الجيش الاسرائيلي وحراسة الاضطراب
Sat, 01/11/2014 - 08:47 —
بقلم: عاموس هرئيل
‘في سلاح الجو دارجة تقاليد مهنية طويلة السنين يتعاطون فيها مع كل حالة تكون شبه حادثة جوية وكأنها حادثة جوية حقيقية. وهذا هو الشكل الذي تحقق فيه قوات الامن بالحادثة التي وقعت يوم الثلاثاء في قرية قصرة، شمالي رام الله. وحسب ضباط كبار في قيادة المنطقة الوسطى، كانت هنا مسألة دقائق: لو تأخرت قوات الجيش الاسرائيلي في الوصول الى القرية، ولولا المبادرة الاستثنائية والشجاعة التي اتخذها بعض النشطاء الفلسطينيون، الذين حموا باجسادهم زعران التلال الاسرائيليين الذين نزلوا الى القرية من بؤرة ايش كوديش الاستيطانية المجاورة، لكانت اسرائيل والسلطة تتصديان الآن لآثار مذبحة.
بداية كانت قد تقع عملية فتك فلسطينية لعشرة المستوطنين الشبان، بينهم طفل ابن 12. بعد ذلك قتل فلسطينيين على أيدي الجنود في محاولة لاقتحام هيكل المبنى الذي أمسك فيه السكان الشبان واحتجزوهم، فيما كان يتدفق المزيد فالمزيد من الفلسطينيين الغاضبين من قصرة والقرى المجاورة الى المكان. ولشدة الحظ، رغم أن المشاغبين الاسرائيليين ضربوا ضربا مبرحا، فقد فصلوا عن الجمهور. وفي نفس الوقت بدأ عمل نشط من اجهزة التنسيق الامني في الطرفين، دخلت في اطاره قوة بقيادة قائد كتيبة مدرعات الى القرية وبدأت تعالج مسألة اخراج المستوطنين. وكانت العملية المركية تحتاج الى ما لا يقل عن اربع سرايا من الجيش والشرطة بقيادة قائد لواء بنيامين (رام الله) العقيد يوسي بنتو. وفي ختامها أُخرج المستوطنون من القرية بجراحات طفيفة فقط.
بقيت عدة جوانب تكتيكية للحادثة يتعين على الجيش والمخابرات الاسرائيلية أن تدرسها. يبدو أنه مر غير قليل من الوقت بين الموعد الذي لاحظت فيه نقطة رقابة عسكرية مجموعة المستوطنين التي نزلت الى القرية وبين استخدام القوات. وسواء كان المستوطنون جاءوا في جولة لاستعراض التواجد والتنكيل بالفلسطينيين وتعثر حظهم فاصطدموا بهم أم جاءوا للقيام بعملية شارة ثمن مخطط لها هدفها احراق سيارات أو منزل، فقد كان عملهم متوقعا. ففي ذات اليوم في الصباح دمرت الادارة المدنية كرم زيتون غرسه اهالي ايش كوديش على ارض فلسطينية خاصة، وكان الثأر في الهواء.
فضلا عن ذلك لما كان يترأس المجموعة نشيطان على الاقل من اليمين المتطرف ممن تعرفهما المخابرات الاسرائيلية، كان يخيل أنه كانت حاجة الى متابعة مبكرة لهما. على الزعران المضروبين لم يرحم الضباط لحظة، فهذه هي الطبخة التي اعدوها، ولم يقبل أحد في الجيش والمخابرات الاسرائيلية العذر الهزيل في التنزه الذي نشره الناطقون بلسانهم. فرجال ايش كوديش لم يأتوا لاقتطاف الفطريات في قصرة ظهر يوم الثلاثاء.
ليس هناك حاجة لأن نشرح كيف كان يمكن لمثل هذا القتل الجماعي، لو وقع، أن يجرف الضفة الغربية نحو دائرة دموية جديدة. فمنذ ايلول سجل ارتفاع حاد في الاحداث في المناطق، كان في بعضها قتلى، ولكن هذه كانت احداث منفصلة أساسا، لم يكن لها بعد تأثير حسي كبير على الطرفين. أما للمواجهة في قصرة فقد كان يكمن ضرر مختلف تماما. القرية نفسها تعرضت لاحداث سابقة. ففي ايلول 2011، في يوم الخطاب التاريخي لرئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) في الجمعية العمومية للامم المتحدة، قتل هناك فتى في حادثة مع الجيش الاسرائيلي والمستوطنين. ومنذئذ تحدثوا في قصرة وفي قرى اخرى في المنطقة عن اقامة لجان دفاع شعبية تصطدم بالمستوطنين على الاراضي حول القرية.
حقيقة أن الحدث في قصرة انتهى فقط بشبه مصيبة لا تقلل من شدة الفشل في معالجة زعران اليمين المتطرف. والنجاح الاساس الذي سجل في صالح اللواء اليهودي في المخابرات في السنتين الاخيرتين، الى جانب حملات الاقناع وكبح الجماح في اوساط الحاخامين والمربين، هو في جمع ما يكفي من المعلومات الاستخبارية لاصدار أوامر ابعاد من الضفة ضد ثمانية من قادة النشطاء. أما الوصول الى أدلة قانونية تتيح الادانة فلم ينجحوا في الوصول وذلك ايضا بسبب الخوف من الكشف عن المصادر الاستخبارية في المداولات في المحاكم.
” لا يوجد أي وجه شبه بين التحقيق مع فلسطيني مشبوه بالارهاب والتحقيق مع يهودي. فبينما الاول يتعرض لمنع النوم، ضغوط نفسية وفي حالات عاجلة لضغط جسدي ايضا، فان الحد الاقصى الذي يواجهه الآخر هو تلاوة صفحة الثقافة والأدب في ‘هآرتس′ (مثلما شهد مشبوهون باعمال التنظيم السري اليهودي الثاني، قبل قرابة عقد). في مكافحة الارهاب اليهودي، لم تنجح المخابرات الاسرائيلية في اقتحام هذا الحصن. ففي بداية الانتفاضة الثانية قتل ما لا يقل عن سبعة فلسطينيين في الضفة في عمليات ارهابية قام بها يهود. ومع أن قائدي المخابرات آفي ديختر ويوفال ديسكن، قدرا بعد ذلك بأن منفذي العمليات كانوا بين اولئك الذين استدعوا للتحقيق، فان أحدا منهم لم يقدم الى المحاكمة ولم تجري ادانته باستثناء امور فرعية جانبية: التنظيم السري بات عاين الذي لم ينجح اعضاؤه في قتل فلسطينيين.
” الجيش والشرطة الاسرائيليين هما ايضا مشاركان في الفشل. فلواء شاي، رغم تعزيزه بالملكات والمقدرات في السنوات الاخيرة، بقي الابن غير الشرعي للشرطة. الجيش لا ينجح في التغلب على عائق بنيوي: التضامن الاساسي للجنود والضباط الشباب مع مهمتهم المركزية حماية الاسرائيليين في المناطق، أي أولا وقبل كل شيء السكان المستوطنين. وعندما تعمل الهوامش المتطرفة من هؤلاء السكان بعنف ضد الفلسطينيين، فان قلة من الجنود يستطيعون استيعاب ذلك وتغيير سلوكهم بما يتناسب مع ذلك. ومطلوب تدخل من كبار الضباط المجربين كي يتصرف الجيش كما هو متوقع منه.
قبل نحو سنة ونصف شاهدت مسلسل تعليمي وبعد ذلك مسلسل اعداد للخدمة في المناطق تجتازه سرية الناحل قبل أن ترسل الى الخليل. وقد شخصت هذه الاخفاقات بدقة منذ الاستعدادات التي تضمنت العاب ادوار يتبادلها الاشخاص. ولكن عندما وصل الجنود الى الميدان، وقعوا في كل الحفر التي حددت لهم مسبقا من مصاعب استخدام الصلاحيات تجاه المستوطنين المتطرفين وحتى التورط مع كاميرات منظمة ‘بتسيلم’.
هذه المنظمة نشرت هذا الاسبوع فيلم فيديو عرض النصف الثاني من الواقع كما انعكس في توثيق المصورين الفلسطينيين في قصرة. فقد صور الفيلم في قرية عوريف قرب نابلس يوم الاثنين الماضي. وظهر فيه مستوطنون ملثمون من يتسهار يرشقون الحجارة على سكان القرية. الجنود الذين رافقوا المستوطنين لم يتدخلوا فيما يجري. وفقط عندما رشق الفلسطينيون الحجارة رد الجنود باطلاق الغاز المسيل للدموع. وفي حالات عديدة (وعلى مدى السنين وكثير منها التقطت صورها حول يتسهار)، هذه هي الصورة: قوات صغيرة من الجيش الاسرائيلي تحرس مستوطنين يشاغبون في قرى فلسطينية، في خلاف تام مع السياسة المعلنة للجيش، كمن يفرض القانون والنظام في المناطق. واحيانا، عندما يأتي متطرفو المستوطنين وحدهم، فانهم يتورطون وعندها يحتاجون الى الجيش الاسرائيلي كي ينقذهم من الورطة، كما في قصرة.
لقد كان لفتيان التلال، كما كان متوقعا، استنتاج آخر من قضية قصرة. في معظم الحالات لا يخرجون الى الجولات في الميدان وهم يحملون السلاح. وذلك لأن معظم اعضاء هذه المجموعات معروفة للمخابرات، ولا يستحقون الحصول على تراخيص للسلاح. وفي بعض الصور من احداث في الماضي، ظهر فيها مستوطنون ينزلون الى القرى مع بنادق، كانت هذه بنادق وهمية من البلاستيك. أما هذا الاسبوع فالى جانب الوعود بالانتقام على اهانتهم في قصرة، تحدثوا في التلال عن الحصول على سلاح ناري. وما يبدأ بالاحاديث عن الدفاع عن النفس ينتهي بشكل اسوأ بكثير من ذلك.
الصورة المحلية، الصغيرة والبشعة لكراهية عالمية بين اليهود في البؤر الاستيطانية وجيرانهم في القرى الفلسطينية، لا يمكن فصلها عن الصورة الكبرى، السياسية. عندما حققت المخابرات والشرطة في احداث الارهاب اليهودي في الانتفاضة الثانية، توصلت الى استنتاج بأن العمليات وقعت لاعتبارين مركزيين. الرغبة في الانتقام والردع على خلفية العمليات التي قتل فيها سكان في البؤر الاستيطانية على يد فلسطينيين، والتخوف من اخلاء مستوطنات بسبب خطوة سياسية. وكلما تقدمت المبادرة السياسية لوزير الخارجية جون كيري وكثرت التقديرات بشأن تنازلات اسرائيل على الارض، سيشتد التوتر في الضفة وسيزداد الخطر من اعمال ارهاب ليهود، وليس فقط لحماس والجهاد الاسلامي.
‘هآرتس
0 comments: