Thursday, November 10, 2016

مصر: السلفيون البراغماتيون

مصر: السلفيون البراغماتيون

 

 

تشي سلوكيات الحركة السلفية في مصر بمدى ميوعة، وأحياناً تناقض، ديناميكيات المنحى المذهبي. ففي غضون السنوات الخمس الماضية، انتهج حزب النور السلفي مقاربة براغماتية ومرنة في العمل السياسي، لكنه حافظ في الوقت عينه على مواقفه الدينية المتزمّتة. وعلى الرغم من أن الحزب اتّخذ قرارات وقدّم تنازلات سياسية عدّة تسير في عكس تيار المبدأ السلفي، إلا أنه اعتبر ذلك مجرّد خطوات تُمليها الضرورة لـ"حماية مصلحة الدعوة"، وللحفاظ على نفوذه في أوساط المجتمع. هذا التبرير حظي، على الرغم من النزاعات الداخلية حوله، بمباركة واسعة من جماعة الدعوة السلفية، وهي الذراع الدينية التي تقف وراء حزب النور. من النافل القول هنا أن حزب النور، إذا ماقورِنَ بجماعة الإخوان المسلمين، لايتصرّف كحزب إسلامي، على الأقل في شكله الراهن. فالسلفيون يعتبرون السياسة مجرد وسيلة للوصول إلى غاية دعوية.

أهداف حزب النور وانقساماته الداخلية
  • أسّست مجموعة من السلفيين حزب النور في العام 2011، بعد أن خَلِصوا بعد حقبة الثورة، إلى أنهم يحتاجون إلى حزب خاص بهم تكون له كلمته في المرحلة الانتقالية.
  • وضع مؤسس ورئيس حزب النور، عماد الدين عبد الغفور، تصوّراً لحزب منفصل عن جماعة الدعوة السلفية، بدعوى أن السياسي يختلف عن الشيخ.
  • بيد أن ياسر برهامي وشيوخ آخرين في جماعة الدعوة طعنوا بهذا الرأي في السنة التالية للتأسيس، واعتبروا أن الحزب يجب في الدرجة الأولى أن يعمل كأداة ضغط في يد الدعوة.
  • في الواقع، كان هؤلاء الشيوخ ممتعضين من درجة استقلالية عبد الغفور، خصوصاً بعد أن أبلى حزب النور بلاء حسناً في الانتخابات البرلمانية. نجح برهامي، عبر تذكير جمهوره بالخطوط الدينية السلفية التي يتعيّن عدم تجاوزها، في فرض سيطرته على الحزب في كانون الأول/ديسمبر 2012. بيد أن استقالة عبد الغفور القسرية لم تغيّر بشكل جذري مقاربة حزب النور لمسألة العمل السياسي.
براغماتية حزب النور ولماذا لايُعتبر حزباً إسلامياً بالمعنى المتداول لهذه المفهوم
  • اتخذ حزب النور على الدوام مقاربة براغماتية للعمل السياسي، لكن أسباب مثل هذه البراغماتية تبدّلت مع مرور الزمن تبعاً لطبيعة قيادته.
  • طيلة الفترة الممتدة من 2011 إلى 2012، كانت براغماتية الحزب شبيهة إلى هذا الحد أو ذاك بالأحزاب الإسلامية الأخرى، حيث يتعيّن على الحزب الذي يريد أن يتحول إلى قوة سياسية مؤثرة أن يتكيف مع قواعد اللعبة السياسية وان يعدّل مواقفه، عبر تلوين بعض مبادئه العقائدية أو تنحيتها جانباً.
  • تبنّى حزب النور منذ العام 2013، بقيادة الشيوخ، مقاربة ذرائعية بحتة في السياسة. كان هدفه الدفاع عن مصالح الدعوة (أو بكلمات أخرى، حماية، وربما تعزيز، الحركة الدينية التي يمثّلها)، واستخدم الحجة بأن الضرورات تبيح المحظورات لتبرير تنازلاته.
  • يمكن تفسير مواقف الحزب الأخيرة على أفضل وجه، خاصة بعد استيلاء الجيش على السلطة في تموز/يوليو 2013 وما تلا ذلك، من خلال إخضاعه إلى التحليل ليس كحزب إسلامي، بل كوسيلة ضغط لصالح جماعة دعوية.
  • يبدو أن المفارقة بين براغماتية الحزب السياسية المُغالية وبين تزمّته ومذهبيته على المستوى العقيدي، قادرة على الاستمرار، ويُحتمل أن تبقى كذلك.
مقدّمة
ستيفان لاكروا

ستيفان لاكروا أستاذ مساعد في العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس (Sciences Po)، وباحث في مركز الدراسات والأبحاث الدولية (CERI).

اشتهر السلفيون بتزمّتهم العقيدي وإدانتهم الشديدة لأي جماعة أو حركة تخالف آراءهم الدينية. كان السلفيون، قبل الربيع العربي، قانعون، مع حفنة استثناءات كما الحال في الكويت، بقصر عملهم على الحيّز الاجتماعي، ورفضوا الانخراط في اللعبة السياسية. بيد أن هذا المنحى انقلب رأساً على عقب غداة الربيع العربي، حين طفق السلفيون في تشكيل الأحزاب السياسية في مختلف الدول العربية، خاصة في مصر حيث سَجّلوا أكبر النجاحات. ولكن، كيف أثّر هذا التسييس للسلفية على مواقفها الدينية، وعلى علاقتها بالقوى الاجتماعية والسياسية الأخرى؟

الواقع أن أكبر المفاجآت وقعاً في حقبة مابعد الثورة في مصر، لم يكن الفوز الانتخابي لجماعة الإخوان المسلمين، إذ هذا ماتوقعه الكثيرون، بل بروز حزب النور السلفي الذي تأسّس في حزيران/يونيو 2011 كمنافس قوي للإخوان، كثاني أكبر حزب في البرلمان.1 ومنذ البداية، أذهل السلوك السياسي لهذا الحزب، معظم المراقبين الذين كانوا يتوقعون منه أن يتحوّل إلى حزب إسلامي يتموضع على أقصى يمين جماعة الإخوان، وأن يكون الأكثر تشدّداً سياسيا. صحيح أن الشيوخ السلفيين الذين يقفون وراء الحزب، ينتمون إلى منظمة دينية تُدعى الدعوة السلفية، وكانوا يتخذون مراراً وتكراراً مواقف دينية قاسية ضد الجماعات غير السلفية، على غرار الصوفيين والشيعة أو المسيحيين، وكذلك ضد الأحزاب السياسية المنافسة لهم بما في ذلك الليبراليين والإخوان، إلا أن الصحيح أيضاً أن الحزب طوَّر موقفاً غاية في البراغماتية إزاء العمل السياسي، وتحالف مع مجموعات وأحزاب لاتشاطره الإيديولوجيا الدينية. وغداة انقلاب 3 تموز/يوليو 2013، كالَ الليبراليون المؤيدون للمؤسسة العسكرية المديح لحزب النور الذي دعم الانقلاب ووصفوه بالاعتدال، فيما كانوا ينعتون الإخوان بأنهم غلاة متطرفون لابراء لهم. لكن العديد من الليبراليين أعادوا النظر في موقفهم، حال أن تبيّن أن البراغماتية السياسية للحزب لاترقى إلى التخلّي عن وجهات نظره الدينية، على الرغم مما بدا أنه محاولات منه للتراجع عن بعض مواقفه المثيرة للجدل.

يوفِّر حزب النور نموذجاً نادراً لحزب هو في آن شديد البراغماتية في مواقفه السياسية ومتزمّت للغاية في آرائه الدينية. وقد تأثّر التوازن بين هذين القطبين في خطاب حزب النور بالتغيرات التي طرأت على قيادته. في البداية، بذل مؤسّسو الحزب محاولات حثيثة وجدّية لتسوية بعض التناقضات بين مواقفه السياسية والدينية، عبر المجادلة بأن العمل السياسي بطبيعته له فضاء مختلف عن الدين، وينطوي على قواعد منفصلة. لكن في أواخر العام 2012، بسط الشيوخ سيطرتهم على الحزب، ما أسفر في خاتمة المطاف عن مقاربة مغايرة للسياسة وذرائعية بالكامل، تستند إلى ماجرى اعتباره أولوية مصلحة الدعوة السلفية. وبالتالي، يمكن تفسير مواقف حزب النور الأخيرة عبر تحليله ليس كحزب إسلامي، بل كذراع من أذرع الضغط لصالح منظمة دينية لايزال هدفها أساساً تغيير المجتمع من تحت لا من فوق.

جذور حزب النور: الدعوة السلفية

تعود أصول هذا الحزب إلى الدعوة السلفية، وهي جماعة دينية قوية أُطلق عليها في البداية اسم "المدرسة السلفية"، وتأسست في العام 1977 على يد أعضاء سابقين اسكندرانيين في حركة طلابية تُدعى "الجماعة الإسلامية". كان هؤلاء الأعضاء قد رفضوا قرار قيادة الجماعة بالانضمام إلى الإخوان المسلمين. فهم تبنّوا السلفية، واعتبروا فهم الإخوان للإسلام غير قويم. علاوةً على ذلك، لم تكن أولوية الدعوة مُنصبّة على العمل من أجل التغيير السياسي، بل على نشر المفاهيم السلفية في المجتمع. ولهذا الغرض، حوّل أعضاء الدعوة أنفسهم إلى شيوخ، على الرغم من أنهم كانوا كلهم أطباء ومهندسين، وتمحورت نشاطاتهم على الدعوة في مساجد الإسكندرية.2

دعا الشيوخ في عظاتهم إلى الالتزام بـ"الأصولية السنيّة" في مواجهة معتقدات وممارسات الصوفية، والشيعة، والمسلمين الليبراليين، وشدّدوا على السلوكيات الاجتماعية المُحافظة للغاية التي قالوا إنهم استقوها من سنّة الرسول، فأصدروا الفتاوى والكتب التي تحظر الاختلاط بين الجنسين، ومصافحة الرجل للمرأة، وتشجيع الذكور المسلمين على إرسال اللحى،3لكنهم تجنّبوا مناقشة القضايا السياسية الساخنة. وحين بحثوا بالفعل مسائل الحوكمة، التزموا فقط بالبيانات النظرية العامة. فهم، على سبيل المثال، اعتبروا الديمقراطية وكل أنواع الأنظمة السياسية التي تستقي شرعتيها من الشعب لا من الله، مخالفة للعقيدة الإسلامية،4 بيد أنهم تجنّبوا إدانة النظام المصري علنا. كما أنهم رفضوا الاشتراك في الانتخابات، مُجادلين بأن التغيير لايمكن أن ينبثق سوى من تحت، عبر نشر الدعوة لبلورة الطائفة المؤمنة.5

هكذا ظروف مميزة وفريدة، جعلت الدعوة السلفية مختلفة عن الجماعات السلفية السابقة في مصر، على غرار أنصار السنّة المحمدية التي تأسست العام 1926. كان الآباء المؤسّسون للدعوة السلفية من الطلاب الناشطين في فترة السبعينيات، ولذا قرروا تطبيق مبادئ النشاط المنظّم على السلفية. استند مشروعهم، بمعنى ما، إلى تقليد الهياكل التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين، لكنهم أحلّوا السلفية مكان الرسالة الإخوانية. وعلى الرغم من أن الدعوة السلفية لم ترقَ إلى مستوى التعقيد التنظيمي الذي ميّز الإخوان، إلا أنها مع ذلك بلورت هياكلها التنظيمية الخاصة التي يتربّع على رأسها "القيّم"  (أو الرئيس العام) – الموازي في وظائفه للمرشد العام لدى الإخوان؛ هذا مع العلم أن البيعة الرسمية لم تكن مطلوبة في حالة القيّم. وقد تم تكوين  العديد من القطاعات  والفروع، وشُكِّل مجلس الأمناء المكوّن من الشيوخ المؤسّسين للدعوة، وأُنيطت به مسؤولية إدارة الجماعة . أما السلفية الحركية للدعوة، فقد جرى تبريرها عبر فتاوى سلفية، خاصة من طرف الشيخ السلفي المصري المُجنّس كويتياً عبد الرحمن عبد الخالق، الذي أضفى الشرعية الدينية على مفهوم "العمل الجماعي".7

نما نفوذ الدعوة في الثمانينيات ومابعدها، ليس بسبب هياكلها التنظيمية وما أسفرت عنه من قدرة على التعبئة وحسب، بل أيضاً لبروز ظروف سياسية مؤاتية. فلأنها لم تهتم ظاهرياً بالشأن السياسي، اعتبرت أجهزة الأمن المصرية عموماً الدعوة منظمة حميدة أكثر من معظم الجماعات الإسلامية. وهكذا، جرى اعتقال حفنة ضئيلة فقط من أعضاء الدعوة غداة اغتيال الرئيس السابق أنور السادات العام 1981، في حين زُجَّ إسلاميون من كل الفصائل في السجون، بمن فيهم عناصر لاعلاقة لها بالحدث. وفي العقود اللاحقة، خضعت الدعوة عموماً إلى ضغوط أقل من تلك التي تعرّض إليها الإخوان والمجموعات الجهادية. لابل أطلّت الحكومة في بعض الأحيان على الدعوة كقوة توازن مُفيدة. وعلى رغم أن الدعوة أُجبرت على تفكيك بعض قطاعاتها وجرى اعتقال بعض قادتها مراراً- وهذا يشي بأن أجهزة الأمن كانت  تفتقد إلى الثقة بالتزام الدعوة بالأمر الواقع الراهن- إلا أنه كان يطلق سراح أتباعها بشكل أسرع من بقية سرب الإسلاميين. بيد أن الدعوة تمكّنت، على الرغم من القيود التي فُرضت عليها، من التوسّع على نحو كبير، ورسخت وجودها في طول مصر وعرضها (خاصة في الشمال)، وفي مناطق أبعد بكثير من معقلها الأصلي في الإسكندرية. وثمة اعتقاد شائع بأن الهبات السخية التي تقدمها مؤسسات وأفراد في منطقة الخليج، هي التي وفّرت للدعوة الموارد المالية للتوسّع والنمو، لكن من المستحيل إثبات ذلك.

تَسارَعَ نمو السلفية في مصر، على الأخص في العقد الأول من القرن الحادي والعشري. فمنذ العام 2006 وصاعداً، منحت الحكومة تراخيص بث تلفزيوني لأقنية سلفية، بدءاً من قناة الناس ولاحقاً قناة الرحمة. ويبدو أن الحكومة اكتشفت فيهم، مجدداً، فوائد سياسية، لأنها افترضت أنهم يسوقون المتدنيين المحافظين بعيداً عن الخطاب المسيَّس لجماعة الإخوان والجماعات الجهادية. وفي نهاية ذلك العقد، اجتذبت هذه الأقنية أكبر جمهور في مصر، وكان معظم الشيوخ الذين يُطلّون على شاشاتها غير منتسبين إلى الدعوة، بل هم "شيوخ مستقلون" كالشيخ محمد حسين يعقوب، وأبي اسحق الحويني ومحمد حسان. لكن، بما أن الدعوة باتت أكبر جماعة سلفية نشطة في مصر، فقد ساعدت جاذبيتها المتزايدة على جذب آلاف الأعضاء الجدد إليها وزادت من توسُّع نفوذها وتمدّده.

دخول المعترك السياسي

أخذت ثورة 25 يناير 2011 ضد الرئيس السابق حسني مبارك الدعوة السلفية على حين غرّة. فالشيوخ لم يعتقدوا البتة بأن التغيير يمكن أن يولد من رَحَمِ السياسة، ولذا نددوا بالحدث في البداية بوصفه فتنة، وحثّوا أتباعهم على عدم الانخراط في الاحتجاجات.8 والحال أن الدعوة لم تلتحق بمطالب التغيير إلا قبل أيام قليلة من سقوط مبارك. وكما حدث مع جماعة الإخوان، التي تعرّضت قيادتها إلى انتقادات  داخلية بسبب عدم اقتناعها بالثورة في أول أيامها ، شهدت الدعوة انتقادات داخلية مماثلة. عماد عبد الغفور، وهو طبيب لعب دوراً حاسماً في تأسيس الدعوة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كان أحد هذه الأصوات الناقدة. وعلى الرغم من أن روابطه مع الجماعة  تراجعت مع الوقت، خاصة خلال تواجده في الخارج (بما في ذلك تركيا التي أمضى فيها معظم العقد الأول من هذا القرن)، إلا أن كان لايزال يحظى بثقل وازن بين الشيوخ. وبعد أيام قليلة من استقالة مبارك في 11 شباط/فبراير، قرر عبد الغفور، الذي إدّعى بأنه كان من أوائل الداعمين للثورة، أن ثمة في الأفق حقبة ثورية جديدة، مايحتم على السلفيين أن يكون لديهم حزبهم السياسي الخاص كي يكون لهم قول وشأن في عملية الانتقال. وعلى إثرها، دأب على مقابلة الشيوخ الواحد تلو الآخر، وأقنعهم في نهاية المطاف بالسماح بتشكيل حزب النور الذي سيكون بقيادته.9

شاب التوتر الحاد، منذ البداية ، العلاقة بين الحزب والدعوة. وفي مقابلة في نيسان/أبريل 2011، اعترف ياسر برهامي، الذي أصبح رسمياً الشخصية الثانية بعد "القيّم" أبو إدريس لكنه في الواقع الرجل الأقوى10 في الجماعة ، بوجود علاقة بين الدعوة وبين حزب النور، لكنه رفض وصف هذا الأخير بأنه الذراع السياسية للدعوة.11 فالشيوخ  لم  يعتقدوا بأن مشروع عبد الغفور يمكن أن يقطف ثمرة النجاح، أو هم ربما كانوا خائفين من أن مواقف الحزب يمكن أن تُلحق الضرر بالدعوة.   

تواصل تدهور العلاقة بين عبد الغفور وبرهامي، إنما متباينة. وبحلول خريف العام 2011، أمسى واضحاً أن حزب النور بات يشكّل تجربة ناجحة. فقد تضاعف عدد أعضائه، وطَرَحَ مرشحين للانتخابات التشريعية في الدوائر الانتخابية كلها، وغَزَتْ ملصقاته الانتخابية كل المناطق، وحظي بدعم عدد كبير من أبرز الشيوخ السلفيين المستقلين. وهكذا، فاز حزب النور، في إطار "ائتلاف إسلامي" كان الشريك الأساسي فيه، بنحو 25 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، ليصبح بذلك ثاني أكبر حزب سياسي في مصر، بعد حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين.

أصاب عبد الغفور هذا النجاح، بعد أن نأى بالحزب عن النقاشات الدينية الخلافية التي كانت طاغية في أوساط الدعوة السلفية. وهو أرسى  خطاباً سياسياً غير متوقَّع ، من نواحٍ كثيرة، مادفع بالحزب إلى (1) التعهّد باحترام الأصول والقواعد الديمقراطية؛12 (2) تعيين شباب في منصب ناطقين باسم الحزب، لتقديم نفسه في صورة الحزب الذي يلبّي تطلعات الجيل الجديد، وللتشديد على أن قادته لاعبون جدد (أو نظيفو الكف)؛ و(3) إظهار نفسه بأنه مؤيّد للثورة ومنفتح على الأفرقاء السياسيين الآخرين في الداخل والخارج على حدٍّ سواء.13 لا بل اتّسم خطابه بلمسات شبه يسارية، ولاسيما عندما حاول السلفيون أن يصوّروا أنفسهم على أنهم الممثلون الحقيقيون للفقراء، متّهمين الإخوان المسلمين ضمناً بأنهم مرشّحو البُرجوازية المحافظة.14 احتفظ الحزب باعتزازٍ بهويته الإسلامية، وواظب على الدعوة إلى تطبيق الشريعة، لكنه أصرّ على اتّباع مسار تدريجي وحميد، وصبّ عبد الغفور تركيزه على السياسة، لاعلى الفقه الديني. حتى أنه رفض توصيف الحزب بـ"السلفي"، معتبراً أنه "حزب جميع المصريين".15

النقاش حول أهداف حزب النور

أثارت المكاسب الانتخابية الضخمة التي حصدها الحزب، اهتمام ياسر برهامي الذي لم يؤمن في البداية بالمشروع، لكنه بات الآن مقتنعاً بأن حزب النور يمكن أن يشكّل أداة فعّالة في أيدي الدعوة. جُلّ ماكان يحتاجه هو السيطرة على الحزب. وهو رأى في ذلك عين العدل، لأنه اعتبر أن الفضل الوحيد في الإنجازات التي حققها حزب النور يُعزى إلى النفوذ الذي تتمتع به شبكات الدعوة السلفية، لا إلى جاذبية الخطاب السياسي للحزب، كما ادّعى عبد الغفور.16 وهكذا، انقسم الحزب، في العام 2012، إلى فصيلَين: أتباع رئيسه عبد الغفور وأتباع برهامي، رجل الدعوة القوي.

لم يتمحور الانقسام حول الصراع على السلطة بين عبد الغفور وبرهامي وحسب؛ بل كانت ثمة مسألة أعمق على المحك. أراد عبد الغفور ومعاونوه أن يكون حزب النور حزباً سياسياً، شأنه في ذلك شأن جميع الأحزاب الأخرى،17 مايعني تبنّيه بالكامل لقواعد اللعبة السياسية. كان الحزب لايزال يعتبر نفسه حزباً دينياً، لكنه كان منفتحاً على كوكبة من التحالفات من أجل تحقيق أهدافه والانضواء تحت لواء الحكومة مع برنامج سياسي قابل للتطبيق.18 لا بل عَمَدَ عبد الغفور إلى تشكيل فريق من الأكاديميين غير السلفيين بمعظمهم لوضع البرنامج،19 واعتبر أن من غير الممكن تحقيق الهدف الذي يصبو إليه إلا عبر جعل الحزب منفصلاً بالكامل عن الدعوة. قال أحد المعاونين المقرّبين منه: "قد نستشير شيوخ الدعوة الذين نجلّهم كثيراً إذا كنا نحتاج إلى فتوى منهم حول مسألة محددة، لكننا لانريدهم أن يتدخّلوا في الشؤون اليومية للحزب لأنها شأن سياسي، والسياسة ليست من اختصاصهم".20 شاطَرَ عدد كبير من الأشخاص الذين تجمعهم علاقة بالحزب منذ بدايته، عبد الغفور في مواقفه وآرائه. أحد أسباب ذلك هو أن العديد منهم لم يكونوا على ارتباط وثيق بالدعوة السلفية – نتيجة امتعاضها في البداية من حزب النور – لابل إن عدد الشيوخ في صفوفهم كان قليلاً جداً.21 وبعدما أصبح حزب النور ناشطاً في اللعبة السياسية، بات عدد كبير من أعضائه ينظرون إلى أنفسهم أكثر فأكثر كسياسيين، وأدركوا مدى اختلاف ذلك عن تركيبة ودور الشيخ.22

كان لدى برهامي خطة أخرى للحزب. فهو اعتبر أن مكاسب الحزب يجب أن تعود بالفائدة على الدعوة السلفية، وأن على مواقف الحزب أن تضع مصلحتها فوق كل اعتبار.23 بالطبع، كان برهامي سعيداً بفكرة أن حزب النور يضغط، حيثما تمكّن، لاعتماد تشريعات مستندة إلى الشريعة، لكنه اعتبر أن ذلك لاينبغي أن يتم على حساب الدعوة. وهكذا، لم يكن برهامي مستعداً ليُطلّ على حزب النور كحزب سياسي عادي؛ بل اعتبره، قبل كل شيء، ذراع الدعوة الضاغِط، أو مايُسمّى باللوبي في المضمار السياسي. يمكن القول إن موقف برهامي لم يشهد أي تغيير فعلي منذ مرحلة ماقبل العام 2011. فقد حافظ على نظرته التي لاترى إلى السياسة على أنها أداة للتغيير بحد ذاتها – على الأقل ليس قبل أن يصبح المجتمع جاهزاً على الصعيد الديني. وقد ردّدت الدعوة مراراً وتكراراً أن الإصلاح لن يتحقق إلا من خلال نشر الإسلام السلفي في المجتمع، وأن حماية الكيان الذي ينشر الدعوة السلفية هو الهدف الوحيد الذي يستحق العناء.

على الرغم من التباين الشاسع بين الدعوة السلفية وبين الإخوان المسلمين، شكّل هذا النزال بطريقة من الطرق انعكاساً للنقاش القائم منذ منتصف التسعينيات بين "إصلاحيي" الإخوان من جهة – الذين كانوا مستعدّين للانخراط الكامل في السياسة وتقديم التنازلات اللازمة، بما في ذلك الفصل بين الجماعة وبين أنشطتها السياسية - وبين "المحافظين" الذين يُعرَفون أيضاً بالتنظيميين من جهة ثانية، والذين اعتبروا أن التغيير الحقيقي لايمكن أن يحدث إلا من خلال الجماعة.24 كان هذا نقاشاً فكرياً وتنظيمياً، تماماً كما النقاش داخل حزب النور. في خاتمة المطاف، سيطر التنظيميون بقيادة خيرت الشاطر على الإخوان اعتباراً من العام 2009، ماأطلق في وجههم موجة جديدة من الانتقادات ذات النزعة الإصلاحية غداة الثورة. أومأ يسري حماد، الناطق السابق باسم حزب النور والمنشق عنه، إلى المقارنة بين الدعوة والإخوان، قائلاً: "أراد برهامي أن نرتكب الأخطاء نفسها التي انتُقِد الإخوان المسلمون عليها!"25

استهدف برهامي، في خضم مساعيه الرامية إلى تحدّي عبد الغفور والتشكيك في استقلاليته، براغماتيةَ الحزب "المُفرطة"، عبر تذكير جمهوره بالخطوط الحمر الدينية التي لايجوز للسلفيين تجاوزها، وذلك من خلال سلسلة من الفتاوى التي بُثّت على موقعه الإلكتروني منذ كانون الثاني/يناير 2012. انتقد برهامي، في إحدى الفتاوى، عبد الغفور على خلفية تصريحه في برنامج حواري بأن حزب النور منفتح على أشخاص من مختلف الخلفيات الدينية، وبأنه يأمل أن يترشّح مسيحيون على قوائم الحزب مُستقبَلاً،26ما اعتبره برهامي من المحظورات، لأنه لايجوز السماح للمسيحيين بدخول مجلس النواب كي لايحصلوا على ولاية على المسلمين. كما أنه انتقد تصريح عبد الغفور بأن حزب النور منفتح على التحالفات مع جميع الأفرقاء السياسيين، وليس الإسلاميين فقط، بما في ذلك حزب المصريين الأحرار الذي أسّسه رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس. وشدّد على أن "أي تحالف مع مجموعات تعارض شريعة الله، ممنوع منعاً باتاً".27 لاحقاً، في العام 2012، جرى مؤقتاً تعليق عضوية محمد نور، الناطق باسم الحزب وأحد معاوني عبد الغفور، بعدما انتقد شيوخ الدعوة في العلن حضوره حفلاً في السفارة الإيرانية.28 كذلك، شنّ برهامي هجوماً على عبد الغفور لأنه شارك في فعاليات العيد الوطني في السفارة التركية، مشيراً إلى أن المناسبة لم تكن سوى "احتفال بانتهاء الخلافة العثمانية".29 وفقاً لأحد معاوني برهامي، كان سلوك عبد الغفور البراغماتي يشي بأنه يحاول تطبيق "الأنموذج التركي" للإسلام السياسي داخل حزب النور، وهذا أمرٌ مرفوض.30

المرة الأخيرة التي تقاطع فيها الفصيلان (اللذان يتألف منهما حزب النور) حول قواسم مشتركة، كانت خلال الانتخابات الرئاسية، عندما اتّخذا معاً القرار بعدم تقديم مرشح للانتخابات ودعم عبد المنعم أبو الفتوح، الإصلاحي المنشق عن الإخوان المسلمين الذي عرّف عن نفسه بأنه إسلامي ليبرالي، وحاول تشكيل ائتلاف واسع يضم أحزاباً وأفراداً من طرفي الطيف السياسي. لكن كان لكل فصيل منطق مختلف. فقد رأى أنصار عبد الغفور في أبو الفتوح خياراً مقبولاً لأنه إسلامي توافقي، وكان انتخابه ليوفّر الحظوظ الأفضل لضمان استمرارية العملية السياسية والحؤول دون العودة إلى الدولة الأمنية. لكن مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، كان يتمتع أيضاً بشعبية في أوساط هذه المجموعة.31

أما برهامي وحلفاؤه فكانوا ينظرون إلى الأمور بطريقة مختلفة تماماً. كان هدفهم الأساسي منع انتخاب مرسي – بسبب الخصومة المديدة بين التنظيمَين والاعتقاد بأن منح السلطة إلى الإخوان قد يلحق الضرر بالدعوة السلفية. كانت الهيمنة السياسية للإخوان، في نظر هؤلاء، ستُفضي في نهاية المطاف إلى فرض هيمنتهم على المستوى الديني، لذلك كان من الضروري منع مرسي من الوصول إلى السلطة، بغية حماية حضورهم الديني. بيد أن برهامي وحلفاءه كانوا مضطرّين لدعم مرشح إسلامي (ولاسيما بعد الفتوى الصادرة عن برهامي، والتي انتقد فيها انفتاح عبد الغفور على الليبراليين)، وهكذا بقيت أمامهم ثلاثة خيارات: حازم صلاح أبو اسماعيل الذي يصف نفسه بالسلفي الثوري، والذي لم تكن تربطه أي علاقة بالدعوة السلفية وكان يُعتبَر عصياً للغاية على الإخضاع سياسيّاً؛32 ومحمد سليم العلوا الذي كانت حظوظه بالفوز شبه معدومة، ويُقال إن لديه علاقات جيدة مع إيران (الأمر الذي كان موضع استهجان من السلفيين)؛33 وأبو الفتوح الذي كان برهامي وحلفاؤه يمقتونه على المستوى الديني، لكنهم اعتبروه أهون الشرور.34

منذ خسارة أبو الفتوح في الجولة الأولى (أحد أسباب ذلك أن القواعد الشعبية السلفية لم تكن متحمّسة لدعم مرشّح يعتبرونه  ليبرالياً)، واجه قياديو حزب النور معضلة أخرى في الجولة الثانية: محمد مرسي أم أحمد شفيق، آخر رؤساء الحكومة في عهد مبارك. وقد قرّروا على مضض تأييد "المرشح الإسلامي" مرسي، مع أنهم لم يدعموا فعلاً حملته. لكن قُبيل الإعلان عن النتائج، قام برهامي بزيارة ودّية إلى شفيق للتفاوض على شروط مؤاتية في حال فوزه بالرئاسة.35

خلال النصف الثاني من العام 2012، باتت الانقسامات في صفوف حزب النور أكثر وضوحاً للعيان. فقد بدأ أتباع عبد الغفور يتهمون برهامي بالتدخّل في شؤون الحزب، عبر الضغط لتعيين أنصار الدعوة السلفية في مناصب إدارية رفيعة. وبما أن حزب النور كان يتجه إلى إجراء انتخابات داخلية في خريف ذلك العام، كان الهدف على مايبدو إقصاء عبد الغفور وأعضاء فريقه واستبدالهم بأشخاص موالين للدعوة.36 وللتعبير عن احتجاجهم، شكّل أتباع عبد الغفور "جبهة إصلاحية" داخل الحزب، طالبوا عبرها بالفصل بينه وبين الدعوة السلفية، وهذا ماكانوا يصرّون عليه طوال عام، إنما ليس في العلن.37 تصاعدت وتيرة التشنجات بشكلٍ مطّرد، مع قيام شخصيات موالية لبرهامي بالإعلان عن إقالة عبد الغفور من الحزب في أيلول/سبتمبر 2012. فردّ هذا الأخير وحلفاؤه في كانون الأول/ديسمبر 2012 أنهم في صدد مغادرة حزب النور لإنشاء حزبهم السياسي الخاص المسمّى حزب الوطن، الذي يحمل شعارَي "فصل السياسة عن الدعوة" و"تفضيل الكفاءة على الولاء للشيوخ".38

انتصرت الدعوة السلفية بزعامة برهامي في نهاية المطاف. ففي التاسع من كانون الثاني/يناير 2013، انتُخِب يونس مخيون، أحد معاوني برهامي المقرّبين، رئيساً للحزب بالتزكية، ومُني خط عبد الغفور بالهزيمة. وبعد نحو عامَين من الالتباسات، غدا حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية.

نوعٌ مختلف من البراغماتية السلفية

مع ذلك، لم تؤدِّ سيطرة برهامي والدعوة السلفية على حزب النور إلى وضع حدٍّ لبراغماتية الحزب، إلا أن المنطق وراءها قد تغيّر، بفعل جملةٍ من الاعتبارات. هذا فضلاً عن أن الدعم الفاتر الذي منحه حزب النور لمرسي خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لم يفعل الكثير لرأب الصدع في العلاقة بين الدعوة والإخوان. ويبدو أن الحزب أمل بأن يُشركه مرسي في حكومة الوحدة الوطنية التي كان قد قطع وعداً لأنصاره بتشكيلها بين الجولتَين الانتخابيتين. لكن على غرار معظم الأفرقاء السياسيين الآخرين الذين راهنوا على مرسي، شعر حزب النور بخيبة أمل شديدة. فعلى الرغم من أنه ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد، كما أنه حزب إسلامي على غرار الإخوان، لم يُعيَّن سوى ثلاثة من أعضائه في فريق مرسي الرئاسي، هما خالد علم الدين وبسام الزرقا (عُيِّنا في هيئة استشارية رئاسية واسعة ومحض رمزية)، فيما عُرِض على عبد الغفور، رئيس حزب النور آنذاك، منصب معاون رئاسي لشؤون الحوار الاجتماعي.39 وأدّى منح المنصب الأرفع بين المناصب الثلاثة إلى عبد الغفور إلى تفاقم الأمور مع الدعوة السلفية، التي رأت في الخطوة محاولةً من الإخوان للضرب على وتر الانقسامات في صفوف حزب النور.

على الرغم من ذلك، حاول حزب النور في البداية التأقلم مع الواقع السياسي الجديد، وتجنُّبَ انتقاد مرسي، وكان الدستور هو القضية التي لمّت شمل الإخوان المسلمين وحزب النور. فالبرلمان كان عيّن جمعيةً دستوريةً أوائل حزيران/يونيو 2012، أي قبل أن تحلّه المحكمة الدستورية بأسابيع قليلة، ضمّت في صفوفها أعضاء متعاطفين مع كلّ من الإخوان المسلمين والسلفيين، بلغوا النسبة نفسها تقريباً كما في البرلمان (أي حوالى الثلثيْن). وهكذا تشاطر الفصيلان المصلحة نفسها القاضية بتعزيز نفوذ الإسلام في الدستور، الأمر الذي واجه معارضةً شديدةً من أعضاء الجمعية الآخرين (ولاسيما الليبراليين والمسيحيين). أنتج تحالف الطرفين الموضوعي هذا في نهاية المطاف دستور كانون الأول/ديسمبر 2012، الذي أبقى على المادة الثانية من دستور العام 1980 ("مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع")، لكنه أضاف المادة 219 التي تنصّ على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنّة والجماعة"، وذلك للحرص على أن تكون المادة الثانية الآن مُلزِمةً قانوناً.

غيّر حزب النور بشكل ملحوظ موقفه العلني من مرسي في كانون الثاني/يناير 2013، ووجّه الناطق باسمه بيانات انتقادية أكثر فأكثر. هذا التغيير في الموقف يُعزى إلى أسباب ثلاثة، يتلخّص أوّلها بأن السلفيين والإخوان المسلمين فقدوا بعد اعتماد الدستور (من جانب الجمعية الدستورية، وبموجب استفتاء حصل فيه على 63 في المئة من الأصوات)، المصلحة المشتركة الأخيرة التي كانت تجمعهم. والسبب الثاني أن الرياح السياسية بدأت تنقلب على مرسي غداة الإعلان الدستوري الذي أصدره في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وأغدق بموجبه حصانةً قضائية على القرارات الرئاسية، فكان أن أثارت هذه الخطوة تظاهرات وصدامات دموية أمام القصر الرئاسي. صحيح أن حزب النور عارض الاحتجاجات الأوّلية باسم الحفاظ على "الاستقرار والنظام"، إلا أنه طَفَقَ هو أيضاً في إطلاق انتقاداته. أما السبب الثالث، ولربما الأهم، فهو أن التغييرات والتعيينات التي كان يجريها مرسي في الوزارات، بدأت تثير قلق الدعوة السلفية التي كانت سيطرت على حزب النور آنذاك. وكما أوضح باتريك هيني، اعتمد الإخوان مواقف متباينة إزاء مؤسسات الدولة، انطلاقاً من كونها قوية أم ضعيفة.40 وهكذا لم يعيّن مرسي قط أعضاء من جماعة الإخوان أو شخصيات تناصرها جهاراً في المؤسسات القوية، على غرار الجيش أو وزارة الداخلية، بل حاول فقط ترقية مسؤولين من الصف الثاني. وهو أقدم على ذلك بعد عقدِ اتفاقٍ معهم يضمن فيه ولاءهم، علماً أن اللواء عبد الفتاح السيسي، وهنا المفارقة، اختير وزيراً للدفاع استناداً إلى هذا التوجه. أما في المؤسسات الضعيفة، فقد انخرط جماعة الإخوان المسلمين على نحو أوسع. إحدى تلك المؤسسات كانت وزارة الأوقاف، حيث استبدل مرسي معظم أفراد طاقم العمل بموالين لجماعة الإخوان. ولم يمضِ بعدها وقت طويل حتى اقترح مرسي إنشاء نقابة للدعاة، وهي خطوة رأت فيها الدعوة السلفية، التي تضمّ في صفوفها العديد من الشيوخ الذين لايحملون شهادات دينية، محاولة أخرى لتهميشها،41 واعتبرت هذه الإجراءات بمثابة تمهيد لاستيلاء جماعة الإخوان على المجال الديني. وكان ذلك تهديداً وجودياً.

شرع حزب النور، من أوائل العام 2013 وصاعداً، في التحوّل إلى حزب مُعارِض، فانضمّ إلى مجموعات سياسية أخرى في شجبها "أخونة الدولة". كان هذا المصطلح قد أضحى شعاراً تبنّاه الناشطون المناهضون لجماعة الإخوان، لكنه في الواقع برز للمرة الأولى في خطاب حزب النور في بيان ألقاه المتحدثّ باسم الحزب نادر بكار ، في أواخر كانون الثاني/يناير  2013. 42 وبعدها بفترة وجيزة، زعم حزب النور أن بحوزته سجلاً يوثّق حالات الأخونة كلها، مهدّداً بنشره.43 يُشار إلى أن شخصيات من حزب النور انتقدت جهاراً، في أوائل شباط/فبراير 2013، الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد إلى مصر - تلبيةً لدعوة مرسي - واتّهمته بنشر التشيّع.44 وبهذه الخطوة أصاب حزب النور عصفورين بحجر واحد، إذ أعاد التأكيد على تشدّده إزاء الشيعة، وحَمَلَ في الوقت نفسه على جماعة الإخوان.

ردّت هذه الأخيرة باتّهام خالد علم الدين، أحد العضوَين السلفيَّين في الفريق الاستشاري الرئاسي بالفساد، وعمدت إلى فصله. أنكر علم الدين الاتهامات في مؤتمر صحافي، فيما قدّم باسم الزرقا استقالته مؤازرةً لزميله. وبذلك أضحى فريق مرسي الرئاسي من دون ممثّل عن حزب النور (بقي عبد الغفور في موقعه، ولكن  بصفته رئيس حزب الوطن). لم تؤدِ هذه التطورات سوى إلى تعزيز عزم حزب النور على الانضمام إلى صفوف المعارضة. بيد أن جماعة الإخوان لم تقف عند هذا الحدّ، بل واصلت استراتيجيتها العقابية، واحتجزت برهامي لساعات في مطار الإسكندرية إبّان عودته من المملكة العربية السعودية، حيث أدّى مناسك العمرة.45 ومع أن السلطات أطلقت سراح برهامي سريعاً، اعتبر السلفيون هذا الإجراء بمثابة إعلان حرب. والواقع أنه لا يزال من غير الواضح مدى اتصالات حزب النور مع لاعبين آخرين كان لهم يد في سقوط مرسي، ولاسيما الجيش، مع أن الصحف تحدّثت عن لقاءات جمعت أعضاء من حزب النور بليبراليين، ورَمَت إلى تشكيل جبهةٍ مشتركةٍ باسم "الوحدة الوطنية"، لكن هذه الخطوة لم تُبصر النور.46 لكن من الواضح أن برهامي، ومع اكتساب حملة التمرّد زخماً، واقتراب موجة احتجاجات 30 حزيران/يونيو 2013، أدرك أن ميزان القوى لم يعد يميل لصالح الإخوان المسلمين، وكان هو سعيداً بهذه الحصيلة.

صحيح أن برهامي لم يدعُ أعضاء حزب النور إلى المشاركة في الاحتاجاجات المناهضة لمرسي، إلا أنه قال "إذا خرج الملايين في 30 حزيران/يونيو، فسأطالب مرسي بالاستقالة".47 وفي 3 تموز/يوليو 2013، حين أعلن السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع وقتها، أن مرسي لم يعُد رئيساً لمصر وأن الجيش سيشرف على تطبيق خريطة طريق جديدة، كان جلال مرة، أحد كبار الممثّلين عن حزب النور، من بين القادة القلائل الجالسين وراء السيسي: الشخصية الليبرالية محمد البرادعي، ومؤسّس حملة تمرّد محمود بدر، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وبابا الإسكندرية تواضروس الثاني. وبرّر برهامي موقف حزب النور بأنه كان السبيل الوحيد "لحماية الهوية الإسلامية في الدستور، وضمان وجود حزب إسلامي قادر على صون مكاسب التيار الإسلامي ككلّ".48

بدت تلك الخطوة آنذاك حاذقة، إذ أن جماعة الإخوان، المجموعة التي اعتبرتها الدعوة السلفية منافسها الرئيس وخصمها التاريخي، أصبحت الآن خارج اللعبة. وبما أن حزب النور كان الحزب الإسلامي الوحيد الذي دعم خريطة الطريق، كان من المفترض ألا يجد الجيش أمامه من خيار سوى الاعتماد على الحزب لاستعادة السيطرة على المساجد. لم تحافظ الدعوة السلفية رسمياً تواجدها الاجتماعي وحسب، بل برزت أمامها الآن فرص هائلة للتوسّع، وقد يكون البعض في حزب النور تصوّر حدوث سيناريو يحاكي ذاك الذي حدث في كلّ من السودان وباكستان: ففي السودان، اعتمد فصيل في الجيش على الإسلاميين من جبهة الإنقاذ الوطني للاستيلاء على السلطة في العام 1989، وهكذا استلم الجيش زمام الحكم، في حين تولّت الجبهة الشؤون الاجتماعية والدينية. وشهدت باكستان، في ظل حكم ضياء الحق في الثمانينيات، اتفاقاً مماثلاً عقَدَه الجيش والمجموعات الإسلامية، ولاسيما الجماعة الإسلامية. لم تمانع الدعوة السلفية من التنازل عن السلطة لصالح الجيش أو حتى لصالح حكومة علمانية، فهذا كان ربما أفضل بكثير من خيار حكومة إخوانية، لأن المُفترَض أن اللاعبين العلمانيين أو العسكريين لايحق لهم التدخّل في المجال الرئيس للدعوة: الدين.

السلفيون في عهد السيسي: بين مطرقة الدولة الأمنية وسندان قاعدة إسلامية مضطربة

عديدةٌ هي الأسباب التي تدفع حزب النور إلى الشعور بعدم الرضى، بعد مضيّ أكثر من ثلاثة أعوام على انقلاب الجيش. فسرعان مابدا جلياً أن النظام الجديد لم يكن ينوي إعطاء السلفيين الأهمية التي كانوا يأملون. فهُم حُرِموا من أي تمثيل في الحكومة الانتقالية، ولم يُمنَحوا إلا مقعداً واحداً من أصل خمسين في الجمعية الدستورية التي عُيّنَت في صيف العام 2013. وهكذا لم يكن في مقدورهم التأثير في مضمون الدستور الجديد. توقف بسام الزرقا عن حضور اجتماعات الجمعية، واستُبدِل بعضو آخر في حزب النور هو محمد منصور،49 لكن السلفيين ألقوا آنذاك بلائمة تهميشهم على الليبراليين الذين احتفظوا بنفوذ كبير في الشأن العام. مع ذلك، لم يؤدّ إقصاء الليبراليين تدريجياً واحتكار الجيش السلطة، إلى تغيير الوضع بالنسبة إلى السلفيين تغييراً جذرياً. صحيح أن بعض العلمانيين الأكثر راديكالية طالبوا علناً بحلّ حزب النور، على أساس أنه "حزب ديني" والدستور الجديد يحظّر الأحزاب الدينية،50 غير أن الجيش لم يحبذ على مايبدو حظر الحزب، فجنرالاته بدوا مقتنعين بأنه قد يفيد استراتيجيتهم. لكن مع أنهم سمحوا للدعوة السلفية بالاحتفاظ بمعظم تواجدها الاجتماعي، إلا أنهم حرصوا على أن تشعر الحركة بالضغط الشديد للدولة.

يبدو أن حزب النور لم يضع في الحسبان أن غياب جماعة الإخوان بصفتها منافساً له، أتاح بروز طرفٍ فاعلٍ آخر قد يطالب بالإشراف على المساجد، هو الأزهر. فقيادة الأزهر لطالما عارضت السلفيين بشدة، وهي تتبنى عموماً شكلاً تقليدياً من الإسلام مع ميول صوفية. صحيح أن موقف الأزهر المؤيّد لمبارك، أدّى إلى انحسار نفوذه الاجتماعي كثيراً في العقود الفائتة، ثمّ إلى تراجعه بشكل أكبر غداة الثورة، إلا أنه ظلّ يتمتّع بثقل رمزي ومؤسسي هائل. ثمّ أن شيخ الأزهر نفسه أحمد الطيب، وهو ذو تأهيل صوفي، رأى في الانقلاب العسكري (الذي كان دعمه بدايةً) فرصةً لاستعادة سلطته. وفي المقابل، أطلّ النظام الجديد على الأزهر، وهو مؤسسة حكومية، بوصفه شريكاً يعتدّ به أكثر من السلفيين.

وهكذا وقع خيار النظام الجديد على الأزهر لمحاولة استعادة النفوذ الاجتماعي والديني الذي خسره لصالح الإسلاميين، عبر استخدام ذراعه الدينية، أي وزارة الأوقاف التي يرأسها أزهري سبق أن عمل مع الطيب، وهو محمد مختار جمعة. اعتمدت الوزارة، بدءاً من آذار/مارس 2014، عدداً من القوانين والمراسيم التي تقضي بوضع مساجد مصر كافة تحت سيطرة الدولة، وأصبح شرطاً لازماً أن يكون الأئمة من خرّيجي الأزهر، في حين ينبغي أن يستحصل مَن لم يكن من هؤلاء الخريجين، كما هي حال العديد من أئمة الدعوة السلفية، على ترخيص يجيز له إلقاء الخطب بعد اجتياز امتحان. كما أُعلِن أنّ على خطباء الجمعة كافة في مصر أن يلقوا الخطبة نفسها التي ترسلها إليهم الوزارة.51

حملت هذه الإجراءات في طيّاتها تهديداً نظرياً كبيراً للسلفيين. لكن بما أن النظام كان يفتقر إلى الموارد البشرية للسيطرة على المجال الديني، ولم يُرِد إعلان حرب شاملة على السلفيين، تمّ استثناء معظم أئمة الدعوة السلفية. ومع ذلك، كانت هذه الخطوات كافية للحؤول دون توسّع الدعوة أكثر، وإبقاء السلفيين قيد المراقبة عن كثب.52

حملت حقبة مابعد مرسي معها مضاعفات أخرى للدعوة السلفية. كان أحد شعارات حزب النور الرئيسة بعد استيلاء الدعوة السلفية عليه أنه "متمسّك بشؤون العقيدة، لكنه مرن في الشؤون السياسية".53 والواقع أن الموقف الأول كان أساسياً للحفاظ على شرعية الحزب الدينية. صحيح أنه كان قادراً على بناء التحالفات – وهو تحوُّلٌ من موقف برهامي في العام 2011، حين هاجم عبد الغفور لدعوته تحديداً إلى هذه التحالفات – إلا أنه لم يكن ليقدّم التنازلات قط في مايتعلّق بالشؤون العقائدية الرئيسة. مع ذلك، اضطر حزب النور، في الحقبة الجديدة التي سادتها بيئة سياسية قمعية غير مسبوقة للإسلاميين، أن يقدّم تنازلات أكثر مما تصوّر على الأرجح.

لم يكن أمام حزب النور، بعد دعمه الانقلاب العسكري، من خيار سوى دعم التطورات السياسية كافة التي تَلَت ذلك، بدايةً مع القمع العنيف الذي تعرّضت إليه جماعة الإخوان المسلمين، والمجازر التي طالت المئات من مناصريها في رابعة العدوية والنهضة في 14 آب/أغسطس 2013 - وذلك على الرغم من بيانات الحزب التي كان ينتقد فيها وحشية الشرطة.54 وطالب الحزب باعتماد الدستور الجديد الذي نظّم حملةً للترويج له، مع أنه كان إسلامياً بدرجة أقل من الدستور السابق، كما أيّد انتخاب السيسي للرئاسة.

يُذكر أن أحد النقاشات الرئيسة بين برهامي وعبد الغفور في العام 2011، تمحور حول إمكانية إقدام حزب النور على منح المسيحيين أماكن على قوائمه الانتخابية. وقد اتّخذ برهامي في ذلك النقاش موقفاً حازماً، مجادلاً بأن العقيدة السلفية تحظّر هذا الأمر. وخلال الانتخابات البرلمانية الأولى التي جرت غداة انقلاب العام 2015، اشترط القانون الانتخابي وجود نسبة معينة من المسيحين في كل قائمة كي تكون قانونية. وافق حزب النور على ذلك وأدرج ضمن قوائمه مرشحين مسيحيين. ولدى مواجهته بشأن وجه التناقض بين هذا القرار وبين موقف الدعوة السلفية في العام 2011، قال رئيس الحزب يونس مخيون إنهم "اضطروا" إلى ذلك، ما أثار حملة ضخمة ضد حزب النور في وسائل الإعلام الوطنية.55 لكن شخصيات الدعوة السلفية برّرت موقفها في مداولاتها الداخلية، بالإشارة إلى المبدأ الشرعي الإسلامي المتمثّل بالموازنة بين المصالح والمفــاسد.56

أطلقت مواقف حزب النور ردود فعل حادّة في أوساط السلفيين في الخارج، وأقدم عشرات من الشيوخ السلفيين السعوديين المقرّبين من حركة الصحوة على توقيع رسالة مشتركة ينتقدون فيها حزب النور، مستخدمين أكثر المصطلحات قسوة؛57كتب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، الذي يحمل الجنسيتين المصرية والكويتية وكان من بين أبرز المؤثرين في الدعوة السلفية خلال ثمانينيات القرن المنصرم، إلى برهامي، قائلاً: "كنت من جند إبليس، فارتقى بك الشر وصرت أستاذه".58أدّى ذلك أيضاً إلى انخفاض نسبي في عدد أتباع حزب النور. وخلال صيف العام 2013، لم يكن مستغرباً رؤية أعضاء أو مؤيدي حزب النور يتظاهرون مع الإخوان ضد الانقلاب،59كما حدث العديد من الانشقاقات العلنية من حزب النور والدعوة السلفية، وشمل ذلك قيادتهما العليا. على سبيل المثال، اتخذ سعيد عبد العظيم، أحد مؤسسي الدعوة السلفية وشيوخها البارزين، موقفاً مؤيداً لمرسي، فانتهى به المطاف بأن غادر البلاد في كانون الأول/ديسمبر 2013؛60وانسحب محمد إسماعيل المقدّم، وهو اسم كبير آخر في الدعوة السلفية وربما أكثر شيوخها شهرةً، بدوره من الحياة العامة بعد الانقلاب لتفادي تبني موقف ما. يُشار إلى أنه تمّ استبعاد عبد العظيم والمقدّم رسمياً عن مجلس إدارة الحزب.61وثمة تقارير بأن برهامي كان يُضطر أحياناً إلى إلقاء خطبه وسط حراسة أمنية مسلحة، بعد تلقيه تهديدات عدّة من إسلاميين مناهضين للنظام.62

تلقّى حزب النور الضربة القاضية في انتخابات العام 2015، حين كان الحزب الديني الوحيد في المنافسة. توقع بعض أعضائه أن يُبلي الحزب بلاءً حسناً، بما أنه الخيار الانتخابي الوحيد للمتديّنين المحافظين. إلا أن النتائج جاءت على عكس ذلك تماماً، فقد فاز الحزب باثني عشر مقعداً فقط من أصل 596، أي 2 في المئة تقريباً من إجمالي المقاعد، وأقل من النتيجة التي كسبها في العام 2011 بأكثر من عشر مرات. ثمة أسباب موضوعية تفسّر هذه الهزيمة، بدءاً من النظام الانتخابي الذي جرى إعداده بما يصبّ في مصلحة المرشحين الذين تدعمهم الدولة، إذ تمّ اختيار 80 في المئة من أعضاء البرلمان عبر انتخابات فردية (معروفٌ بأنها تميل إلى الوجهاء المحليين الذين يملكون شبكات نفعية قوية وعلاقات بالدولة)، أما نسبة 20 في المئة من المقاعد المخصصة للقوائم الانتخابية، فجرى اعتماد نظام الأغلبية، أي أن القائمة التي تحصد أكثر من 50 في المئة تحصل على جميع المقاعد في الدائرة. علاوةً على ذلك، كان حزب النور يخوض المعركة منفرداً ضد قوائم انتخابية تضمّ أحزاباً عدّة (أحياناً عشرات الأحزاب كما في القائمة المؤيدة بشدّة للرئيس السيسي "في حب مصر")، ويطرح مرشحين في أقل من نصف الدوائر.63 وأخيراً، تبنّت وسائل الإعلام، التي تهيمن عليها الشخصيات الليبرالية الموالية للدولة، نبرة مناهضة لحزب النور خلال تغطيتها الانتخابات.

كان أداء حزب النور سيئاً في الأماكن التي كان فيها حضور الدعوة السلفية محدوداً تاريخياً. لكن في معاقل الدعوة السلفية، حققت قوائم حزب النور نتائج أفضل بكثير، إذ حصدت مايصل إلى 30 في المئة من الأصوات في منطقة غرب الدلتا. بيد أن ذلك لم يكن كافياً للحصول حتى على مقعد واحد. أما العدد القليل من أعضاء حزب النور الذين دخلوا البرلمان، فقد تمّ انتخابهم عن المقاعد الفردية بعد الجولة الثانية في أماكن مثل الإسكندرية أو كفر الشيخ. وعلى الرغم من أن حزب النور حاول تسليط الضوء على تلك النجاحات القليلة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً للتصدي للانطباع بأنه مُني بخسارة مجلجلة.64

خلال السجال الذي أطلقته هذه النتائج، طفت مجدّداً على السطح مطالب من داخل الدعوة السلفية تنادي باعتزال السياسة نهائياً والعودة إلى العمل الدعوي. وسبق أن رُفعت أيضاً مطالب مماثلة في أعقاب الانقلاب العسكري، كما انشقّت فروع بقضّها وقضيضها عن حزب النور بهدف العودة إلى النشاط الدعوي البحت.65 بدا في تلك المرحلة أن الهزائم التي تنهار على رأس الدعوة السلفية من جرّاء انخراطها السياسي، تفوق بأشواط المكاسب التي تحصد. إذن، لماذا رفض برهامي وحلفاؤه الانسحاب من العمل السياسي؟ ثمة تفسير مُحتمل هو أن برهامي كان يعتقد بأن استراتيجية حزب النور ستأتي أُكلها في نهاية المطاف. وقد رأت شخصيات عدّة في حزب النور بأن انتخابات العام 2015 برهنت على قدرة الحزب على البقاء والاستمرار، وتجلّى ذلك على الأخص في معاقله، كما اعتبروا أن الحزب سيُحرز نتائج أفضل في الانتخابات المحلية العتيدة. لكن التفسير الأكثر ترجيحاً هو أن الدعوة السلفية لايمكنها ببساطة أن تعود القهقرى إلى الوضع الذي كانت عليه في مرحلة ماقبل العام 2011. ذلك أن النظام والرأي العام قد يعتبران قرار حزب النور اعتزال السياسة رفضاً للنظام السياسي الراهن. ثمّ: في خضم السياق الذي يتعرّض فيه الإسلاميون إلى موجة حادّة من القمع، حيث أن أكثر من 50 ألفاً منهم يقبعون في السجون، قد تطال اليد القمعية للحكومة لتطال الدعوة السلفية. ولذا، أراد حزب النور البقاء في اللعبة حرصاً على ديمومة المنظومة الدينية التي تقف وراءه. فسياسات حزب النور لاتزال خاضعة إلى الإملاءات التي تفرضها مصالح الدعوة السلفية.

حزب النور ليس حزباً إسلاميّاً؟

ترى كوكبة من الصحافيين والأكاديميين إلى حزب النور على أنه حزب إسلامي يحاكي إلى حدٍّ ما جماعة الإخوان المسلمين، مع فارق وحيد هو أن الحزب يتبنى الفهم السلفي للإسلام. مع ذلك، إذا كان الإسلام السياسي يعتبر أن الإسلام يشكّل نموذجاً للسياسة، ويصبو إلى حكم البلاد وفقاً لرؤيتها الخاصة حول الصورة التي يجب أن تجسّدها الدولة الإسلامية، فمن غير الدقيق عندئذ أن نصف حزب النور – على الأقل بالشكل الذي هو عليه منذ مرحلة مابعد العام 2013 - بأنه حزب إسلامي. إذ ثمة اختلافات رئيسة بين الإخوان المسلمين وبين حزب النور، تتعدّى خياراتهما السياسية المتباينة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتنبع من طريقتيهما المتمايزتين جوهريّاً في مقاربة السياسة.

تُعدّ جماعة الإخوان المسلمين نموذجاً يُحتذى بالنسبة إلى حركات الإسلام السياسي. إذ يرمي هدفها النهائي إلى تسلّم مقاليد الحكم لتطبيق رؤيتها الخاصة للإسلام، دونما اكتراثٍ بالخلافات الدينية التي تدور رحاها في أوساط المسلمين: فدعوة الإخوان المسلمين، على الرغم من رسالتها المحافِظة، تترك الباب مشرّعاً نسبياً أمام تعدّد التفسيرات والاجتهادات. وهذا ما يتنافى مع الدعوة السلفية – وسائر الحركات السلفية أينما كانت - التي رأت النور لتعيد إلى الإسلام نقاءه وصفاءه العقيدي والفقهي، ولتنشر رسالتها هذه في أوساط المسلمين عن طريق الدعوة والخطب. إذن، من النافل القول إن السياسة لطالما احتلّت المقاعد الخلفية في الرؤية التي تتبناها الدعوة السلفية.

يُعزى أحد أبرز أسباب الصدام الذي نشب بين الدعوة السلفية وحزب النور في العامَين 2011 و2012 إلى أن عبد الغفور غالى على مايبدو في العمل السياسي. إذ رأى أن الحزب ليس مجرّد جناح سياسي لحركة دينية، بل يحمل رسالة سياسية ويهدف إلى تنفيذها في الحكم. ولو انتصر الفصيل التابع لعبد الغفور، لأصبح حزب النور حركة إسلامية. وتأكّدت هذه الفرضية من خلال مواقف حزب الوطن، الذي أسّسه عبد الغفور وحلفاؤه في كانون الأول/ديسمبر 2012، والذي ساند الإخوان المسلمين طيلة العام 2013 وفي أعقاب الانقلاب، وانضوى تحت لواء تحالف أوسع مؤلّف من أحزاب إسلامية مناوئة للنظام الجديد.

حين أحكم شيوخ الدعوة السلفية السيطرة على حزب النور في أواخر العام 2012، كان سلوكهم نابعاً من إطلالتهم التقليدية على السياسة. فهم رأوا إلى الحزب على أنه وسيلة للحفاظ على النفوذ الاجتماعي الذي تتّسم به حركتهم الدينية والعمل على تعزيزه. واعتبروا أن عملية الأسلمة (أو التسلّف) ينبغي أن تنطلق من تحت لا من فوق، وأن على الحزب أن يراعي مصالح الدعوة السلفية في كل القرارات التي يتخذ، مايعني تجريد حزب النور من الرؤية الإيديولوجية، بالمعنى الشائع لهذا المصطلح على الأقل - وهذا تحديداً مايجعل هذا الحزب أبعد مايكون عن كونه حزباً إسلامياً.

قد يجادل المرء بأن هذا يُعزى إلى أن حزب النور يقود دفّته شيوخ، وهذا أمر نادر في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، كان زعماء الإخوان المسلمين بمعظمهم شخصيات مدنية، ولطالما كانت علاقة هذه الجماعة مع المؤسسة الدينية ملتبسة. مع ذلك، تميل رؤية الشيوخ إلى التركيز بدرجة أكبر على وظيفتهم الرئيسة، وهي إلقاء الدروس والمواعظ لضمان خلاص الناس وإصلاح المجتمع من داخل. وقد حاجج أشرف ثابت، وهو شخصية رفيعة المستوى في الدعوة السلفية ومقرّبة من برهامي، في مطلع العام 2012، قائلاً: "لانعتقد أن البرلمان هو الحل بالنسبة إلينا، وهو لم ولن يكون كذلك يوماً. بل نحن نعتبر أن التغيير لن يتم إلا من تحت، وهو لن يتحقق ببساطة عبر تغيير القوانين. البرلمان هو مجرّد وسيلة لمساعدتنا على ممارسة نشاطنا الأساسي، أي الدعوة. فهذا منهجنا، والمهم هو تنقية عقيدة الأمة".66

براغماتية حزب النور: الاستمرارية والتغيير

تُعدّ البراغماتية بنداً ثابتاً في توجّه حزب النور منذ تأسيسه. بيد أن الأساس المنطقي لهذا النهج تغيّر في أواخر العام 2012. ففي فترة 2011-2012، كان حزب النور يحاكي في براغماتيته معظم الأحزاب الإسلامية التي انخرطت في العملية السياسية وراجعت بعض مفاهيمه العقائدية (أو وضعتها جانباً) تكيّفا مع قواعد اللعبة. ويرتبط هذا التطور بفرضية أشار إليها بعض الباحثين بمصطلح "الدمج (في العملية السياسية) والاعتدال (كنتيجة)".67 ومع أن هذه المرحلة القصيرة لم تفضِ إلى أي مراجعة عقيدية جوهرية من جانب السلفيين، إلا أنها أدّت إلى بروز خطاب مدني حمل رايته نوع جديد من الفاعلين السلفيين، وهو رجل السياسة السلفي الذي لم يعد يشعر بالحاجة إلى تبرير كل مواقفه باستخدام مصطلحات دينية، لأن السياسة بالنسبة إليهتشكّل بطبيعتها مضماراً منفصلاً نسبيّاً.68 وحدا الأمر بمؤيّدي هذا المسار إلى تأسيس حزب جديد هو حزب الوطن. واختيار هذا الاسم خير دليل على تطوّرهم الفكري.

منذ العام 2013، جاءت براغماتية حزب النور من مصدر آخر: تناول الحزب الذرائعي للغاية للقضايا السياسية. ويثير هذا تساؤلات حول التفسيرين الشائعين الذين يُستعان بهما عادةً لشرح تأييد حزب النور للانقلاب العسكري في 3 تموز/يوليو 2013. يَفترض التفسير الأول أن السعودية هي الداعم الرئيس لحزب النور، وأن تأييد الحزب كانت تنفيذاً لأوامر سعودية، لكن جماعةالدعوة السلفية لم تكن أبداً قريبة على وجه الخصوص من النظام السعودي. كما أن الاستراتيجية التي تبنّتها السعودية تجاه مصر بعد الثورة، تمثّلت أساساً في دعم بقايا دولة مبارك والجيش، وليس السلفيين. وبحسب التفسير الثاني، تشرح العلاقات الوطيدة المزعومة التي تربط الدعوة السلفية بالأجهزة الأمنية في عهد مبارك موقفَ حزب النور. لكن في حين كانت تلك العلاقات فعلية وملموسة (كما كانت بالنسبة إلى معظم المجموعات الدينية التي عملت تحت نظام مبارك)، إلا أنها لم تكن متينة بالقدر الذي اعتقده الكثيرون. قد يشكّل هذان التفسيران جزءاً صغيراً من القصة، لكنهما أبعد مايكونا عن القصة كلها. فمواقف الحزب لم تكن انتهازية أو مسيّرة من جانب المصالح الخارجية، بل ثمة منطق واضح في ثناياها، وهو الدفاع عما يعتبره مصلحة الدعوة السلفية، مهما كان حجم التكلفة السياسية.

أجبر هذا الدفاع السلفيين أيضاً على تبنّي مواقف تتعارض مع بعض معتقداتهم العقائدية. لكن هذه المرة، كانت هذه المواقف مبرّرة بحجج الضرورة، تماماً كما حصل عندما قال رئيس حزب النور أن حزبه اضطر إلى إدراج مسيحيين في قوائمه بسبب النظام الانتخابي، أو توجّب عليه تقييم المصالح والمفاسد. وعلى الرغم من أن تلك التبريرات ولّدت بعض الاستياء في صفوف القاعدة الشعبية السلفية، إلا أن قاعدة الدعوة السلفية تقبّلتها إلى حدّ كبير. ويمكن للمرء افتراض أنه يُستبعد أن تنتج هذه البراغماتية السلبية مراجعات عقائدية، على الرغم من كل التنازلات السياسية التي كان حزب النور على استعداد، وربما لايزال مستعداً، لتقديمها. وبالتالي، فإن المفارقة بين براغماتية الحزب السياسية وبين تزمّته ومذهبيته على المستوى العقيدي، تبدو قابلة تماماً للاستمرار، وستبقى كذلك على الأرجح.

هوامش

1 من بين الدراسات القليلة التي عالجت مسألة السلفية في مصر قبل الثورة وبعدها: Richard Gauvain, Salafi Ritual Purity: In the Presence of God (London: Routledge, 2012); ستيفان لاكروا، "شيوخ وسياسيون: نظرة داخل السلفية المصرية الجديدة"، مركز بروكنغز، حزيران/يونيو 2012، https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/Stephane-Lacroix-Policy-Briefing-Arabic.pdf خليل العناني ومازلي مالك، "التديُّن طريقاً إلـى السياسة: صعود السلفية السياسية فـي مصر بعد مبارك"، مجلة دراسات الشرق الأوسط، المجلّد 22، العدد 1 (ربيع 2013)؛ Jacob Høigilt and Frida Nome, “Egyptian Salafism in Revolution,” Journal of Islamic Studies 25, no.1 (2014); Ashraf el-Sherif, “Egypt’s Salafists at a Crossroads,” Carnegie Endowment for International Peace, April 29, 2015,http://carnegieendowment.org/2015/04/29/egypt-s-salafists-at-crossroads-pub-59928; جورج فهمي، "مستقبل السلفية السياسية في مصر وتونس"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، http://carnegie-mec.org/2015/11/16/ar-pub-61954 Stéphane Lacroix and Ahmed Zaghloul Shalata, “The Rise of Revolutionary Salafism in Post-Mubarak Egypt,” in Egypt’s Revolutions, eds. Stéphane Lacroix and Bernard Rougier (New York: Palgrave, 2016); أحمد زغلول شلاطة، "الحالة السلفية في مصر" (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2010)؛ أحمد زغلول شلاطة، "الدعوة السلفية السكندرية: مسارات التنظيم ومآلات السياسة" (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2016)؛ معتز زاهر، "من المسجد إلى البرلمان" (دمشق، تكوين، 2014).

2 مقابلة أجراها الكاتب مع سعيد عبد العظيم وأعضاء مؤسّسين للدعوة السلفية، كانون الأول/ديسمبر 2012.

3 محمد إسماعيل المقدّم، "أدلة تحريم مصافحة الأجنبية"، الإصدار 14 (الإسكندرية: دار الخلفاء الراشدين، 1993)؛ محمد إسماعيل، "أدلة تحريم حلق اللحية"، الإصدار الرابع، (الكويت، مكتبة دار الأرقم، 1985).

4 سعيد عبد العظيم، "الديمقراطية في الميزان"، (طرابلس، لبنان، دار الإيمان، 2009).

5 ياسر برهامي، "السلفية ومناهج التغيير"، مجلة صوت الدعوة.

6 تشير عبارة "قيّم" عادةً إلى مدير مدرسة دينية. ابن قيّم الجوزية هو أحد علماء المسلمين الذين يشكّلون مصدر إلهام للسلفيين. وقد كان والده عالماً حنبليّاً وقيّماً على مدرسة الجوزية.

7 عبد الرحمن عبد الخالق، "مشروعية العمل الجماعي"، (الرياض: دار الهجرة للنشر والتوزيع، 1988).

8 "حكم المشاركة في ثورة يوم 25 من يناير"، موقع anasalafy.com، 21 كانون الثاني/يناير 2011، http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=23685وأيضاً: "بيان الدعوة السلفية بشأن الأحداث"، صوت السلف، 30 كانون الثاني/يناير 2011.

9 مقابلة أجراها الكاتب مع عماد عبد الغفور، القاهرة، كانون الأول/ديسمبر 2011. يبدو أن هذه العملية أخذت قسطاً من الوقت. مع ذلك، أعلن عبد المنعم الشحات في نيسان/أبريل 2011، وهو قيادي مقرّب من ياسر برهامي، الرجل الأقوى في الدعوة: "لن نقدّم مرشّحين يخصّوننا، بل سندعم مرشّحين من مختلف الأحزاب ضمن شروط محدّدة" (مقابلة أجراها الكاتب مع عبد المنعم الشحات، الإسكندرية، نيسان/أبريل 2011).

10 Stéphane Lacroix, “Yasser Borhami,” in Egypt’s Revolutions, eds. Lacroix and Rougier, 268–271.

11 أحمد زغلول شلاطة، "حوار مع ياسر برهامي: الدعوة لها رؤية شاملة بما فيها المشاركة السياسية"، موقع islamiyun.net، 13 نيسان/أبريل 2011.

12 مقابلة مع عماد عبد الغفور، يوتيوب، 6 كانون الأول/ديسمبر 2011،https://www.youtube.com/watch?v=rnhzbBEVYV4.

13 مقابلة أجراها الكاتب مع عماد عبد الغفور، القاهرة، كانون الأول/ديسمبر 2011.

14 Stéphane Lacroix, “Sheikhs and Politicians: Inside the New Egyptian Salafism,” Brookings Institution, June 11, 2012,https://www.brookings.edu/research/sheikhs-and-politicians-inside-the-new-egyptian-salafism, 4.

15 مقابلة عماد عبد الغفور على الجزيرة مباشر مصر، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2011.

16 مقابلة أجراها الكاتب مع كلٍّ من محمود عباس، المسؤول في حزب النور، الإسكندرية، تشرين الثاني/نوفمبر 2012؛ ومع نادر بكار، أحد معاوني برهامي المقرّبين والناطق باسم حزب النور، القاهرة، نيسان/أبريل 2012.

17 مقابلة أجراها الكاتب مع محمد نور (الناطق باسم حزب النور آنذاك)، القاهرة، تشرين الأول/أكتوبر 2011.

18 مقابلة أجراها الكاتب مع عماد عبد الغفور، القاهرة، كانون الأول/ديسمبر 2011.

19 مقابلة أجراها الكاتب مع أحد الأكاديميين الذين ساعدوا على وضع البرنامج، كانون الأول/ديسمبر 2011.

20 مقابلة أجراها الكاتب مع محمود عباس (من أتباع عبد الغفور)، الإسكندرية، تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

21 أشار المتحدث باسم الحزب، محمد نور، مثلاً، إلى أنه ليس على اتصال بالدعوة السلفية منذ العام 1995 (مقابلة مع الكاتب، القاهرة، تشرين الثاني/نوفمبر 2011). حتى إن محمد يسري سلامة، أول متحدث باسم الحزب، زعم أنه كان على الدوام مقرّباً من شخصيات الدعوة، لكنه لم ينضم قط إلى صفوفها (مقابلة مع الكاتب، الإسكندرية، تشرين الثاني/نوفمبر 2012)؛ شلاطة، "الدعوة السلفية السكندرية"، 156.

22 Lacroix, “Sheikhs and Politicians.”

23 في فعاليات الدعوة السلفية التي حضرتها في العامَين 2012 و2013، جرى تكرار تلك الكلمات باستمرار لتبرير موقف الحزب المثير للجدل. هذا ماحدث مثلاً عندما نظّمت الدعوة تجمّعاً في الإسكندرية في نيسان/أبريل 2012 لإقناع أعضائها بالتصويت لأبو الفتوح.

24 هذا المصطلح استخدمه حسام تمام. أنظر: حسام تمام، "الإخوان المسلمون... سنوات قبل الثورة" (القاهرة: دار الشروق، 2013)، 128.

25 مقابلة أجراها الكاتب مع يسري حماد، الإسكندرية، 2013.

26 "حول تأسف رئيس حزب النور على عدم ترشح نصراني في قوائم الحزب"، صوت السلف، 1 كانون الثاني/يناير 2012، http://www.salafvoice.com/article.php?a=5914.

27 شبكة الفتح (الناطقة الرسمية باسم الدعوة السلفية)، 24 كانون الثاني/يناير 2012. أنظر أيضاً: Lacroix, “Sheikhs and Politicians,” 6–7.

28 "إيقاف الأستاذ محمد نور عن التحدث باسم الحزب بسبب حضوره حفل السفارة الإيرانية"، موقع forsanhaq.com، 24 شباط/فبراير 2012، http://www.forsanhaq.com/archive/index.php/t-298047.html.

29 "خلافات داخل الدعوة السلفية بسبب الاحتفال بذكرى تأسيس الدولة التركية"، الشرق الأوسط، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

30 حديث غير رسمي مع أحد معاوني ياسر برهامي، الإسكندرية، أيار/مايو 2012.

31 مقابلة أجراها الكاتب مع محمود عباس، الإسكندرية، تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

32 Stéphane Lacroix and Ahmed Zaghloul Shalata, “The Rise of Revolutionary Salafism in Post-Mubarak Egypt,” in Egypt’s Revolutions, eds. Lacroix and Rougier, 163–178.

33 "سلفيو مصر يرفضون تأييد العوا كمرشح للرئاسة"، قناة العالم، 28 آذار/مارس 2012،http://www.alalam.ir/news/1047564.

34 كان عدد قليل من شخصيات الدعوة، مثل سعيد عبد العظيم، مناهضاً لهذا الخيار، لكنهم وافقوا لاحقاً على الامتثال لـ"قرار الأكثرية".

35 "ياسر برهامي يعترف بلقائه بالفريق أحمد شفيق"، اليوم السابع، 27 أيلول/سبتمبر 2012،http://www.youm7.com/story/0000/0/0/-/798790.

36 .Noha El-Hennawy, “Sheikhs and the Ballot Box: Internal Rifts Emerge Within Salafi Nour Party,” Egypt Independent, September 25, 2012,http://www.egyptindependent.com/news/sheikhs-and-ballot-box-internal-rifts-emerge-within-salafi-nour-party

37 مقابلة أجراها الكاتب مع محمود عباس (الذي كان أحد قياديي الجبهة الإصلاحية)، الإسكندرية، تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

38 مقابلة أجراها الكاتب مع يسري حماد (أحد مؤسسي حزب الوطن)، الإسكندرية، كانون الثاني/يناير 2013.

39 "عبد الغفور والزرقا وعلم الدين... من منبر الدعوة إلى صالون الرئاسة"، الشروق، 28 آب/أغسطس 2013، http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=28082012&id=0f678981-0256-4536-b4e0-ffe7065d4d0f.

40 Patrick Haenni, “The Reasons For the Muslim Brotherhood’s Failure in Power,” in Egypt’s Revolutions, eds. Lacroix and Rougier, 19–39.

41 "الدعوة السلفية: قانون الدعاة يهدف لأخونة المنابر"، المصريون، 13 أيار/مايو 2013.

42 "حزب النور السلفي: محاولة "أخونة" الدولة المصرية غير مقبولة"، العربية، 29 كانون الثاني/يناير 2013. http://www.alarabiya.net/articles/2013/01/29/263205.html.

43 "حزب النور يهدد بكشف تفاصيل ملف "أخونة الدولة""، الوطن، 28 شباط/فبراير 2013 http://www.elwatannews.com/news/details/139133.

44 "النور" يتحفظ على زيارة "نجاد" لمصر: "إيران راعية لمذابح أهل السنة""، المصري اليوم، 5 شباط/فبراير 2013 http://www.almasryalyoum.com/news/details/281836.

45 "احتجاز برهامي بمطار برج العرب وبكار: كل وسائل التصعيد متاحة"، رصد، 30 أيار/مايو 2013 http://rassd.com/62952.htm.

46 "بوابة الأهرام" تنشر بنود اتفاق جبهة الإنقاذ وحزب النور للخروج من الأزمة الحالية"، الأهرام، 30 كانون الثاني/يناير 2013 http://gate.ahram.org.eg/News/302717.aspx.

47 "ياسر برهامي: إذا خرج الملايين في 30 يونيو سأطالب مرسي بالاستقالة"، المصري اليوم، 5 حزيران/يونيو 2013 http://www.almasryalyoum.com/news/details/215693.

48 "وثيقة سرية مسربة لحزب النور عن الرئيس المعزول مرسي"، العربية، 20 تموز/يوليو 2013 http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2013/07/20/وثيقة-سرية-مسربة-لحزب-النور-عن-الرئيس-المعزول-مرسي.html.

49 "لماذا انسحب بسام الزرقا ممثل حزب النور من اجتماع لجنة الخمسين اليوم؟"، الشباب، 16 أيلول/سبتمبر 2013. http://shabab.ahram.org.eg/News/14472.aspx بسام الزرقا لـ"لشروق": انسحابي من لجنة الخمسين لم يكن لأسباب صحية"، الشروق، 3 تشرين الأول/أكتوبر 2013http://www.shorouknews.com/news/view.aspx? cdate=03102013&id=dcc26cf6-932c-4a2d-b5be-bd9846a2359c&fb_comment_id=451921031592902_2375110#f27b2d9f48; “Mansour to Replace Bassam El-Zarqa as Nour Party Member in Constitution Committee,” Al-Ahram, September 19, 2013,http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/82029/Egypt/Politics-/Mansour-to-replace-ElZarqa-as-Nour-Party-member-in.aspx.

50 رُفِعَ عدد من الشكاوى منذ العام 2013، إلا أن أياً منها لم يفلح. أنظر على سبيل المثال: "بعد رفض "الإدارة العليا" حل "النور". نرصد 4 دعاوى قضائية قدمت ضد الحزب السلفي منذ عزل محمد مرسي"، اليوم السابع، 6 حزيران/يونيو 2015،http://www.youm7.com/story/2015/7/6/بعد-رفض-الإدارية-العليا-حل-النور-نرصد-4-دعاوى-قضائية-قدمت-ضد/2253936.

51 جورج فهمي، "الدولة المصرية والمجال الديني"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 18 أيلول/سبتمبر 2014، http://carnegie-mec.org/2014/09/18/ar-pub-56640.

52 عمرو عزت، "لمن المنابر اليوم؟، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، آب/أغسطس 2014، 63-64،http://eipr.org/sites/default/files/reports/pdf/to_whom_do_minbars_belong_today.pdf.

53 مقابلات أجراها الكاتب مع مسؤولين في الدعوة السلفية. أنظر على سبيل المثال "خالد علم الدين لـ"صباحك يا مصر": سأقاضي الرئاسة بتهمة التشهير بي"، اليوم السابع، 19 شباط/فبراير 2013، http://www.youm7.com/story/0000/0/0/-/951188.

54 "النور" يهاجم الرئيس ويطالب بإجراء تحقيق محايد في أحداث فض إعتصام 'رابعة'"، وكالة أنباء أونا، 4 أيلول/سبتمبر 2013، http://onaeg.com/?p=1145997.

55 "الأقباط يواصلون انتفاضتهم ضد يونس مخيون بعد تصريحاته حول ترشحهم بالانتخابات". اليوم السابع، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2015، http://www.youm7.com/story/2015/10/13/الأقباط-يواصلون-انتفاضتهم-ضد-يونس-مخيون-بعد-تصريحاته-حول-ترش/2386006.

56 "الدعوة السلفية تبرر ترشح أقباط على قوائم «النور»: «درءٌ للمفاسد»"، الوطن، 1 تشرين الأول/أكتوبر 2015، http://www.elwatannews.com/news/details/811432 وكانت الدعوة السلفية قد أصدرت سابقاً دراسة دينية أطول لتبرير موقفها الجديد، بقلم أحمد الشحات وبعنوان "المرأة والنصارى في البرلمان القادم: رؤية شرعية"، موقع anasalafy.com، 12 شباط/فبراير 2015، http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=54010.

57 "بيان حول المواقف السياسية لحزب النور"، موقع almoslim.net، 12 كانون الثاني/يناير 2014، http://www.almoslim.net/node/198580.

58 "الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق مؤسس "السلفية" لـ"برهامي": كنت من جند إبليس فارتقى بك الشر وصرت أستاذه"، صحيفة الشعب، 1 كانون الأول/ديسمبر 2013، http://www.elshaab.org/news/85266/الشيخ-عبدالرحمن-عبدالخالق-مؤسس-السلفية-لـبرهامى-كنت-من-جند-إبليس-فارتقى-بك-الشر-وصرت-أستاذه.

59 استناداً إلى استطلاع داخلي، عارض 60 في المئة من أعضاء حزب النور على موقف الحزب من الانقلاب ضد مرسي وتداعياته. أنظر: أشرف الشريف، "سلفيو مصر عند مفترق طرق"،http://carnegieendowment.org/files/salafist_crossroads.pdf.

60 ‎"تفاصيل هروب قيادي سلفي كبير إلى قطر"، فيتو، 9 كانون الأول/ديسمبر 2013،http://www.vetogate.com/741765.

61 "مصر.. "الدعوة السلفية" تستبعد "سعيد عبدالعظيم" و"المقدم"، مفكرة الإسلام، 26 تموز/يوليو 2015، http://islammemo.cc/akhbar/locals-egypt/2015/07/26/256200.html.

62 "ياسر برهامي يصل السويس لإلقاء محاضرة وسط حراسة أمنية مشددة"، موقع صدى البلد، 3 كانون الثاني/يناير 2014، http://www.elbalad.news/770090.

63 عبد المنعم الشحات، "تحليل نتائج حزب النور في المرحلة الأولى من انتخابات 2015"، موقع الفتح، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2015، http://fath-news.com/art.php?id=1072.

64 علاء بكر، "نظرة موضوعية في نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية"، موقع الفتح، 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، http://fath-news.com/art.php?id=1083.

65 "الدعوة السلفية بمطروح تعلن اعتزال السياسة والعودة للعمل الدعوي"، اليوم السابع، 1 تموز/يوليو 2014، www.youm7.com/story/2014/7/1/الدعوة-السلفية-بمطروح-تعلن-اعتزال-السياسة-والعودة-للعمل-الدعوى-ومصادر-/1754163.

66 مقابلة أجراها كاتب الدراسة مع أشرف ثابت، الإسكندرية، كانون الثاني/يناير 2012.

67 لتقييم نقدي، أنظر: (Jillian Schwedler, “Can Islamists Become Moderates? Rethinking the Inclusion-Moderation Hypothesis,” World Politics 63, no. 2 (April 2011.

68 حول تقارب حزب النور من الليبراليين ضدّ مرسي في مطلع العام 2013، قال يسري حماد، الذي انشق عن حزب النور وأصبح متحدّثاً باسم حزب الوطن: "ليس لدي مشكلة في التحدث مع الليبراليين، مشكلتي هي مع الأعضاء في حزب النور الذين يشعرون بالحاجة إلى التحدث عن الإسلام والاقتباس من القرآن عندما يتحاورون مع الليبراليين... لماذا لا يقرّون بأن هذه مسألة سياسية لا دينية؟"

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: