Saturday, April 2, 2022

الدبلوماسية العامة الأمريكية في إيران: خفض التكاليف وتحسين التأثير

 الدبلوماسية العامة الأمريكية في إيران: خفض التكاليف وتحسين التأثير

 الدبلوماسية العامة الأمريكية في إيران: خفض التكاليف وتحسين التأثير

بواسطة آرش علائي, مهدي خلجي

٢١ مارس ٢٠٢٢


  

عن المؤلفين

آرش علائي

آرش علائي هو منتج تلفزيوني محنك وصحفي فيديو قدم تقارير من داخل إيران لوسائل إعلام مثل مجلة "پيپل" (People) و "سي بي إس نيوز". كما عمل مع "صوت أمريكا" و"تلفزيون إيران الدولي" في واشنطن.

Mehdi Khalaji

مهدي خلجي

مهدي خلجي زميل أقدم في معهد واشنطن

تحليل موجز

من شأن اتِّباع مقاربة أكثر فعالية (وغير مكلّفة) أن يمنح الإيرانيين الأدوات التي يحتاجونها لتجاوز مراقبة النظام، وتقليل البرامج التلفزيونية غير الفعالة، والتأكيد على التطبيقات الشائعة على الأجهزة المحمولة.


مع اقتراب المفاوضات النووية مع إيران من نهايتها، وفقاً لبعض التقارير، لدى الحكومة الأمريكية مصلحة قوية في أن تشرح للجمهور الناطق باللغة الفارسية التطوّرات في هذا المجال وما تعنيه مواقف واشنطن. ولكن الدبلوماسية العامة الأمريكية باللغة الفارسية كانت متواضعة حتى الآن. وقد يكون لاتِّباع نهج مختلف تكلفة أقل مما هي عليه الآن وتأثير أكبر على الصعيد الإعلامي.


نسبة المشاهدة الضعيفة لـ "صوت أمريكا"

تُعدّ إذاعة "صوت أمريكا" أكبر وكالة بث دولية تابعة للحكومة الأمريكية، وتشكّل البرامج الفارسية حصة كبيرة من بثها. ومع ذلك، فإن العديد من القنوات المنافسة والتي تشمل الكثير من الخدمات الخاصة اسميّاً والشبكات الممولة من القطاع العام التي تديرها حكومات أخرى - بما فيها إيران - قد ألقت بظلالها على هذه البرامج، من حيث الميزانية، والوصول، والتقييمات.


ووفقاً لـ "الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي" وصلت إذاعة "صوت أمريكا" إلى ما يقرب من 16٪ من البالغين الإيرانيين في عام 2020، لكن المعلومات الواردة من مصادر غير حكومية لا تدعم هذا التقدير. ويشير تحليل البيانات التي تم جمعها بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي (على سبيل المثال، أثناء المشاريع البحثية التي أجرتها شركة "مترو ستار" MetroStar) إلى معدل وصول ضئيل جداً إلى الجماهير داخل إيران. وعندما يجمع المرء بين جميع المصادر، بما فيها حسابات وسائل التواصل الاجتماعي على مواقع "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، تصل إذاعة "صوت أمريكا" باللغة الفارسية إلى ما بين 1 و 10 بالمائة فقط من الناس مقارنةً بالإذاعات الأجنبية الأخرى - بدءاً من المنافذ الوطنية المملوكة للقطاع العام مثل "بي بي سي" و "دويتشه فيله" إلى الشبكات التي تتلقى تمويل حكومي غير رسمي (على سبيل المثال، "إيران انترناشونال" و "مانوتو") وفقاً لبعض التقارير. وأشارت دراسة حديثة لصفحة "صوت أمريكا" على موقع "فيسبوك" إلى أن أكثر من 50 بالمائة من المستخدمين النشطين للخدمة الفارسية لا يبدو أنهم يقيمون في إيران، بناءً على ملفاتهم الشخصية وبيانات التتبع الجغرافي.


وتتمثّل المشكلة جزئيّاً في عدم قيام الشبكة بأي ترويج عبر الإنترنت لعروضها المستقبلية، مما يجعل من الصعب على الجماهير التخطيط لكيفية مشاهدة برامجهم المفضلة أو متابعة المراسلين المفضلين لديهم. علاوةً على ذلك، يقوم النظام الإيراني في كثير من الأحيان بتشويش خدمات القنوات الفضائية التي تحمل إشارات إذاعة "صوت أمريكا"، مما يدفع الشركات الخاصة التي تدير هذه الخدمات إلى مقاطعتها بشكل غير رسمي. ونتيجةً لذلك، لا تتوفر الشبكة إلا على عدد قليل من خدمات الأقمار الصناعية، مما يرغم المستخدمين على شراء أطباق خاصة إذا كانوا يرغبون في الاستمرار في تلقيها. وبالنسبة للأسرة الإيرانية العادية، فإنّ إنفاق الأموال على أنظمة إضافية لمجرد مشاهدة إذاعة "صوت أمريكا" هو رفاهية ستتخلى عنها معظم هذه الأُسر عندما يمكنها الوصول إلى مئات القنوات الفارسية الأخرى على خدماتها الفضائية الحالية.


وتقدّم إذاعة "صوت أمريكا" برامجها عبر الإنترنت أيضاً، لكن هذه البرامج ليست متطورة فعلياً. وتحتاج خدمة البث عبر الإنترنت إلى مزيد من التدريب والمساعدات الأخرى لتحقيق أهدافها الأساسية، بدءً من استهداف الجماهير المرغوبة ووصولاً إلى تعزيز الظهور عبر الإنترنت، ومكافحة المعلومات المضللة، وإجراء تحليل للجمهور والبيانات. ولم تتم مصادقة معظم حسابات المستخدمين عبر الإنترنت لإذاعة "صوت أمريكا"، وبالتالي يمكن تزويرها بسهولة بواسطة "الجيش الإلكتروني" في طهران. وأعاقت قواعد الحكومة الأمريكية الشبكة من تطوير شبكة افتراضية خاصة بها (VPN) وأدوات الفرز عبر الإنترنت وتوزيعها على جمهورها. وبدون معالجة هذه المشاكل التقنية، فلن يكون للجهود المبذولة لتعديل المحتوى الصحفي الذي تنشره الشبكة أهمية تُذكَر.


وتُعتبر نسبة المشاهدة الضعيفة لإذاعة "صوت أمريكا" باللغة الفارسية مخيّبة للآمال بشكل خاص نظراً للمزايا المتأصلة التي تملكها واشنطن في الوصول إلى الجماهير الإيرانية. على سبيل المثال، اللغة الإنجليزية هي أساساً اللغة الثانية في أجزاء مختلفة من إيران، ويرجع ذلك في الغالب إلى الدورات العلمية مفتوحة المصدر والمواد التعليمية الأخرى المتاحة للمقيمين في هذه المناطق باللغة الإنجليزية. بالإضافة إلى ذلك، يرغب عدد كبير من الإيرانيين المثقفين في الهجرة إلى البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية، مما يجعلهم أكثر تقبّلاً للبث الإذاعي بشأن الولايات المتحدة ومنها.


برامج أخرى مموّلة من قبل الولايات المتحدة

اجتذبت شبكة "راديو فردا" الأمريكية الجماهير داخل إيران الذين يبحثون عن مصدر إخباري مستقل، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى أنّ الدراسات الاستقصائية تُظهِر أن قلّة منهم تدرك أنها مموّلة من قبل الحكومة الأمريكية كجزء من إذاعة "أوروبا الحرة/راديو ليبرتي". ويشير تحليل باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للتغذية الإخبارية الخاصة بالشبكة على موقعي "فيسبوك" و"تويتر" إلى أن  50-70٪ من جمهورها يتكوّن من إيرانيين مقيمين داخل الجمهورية الإسلامية. ويقع مقرّ "راديو فردا" في براغ، حيث لا يتجاوز فارق التوقيت مع إيران ساعتين ونصف الساعة، مما يمنحها ميزة في الرد على الأخبار العاجلة مقارنةً بإذاعة "صوت أمريكا"، التي يجب أن يتعامل الاستوديو التابع لها في واشنطن مع فارق توقيت يبلغ ثماني ساعات ونصف الساعة.


وفي وزارة الخارجية الأمريكية، تنوعت الجهود المبذولة لإشراك الشعب الإيراني. فموقع "السفارة الافتراضي" باللغة الفارسية يحتوي على أقسام غنية بالمعلومات حول التأشيرات والدراسة في الولايات المتحدة ومواضيع مماثلة. ومع ذلك، هناك القليل من المواد المتعلقة بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وتقتصر هذه على النسخ الفارسية العرضية لبيانات الحكومة الأمريكية - بعضها ليس مهماً بشكل خاص، والبعض الآخر مترجم بشكل سيئ.


وفي الفترة الممتدة بين عامي 2011 و 2016، شغل آلان إير منصب المتحدث باسم الوزارة باللغة الفارسية، وكانت فترة ولايته ناجحة للغاية. ويتكلّم إير اللغة الفارسية بطلاقة، وكان منغمساً جدّاً في الثقافة والأدب الفارسيين واستفاد من الشعر الفارسي عند رده على أسئلة الصحفيين الإيرانيين المتشككين. وحصل في النهاية على احترام وشهرة واسعَين لدرجة أن الصحف الإيرانية غالباً ما كانت تطبع صوراً له فوق صور الرؤساء الإيرانيين وكان يفوق حجمها بكثير حجم صور أولئك الرؤساء على الصفحة نفسها. ومن الأفضل لوزارة الخارجية الأمريكية أن تعيد إير إلى منصبه أو أن تقوم بتحضير ورعاية متحدث رسمي آخر على دراية بالثقافة الفارسية.


أما جهود "مركز المشاركة العالمية" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية فكان أكثر إشكالية. فمهمّته المعلَنة تتمثل في "توجيه جهود الحكومة الفيدرالية وقيادتها وتنسيقها ومزامنتها ودمجها للتعرف على الدعاية والمعلومات المضللة من الدول الأجنبية ومن غير الدول وفهمها وفضحها والتصدي لها". ومع ذلك، كانت المبادرة الأولى لـ "المركز" لمواجهة دعاية النظام الإيراني - برنامج إدارة ترامب "إيران ديسينفو" - كارثية. وبعد أن اتهم ناشطو حقوق الإنسان وصحفيون (والعديد منهم مواطنين أمريكيين) البرنامجَ بالتصيّد والقيام بمضايقات أخرى عبر الإنترنت، تم تعليقه ولم تجرِ إعادة تمويله ثانية.


الحرب الثقافية الإلكترونية لخامنئي

يدرك النظام الإيراني إلى حد كبير الأهمية الاستراتيجية التي تضطلع بها القوة الناعمة والحرب النفسية والدبلوماسية العامة. وينظر كبار المسؤولين إلى معظم العالم الحر على أنه "عدوّهم"، وتَوسَّع المرشد الأعلى علي خامنئي في الحديث عما تعنيه هذه العقلية للدبلوماسية العامة خلال خطابه في عام 2021 الذي أكد فوز الرئيس إبراهيم رئيسي في الانتخابات، حيث قال: "فيما يتخطى المبادرات الأمنية والاقتصادية، فإن معظم مبادرات العدو ضدّنا اليوم هي مبادرات دعائية وحرب ناعمة ودعاية إعلامية. ومن أجل السيطرة على الرأي العام - وأكثر من أي بلد آخر، فإن الرأي العام في بلدنا هو هدف النوايا الخبيثة من قبل القوى العظمى - هم ينفقون مبالغ ضخمة، ويديرون العديد من المشاريع، ويوظفون عدداً من العقول في مراكز الفكر ذات الصلة".


وللوهلة الأولى، يبدو أنّ التخفيضات الأخيرة في ميزانية النظام للبث الأجنبي الذي تديره الحكومة تتعارض مع وجهة نظر خامنئي. وفي العام الماضي، جرى تخفيض ميزانية الخدمات الأجنبية بمقدار الثلث، وجرى تقليص بث شبكات مثل راديو "داري"، و"بريس تي في"، و"العالم"، و"هيسبان تي في"، أو إغلاقها كونها غير قادرة على سداد ديونها لشركات الأقمار الصناعية مثل "نايل سات" و"عرب سات". ومع ذلك، من المحتمل أن يؤدي الوصول الكبير لمنافذ النظام الأخرى إلى تعويض هذه الخسائر.


وفي داخل إيران، تبث إذاعة "جمهورية إيران الإسلامية" دعاية النظام والبرامج الأخرى عبر تسع قنوات تلفزيونية وطنية وأكثر من ستين قناة محلية. وغالباً ما تُستكمل برامجها الإذاعية بمواد من شركات الإنتاج "الخاصة" التي يبدو أنها مرتبطة بـ «الحرس الثوري» الإسلامي. وتُنْتج هذه الشركات مئات الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي تتميز بقيم إنتاج عالية والتي يمكن الوصول إليها من أي مكان، بما في ذلك مواقع مشاركة الفيديو الشهيرة مثل "Aparat". ويبدو أن بعض هذه البرامج تجتذب جمهوراً كبيراً من الأمريكيين الإيرانيين، بمن فيهم الجيل الثاني والثالث من المهاجرين. على سبيل المثال، إن فيلم الجاسوسية "غاندو" هو أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة الذي يصوّر ضبّاط المخابرات يطاردون الجواسيس لتخريب برنامج إيران النووي.


بالإضافة إلى ذلك، استخدم خامنئي سيطرته الواسعة على الميزانيات الوطنية لاستثمار الأموال في الفضاء الإلكتروني أكثر من البث الأجنبي. وتكشف تعليقاته السابقة حول هذا الموضوع عن وجهة نظر متشددة للجهود الإيرانية في هذا القطاع، من بينها: "اليوم، القوة في الفضاء الإلكتروني أمر حيوي؛ فاليوم، الفضاء الإلكتروني يحكم حياة البشر في العالم... لدى العدو جهوزية في الفضاء الإلكتروني، وفي مواجهة هذا العدو... يجب أن تكون الأمة الإيرانية في وضع سليم، وأن تستعد في جميع القطاعات". وبناءً على هذه العقلية، وجّه خامنئي الحكومة نحو "هندسة الفضاء الإلكتروني لصالح الدولة"، وهو ما يعني من الناحية العملية تخصيص ميزانيات ضخمة للدوائر والمكاتب والمنظمات المتعددة والمتداخلة أحياناً والمكلّفة بشن "الحرب الإلكترونية" ضد الأعداء داخل البلاد وخارجها.


إصلاح الدبلوماسية العامة الأمريكية

أسفرت الجهود السابقة لإصلاح إذاعة "صوت أمريكا" باللغة الفارسية عن نتائج متواضعة - فالتنافس المباشر مع جهود الدعاية للنظام الإيراني سيتطلب أموالاً أكثر بكثير مما يميل الكونغرس الأمريكي إلى تقديمه، بالإضافة إلى إدارة أكثر إبداعاً وفعالية. ومن الضروري على الحكومة الأمريكية أن تعتمد نهجاً أكثر فعالية من حيث التكلفة، أي نهج يعتمد على نقاط القوة في القوة الناعمة للولايات المتحدة. ويشاهد الإيرانيون أساساً كميات هائلة من البرامج التلفزيونية الأمريكية والمحتوى عبر الإنترنت - وليس فقط من الحكومة الأمريكية. لذلك على المسؤولين الأمريكيين التركيز على توفير أدوات آمنة يمكن للإيرانيين استخدامها لضمان عدم الكشف عن هويتهم عبر الإنترنت والتحايل على الجهود القوية التي يبذلها النظام الإيراني لفرز نتائج البحث والمراقبة عبر الإنترنت. ومن شأن نهج مماثل أن يعزّز كلّاً من البرامج الأمريكية الخاصة والخدمات الحكومية مثل إذاعة "صوت أمريكا" باللغة الفارسية، وهي قناة لم تعالِج هذه الضرورة الحيوية بعد.


يجب أن يكون مجال التركيز الأكثر أهمية هو تطبيقات الهاتف المحمول ذات معدلات المشاركة الإيرانية العالية، مثل "إنستغرام" و"تلغرام" و"كلوب هاوس - مع التركيز بشكل أقل على "تويتر" و "فيسبوك". ومع بروز تطبيقات ومنصات إعلامية جديدة في المستقبل، يجب أن تكون جهود الحكومة الأمريكية على استعداد للتكيف بسرعة.


أخيراً، نظراً لوقائع الميزانية الحالية، على واشنطن تقليل عنصر التلفزيون الفارسي وإعادة تركيزه. وبدلاً من محاولة إرضاء جميع الناس بجميع البرامج، يجب أن تكون هذه البرامج متعلّقة حصريّاً بالولايات المتحدة وسياستها والمناقشات المتعلقة بالسياسة. ويجب أن يركّز أي محتوى ثقافي على التأكيد على الاختلافات بين المجتمع الأمريكي المفتوح والقيود الصارمة التي تفرضها الجمهورية الإسلامية.


 


آرش علائي هو منتج تلفزيوني محنك وصحفي فيديو عمل في إيران وواشنطن لصالح وسائل إعلامية مثل "سي بي إس نيوز" و "صوت أمريكا" و "إيران انترناشونال". مهدي خلجي هو "زميل ليبيتسكي فاميلي" في معهد واشنطن، وعمل سابقاً مع "راديو فاردا"، و "بي بي سي فارسي"، و "راديو أوروبا الحرة"/"راديو ليبرتي".

Wednesday, October 3, 2018

الشيعة العرب في خوزستان

الشيعة العرب في خوزستان
تنبيه سياسي

الشيعة العرب في خوزستان

 25 أيلول/سبتمبر 2018
في أعقاب هجوم الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر في الأهواز، في إقليم خوزستان الإيراني، أشار الكثيرون إلى السكان العرب في المنطقة. لكن على خلاف الأقليات العرقية الأخرى في البلاد - على سبيل المثال، الأكراد في الشمال الغربي والبلوش في الإقليم الشرقي سيستان وبلوشستان ومحافظة كردستان الغربية - فإن هؤلاء العرب هم في الغالب من الشيعة. ومنذ عقد من الزمن، قامت مجموعة كبيرة من الإيرانيين في المنطقة باعتناق الإسلام السني، وذلك رداً على التمييز المنهجي ضد المواطنين العرب ورغبتهم بأن يتم الترحيب بهم من قبل الحركة القومية العربية، ولكن سرعان ما تبدّد هذا المسار. وربما حدث ذلك لأن الهوية القبلية تعلو على النزعة الدينية في التركيبة الاجتماعية للمجتمع العربي في الأهواز.
وقد شكلتْ هذه القاعدة القبلية عقبة رئيسية أمام التوحيد والتجدد على الصعيد الوطني في ظل حكم رضا شاه بهلوي، الذي حاربت حكومته ضد قوات الشيخ خزعل الكعبي، الرجل القوي الذي ترأس المنطقة. ومع الانتصار النهائي للحكومة المركزية عام 1925، تولّت السيطرة الكاملة على خوزستان. ومع ذلك، سعى رضا شاه إلى التوفيق بين أهالي المنطقة، من خلال اتخاذه تدابير مثل حظر التعليم المدرسي في اللغات المحلية ومنع طباعة المنشورات بأي لغة غير الفارسية - اللغة الرسمية للبلاد. ومنذ ذلك الحين، أثارت مثل هذه الإملاءات الخلافات والاحتكاكات.
وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، اتبعت القيادة الإسلامية نهج قيادة سلالة بهلوي من خلال الاستمرار في تقويض مطالب الأقليات العرقية. ففي عهد البهلويين، أصبحت خوزستان الغنية بالنفط، والتي تعج بالشركات النفطية ومعامل التكرير، إحدى أكثر المحافظات الإيرانية تطوراً وازدهاراً، لكن حرب الثماني سنوات مع العراق ألحقت دماراً واسعاً بالإقليم.
أمّا الروابط بين العرب الإيرانيين - الذين يتركزون بشكل كبير في خوزستان - والعرب في الخارج، فيمكن تفسيرها باحتمالين على وجه التقريب:
  1. العلاقة القبلية التاريخية بين عرب خوزستان والعرب في محافظة البصرة المجاورة، في العراق. في الواقع، أدّت الحدود التي رُسمت في القرن العشرين إلى إحداث تقسيم في كل من القبائل والعشائر، مثل بني كعب وبني سعيد وبني طرف وبني خالد وبني تميم وبني أسد وكنانة. وعلى مدى العقد الماضي، سهّل فتح الحدود قيام تفاعل وعلاقات على نطاق واسع ضمن الأُسر والقبائل، مما خلق بدوره مخاوف أمنية للحكومة الإيرانية. ويظهر ذلك بشكل خاص من خلال قدرة العناصر المناهضة للحكومة مثل جماعة "مجاهدي خلق" والجماعات السلفية على العبور إلى البلاد. وبالنظر إلى مكانة البصرة كمركز تاريخي للشيعة الأخبارية، فإن العرب في خوزستان لا يثقون كثيراً في المؤسسة الدينية الشيعية الرسمية. ولا يشاطر الأخباريون - أو "الحرفيون" [الذين يؤولون إلى تفسيرات حرفية للنصوص المقدسة]- وجهات نظر المدرسة الأصولية المهيمنة في إيران، ويتسمون بالهدوء سياسياً. كما أنهم لا يؤمنون بشرعية "الاجتهاد" وليس لديهم أي "مرجع تقليد"، كما تقتضيه الأصولية الشيعية. بالإضافة إلى ذلك، تعزز العلاقات القبلية وأوجه التقارب اللاهوتية المشاعر المعادية للحكومة داخل عرب خوزستان والمشاعر المعادية لإيران داخل المجتمع الشيعي في جنوب العراق.
  2. دور النخب العربية الإيرانية، التي أصبحت عصرية على الطراز الغربي نتيجة لتحديث عصر البهلوية، وتميل إلى أن تكون علمانية وداعية للوحدة العربية. منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، شكّلت القومية العربية مصدر قلق أمني للنظام، ووصل ذلك ذروته أثناء الحرب بين إيران والعراق وظهور جماعات مؤيدة لصدام. وأدت العروبة المتضافرة مع الطموحات الانفصالية إلى ظهور جماعات معارضة منظمة وصراع مستمر بين الحكومة والنشطاء العرب. ويتهم هؤلاء النشطاء الجمهورية الإسلامية بتنفيذ سياسات تمييزية ضد العرب، بتعمدها إبقاء الإقليم متخلفاً وفقيراً، ومنعها المواطنين العرب من شغل مناصب حساسة أو رفيعة المستوى في المكاتب الحكومية.
وبشكل عام وغير محدد، يوضح المجتمع العربي في خوزستان السبل التي غالباً ما تتجاوز فيها الانقسامات في الشرق الأوسط تلك القائمة بين السنة والشيعة، أو بين العرب والفرس. وبالنسبة للنظام الإيراني على وجه الخصوص، وفي ضوء الاعتداء الإرهابي الأخير، قد تكون الطموحات العرقية والقبلية المعقدة في خوزستان مصدر مشاكل مستقبلية، إن لم تكن مصدر أزمات. 

مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.

Saturday, August 25, 2018

خامنئي يهاجم المعتدلين كونهم مصدراً لمشاكل إيران

خامنئي يهاجم المعتدلين كونهم مصدراً لمشاكل إيران
المرصد السياسي 3002

خامنئي يهاجم المعتدلين كونهم مصدراً لمشاكل إيران

 15 آب/أغسطس 2018
في أول رد فعل علني للمرشد الأعلى الإيراني على الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة والأزمة الاقتصادية المتصاعدة، حاول آية الله علي خامنئي، أن يحوّل مسار الغضب الشعبي نحو حكومة الرئيس حسن روحاني. وأعلن خلال خطاب متلفز نقلته المحطات المحلية في ١٣ آب/أغسطس قائلاً: "يتفق معظم الخبراء الاقتصاديين والعديد من المسؤولين على أن العقوبات لا تسبب جميع هذه المشاكل بل تنبع من الشؤون الداخلية، وأسلوب الإدارة، وتخطيط السياسة التنفيذية". ويتناسب هذا الكلام مع تسليط الإعلام الضوء على الفساد بدلاً من العقوبات الدولية، في التقارير التي نُشرت عن الصعوبات الاقتصادية. كما أشار خامنئي إلى روحاني وفريقه فيما يتعلق بالانهيار الجزئي للصفقة النووية، بحجة أنهم يسيئون إدارة المفاوضات مع الحكومة الأمريكية غير الجديرة بالثقة. وفي أغلب الظن، ستمنح تصريحاته العناصر العسكرية المتشددة مساحة أكبر للتدخل في الشؤون المدنية للحكومة.
هل هي نقطة تحوّل لروحاني؟
من خلال خطابه، حاول خامنئي بوضوح إقناع الإيرانيين - لا سيّما أولئك الذين يدعمون السياسيين الإصلاحيين والمعتدلين - بأن روحاني هو المسؤول عن النتيجة البائسة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» وما تلاها من تزايد الضغوط الأمريكية. وفي هذا الصدد، قال المرشد الأعلى بأن الحكومة تجاهلت تحذيراته مراراً وتكراراً بشأن عدم موثوقية واشنطن وعدائها الراسخ تجاه الجمهورية الإسلامية.
وفي أحد التصريحات بدا خامنئي وكأنه يشعر بالندم، حيث اعترف بأن المساومة على مبادئه والسماح لـ "تجربة" «خطة العمل الشاملة المشتركة» بالمضي قدماً في المقام الأول كان "خطأي [الشخصي]". ولكن بعيداً عن واقع الاعتراف بخطئه، كان يسلط الضوء بشكل ساخر على الأخطاء الاستراتيجية المفترضة لروحاني وعجزه الدبلوماسي، زاعماً أن إصرار الرئيس الملحّ على التوصل إلى اتفاق بأي ثمن كان قد دفع البلاد إلى الفشل، وأدى إلى معاناة الشعب الحالية، و"عَبَرَ الخطوط الحمراء المحددة". وتنذر العبارة الأخيرة بالسوء بصفة خاصة لأنها تمنح المتشددين أساساً الضوء الأخضر لتكثيف ضغوطهم على روحاني وإعاقة قدرته على متابعة أجندته الخاصة.
وبالمثل، من خلال مواصلة وصف الحكومة بأنها غير كفؤة، يشجّع خامنئي «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، والقضاء، وغيرهما من معاقل النفوذ المتشدد على التدخل في شؤونها، لا سيما في المجال الاقتصادي. وفي نهاية المطاف، قد يُنظر إلى خطاب الثالث عشر من آب/أغسطس على أنه نقطة تحول في المصير السياسي لروحاني، ومن المحتمل أن يعجّل حصول تراجع كبير في سلطته خلال السنوات المتبقية من ولايته الثانية. ولعل الأهم من ذلك، أن حلفاءه السياسيين - ولا سيما المعسكر الإصلاحي - قد يدفعون ثمناً باهظاً خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة وغيرها من المنافسات.
تخندق في مواجهة الضغط الخارجي
فيما يتعلق باحتمال فتح مفاوضات جديدة مع "نظام أمريكا المستبِدّ والمُتطلّب"، رفض خامنئي هذه الإمكانية بشكل أساسي، مجادلاً بأنّه لا ينبغي النظر إلى مثل هذه المحادثات كطريقة تقلّل فيها إيران من العداء الأمريكي، بل كأداة قد تستخدمها واشنطن "لتحقيق عدائها على نحو أفضل ومواصلة أجندتها". ثمّ اتخذ موقفاً أكثر وضوحاً إزاء إدارة ترامب، بقوله: "حتى إذا ما تفاوضنا مع الأمريكيين ولو نظرياً، فإننا بالتأكيد لن نتفاوض مع الإدارة الحالية". كما استخدم هذه اللهجة من التحدي في تقييمه للوضع الداخلي الإيراني: "يمكننا الدخول في لعبة التفاوض الخطيرة مع أمريكا فقط عندما نصل إلى الهدف الاقتصادي والسياسي والثقافي المثالي لسلطتنا، ونصبح بمعزلٍ عن غوغائها وضغوطها. لكن في الوضع الحالي، من المؤكد أن المفاوضات ستكون ضارة لنا".
ووجّه خامنئي انتقادات إلى حلفاء الولايات المتحدة أيضاً. فاتهم المملكة العربية السعودية وإسرائيل بمساعدة واشنطن على إثارة احتجاجات جماهيرية والتحريض على "الإرهاب" في كانون الأول/ديسمبر الماضي من خلال التدخل السياسي والمالي. كما هاجم منتقدي الأنشطة الإقليمية الإيرانية، وحرص بشكل خاص على الدفاع عن تورط النظام المستمر في اليمن وسوريا والعراق. ومع ذلك، فقد استبعد القلق العام المتصاعد بشأن حرب محتملة مع الولايات المتحدة: "لن تكون هناك حرب ... لن نشرع في حرب أبداً، كما لن تقوم الولايات المتحدة بذلك، لأنها ستكون ضارة تماماً لها ... لقد أثبتت الأمة الإيرانية أنها ستلحق ضرراً أكبر بأي معتدٍ."
واثق على الرغم من الاضطرابات
أكّد الخطاب ظاهرياً ثقة خامنئي المتنامية بنفسه داخل البلاد وخارجها، وكان ذلك من خلال نداءاته المتكررة لـ "المقاومة" في السياسة الداخلية، والمغامرات الإقليمية، والسياسة الاقتصادية. حتى أنه "قاوم" الواقع في بعض الأحيان من خلال عرضه صورة وردية عن المشاكل الحالية للجمهورية الإسلامية.
ومجدداً استهدف هذا الخطاب بشكل أساسي نخبة روحاني وداعميه. فقد اتهمهم خامنئي بالتسبب في صعوبات اقتصادية وتقويض شرعية النظام ومصداقيته، سواء من خلال الافتقار إلى الخيال الاستراتيجي أو عدم الكفاءة في إدارة الأزمات أو معارضة سياساته "الإسلامية" أو كل ما سبق. ووفقاً لخامنئي، تشكل "المقاومة العنيدة" السبيل الوحيد للنجاة من الضغوط الأجنبية وترسيخ الثورة - وهذا رمز لترسيخ سلطته ضد المنافسين المحليين. وأعرب عن أمله في أن تثمر التجربة المريرة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» عن حكمة مقاومته العنيدة للاحتجاجات في الشوارع والمطالب الأخرى لزيادة الديمقراطية. وبرأيه، يجب على التجارب الأخيرة أن تعلّم الإيرانيين المتشكّكين أن أي أمل في البحث عن بديل لنهج المقاومة هو بمثابة "سذاجة" أو حتى "تعاون غادر مع العدو".
وقبل الخطاب، كان بعض المراقبين قد لاحظوا استجابة النظام المترددة على ما يبدو لأشهر من الاضطرابات المنخفضة الحدّة، بل المتواصلة، التي قادها المحتجون الغاضبون بشأن ظروفهم المعيشية والفساد الاقتصادي. وبعد أن استخدم المعارضون السياسيون المظاهرات الواسعة النطاق كفرصة لانتقاد خامنئي بشكل مباشر، شعر بعض المسؤولين بالقلق، وحذّروا القادة من أن استمرار التأخير في الإصلاحات التي طال انتظارها قد يحجب مستقبل الجمهورية الإسلامية أو حتى قد يسبب في انهيارها الوشيك. وتفاقمت هذه المخاوف عندما امتنع النظام بشكل لافت عن القيام بعمليات قمع قد تؤدي إلى نتائج عكسية على الاحتجاجات.
ومع ذلك، تشير تصريحات خامنئي الأخيرة إلى أنه غير منزعج من الاضطرابات. على سبيل المثال، من أجل تهدئة مؤيدي النظام والتبجح بموقفه المتحدي أمام الأعداء الأجانب والمعارضين المحليين، أرسل مكتبه بياناً موجزاً إلى وسائل الإعلام المحلية في ٨ آب/أغسطس بعد اجتماعه مع مجموعة من "الناشطين الثقافيين الإيرانيين في الخارج". ورداً على سؤال الناشط، الذي لم يتم الاعلان عن اسمه، والذي ذكر أن المؤيدين خارج إيران قلقون بشأن مستقبل النظام، قدّم خامنئي إجابة جازمة أراد أن يسمعها الجميع: "لا ينبغي أن يكون لديهم أي قلق على الإطلاق. لا يمكن لأحد أن يفعل أي شيء ".
الفساد: التهديد والفرصة
يميل الإيرانيون إلى اعتبار الفساد المنهجي المستشرى في البلاد مصدراً رئيسياً للفوضى الاقتصادية. وينظر إليه البعض على أنه أكثر تدميراً من العقوبات الدولية. وبالتالي، يعمد المتشددون إلى استغلال اضطرابات متكررة في هذا الموضوع أو حتى إثارتها كذريعة لإلحاق الضرر بحكومة روحاني، والتدخل في صلاحياته بموجب الدستور الإيراني، وإطلاق دعاية جماهيرية تصور هؤلاء المتشددين كمتعاطفين حقيقيين مع معاناة الناس. في ٣ آب/أغسطس، على سبيل المثال، قام أحمد الهُدى - إمام متشدد بارز في مدينة مشهد يعمل كممثل لخامنئي في محافظة خراسان رضوي - بوصف الاحتجاجات على أنها رد فعل مبرر لموقف الحكومة غير المسؤول، حيث قال: "أيها الثوريون، إنزلوا إلى الشوارع إذا لم تتم معالجة مطالبكم!"
وفي الواقع، قد تؤدي الاضطرابات في النهاية إلى مساعدة خامنئي ودائرته الاستبدادية، بشرط أن تظل محدودة بما يكفي ليتم التحكم بها وألّا تُظهر أي احتمال للتحول إلى حركة أوسع مناهضة للنظام، في الوقت الذي تعمل على تخويف المواطنين العاديين بما يكفي لجعلهم يرحّبون بتدابير أمنية داخلية إضافية. إنّ هذا النوع من الاضطراب الاجتماعي يمنح النظام النفوذ والشرعية لفرض المزيد من الأمن في المجال العام وإضعاف المجتمع المدني وتهميش المعتدلين. يبدو أن طهران ترى أنّ المرحلة الراهنة هي بمثابة نقطة تحول، تتضاءل فيها مخاوف الأمن القومي بسبب آلية القمع الناجحة في الداخل والإنجازات الإقليمية لشبكة الميليشيا المتعددة الجنسيات الخاصة بها. فكلما كان النظام - ولا سيّما «الحرس الثوري» الإيراني - يعتقد أنه بإمكانه التحرر من مطالب السياسيين والعمليات الديمقراطية والموافقة العامة، كلما سعى أكثر من أجل السيطرة الكاملة على المؤسسات المدنية والمؤسسة الدينية والهيئات الأخرى. ومن هذا المنطلق، من المحتمل أن تتوقع قيادة «الحرس الثوري» عملية أقل خطورة لتولي الحكم ما بعد خامنئي.
وتأمل إدارة ترامب أن تؤدي المشاكل الاقتصادية إلى دفع إيران نحو إجراء تغيير في سياسة النظام، إن لم يكن تغييراً صريحاً للنظام. ويبدو أن خامنئي موافق على ذلك، إلاّ أنّ خطته تركّز على جعل البلاد أكثر مقاومة للإصلاح والانخراط مع العالم الخارجي، وتعمل على وضع المزيد من القوة بين أيدي أكثر العناصر تشدداً. وإذا كان بإمكانه النجاح في هذه الخطة، فإن ذلك سيحدد مستقبل إيران.

مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.

Thursday, August 24, 2017

طريق روحاني مرسومٌ أساساًمهدي خلجي

طريق روحاني مرسومٌ أساساًمهدي خلجي

المرصد السياسي 2845

طريق روحاني مرسومٌ أساساً



 16 آب/أغسطس 2017
في 14 آب/أغسطس، عيّن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي آية الله محمود هاشمي الشاهرودي في منصب الرئيس الجديد لـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام". كما عيّن خمسة أعضاء جدد، من بينهم محمد باقر قليباف، رئيس بلدية طهران والمنافس الرئيسي لحسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وإبراهيم رئيسي، الوصي على مؤسسة "أستان- قدس رضوي" [سدانة "الروضة الرضوية المقدسة"] ومنافس رئاسي آخر؛ ومحمد مير محمدي في منصب نائب شؤون المحاسبة والتدقيق في مكتب المرشد الأعلى. ويبدأ الآن "مجلس مصلحة النظام" - الذي يحدد سياسات النظام فى حالة وقوع خلاف بين "مجلس صيانة الدستور" والبرلمان الإيراني المعروف بـ "مجلس الشورى" - فترة ولايته الجديدة التي تستمر خمس سنوات وهو يضم عدد أكبر من المتشددين من المجلس السابق، فضلاً عن تمتعه بسلطة أكبر فى السيطرة على فروع الحكومة الثلاثة فى إيران. وفي أعقاب وفاة أكبر هاشمي رفسنجاني في كانون الثاني/يناير الماضي، وهو المعروف في الغرب بأنه المسؤول الأكثر واقعية في إيران، تردد خامنئي لعدة أشهر في تسمية بديل. 
روحاني في مواجهة خامنئي
إن تضارب المصالح بين الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى متجذر في نظام السيادة المزدوجة في البلاد، كما ينص عليه دستور الجمهورية الإسلامية. غير أن الانفتاح والصرامة في الديناميكية الحالية بين روحاني وخامنئي فريدان من نوعهما. فلم يكتف المرشد الأعلى بالإمتناع عن تهنئة روحاني بفوزه في الانتخابات في بداية ولايته الرئاسية الثانية فحسب، بل انتقد باستمرار مواقف الرئيس بشأن قضايا تتراوح بين المسائل الثقافية والاتفاق النووي وصولاً إلى العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي . وحتى أن خامنئي ذهب إلى حد كبير إلى إجراء مقارنة بين مكانة روحاني وتلك التي تمتع بها أبو الحسن بني الصدر الذي كان أول رئيس للجمهورية الإسلامية ولكنه أُجبر على المنفى بعد عام واحد، مما يشير إلى وجود تهديد واضح لروحاني إذا لم يتبع إرشادات خامنئي. ولن يوفر منصب روحاني المنتخب ديمقراطياً، أي حماية له في مثل هذه الظروف.
وعلى الرغم من الصراع الحقيقي على السلطة، لا يزال خامنئي يستفيد من استخدام الرئيس المعتدل في بلاده لحماية مصالحه داخل البلاد وخارجها على السواء. وعلى وجه الخصوص، يقدر المرشد الأعلى مهارات روحاني الدبلوماسية المتميزة وصورته الإيجابية في المجتمع الدولي، التي حالت دون تضافر الضغوط الاقتصادية والأمنية الغربية ضد الجمهورية الإسلامية. ولم يكن رئيسي ولا أي مرشح رئاسي متشدد آخر قد تمكن من توفير مثل هذا الدرع الواقي لسياسات إيران القمعية الداخلية أو أجندتها العدوانية في المنطقة، الأمر الذي يوضح سبب عدم تكلّم خامنئي بكل قوة ضد روحاني خلال حملة الانتخابات الفعلية.
روحاني في مواجهة «الحرس الثوري الإسلامي»
في بداية السنة الأولى من رئاسته، انتقد روحاني «الحرس الثوري الإسلامي» ودوره المتزايد في السياسة والاقتصاد الإيراني. وقد كثّف هذا الهجوم خلال حملة الانتخابات الرئاسية لهذا العام.  ولكن، بخطوة غير مفاجئة على الأرجح، سرعان ما خفف من حدة خطابه بعد فوزه، مانحاً في الوقت نفسه المزيد من الامتيازات لـ «الحرس الثوري» بشكل فعال. ففي 13 آب/أغسطس على سبيل المثال، ورداً على العقوبات الجديدة التي أقرّها الكونغرس الأمريكي، زاد "مجلس الشورى" الميزانية العسكرية للحكومة بمقدار 540 مليون دولار، نصفها مُخصص لتعزيز برنامج الصواريخ الذي يديره «الحرس الثوري الإسلامي»، والنصف الآخر إلى «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري». ومثّل إقرار مشروع القانون - الذي يترجم تقريبا إلى "مواجهة مبادرات أمريكا الإرهابية ومغامراتها" - بالإجماع في البرلمان دعم روحاني الكامل له.
في كلمة أمام "مجلس الشورى"، قال عباس عراقشي، نائب وزير الخارجية وكبير المفاوضين النوويين، بأن "حكومة روحاني ممتنة [لـ "مجلس الشورى"] على مثل هذا القانون ' الحاسم والذكي ' وتدعمه". وعلى نحو منفصل، عندما أطلق مسؤولو «الحرس الثوري»  الصواريخ نحو شرق سوريا في حزيران/يونيو الماضي، حاول روحاني المشاركة في الفضل من خلال التأكيد بأن "مبادرة «الحرس الثوري» الإيراني ... لم تكن قراراً اتخذه شخص واحد أو قسم عسكري، بل أن 'المجلس الأعلى للأمن القومي' هو الذي يتخذ مثل هذه القرارات". غير أنه في 21 حزيران/يونيو، وبعد ساعات قليلة فقط من تصريحات روحاني، أصدر «الحرس الثوري» بياناً شدّد فيه على أن "عملية إطلاق الصواريخ حصلت في الواقع بالتنسيق مع القوات المسلحة، وفقاً لأمر من المرشد الأعلى"، مشيراً إلى أن الكلمة الفصل في هذه العملية كانت لخامنئي ولم يكن للرئيس قول فيها.
وما يعكس الفجوة على نحو أكبر بين خطاباته الانتخابية وأعماله الرئاسية، كان إقدام روحاني، في 25 تموز/يوليو - أي بعد فترة وجيزة على وصفه «الحرس الثوري» بأنه "حكومة تحمل سلاحاً، لا يجرؤ أحد على المنافسة معها" - على تسهيل إبرام اتفاق مع "مقر شركة خاتم الأنبياء للبناء والإعمار"، التي هي ذراع «الحرس الثوري» الإيراني. ووفقاً للاتفاق، بإمكان «الحرس الثوري» أن يحلّ محل كل من القطاع الخاص والشركات الأجنبية في جميع العقود الحكومية التي تبلغ قيمتها أكثر من 52.4 مليون دولار. وفي الواقع يحتكر الآن «الحرس الثوري» جميع مشاريع الدولة، بما فيها تلك التي تشمل حقول النفط ومصافي النفط، فضلاً عن البناء والتجارة. وفي اليوم الذي سبق إبرام الصفقة، في 24 تموز/يوليو، أوضح غلامرضا تاج كردون، الذي يرأس "لجنة الميزانية والتخطيط" التابعة لـ"مجلس الشورى"، أنه "خلال السنوات الأربع الأخيرة، تعاونت حكومة روحاني بشكل كامل مع «الحرس الثوري» حول مخصصات الميزانية".      
روحاني في مواجهة الشعب
في الأنظمة الاستبدادية الانتخابية مثل الجمهورية الإسلامية - حيث تُعتبر الانتخابات ضرورية للحفاظ على شرعية النظام السياسي - تمّ تجريد الانتخابات نفسها من معناها الفعلي واستبدالها بمجموعة مبطنة من تقنيات التلاعب المتطورة. وتساهم مختلف المؤسسات غير الديمقراطية ومراكز السلطة في تعزيز هذه التدابير، حيث تسعى لإضعاف السلطات المنتخبة واعتبارها عميلة، حتى إذا فاز هؤلاء المسؤولون المنتخبون بهوامش ساحقة. وحيث تعلم مراكز السلطة غير الرسمية بأنه لا يمكنها إلغاء الانتخابات فعلياً، فهي تسعى بدلاً من ذلك إلى التصدي بقوة ضد أي جدول أعمال يتنافى مع مصالحها.
وفي مثل هذا السياق، فبالنسبة إلى خامنئي يُعتبر الرئيس المثالي رجلاً ضعيفاً بما يكفي ليذعن لضغوط الآلة السياسية- العسكرية التابعة للمرشد الأعلى. وعلى وجه الخصوص، تدخّل خامنئي بشكل غير مسبوق في اختيار أعضاء حكومة روحاني. ووفقاً لعضو في "مجلس الشورى" التابع لـ"حركة الإصلاح" عبدالله ناصري، رفض خامنئي الاجتماع مع روحاني إلا بعد مرور أسبوعين على الانتخابات، ومن ثم، كما أعلن نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، تشاور الرئيس مع خامنئي بشأن تشكيل الحكومة التي لم تبدُ أكثر اعتدالاً من سابقتها. ومن خلال الإبقاء على المعيّنين المقربين سياسياً من خامنئي و«الحرس الثوري»، عجز روحاني بشكل متزامن عن الوفاء بالوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية المتمثلة بتعيين وزراء من النساء والأقليات، مما أثار غضب مؤيدي هذه الكتل وخيّب آمال الناخبين العاديين.         
ومن خلال ممارسة نفوذه على خيارات حكومة روحاني، لم يكن خامنئي يسعى فقط إلى الحفاظ على سيطرته على الذراع التنفيذية، بل أيضاً إلى تشويه صورة روحاني كشخصية معتدلة مزمعة على تجريد أجندة الجمهورية الإسلامية السياسية والاقتصادية الرئيسية من إيديولوجيتها. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تضعف بشكل كبير قاعدة الدعم التي يتمتع بها روحاني وتشوّه سمعة أفراد "إصلاحيين" و"معتدلين" آخرين يدعمونه، مما يقوّض بالتالي قدرتهم على حشد الدعم خلال مواجهات مستقبلية مع المتشددين. 
هل هذا ممر نحو الهيمنة العسكرية في المستقبل؟
من شأن رؤية خامنئي الجديدة لـ"مجلس تشخيص مصلحة النظام" أن تمنح "مجلس الشورى" حرية أكبر مع تمكين "مجلس صيانة الدستور" في الوقت نفسه، و"المجلس" هو الهيئة التي تضمّ 12 عضواً مؤلفين من 6 آية الله و6 سلطات قانونية. وبالفعل، لم يعمد خامنئي إلى تطبيق مضمون كتاب أرسله إلى "مجلس الشورى" في عام 2014 يتعلق بالإجراء الواجب أن يعتمده "مجلس تشخيص مصلحة النظام" في مراجعة مشاريع القوانين البرلمانية، إلا بعد وفاة رفسنجاني. وبموجب هذا الإجراء، تُقدَّم كافة مشاريع القوانين أولاً إلى "مجلس تشخيص مصلحة النظام". وإذا وجد التقييم الذي أعقب ذلك أنها تعارض "السياسات العامة للنظام" -  وهو معيار ذاتي بالطبع - يجب أن يأمر "مجلس الشورى" بإجراء التعديلات اللازمة، حيث أن عجزه عن القيام بذلك يؤدي إلى بعض الرفض من "مجلس صيانة الدستور".     
وإلى جانب دوره في مراجعة التشريعات، بإمكان "مجلس تشخيص مصلحة النظام" أن يوسّع محفظته في حقبة ما بعد خامنئي من خلال زيادة صلاحية "مجلس القيادة المؤقت" - وهو كيان يتولى السلطة إذا لم يتم تسمية زعيم جديد على الفور - ولا سيما صلاحياته العسكرية. ووفقاً للدستور، لا يتشارك المجلس المؤقت الصلاحيات الكاملة للمرشد الأعلى نفسه. وخلافاً للمرشد الأعلى، على سبيل المثال، لا يمكن للمجلس المؤقت أن يستبدل آية الله الستة في"مجلس صيانة الدستور" أو أي فرد عسكري، بمن فيهم قائد «الحرس الثوري» الإيراني. كما لا يمكن للمجلس المؤقت أن يعلن الحرب أو السلم. فهذه المهمة منوطة فقط بـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذي يمكنه التوصل إلى مثل هذه النتيجة وبثلاثة أرباع الأصوات.      
وترمي كافة التحولات الأخيرة التي أجراها المرشد الأعلى إلى عزل قوى النظام المتشددة عن تلك المعتدلة - والحفاظ على طابعها الثوري. ومن جانبه، يسلك روحاني طريقاً سبق أن سار فيه أسلافه المعتدلون،حيث  الإصلاحات الحقيقية بعيدة المنال في أحسن الأحوال. وفي غضون ذلك، يمكن أن يؤدي تمكين المتشددين إلى تمهيد الطريق أمام «الحرس الثوري» ووزارة الاستخبارات ووزارة العدل وغيرها من الكيانات غير المنتخبة القوية إلى السيطرة على الحكومة حالما يغادر خامنئي الساحة، دون قلق جدي حول الإصلاحيين الداخليين أو المجتمع المدني، أو حتى المؤسسة الدينية.    

مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.