تجنب الحل القسري الذي ينتهجه الأسد للأزمة السورية
متاح أيضاً في English
21 كانون الثاني/يناير 2014
كان لتراجع الأمم المتحدة عن دعوة إيران للانضمام لمحادثات السلام الخاصة بسوريا هذا الأسبوع في مونترو بسويسرا تأثيرٌ طفيف، إن كان له أي تأثير من الأساس، في تغيير نهج نظام الأسد في هذه المحادثات. وتشير تصريحات الرئيس بشار الأسد في الأيام الأخيرة إلى أنه وأنصاره يحاولون الضغط على الولايات المتحدة وبقية دول "لندن 11" التي تدعم المعارضة في المؤتمر - وهذه الدول هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركيا ومصر والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتأمل دمشق على وجه التحديد في تغيير إطار المحادثات من تنظيم عملية انتقالية حقيقية إلى القبول بالتسوية القسرية المرتكزة على "إعادة انتخاب" الأسد لولاية ثالثة أمدها سبع سنوات، وهذه العملية لن تجري إلا بعد أربعة أشهر على الأقل من الآن (فترة ولاية الأسد الحالية تنتهي في 7 تموز/يوليو). وبما أنه يُرجح ألا يتحقق سوى القليل في محادثات هذا الأسبوع، ينبغي على واشنطن التركيز على الخطوات التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها بصرف النظر عما ستؤول إليه المحادثات، لاسيما فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة وتقوية المعارضة السورية المعتدلة من خلال تعزيز الانتخابات المحلية.
تصريحات الأسد تشير إلى الحل القسري
في تصريحاتٍ أدلى بها الأسد خلال الأيام القليلة الماضية - كان أولها خلال زيارة الساسة الروس لدمشق وبعد ذلك في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" - كرر الرئيس السوري شعار النظام الذي يرفعه منذ فترةٍ طويلة بأنه يجابه مؤامرة دولية تشنها الفصائل الإرهابية ضد سوريا. لكن الأهم من ذلك، أنه استعرض كيف أن الآلية السياسية لتسوية الأزمة تركز على إعادة انتخابه.
في 19 كانون الثاني/يناير، ذكرت وكالة "انترفاكس" الروسية للأنباء أن الأسد أبلغ وفداً من البرلمانيين الروس عدم اعتزامه التنازل عن السلطة وقوله أن "الأمر غير مطروح للنقاش". وعلى الرغم من أن التلفزيون الحكومي السوري نفى هذا الأمر لاحقاً، إلا أن الأسد أخبر وكالة "فرانس برس" في اليوم التالي أن "فرص ترشحي [للرئاسة] كبيرة، و"يجب أن أكون في طليعة الذين يدافعون عن هذا البلد". كما أشار أيضاً إلى أن عملية قياس الرأي العام حول قيادته ستبدأ خلال فترة أمدها "أربعة أشهر"، عندما سيتم إعلان موعد الانتخابات.
لقد كان يُنظر إلى الانتخابات السورية، في ظل عائلة الأسد، على أنها من بين أكثر الانتخابات التي تفتقر إلى النزاهة في العالم العربي. فخلال الانتخابات الأخيرة في 2007، وافق البرلمان الذي يهيمن عليه حزب البعث مباشرةً على اختيار بشار كمرشح وحيد، وفي الاستفتاء العام الذي جرى لاحقاً على تأكيد اختياره كرئيس، حصل على 97.62 في المائة من نسبة التصويت وهي نسبة مثيرة للسخرية. ومن أجل إظهار الإخلاص للأسد، تم إجبار العديد من الناخبين على الإشارة إلى عمود "نعم" بوخز إصبعهم والتصويت بالدم.
يجب أن تكون الانتخابات الرئاسية في سوريا الآن تعددية فيما يتعلق بالمرشحين والأحزاب المتنافسة عقب التغييرات التي أجريت على الدستور والتي تمت الموافقة عليها بالاستفتاء الذي جرى في شباط/فبراير 2012. ورغم أن هذا قد يوحي بحدوث تقدم، إلا أنه لا يعني الكثير لانتخابات هذا العام. وأحد أسباب ذلك هو أنه يجب أولاً أخذ موافقة المحكمة الدستورية العليا - المعينة من قبل الأسد - على المرشحين. وهذه الحقيقة إلى جانب حالة الحرب المشتعلة والعدد الكبير من المواطنين النازحين والدور الكبير للأجهزة الأمنية للنظام في المناطق التي يسيطر عليها النظام تعني أنعدام فرصة فوز أي شخص آخر باستثناء الأسد في الانتخابات المقبلة.
وفيما يتعلق بالفصائل التي سيكون الأسد مستعداً للعمل معها في المستقبل، فقد صرح لوكالة "فرانس برس" أنه سيقبل فقط التعامل مع الأحزاب ذات "الأجندة الوطنية" للمساعدة في "حكم الدولة السورية"، رافضاً في الوقت ذاته التعامل مع أولئك الناشطين في "الائتلاف الوطني السوري" وجماعات المعارضة الأخرى كونهم عملاء لقوى إقليمية ودول غربية مشاركة في المؤامرة ضد سوريا. ويرى الأسد أن أي شيءٍ يتم تقريره كجزءٍ من محادثات جنيف أو جهوده في بناء ائتلاف ينبغي أن يتم تأكيده عبر استفتاءٍ وطني يديره النظام. وعلى وجه العموم، فإن توضيح الأسد لكيفية اختيار الرئيس القادم وأي "أحزاب من المعارضة" يتم شملها في الاستفتاء هو الأساس لأي حلٍ قسري للأزمة السورية يتخفى في زي العملية الديمقراطية.
ثغرات في بيان "جنيف 1"
أصرت الولايات المتحدة على عدم مشاركة إيران في المحادثات السورية الجارية هذا الأسبوع إلى أن تقبل بديهيات "بيان جنيف" الذي تفاوض عليه المسؤولون الروس والأمريكان في حزيران/يونيو 2012. وينص "القسم الثاني" من الفقرة الثانية من البيان على أن أي "خطوة رئيسية" لـ "أي تسوية" للأزمة السورية يجب أن تشمل إقامة "هيئة حكم انتقالية" تتمتع بـ "كامل السلطات التنفيذية" التي من شأنها خلق "بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية".
ومع ذلك، فقد فسر الأسد وأنصاره هذه الشروط الصارمة للغاية بطريقة أفرغتها من فحواها، وأكدوا على الجزء المذكور في "القسم الثاني" والذي يقول، "[«هيئة الحكم الانتقالية»] يمكن أن تشمل أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة وجماعات أخرى ... وتُشكَّل على أساس الموافقة المشتركة". وقد أتاحت هذه الثغرة لروسيا السماح بضم نظام الأسد في «هيئة الحكم الانتقالية»، في ظل معارضة الولايات المتحدة، مع الالتزام بـ "بيان جنيف". وعلى الرغم من أن موسكو وواشنطن قد وضعتا مادة الموافقة المشتركة كضمانة لحق كل جانب "في نقض" أي تسوية، إلا أن الافتقار لصياغة محددة تبيّن الطرف الذي يمثل المعارضة يعني أن "الحكومة الحالية" (أي نظام الأسد) تحتاج إلى التحالف فقط مع قسم من المعارضة من أجل الاتجاه نحو حل تفاوضي.
ويبقى من غير الواضح سبب تراجع إيران عن التعهدات اللفظية التي تقدم بها وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فيما يتعلق بدعم "بيان جنيف" كأساسٍ للتسوية، نظراً لمدى استفادة النظام السوري وأنصاره في موسكو وبكين من هذه الثغرات على المستوى التكتيكي والاستراتيجي. وربما تشعر طهران بالقلق فيما إذا وافقت على البيان، فعندئذ قد تذكر واشنطن السبب الآخر لعدم ملاءمة حضور إيران للمحادثات السورية - وهو أنها البلد الوحيد في المنطقة الذي لديه قوات منتشرة على الأرض في سوريا، ولاسيما أفراد قوات النخبة من "فيلق القدس" التابع لقوات "الحرس الثوري الإسلامي" الذين يقدمون المشورة والدعم لنظام الأسد. وتشير الزيارات الجماعية الأخيرة التي قام بها ظريف ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، إلى موسكو إلى أن المناورة الدبلوماسية لطهران كانت محاولة منسقة لتغيير إطار بيان جنيف واختبار الحماسة الأمريكية تجاه التسوية القسرية.
وعلى أي حال، ينبغي عدم التعجب من محاولة ضم إيران للمحادثات، فقد قام الممثل الخاص للأمم المتحدة لسوريا الأخضر الإبراهيمي لشهور بالضغط على الغرب والدول العربية في السر والعلن من أجل السماح لإيران بالمشاركة في محادثات جنيف. وفي الوقت الذي قال فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن طهران يمكن أن تلعب دوراً في تسوية الأزمة السورية، فمن غير الواقعي أن يكون قادة إيران إيجابيين عندما يرفضون إقرار مسؤوليتهم الدولية على المساعدة في العملية الانتقالية. وبدلاً من ذلك، تمسكت طهران برواية مفادها أنه من الأفضل ترك هذه القرارات إلى الشعب السوري، حتى في الوقت الذي تبعث فيه قوات إيرانية إلى سوريا وترسل أسلحة إلى نظام الأسد في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي، وتنظم وجود آلافٍ من المقاتلين من أنصار النظام في سوريا.
تجنب الفخ على طول الطريق الدبلوماسي الطويل
إن آلية توجيه تطلعات الشعب السوري نحو تسويةٍ تُنهي الحرب لن تكون من خلال إجراء انتخاباتٍ في ظل حكم الأسد. يجب على واشنطن وحلفائها عدم الانغماس في الخيال الجامح للأسد بأن عمليته الانتخابية الزائفة يمكن أن تسفر عن "حلٍ سياسي" من شأنه أن يوحد سوريا مرةً أخرى ويجنبها التقسيم الذي طال أمده وآثاره غير المباشرة المحتملة التي يمكن أن تهدد الاستقرار الإقليمي. وإذا واصل النظام وأنصاره إصرارهم على أن هذا هو المسار الوحيد، فينبغي على الولايات المتحدة التركيز على اتخاذ مزيجٍ من الخطوات التكتيكية والاستراتيجية على المدى القصير والطويل - سواء على طاولة المفاوضات أم بعدها - لتعزيز فرص التوصل إلى تسويةٍ عملية.
ينبغي على واشنطن أن تؤكد، في محادثات مونترو، على وقف إطلاق النار المحدود وغير المشروط من أجل تقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة. وقد اقترح النظام حتى هذه النقطة بالتحديد أن يقوم المتمردون بإخلاء المناطق التي سيتم توزيع المساعدات فيها ووضعها تحت سيطرة النظام - وبصيغةٍ أخرى، إذا اختارت المعارضة الاستسلام فإن النظام سيقبل العرض بكرمٍ بالغ. كما أن موقف الولايات المتحدة القوي الذي لا يدعو إلى الاستسلام، بل إلى وقف إطلاق النار الذي سيسمح بتقديم المساعدات، من شأنه أن يعزز مكانة فصائل المعارضة المشاركة في محادثات "جنيف الثانية" في أعين رفقائهم السوريين الذين يحتاجون بشدة إلى الطعام والرعاية الطبية. ينبغي أن يكون ذلك مصحوباً بالدعم الإنساني الأمريكي المتزايد للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة عبر قنواتٍ غير تابعة للنظام؛ وقد ذهبت الغالبية العظمى من المساعدات الأمريكية حتى الآن عبر مؤسسات مرتبطة بالنظام.
ينبغي على واشنطن أيضاً أن تشجع إجراء انتخابات محلية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون لمساعدة المعارضة في اختيار مجموعة واضحة من القادة وتوحيد صفوفها. وعلى النحو المبين أعلاه، تمنح الثغرات الكامنة في "بيان جنيف" فرصةً للأسد لفرض تسويةٍ سياسية وفق شروطه. إن الطريقة الوحيدة لتجنب الوقوع في هذا الفخ هي التأكد من أن الطرف الذي يجلس عبر طاولة المفاوضات على الجانب الآخر من النظام موثوق به، بقدر ما يمثل غالبية معارضي الأسد.
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف كتاب "في عرين الأسد: رواية شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سوريا".
0 comments: