبو بكر البغدادي في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في محافظة إدلب السورية في 27 أكتوبر 2019.

6- توجيه رسائل للغرب: يحاول التنظيم عبر التركيز علي الساحة العراقية توجيه رسائل للمجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، تفيد أنه ما زال يمتلك القدرة على استعادة نشاطه ورفع مستوى عملياته الإرهابية مجدداً رغم كل الضربات الأمنية التي تعرض لها في المرحلة الماضية، حيث تمارس تلك القوى دوراً بارزاً في العمليات التي يقوم بها التحالف الدولي ضده.

7-  استقطاب مقاتلين جدد: يمثل رفع مستوى العمليات الإرهابية آلية رئيسية يستند إليها "داعش" في استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية، وهو ما بات يكتسب أهمية خاصة لدى التنظيم، في ظل الخسائر القوية التي تعرض لها في الفترة الماضية بفعل العمليات العسكرية التي شنتها القوى الدولية والإقليمية ضد قياداته ومواقعه.

في النهاية، ربما يمكن القول إن العراق تبدو مقبلة على مرحلة صعبة، خاصة أن تنظيم "داعش" يحاول في الوقت الحالي استغلال تصاعد حدة عدم الاستقرار، على المستويين السياسي والأمني، من أجل استعادة نشاطه من جديد، وربما يكون استمرار التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية على الساحة العراقية متغيراً مهماً قد يساعد التنظيم في تحقيق أهدافه، لاسيما في حالة ما إذا لم تصل التفاهمات المحتملة بين إيران وإدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى نتائج بارزة تزيد من احتمالات تقليص حدة التوتر العالق بين الطرفين، وهو ما يمكن أن يفرض بدوره تداعيات مباشرة على الساحة الداخلية العراقية.

Friday, December 18, 2020

أسباب تزايد الضغوط الأوروبية على لبنان

أسباب تزايد الضغوط الأوروبية على لبنان

 

إنهاء الجمود:

أسباب تزايد الضغوط الأوروبية على لبنان

الأربعاء، 09 ديسمبر، 2020
إنهاء الجمود:

يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى توسيع نطاق حضوره في الملف اللبناني، خاصة فيما يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة، حيث عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 7 ديسمبر الجاري، اجتماعاً بدعوة من وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، لبحث الوضع في لبنان، وذلك بناءً على ورقة قدمتها ألمانيا إلى دول الاتحاد في الخريف الماضي، كما يأتي الاجتماع بمبادرة فرنسية- ألمانية، ليشمل وضع خريطة طريق تتضمن سلسلة مقترحات إصلاحية شاملة وعاجلة لإنقاذ لبنان من الانهيار.

وزار وفد برلماني أوروبي لبنان في اليوم نفسه، يضم النائبين الفرنسيين تييري مارياني وجان لين لاكابيل لاستطلاع التطورات اللبنانية وما آلت إليه المبادرة الفرنسية، وما يمكن القيام به في المرحلة المقبلة، والتقى الوفد عدداً من المسئولين في مقدمتهم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة.

 ويشار إلى أن الوفد انتقد "الفساد المستشري في الداخل اللبناني"، وهو ما دلل عليه تصريح مارياني لصحيفة "الأنباء" اللبنانية الذي تساءل فيه عن "أوجه صرف أموال ومساعدات الاتحاد الأوروبي على مراحل مختلفة"، خصوصاً أن "الاتحاد لم يلمس تقدماً وتطويراً للقطاعات التي استهدفتها المساعدات".

بالتوازي مع ذلك، وقّع وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة على اتفاقيتين للتعاون المالي بقيمة 100 مليون يورو مع سفير ألمانيا في بيروت أندرياس كيندل، تُخصص للقيام بإصلاحات طارئة في البنى التحتية بالإضافة إلى مساعدة لبنان لمواجهة جائحة "كورونا".

أولوية خاصة:

حرص الاتحاد الأوروبي على إدراج الملف اللبناني على طاولة البحث لدول الاتحاد، قبل اجتماع القمة الأوروبية يومى 10 و11 ديسمبر الجاري، وذلك ضمن ملفات أخرى لها أولوية مثل بحث فرض عقوبات على تركيا لتحركاتها العدائية في منطقتى الشرق الأوسط وشرق المتوسط، حيث من المتوقع أن يتم إصدار قرارات أوروبية للضغط على بيروت لحلحة أزمة تشكيل الحكومة.

ويتزامن التحرك الأوروبي بشكل عام مع زيارة محتملة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان في نهاية العام الجاري، وعقد مؤتمر دعم لبنان في باريس في مطلع ديسمبر الحالي، لتفعيل المبادرة الفرنسية التي تم إطلاقها بعد تفجيرات مرفأ بيروت في أغسطس الماضي، والتي فقدت زخمها بسبب التطورات الداخلية في لبنان فضلاً عن التطورات الإقليمية والدولية.

ويشير مسعى الاتحاد الأوروبي لتعزيز حضوره في المشهد اللبناني إلى أن ثمة قلقاً ينتاب دوله إزاء محاولات تركيا الانخراط في الترتيبات السياسية التي يجري العمل على صياغتها خلال المرحلة الحالية عبر مدخل المساعدات الإنسانية والإغاثية، والذي تزايد الاستناد إليه بعد تفجيرات مرفأ بيروت. 

كما يعتبر ملف الهجرة غير الشرعية من أهم الأسباب التي دفعت الدول الأوروبية لدعم حضورها في لبنان، خاصة بعد تزايد محاولات تدفق المهاجرين إلى الداخل الأوروبي بسبب التداعيات الاقتصادية لتفشي جائحة "كورونا"، وقد أشارت العديد من المصادر الأوروبية إلى تخوفها من تزايد موجات الهجرة غير الشرعية بسبب الجائحة، خاصة من لبنان التي شهدت ظاهرة ما يسمى "قوارب الموت" التي تحمل على متنها مهاجرين لبنانيين وسوريين إلى قبرص، مما دفع الأخيرة لإرسال وفد إلى لبنان في 8 سبتمبر الماضي  للتباحث في سبل منع تلك القوارب من الوصول للأراضي الأوروبية خاصة بعد تزايد عددها، كما أن الخطورة تكمن في أن يكون هؤلاء المهاجرين مصابين بالفيروس مما يفرض ضغوطاً إضافية على الحكومات الأوروبية.

متغيرات جديدة:

من المرجح أن يسفر تزايد الدور الأوروبي في المشهد اللبناني عن دفع المعنيين في الداخل إلى اتخاذ خطوات جادة لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة، خاصة وأن المسار الأوروبي قد يشمل مساعدات مالية كبيرة لتحفيز تلك الحلحلة، إضافة إلى الضغط على معرقلي التشكيل عبر التهديد بفرض عقوبات عليهم.

  إلا أن خيار العقوبات لن يتم الاستناد إليه إلا بعد استنفاد جميع السبل لتحفيز القوى السياسية على تقديم تنازلات للوصول إلى توافق لتشكيل حكومة انتقالية، مع ضمان الجانب الأوروبي الحفاظ على نفوذ تلك القوى داخلياً.

ومن مؤشرات الاستجابة اللبنانية للضغط الأوروبي، اجتماع رئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون في 7 ديسمبر الجاري لبحث تشكيل الحكومة، وذلك بعد بعد أسبوعين من الانقطاع، واستباقاً لزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون المحتملة في 21 ديسمبر الجاري، والمدعومة أوروبياً لوقف "هدر الوقت" الذي قد يؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي والصحي في لبنان بسبب جائحة "كورونا".

ولا يُستبعد أن تبحث تلك الزيارة المحتملة في كيفية دعم الدولة اللبنانية بعيداً عن أزمة تشكيل الحكومة كمسار بديل، خاصة بعد تصريحات ماكرون الأخيرة التي أكد فيها أنه "على الشعب اللبناني ألا يبقى رهينة مصالح أو رهينة بيد أى طبقة سياسية"، وقد تنصرف تلك الآلية المحتملة إلى دعم لبنان مالياً شريطة عدم استفادة أى من القوى السياسية من تلك المساعدات، فضلاً عن إجراء التدقيق المالي الجنائي ومحاربة الفساد، وهى الأدوات التي ستمنح الدول الأوروبية فرصة لمحاسبة بعض المسئولين اللبنانيين، وبما يعد وسيلة للضغط عليهم لإنهاء الجمود السياسي الذي تشهده الدولة اللبنانية.

في النهاية، تعكس تحركات الاتحاد الأوروبي لدعم المبادرة الفرنسية إصراراً أوروبياً على حلحلة عملية تشكيل الحكومة. وربما تتخذ المواقف الأوروبية مسارات متعددة في الفترة المقبلة تجاه لبنان، إما عبر التحفيز بتقديم المساعدات أو التصعيد ضد النخب السياسية، لإنهاء حالة الشلل السياسي والاقتصادي الذي يهدد بانهيار الدولة.

Sunday, November 29, 2020

دوافع تصاعد الاهتمام الفرنسي بالتعاون مع العراق

دوافع تصاعد الاهتمام الفرنسي بالتعاون مع العراق

 

تعزيز الدور:

دوافع تصاعد الاهتمام الفرنسي بالتعاون مع العراق

الأحد، 29 نوفمبر، 2020
تعزيز  الدور:

اتخذت فرنسا خطوات عديدة من أجل تطوير العلاقات الثنائية مع العراق في شتى المجالات المختلفة، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى طرح تساؤلات حول دوافع هذا الاهتمام، خاصة في ظل التحديات العديدة التي تواجهها العراق في الوقت الحالي. ويمكن رصد أبرز المؤشرات الدالة على وجود اهتمام فرنسي لافت بتطوير العلاقات مع العراق، وذلك من خلال ما يلي: 

1- دعم إجراء الانتخابات المبكرة: أعلنت الأمم المتحدة، في 17 نوفمبر الجاري، أنها "ترحب بمساهمة فرنسا بمبلغ مليون يورو لمشروع تقوده لدعم ومساعدة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات". وأشار البيان الصادر عن المنظمة الدولية إلى أن "المساهمة ستساعد في نشر المستشارين الانتخابيين التابعين للأمم المتحدة، بينما تستعد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات المقبلة". بدوره، قال برونو أوبير سفير فرنسا في العراق أن "الانتخابات المقبلة فرصة للعراقيين لإسماع صوتهم، وهذه المساهمة تُظهر دعم فرنسا القوي والمستمر للعراق". 

2-تجدد الضربات ضد "داعش": كشفت وزارة الدفاع العراقية، في 12 نوفمبر الجاري، أن "الطيران الفرنسي، بأمر من قيادة العمليات المشتركة العراقية، نفذ ضربات جوية في جبال قره جوغ بقضاء مخمور التابع لمحافظة نينوى"، وأضافت أن "الضربات الجوية أسفرت عن مقتل 3 إرهابيين، وتدمير 4 أوكار لهم". ورغم أن تلك الضربات من المفترض أن تكون طبيعية نظراً لأن فرنسا طرف في التحالف الدولي ضد "داعش"، إلا أنه من اللافت أن باريس كانت قد قلّصت بشكل واضح دورها في العمليات ضد التنظيم داخل العراق، حيث قامت بشن ضربة واحدة في العراق في يوليو الماضي، وذلك بعد توقف دام حوالي ثمانية أشهر بعد الضربة التي وجهتها ضد التنظيم داخل العراق في نوفمبر 2019. 

3- زيارات متعددة لبغداد: وفي مقدمتها الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2 سبتمبر الماضي، والتي التقى خلالها بالرئاسات الثلاثة ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني. ويُشار في هذا الصدد إلى أن هذه الزيارة كانت أول زيارة رسمية لرئيس دولة لبغداد منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة في مايو الماضي. وتعهد ماكرون خلال الزيارة بدعم العراق في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، وشدد على أن التعاون الدفاعي بين البلدين يجب أن يحترم سيادة العراق. كما أن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي كانت قد قامت بزيارة لبغداد وأربيل في 28 أغسطس الماضي، وسبقها وزير الخارجية جان ايف لودريان بزيارة في 16 يوليو الماضي. 

اعتبارات مختلفة: 

يمكن تفسير الاهتمام الفرنسي اللافت بتوسيع نطاق العلاقات الثنائية مع العراق انطلاقاً من اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رفع مستوى التعاون الاقتصادي: تحاول الحكومة الفرنسية الاستفادة من بعض الفرص الاقتصادية المتاحة عبر التعاون مع بغداد. ولعل أبرز مظاهر سعى الطرفين لتعزيز التعاون بينهما في هذا المجال كانت مذكرات "إعلان النوايا" الثلاثة، والتي وقع عليها الجانبان خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي لباريس في 19 أكتوبر الماضي. وتستهدف تلك المذكرات دعم التعاون بين الجانبين في مجال تعزيز القدرات المؤسساتية لوزارة الزراعة العراقية، بما في ذلك تبادل الخبرات في مجال الزراعة والتدريب والتعليم البيطري والصحة النباتية والبحوث الزراعية، بالإضافة إلى قيام باريس بإنشاء قطار مُعلَّق في بغداد. كما أن الكاظمي سبق وأكد خلال زيارة ماكرون للعراق على أنه تم التباحث بشأن مشروع محطة نووية لمعالجة نقص الكهرباء تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية. ولفت الكاظمي إلى أن الجانبين بحثا مشروع مترو لبغداد. 

2- زيادة مبيعات الأسلحة: تستهدف باريس بشكل واضح زيادة صادراتها من الأسلحة لبغداد. ويتضح ذلك من خلال تصريحات وزير وزير الدفاع العراقي جمعة عناد في 17 نوفمبر الجاري، والتي أشار خلالها إلى أن الهدف الأساسي من زيارته لفرنسا في 13 من الشهر نفسه، هو تعزيز قدرات الجيش العراقي بأحدث الأسلحة والمعدات. وأوضح أن هناك رغبة بالتعاقد لشراء طائرات "رافال الجيل الرابع بلس" من فرنسا. 

3- محاربة التطرف الداخلي: من اللافت أن تصاعد الانخراط الفرنسي في الحرب ضد خلايا تنظيم "داعش" في العراق يتزامن مع تزايد الاهتمام الحالي من جانب الحكومة الفرنسية بمحاربة التطرف في الداخل، وهو ما يبدو جلياً من خلال الاستعداد لطرح مشروع قانون "الانفصالية الإسلاموية" في البلاد. ولا ينفصل الانخراط الفرنسي المتزايد في الحرب على خلايا "داعش" في العراق عن التحذيرات الأممية والغربية الأخيرة من إمكانية تصاعد نشاط التنظيم من جديد على الساحتين العراقية والسورية. 

ويُشار في هذا الصدد إلى أن فرنسا تحاول في الوقت الحالي الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإبقاء على الحضور العسكري الأمريكي في العراق من أجل ضمان محاصرة أفضل لتنظيم "داعش"، وهو ما يتضح من خلال تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 13 نوفمبر الجاري، والتي أكد خلالها على أن بلاده ستطلب من الولايات المتحدة عدم الانسحاب من العراق لاستمرار محاربة الإرهاب. 

4- ممارسة ضغوط ضد تركيا: تشهد الفترة الأخيرة تجاذباً واسعاً بين أنقرة وباريس بسبب تناقض أجندات الطرفين الإقليمية. ويبدو في هذا الإطار أن أحد الدوافع الرئيسية لفرنسا لتعزيز العلاقات مع العراق يتعلق بسعيها إلى مزاحمة تركيا في ساحة هامة مثل العراق. ويبدو أن أنقرة أدركت مغزى التحركات الفرنسية، على نحو دفعها إلى المسارعة بتوجيه دعوة لرئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لزيارتها بعد لقائه بالرئيس الفرنسي في بغداد في سبتمبر الماضي.

كما وجهت أنقرة أكثر من دعوة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لزيارتها قريباً. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قال، خلال زيارته الأخيرة لبغداد، أن "التدخلات الخارجية من شأنها إضعاف الحكومة والدولة العراقية، ومن مصلحة المجتمع الدولي دعم العراق، لأنه يمتلك إرادة إصلاحية واضحة"، وذلك في إشارة ضمنية للعمليات العسكرية التركية في شمال العراق، وأضاف: "نحن هنا اليوم في بغداد وسنكون هنا غداً". 

ختاماً، من الواضح إذن أن حرص فرنسا على تعزيز التعاون الثنائي مع العراق في المجالات المختلفة يأتي في سياق سعيها إلى توسيع نطاق دورها في عملية إعادة صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية التي تشهدها دول ومناطق الأزمات في الشرق الأوسط، على نحو يبدو جلياً أيضاً في انخراطها النشط داخل لبنان في الفترة الحالية.