من سوريا الى فلسطين خريطة المشهد السياسي
اعداد :بلال مشلب
وكالة نيوز
#مقدمة:
تشهد منطقة الشرق الاوسط صراعات كبيرة وتأزمات معقدة على كافة الصعد السياسية،الامنية،العسكرية،الاقتصادية والاجتماعية.ولعل هذا التازم تدور رحاه في ثقلين اساسيين في المنطقة ويشكلان المسرح الذي يتجمع فيه اللاعبين الاقليميين والدوليين الذين يتحكمون بتفاصيل الازمة الحالية.والثقلين اعني بهما فلسطين وسوريا.
وفي تقريرنا سنتطرأ تفصيلاً الى المشهدين السوري والفلسطيني من ايار 2016 حتى 15-10-2016 وذلك من كل ناحية على حدا،على ان يكون لكل باب من الابواب تقريره الخاص تباعاً،وسنحاول التقريب بين المشهدين وربطهما بما يدور من احداث في المنطقة.على ان يكون تقريرنا الاول هو دراسة المشهد السياسي لكل من فلسطين وسوريا.
#المشهد السياسي الفلسطيني:
يتمحور المشهد السياسي الفلسطيني حول عدة عناوين رئيسية والتي اثرت بشكل كبير في رسم المشهد في الاشهر المنصرمة حتى الآن.ولعل الانتخابات التشريعية هي ابرز عناوين المرحلة ،اضافة الى ضغوطات الاحتلال،والتفكك الداخلي الفلسطيني،وتآمر الدول العربية على القضية.
-الانتخابات التشريعية:
بالرغم من أن الإعلان عن الانتخابات المحلية الفلسطينية فتح أبواب الأمل نحو الانفراج السياسي وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، إلا أن قرار محكمة العدل العليا في رام الله بإيقاف الانتخابات في قطاع غزة، جاء قراراً مسيساً، وشكَّل عقبة جديدة في مسيرة الإصلاح الداخلي الفلسطيني. وأياً تكن المسارات المحتملة سواء بإجراء الانتخابات لاحقاً في الضفة والقطاع، أم بإجرائها في الضفة فقط، أم بإلغائها، فإن مآلات الانتخابات المحلية الفلسطينية تشير إلى أهمية إعادة التمعن في وظيفة الانتخابات في السياق الفلسطيني، وضرورة بناء توافق وطني على هذه الوظيفة كي لا يتحول ما يعتقد أنها فرصة إلى تهديد.
في حين جاء الضغط الاسرائيلي على ملف الانتخابات واضحاً حيث نقل محلل الشؤون الفلسطينية في موقع واللا الإلكتروني، آفي يسخاروف، أن منسق أعمال حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الجنرال يوءاف مردخاي، “حذّر قيادة السلطة من أن الذهاب إلى انتخابات قد يكون رهاناً خطيراً”. وقال المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، إن مسؤولين إسرائيليين حذروا نظراءهم في السلطة من أنهم “مبتهجون أكثر مما ينبغي” بإمكانية الفوز في الانتخابات، وأن حماس قد تستغل الانتخابات وتعزز تأثيرها السياسي في الضفة وتقوض بشكل أكبر مكانة السلطة ورئيسها المسن”.وفي ضوء هذه المخاوف، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن سلطات الاحتلال وضعت خطة للتعامل مع الانتخابات المحلية، دون الكشف عن تفاصيلها، غير أن أليكس فيشمان، المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أن السؤال المركزي الذي كان يطرح في مداولات هيئة الأركان ووزارة الحرب الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي، يتمثل في معرفة ما إذا كان سيتوجب على “إسرائيل” التدخل أم السعي للعمل على إلغاء الانتخابات الفلسطينية وتأجيل موعدها؟.
– الانقسام الداخلي الفلسطيني:
المشهد السياسي الفلسطيني دخل في ازمة عميقة، ليس بفعل التحريض والتراشقات الإعلامية المستمرة بين طرفي الإنقسام فتح وحماس ، بل تدحرجت كرة الثلج الى داخل بيت المنظمة وحركة فتح وبقية الفصائل، حيث تم التحشيد والتجييش بين مجموعة من المحاور والأطراف سواء داخل فتح او منظمة التحرير.حيث ادى هذا الصراع الى الاحتدام بين القوى الفلسطينية ونسيان القضية الاساسية وهي فلسطين المحتلة وبات كل طرف يسعى لتحقيق الشرعية والمكاسب السياسية والمناصب الرسمية.وفي هذا الاطار كشف أمين سر تحالف قوى المقاومة الفلسطينية خالد عبد المجيد، إلى أن هيئات وقوى وشخصيات وفعاليات فلسطينية تعمل وتدعو لعقد مؤتمر وطني فلسطيني لأنقاذ الحالة الفلسطينية، “ويقع على عاتق المؤتمر حماية القضية الفلسطينية من التجاذبات الداخلية والخارجية بهدف استنساخ قيادة فلسطينية, تمهيداً لخطوات سياسية خطيرة يتم الأعداد لها من قبل دوائر غربية وصهيونية وعربية, وتسعى للنيل والمس بالحقوق الفلسطينية ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية وأنهاء الصراع العربي – الصهيوني، وتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني وإقامة تحالف بين عدد من الدول العربية والعدو” .
وقال عبد المجيد: “من الضروري أن يجمع هذا المؤتمر كل القوى والهيئات والفعاليات والشخصيات الملتزمة بكامل حقوق الشعب الفلسطيني، والتي تلتزم بالميثاق الوطني ونهج مقاومة الاحتلال، ويضع على عاتقه إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية ووضع آليات لتجديد مسيرة النضال الوطني، وتشكيل إطار من هذه القوى للإنقاذ الوطني يتشكل من القيادات الوطنية الفلسطينية المؤتمنة، تعمل على توحيد صفوف شعبنا الفلسطيني وتضع برنامج لأستنهاض الحالة الفلسطينية وتجديد المقاومة والأنتفاضة”.
-الحصار الصهيو عربي:
يعيش قطاع غزة تحديداً تحت وطأة حصار شرس منذ نحو عشرة أعوام بهدف إخضاع حركة حماس، وحملها على قبول شروط ”الرباعية“ المعروفة. وقد تضاعفت المعاناة وثقل الأزمة وخطورتها عقب قيام السلطات المصرية بحملات هدم منهجية واسعة للأنفاق الحدودية بين مصر وقطاع غزة.
ويتناوش مستقبل الحصار ثلاثة سيناريوهات، أولاها استمرار الحصار، وثانيها تخفيفه، وثالثها إنهاؤه، إلا أن معطيات الواقع الراهن ومواقف الأطراف ذات الصلة، ترجح السيناريو الأول القاضي باستمرار الحصار خلال المرحلة القادمة.
وبقراءة خريطة الواقع فلا مفر أمام حماس والقوى الوطنية الفلسطينية من السعي لإنجاز المصالحة الداخلية، واستعادة العلاقة مع مصر، واستثمار العلاقات العربية والإسلامية بما في ذلك الجهدين التركي والقطري، والتحرك الفاعل على المستوى الخارجي، كآليات مهمة لمواجهة الحصار.
ولإنهاء الحصار اشترطت اللجنة الرباعية الدولية على حماس الاستجابة لشروطها التي تتعلق بالاعتراف بـ”إٍسرائيل“، والالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع ”إسرائيل“، ونبذ ما يسمى ”العنف“. غير أن حماس التي رفضت الاستجابة لهذه الشروط، تمكنت من مواجهة قسوة الحصار عبر تأمين الدعم المالي الخارجي، والاعتماد على مدخولات الأنفاق الحدودية بين قطاع غزة ومصر، ما سمح لها بتوفير رواتب الموظفين، والتصدي لحربين عسكريتين إسرائيليتين (2008-2009 و2012) دون أن تتأثر كثيراً بثقل الحصار وتداعياته السياسية والاقتصادية.
لكن هدم الجيش المصري للأنفاق الحدودية عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي منتصف سنة 2013، وتوقف حركة البضائع المهربة والمدخولات المالية على خزينة الحكومة التي تديرها الحركة، وإغلاق معبر رفح البري وعدم فتحه إلا عبر فترات زمنية متباعدة، بالإضافة إلى التوتر السياسي والميداني الشديد الذي خيم على علاقة الحركة بالسلطات المصرية الجديدة، والقطيعة السياسية بينهما، أدخل حماس في أزمة سياسية واقتصادية ومالية خانقة، ووضعها تحت ضغوط هائلة. وجاءت الحرب العدوانية صيف سنة 2014 وما صاحبها من مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال انتهت إلى غير طائل، لتزيد من ثقل الأزمة وتخيّب الآمال المعلقة عليها برفع الحصار أو تخفيفه على أقل تقدير.
من ناحية اخرى برز الى الساحة السياسية الفلسطينية محورين عربيين،يستهدفان المشهد السياسي الفلسطيني، وضرب منظمة التحرير وشطب البرنامج الوطني الفلسطيني، والمحوران لهما ارتباطات متينة مع اسرائيل، وينسقان معها لتصفية القضية الفلسطينية. هذان المحوران، هما، المحور الاماراتي الذي يسعى لاستقطاب النظام السعودي، والمحور الثاني هو المحور القطري التركي الاخواني، ولكل محور آلياته المعادية للشعب الفلسطيني وقيادته منظمة التحرير، ويلتقيان على اسقاط المشهد السياسي، وصياغة مشهد سياسي فلسطيني جديد، وقد عبر خالد مشعل عن هذه المخططات، لكنه، لم يفصح، وتناسى في الوقت ذاته، أنه جزء من المحور القطري، بمعنى، هو يعلم عن المخطط، ويشارك فيه، من خلال التحرك القطري التركي المبارك اخوانيا، فالمحور القطري يقوم على تعميق الانقسام في الساحة الفلسطينية، وما دعوة الدوحة لعقد حوارات المصالحة على أراضيها الا تغطية للدور التخريبي الذي تقوم به مع تركيا في هذه الساحة، والمحور القطري بترتيب مع اسرائيل يرى في قطاع غزة، مكان الدولة الفلسطينية، لذلك، هو يقوم بجهود الوساطة بين حركة حماس واسرائيل، ويسعى لاشعال الفوضى في الضفة الغربية، لتكون لقمة سائغة في يد تل أبيب توزعها على من تشاء، وتنصب من تريد لادارة ما تبقى من الضفة بعد انتزاع ما تريده تحت شعار الأمن الاسرائيلي، والمبادرات التصفوية جاهزة لفرضها، تحت تسميات مضللة ومغرية، وتحظى بدعم عواصم الردة التي تقودها المملكة الوهابية السعودية.
أما المحور الاماراتي، فهو يسعى لدى القاهرة والرياض لاستقطابهما، ومشاركته خططه والاعيبه باسناد مالي وارهابي، فالامارات هي المركز الرئيس للشركات الارهابية ومعسكرات تدريب مرتزقتها، وعلى أراضيها، مكتب استخباري اسرائيلي، يدير شؤونا كثيرة في مجمل الساحات العربية، ويقوم هذا المحور بتشغيل “مقاولين” فلسطينيين، يتوهمون بقدرتهم على ضرب المشهد السياسي الفلسطيي وصياغة مشهد جديد يضع على جدول اولوياته واهتماماته التساوق مع المطالب والاهداف الاسرائيلية، وتحولت أبو ظبي الى مركز وغرفة عمليات لمحاصرة القيادة الفلسطينية وشعب فلسطين والاطاحة بمنظمة التحرير، وفي هذا الاطار يدفعون الاموال الطائلة لشراء ماكنات اعلامية لا تعرف الا التشهير والتحريض ونشر الشائعات، اضافة الى ضخ الاموال لشراء الذمم والاستزلام، وصولا الى تخريب الساحة الفلسطينية والعبث بها بالفوضى والعنف.
اما العنوان الثالث وهو الاستيطان حيث لم تكتفِ إسرائيل هذه الفترة، التي علّقت بتاريخ 14-10-2016، تعاونها مع منظمة «اليونيسكو» بعد قرار المنظمة الدولية بأن لا علاقة ولا رابطَ تاريخياً أو ثقافياً لليهود بمدينة القدس والمسجد الأقصى، بما احتلته منذ العام 1948، بل هي تستمر في نهشِ أراضي الضّفة المحتلة، لِتُقيم بؤراً استيطانية عليها توسعت للدرجة التي تكاد تجعل من المدن الفلسطينية الرئيسية السبع فيها، بمثابة «كانتونات» منعزلة بعضها عن بعض.
يواجه بناء المستوطنات بغضب كبير في الساحة الرسمية والدولية، ولكن من دون أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، بل تكتفي الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، باستنكارات تلو الأخرى، تقول إن الاستيطان يُشكّل عائقًا أمام حلّ الدولتين، ويُعدّ حاجزًا أمام الدولة الفلسطينية الموعودة.
ويحذّر مدير العمل الشعبي في «هيئة مكافحة الاستيطان» عبد الله أبو رحمة، من المخطط الصهيوني الرامي لتحويل الضفة المحتلة إلى سبع مدن وقطع التواصل بينهم من خلال فصلها بالمستوطنات والطرق الالتفافية.
ويكشف أبو رحمة في حديث لـ«السفير» عن أنّ المخطط الصهيوني «يسعى إلى جعل الدولة الفلسطينية ثماني مدن متفرقة، وهي بالإضافة الى غزّة، أريحا ورام الله والقدس وبيت لحم والأغوار، وشمال الضفة وجنوبها»، موضحاً أن «ذلك يتم من خلال عزل شمال الضّفة عن جنوبها بِبُؤرٍ استيطانية تسمى أصبع أرئيل، وهي سلسلة عمرانية استيطانية تبدأ من مدينة كفر قاسم في الداخل المحتل وتنتهي بنهر الأردن، وعزل رام الله عن الأغوار بطرق التفافية، ومن الجهة الغربية بجدار الفصل، وعزل بيت لحم عن القرى المجاورة لها، خلافاً عن القدس وغزة وأريحا المعزولتين فعلياً».
من جهته، يقول أستاذ القانون الدولي في الجامعات الفلسطينية حنا عيسى إن «إسرائيل تسعى لتحقيق السيادة الإداريّة، وليس الوطنيّة، للفلسطينيين، فتُريد أنّ تُقسّم المدن إلى كانتونات لِتُفتت الدولة المُتفق عليها في أوسلو 1993».
#المشهد السياسي السوري:
ييبدو ان المشهد السياسي السوري شهد تغييرات على كافة الاصعدة في الاشهر القليلة الماضية،فبينما كانت ادوات الولايات المتحدة تتحكم بتفاصيل اللعبة السورية في المدن الكبرى باستثناء العاصمة السورية،كان المشهد السوري سياسياً يعد العدة لرسم خارطة امريكية جديدة.الا ان التدخل الدولي في اللعبة ادى الى تغيير معالم الامور.فمن انتخابات نيسان الى التدخل الروسي مرورا بعدة محاولات للتهدئة،كلها عوامل ادت الى انقلاب المشهد السياسي السوري على الرغم من الواقع المرير التي عايشته المدن السورية كالرقة وحلب من ممارسات فرضت من قبل داعش والنصرة لتطبيق نظام سياسي خاص واخضاع الشعوب القاتنة هناك.
-ممارسات الجماعات الجهادية:
مما لا شك فيه لا زالت داعش والنصرة تحاولان فرض سياساتهما في المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها،ومن المعروف كيف تستغل داعش بوجه الخصوص العوامل السيسيولوجية لتنفيذ اهدافها،وفي هذا الاطار يقول مصطفى البرَيجي المقيم في مدينة الرقة: «سارع داعش منذ دخوله إلى المدينة كفصيل إلى البحث عن رافد من مجتمع عشائر المحافظة، والتي رأى فيها لقمة سائغة لهشاشة نسيجها العشائري وضعفه، مطلقاً فرصة لمنح الراغبين سطوة المال والكلمة، باثّاً التهديد والوعيد على ألسنة مسلحيه الذين شرعوا بخطف وقطف رؤوس معارضيهم على مرأى من شيوخ العشائر، مستعيناً بأفواج من شباب عشيرة البريج الذين بايعوا التنظيم. هذه كانت بداية لبيعة العشائر الواحدة تلو الأخرى ابتداءً من البرَيج مروراً بالعجيل، والبوجابر، والسبخة، والعفادلة، والبوعساف، والهنادة، والشبل، والسخاني، والحويوات، وزورشمر… وأكملت إلى عشائر حلب الشرقية متمثلة بالبوبنة في منبج وعشيرة خفاجة في مسكنة، إضافة إلى عشائر البري والحديديين والنعيمات… جميع زعامات تلك العشائر، اقتاتت على بيع ولائها للأسد سابقاً مقابل فتات من السطوة والمال الذي جردتها منه حكومة البعث ذاتها.ويوضح مصطفى أن البيعة روتينية، فالعشائر لم تكن ذات وقع في الثورة السورية، هذا ما دفع بالناشطين إلى الخروج من كنف عباءات شيوخهم، ويضيف: «ليست المشكلة في مبايعة العشائر لـ «داعش» فقط، بل لرضوخهم التام لأي جهة تفرض سيطرتها على المنطقة، فقيام ولاية «داعش» في الرقة لا يعني حينها فرضاً لقوة «داعش» بالمقدار الذي يعني ضعف أي جهة قد تقف في وجهه، والأسوأ أن مجتمع العشائر لم يتخذ فكرة المقاومة طرحاً يتم البحث به!».
وفقاً لهذه المجريات استطاع «داعش» أن يحوّل الرقة وريف حلب الشرقي إلى ملعب لطموحاته، رامياً بالنسيج العشائري عرض الحائط، مؤسساً فيها دولة تغالي فيها من دون أن تجد حدوداً أو قيود متخذاً أسلوب النظام لنجاحه معه.
وتختلف المعادلة كلما اتجهنا شرقاً فسياسة «داعش» مع عشائر دير الزور مختلفة عن سياستها في الرقة وريف حلب الشرقي، وقال أحد أبناء ريف دير الزور، والذي قدَم نفسه باسم عبادة الديري: «تضم بادية دير الزور أهم قبائل المنطقة، قبيلتي العقيدات والبقارة، المعروف بأنها تحالف لعشائر عدة، العشائر المختلفة من حيث الطبيعة عن عشائر الرقة التي أخذت الأخيرة تدريجاً بالتمدن. فعشائر العقيدات التي تغطي مدن دير الزور، حافظت على خصال البداوة لا سيما الجانب المسلح منها، هذا ما دفع نظام الأسد سابقاً إلى توطيد علاقاته معها على مدى 40 عاماً.لكن هذا الحضور العشائري بدل أن يحكم السيطرة على أرضه، وقع ضحية انقسامات بين مبايع لـ «جبهة النصرة» وأخرى لـ «داعش»، وكلا الخصمين (داعش والنصرة) مدرك أهمية الثروة النفطية للمنطقة، إضافة إلى امتداد رقعتها إلى الحدود العراقية مسقط رأس «داعش» ومرجعيته.
«سياسة داعش اقتربت للجناح الدعوي الذي قدّم أفضل عرض، باستثمار حقول نفطها موقدة نار الفتن بين العشائر»، هذا ما قاله أحد شيوخ عشيرة البوسرايا في دير الزور، والذي أشار إلى أن القضية تتجاوز كلمة عشيرة والنيل من هيبتها، فالعشائر متنافسة في ما بينها على مدخول النفط، الذي لا تعم منافعه على القبيلة الواحدة، ما دفع عدداً من العشائر إلى اتخاذ موقف حيادي كونها خارجة عن نطاق المنفعة، منها عشيرة البوسرايا ذاتها.
من ناحية اخرى تلجا داعش لفرض النظام السياسي الاسلامي في التعامل مع المواطنين وتجبرهم على تنفيذ القوانين الاسلامية في كل تفاصيل الحياة،اذ يعتبرون انفسهم ولاة عليهم وامراء الدولة هناك وبحسب ما تذكر مراصد انسانية،تقول ان داعش والنصرة قامت بالاستيلاء على الاراضي والممتلكات وتاجرت بالنساء والبشر ولجات لمنع الانترنت عن الرقة خصوصاً.كلها ممارسات ترهيبية لاخضاع المواطنين واجبارهم على المبايعة للدولة الاسلامية،والهدف طبعا تثبيت وتدعيم النفوذ الارهابي هناك في تلك المنطقة.
-انتخابات نيسان:
جاءت الانتخابات التي جرت في نيسان اشبه بنقطة تحول من حيث توقيتها ونتائجها ،وذلك صب في مصلحة النظام السوري مما ادى الى محاولات تخريبها وارجائها الى اوقات لاحقة. وهنا تقفز إلى الواجهة عدة أسئلة: كيف ستتعامل كلّ من روسيا والولايات المتحدة مع الانتخابات التي حصلت منتصف شهر نيسان 2016؟ أليس هذا مؤشراً على مدى حرص الدولة السورية وقيادتها على تثبيت استقلاليتها وسيادتها؟ أليس إصرار الموفد الأممي دي ميستورا على تأجيل الانتخابات بحجة أنّ هناك مناطق سورية خارج سيطرة الدولة و/أو النفوذ الدولي؟! تجعل إجراءها في اللحظة تجاهلاً لرأي المواطنين السوريين فيها، واستطراداً رأي السوريين في الشتات؟ أليس الحرص على ذلك دليلاً أنّ تلك القراءة تفترض أنّ السوريين الموجودين في مناطق خارج سيطرة الدولة يعارضون الدولة ونظام الحكم القائم، ضاربة عرض الحائط كلّ المؤشرات ككثافة المشاركة الشعبية التي تقول عكس ذلك؟
-التدخل الروسي:
ادى التدخل الروسي لفرض معادلة قوة جديدة في الواقع السياسي السوري لمصلحة نظام الاسد.فبالطريقة العسكرية بداية،لجات روسيا لتوجيه ضربات قاصمة للمسلحين المدعومين امريكيا وبرعاية سعودية تركية،خاصة في مدينتي تدمر وحلب.ادت هذه الضربات الى بسط مزيد من النفوذ السوري التابع للنظام على الميدان،فتغيرن موازين القوة لمصلحة الجيش العربي السوري.ومع استمرار إنجازات الجيش العربي السوري في ميدان المواجهات ضدّ كلّ من «داعش» و«النصرة»،جعل من فرص تسوية ترضي إلى حدّ ما حكومتي الرياض وأنقرة تتراجع. فما كان على حكومتي الرياض وأنقرة إلاّ أن تعدّلا في طموحاتهما وتتكيّفا مع المستجدات الميدانية.
في حين برز الى الواجهة التقارب الروسي الامريكي لمحاولة ايجاد مخرجا سياسيا للازمة،عبر سلسلة لقاءات بين ممثلي الطرفين(محادثات لافروف-كيري).وبعد مفاوضات شاقة توصل الطرفين لاتفاق هدنة سرعان ما تم خرقها وعدم الاتزام بها من قبل المسلحين انفسهم.فتوحدت عدة فصائل تحت لواء النصرة في حلب بمسمى جديد (فتح الشام).في الوقت الذي أكد فيه معلقون إسرائيليون أن الاتفاق يمثل “تسليماً” أميركيّاً ببقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، رجحت دراسة إسرائيلية نجاح تطبيق الاتفاق الروسي الأميركي الأخير بشأن سورية. وعلى الرغم من أن الدراسة، والتي صدرت أمس الجمعة عن “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي، قد عدّدت عوامل فشل ونجاح الاتفاق إلا أنها رجحت في النهاية نجاحه بسبب “حاجة ومتطلبات” الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية.اذ ان الاتفاق يشجع الأسد على مواصلة خطه المتشدد الرافض لمطالبات المعارضة
وبحسب الدراسة، والتي أعدها كل منرئيس لواء التخطيط الاستراتيجي الأسبق في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال أودي ديكل، والمستشرق عوفر فنتور، فإن الاتفاق يشجع بشار الأسد على مواصلة خطه المتشدد الرافض لمطالبات المعارضة السورية بإدخال إصلاحات جذرية على النظام السياسي السوري، كجزء من تصورها لإنهاء الصراع الدائر هناك.
وحسب الورقة، فإن ما يبعث على التشاؤم إزاء فرص نجاح الاتفاق الروسي الأميركي “ليس فقط تجارب الماضي، بل بشكل أساس بسبب الشكوك التي تساور الأطراف الرئيسة ذات العلاقة بالصراع المتواصل هناك”.
في هذا السياق تحديداً، أشارت الدراسة إلى أنه على رأس العوامل التي تدعو للشك بشأن فرص تطبيق الاتفاق “الغموض” المتعلق بمستقبل بشار الأسد في الاتفاق، إذ يشير معدّا الدراسة إلى أن الاتفاق تعرض لمسألة إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، وناقش سبل استهداف تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، و”جبهة فتح الشام” (النصرة)، لكنه لم يتعرض لمستقبل الحل السياسي في سورية.
وأوضحت الدراسة أن الاتفاق تجاهل تماماً “خارطة الطريق” التي أعدتها وقدمتها هيئة المفاوضات التابعة للمعارضة السورية مطلع سبتمبر/أيلول الجاري في لندن، والتي حظيت بتأييد الحكومة البريطانية، إذ أعاد الباحثان للأذهان أن “خارطة الطريق” تضمنت خطة مفصلة لوقف إطلاق النار، وتدشين حكومة انتقالية تعددية بدون الأسد، وتنظيم انتخابات ديمقراطية للرئاسة والبرلمان.
وأوضحت الورقة أن الأميركيين حاولوا طمأنة المعارضة، من خلال رسالة بعث بها المعبوث الأميركي الخاص لسورية، مايكل ريتني، زعم خلالها أن الاتفاق يهدف إلى “بعث سورية جديدة بدون بشار الأسد”.لكن الاتفاق تجاهل “خارطة الطريق” التي قدمتها هيئة المفاوضات المعارِضة،واستنتجت الورقة أن المعارضة السورية تمثل “الحلقة الأضعف” في الاتفاق، مشيرة إلى أن ما يفاقم الأوضاع سوءاً هو حقيقة أن هذه المعارضة تتألف من فصائل عديدة، من دون قيادة قوية قادرة على فرض سلطتها على هذه الفصائل.فعادت المعارك لتشتعل مجددا الا ان تقدما لم يحققه المسلحين على الارض.
هذا الموجز يبين ان زمام المبادرة اصبح عند نظام الاسد والحلفاء المحيطين به وان المشهد السياسي انتقل من التصاعد الارهابي الى تثبيت القوة للنظام القائم.وابعدت عن الساحة ولو لفترة ما اي محاولات لحل سياسي جذزي للازمة.
يتبع
0 comments: