Wednesday, October 1, 2014

مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين

من الصحافة الإسرائيلية

مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين

عميرة هاس، محللة الشؤون الفلسطينية
"هآرتس"، 1/10/2014


[لماذا صرخ محمود عباس في الأمم المتحدة؟]

· استخدام كلمة "إبادة" في خطاب محمود عباس في الأمم المتحدة يعبّر كرْب شديد ليس في وصف الحرب الأخيرة (والحروب السابقة) على غزة فحسب، بل في توصيف السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين (على جانبي الخط الأخضر). ومن دون الدخول في ما إذا كان عباس يتمسك بهذا الكلام، أم أنه فهم أن عليه أن يعبر عن مشاعر شعبه بصورة أفضل من الماضي، فإن الخطاب في مجمله صرخة. ونظراً إلي كونه غير قادر على الصراخ من على المنبر فقد استخدم كلمات عالية النبرة.

· نميل إلى أن نصرخ عندما لا يصغي الناس إلينا. والإسرائيليون خبراء بعدم الإصغاء. وبدلاً من التحدث عن إخفاقهم في الإصغاء، يحولون النقاش إلى الصرخة. وهنا تكمن مشكلة كل صراخ، وكل خروج عن التقاليد المتفق عليها. فالصراخ يُجابه بالإدانة من جانب الأشخاص المتحضرين الذين لا يصرخون، لكنهم يقومون بأشياء كثيرة أخرى، هم يدمرون ويقتلون ويطردون، لكنهم يتصرفون بطريقة مهذبة في المناسبات الاجتماعية.

· ليس وحده عباس يعاني من هذه الضائقة في استخدام العبارات، بل يشاركه فيها كل من لا يريد أن يصف الواقع من خلال التوصيفات الموجودة في الكتب والمقالات، وإنما يريد تغييره. ولماذا نصل إلى الصراخ؟ لأن هناك كثيرين يستفيدون من الوضع القائم ولا يريدون أيضاً تغييره. وهم لا يريدون أن يسمعوا أن هذا الوضع لا يحتمل وظالم وغير عادل، لأن هذا لا يمسهم.

· إن كل من لا يريد استخدام الشعارات والكليشهات يواجه ضيقاً في التعبير، فالكتابة عن إنسان طرد من منزله وأرضه يری الإسرائيليون أنها تعبر عن حالة فردية لا تملك صفة تمثيلية. والكتابة عن الطرد الجماعي والإبعاد تتحول إلى إحصاءات جافة لا يمكن التواصل معها. أما الحديث عن طفل قتله الجنود فإنه يجعل مشاعر الإسرائيليين تتعاطف مع الجنود الذين حياتهم في خطر. ولدى الحديث عن مئات الأطفال الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي، يتحدث الإسرائيلي عن الصواريخ التي سقطت في حديقة أطفال خالية. وهكذا عندما يجري محو التفاصيل والوقائع ودلالاتهما، فإن الكلمات التي تعبر عنها تتحول إلى شعارت وكليشهات في أسماع الذين يسمعونها.

· لهذا علينا أن نخترع الكلمات في كل مرة من اجل أن نروي القصة عينها بأساليب مختلفة. إن السنوات الـ25 الماضية يمكن اختصارها على الشكل الآتي وهو أن جميع الوسائل التي استخدمها الفلسطينيون للتعبير عن مقاومتهم للسيطرة الأجنبية التي فرضت عليهم فشلت، فإسرائيل لم تستمع إلى رسائلهم، بل طورت وصعدت الأدوات التي قمعت بها الوسائل التي استخدمها الفلسطينيون لنقل رسائلهم (نعم، الحجارة والصواريخ مثل الخطب والمقالات هي وسائل للمقموعين كي يقولوا ما لديهم). لقد طورت إسرائيل وصعدت وسائل قمعها، ثم تشتكي من مواصلة الفلسطينيين مقاومتهم.

· إن التصعيد والتحسين يتلاءمان مع الأساليب التي يستخدمها شعب الله المختار، من الأساليب البيروقراطية والتقنية (فرض القيود على التنقل، والتحكم بالتصاريح، وحظر أعمال البناء والتطوير)، مروراً بالأساليب العسكرية (السلاح والذخيرة اللذان يتقدمان في كل مرة درجات في القدرة على القتل، واستخبارات تصل حتى إلى أسرة المرضى)، ثم انتهاء بالوسائل الديبلوماسية.

· يبدو أنه لا يوجد لنا نظير في أساليب المكر والخداع التي نستخدمها في سيطرتنا على شعب آخر. فالعديد من الإسرائيليين الجيدين والسيئين تصرفوا بمكر ودهاء من أجل تحويل المفاوضات إلى غطاء لتوسيع المشروع الاستيطاني، ودفع الفلسطينيين نحو مناطق مزدحمة سكانياً (من على جانبي الخط الأخضر)، وقوضوا علاقتهم الطبيعية العميقة والتاريخية بأرضهم وموطنهم. وهم يحملون القيادة الفلسطينية مسؤولية مواطنيهم، لكنهم لا يعطونها الصلاحيات والموارد كي تتحمل هذه المسؤولية. هذا المكر والخداع هما اللذان يفسران لماذا صرخ عباس في الأمم المتحدة وهو من كبار المؤمنين بالمفاوضات.

عاموس هرئيل، محلل سياسي

"هآرتس"، 1/10/2014

[الواقع الاستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط يختلف عن الذي رسمه نتنياهو في خطابه]

· في الخطاب المصقول الذي ألقاه رئيس الحكومة في الجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس (الاثنين)، صوّر نتنياهو الشرق الأوسط بصورة عامة، منطقة تعج بالمخاطر وفي وسطها إسرائيل، وعلى اليهودي عامة أن يفكر مرتين قبل الخروج من منزله. ففي العالم كما يراه نتنياهو، الإسلام موجود في كل مكان، وهو في أغلبيته إسلام راديكالي يبحث عن فريسة. فإيران، الدولة الإسلامية، هي داعش وهي "حماس"، وجميعهم مصممون على محاربة الغرب ورأس حربته إسرائيل. والاحتمال الايجابي بالنسبة لإسرائيل لا يتمثل في السلام المفترض مع ناكر المحرقة المعروف، أبو مازن، بل في الوعد الغامض بتحالف مصلحي مع الدول السّنية المعتدلة مثل مصر والأردن.

· إن الغيوم السوداء التي يصور رئيس الحكومة انها تظلل المنطقة، موجودة فعلاً، وثمة قدر من الحقيقة في تحذير نتنياهو المجتمع الدولي من نسيان الخطر النووي الإيراني بسبب صعود الخطر الجديد الأقل خطورة والمتمثل في التنظيمات الجهادية السنية وعلى رأسها داعش. فبالنسبة لإسرائيل إيران هي عدو أكثر حنكة وإشكالية إلى حد بعيد. ولا يعود هذا إلى السلاح النووي فقط، بل بسبب المساعدة الكبيرة التي تقدمها إيران إلى تنظيمات إرهابية وحركات سرية في كل أنحاء الشرق الأوسط. لكن على الرغم مع ذلك، فإن حديثاً مع مصدر امني رفيع قبل بضع ساعات من خطاب نتنياهو أظهر صورة مختلفة قليلاً عن الوضع الاستراتيجي في المنطقة، قد يكون أقل واقعية وإقناعاً من الناحية الدعائية، لكنه أكثر تعقيداً.

· ففي رأي هذا المصدر أن إسرائيل ليست مركز ما يجري في المنطقة، ولا يعود هذا إلى أن النزاع الفلسطيني لم يعد المفتاح الذي يمكن بواسطته حل مشكلات الشرق الأوسط، بل بسبب أن الأحداث التي جرت خارج حدود إسرائيل خلال العامين الأخيرين (نتيجة الربيع العربي) هي قصة أكبر بكثير، وعلاقتها بإسرائيل حتى الآن هامشية للغاية. فحرب الحياة والموت بين الشيعة والسنة الراديكاليين لا تطيح فقط بالحدود القديمة التي رسمتها اتفاقية سايكس- بيكو، بل هي تغير بصورة مطلقة حياة عشرات الملايين من الناس المقيمين في المنطقة الممتدة من لبنان حتى حدود العراق مع إيران.

· ما يجري هو صراع تاريخي واسع النطاق لا تبدو نهايته في الأفق، زاد في حدته الصعود الكاسح لداعش الذي ملأ الفراغ الذي تركه ضعف النظام في العراق وسورية. ولولا انجراف التنظيم وراء الديماغوجية والألاعيب النفسية وإصراره على قتل صحافيين وعامل إغاثة أجانب ما بين منتصف آب/أغسطس ومنتصف أيلول/سبتمبر، لكان في إمكانه الاستمرار في ذبح آلاف الشيعة والعلويين والإيزيديين من دون أن يوقفه أحد.

· لكن نجاحات داعش تكمن في سقطاته. فقد ايقظ عرض أشرطة الرعب لقطع الرؤوس، الغرب من غفلته، وأدى إلى تشكيل التحالف الدولي الجديد بقيادة أميركية. وهكذا تقرر للمرة الأولى القيام بهجمات جوية للغرب داخل الأراضي السورية والعراقية. وما لم تنجح به ثلاث سنوات ونصف السنة من المذابح الفظيعة التي ارتكبها نظام الأسد في مناطق واسعة تابعة لمعسكر خصومه في سورية، ولا الهجوم الكيميائي في آب/أغسطس الماضي، نجحت به ثلاثة أشرطة ضحاياها مواطنان أميركيان وبريطاني.

· من وجهة نظر إسرائيل، فإن الهجمات الجوية ضد داعش أعطت ثماراً أولية، وتحمل في طياتها فرص نتائج أفضل بكثير. فقد انسحبت قوات التنظيم بتأثير الضغط الذي يمارس عليها من بضعة مناطق في سورية، باستثناء المنطقة الكردية التي تأخر رد التحالف فيها. وبصورة تدريجية يؤقلم داعش نفسه مع الظروف الجديدة، وقد قلص من انتشاره العسكري الظاهر بهدف تقليص تعرضه للضربات من الجو. وفي أي حال، فإن الضربات الجوية ليست كافية لطرد داعش من مواقعه أو لتعزيز قوة تنظيمات المعارضة الأكثر اعتدالاً في سورية في حربها ضد نظام الأسد. وتأمل إسرائيل أن تشكل الضربات الجوية تغيراً في التوجه الأميركي يؤدي ولو متأخراً إلى تقديم مساعدة مالية وعسكرية أكبر إلى تنظيمات مثل الجيش السوري الحر.

· في هذه الأثناء استكملت تنظيمات الثوار سيطرتها في الجولان على نحو 90% من الحدود مع إسرائيل باستثناء جبل الشيخ والجيب الدرزي القريب من قرية الخضرا. وظلت التنظيمات المعتدلة ملتزمة بما يمكن تفسيره بتعهدات لإسرائيل ومنع انتشار جبهة النصرة التنظيم المتشدد بالقرب من الحدود. وعلى الرغم من ميوعة هذا الوضع، فإن المؤسسة الأمنية لا ترى أنه يشكل خطراً مباشراً حالياً.

· ما هو موقف إسرائيل من هذه الصراعات؟ ثمة إجماع في الرأي بين الأجهزة الأمنية المختلفة على أنه يتعيّن على إسرائيل عدم الانجرار إلى داخل هذه النزاعات، ومواصلة التصرف بمسؤولية وإظهار صرامتها حيال أي محاولة للمس بأراضيها، لكن يجب أن تفهم أنها ليست من يملي الوقائع الإقليمية.

· إن التصرف الحكيم يتطلب إقامة تحالفات دائمة وأحياناً موقتة مع دول وحتى مع تنظيمات محلية. ويجب أن يجري هذا من خلال فهم أن ما يجري حالياً سيستمر في زعزعة المنطقة لفترة طويلة.

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: