Monday, November 28, 2016

الإلحاد ملف للإثارة والشتائم.. شباب توك نموذجاً

الإلحاد ملف للإثارة والشتائم.. شباب توك نموذجاً


·          نتيجة بحث الصور عن الإلحاد ملف للإثارة والشتائم.. شباب توك نموذجاً

أثارت حلقة هذا الأسبوع من "شباب توك"، الذي يعرض على قناة "دويتشه فيله" الألمانية، وعنوانها "أنا ملحد لكن القانون يمنعني ماذا أفعل؟"، سخطاً وهجوماً من قبل المشاهدين الذين علقوا عليها في صفحة القناة في "فايسبوك". 
وعاب عدد كبير من متابعي البرنامج عليه، بحثه الدائم عن مواضيع خلافية شائكة و"شاذة"، قبل أن يتساءل عن سبب اختيار موضوع الإلحاد لمناقشته؟ وبادر الى اتهام المحطة والبرنامج والمضيف، بالتآمر على الدين الإسلامي، وبمحاولة "زعزعة إيمان المسلمين" و"تفكيك المجتمعات العربية"، وغيرها من سيناريوهات المؤامرة التي تصدرت معظم المداخلات

قد يكون التساؤل حول اختيار الإلحاد، كموضوع لحلقة تلفزيونية، وجيهاً. فالإلحاد ليس منظومة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولا يطرح تغييراً في بنية الدولة ومؤسساتها وقوانينها، لكي يتحول إلى قضية رأي عام. الإلحاد هو شأن شديد الخصوصيّة، كونه يرتبط بمعتقد كل شخص، بإيمانه من عدمه... الأمر الذي من المفترض ألا يعني أحداً سواه، وألا يؤثر في علاقته كمواطن، بدولته، أو بالمواطنين الآخرين

لكن الأمر ليس كذلك، بحسب ما أبرزت التعليقات. فالدين في المجتمعات العربية ليس معتقداً خاصاً، وإنما هوية تفرض على الفرد انتماءً إلى المجموعة التي ولد فيها، فإذا خرج منه أو أعلن عدم اقتناعه به، أو تمرده عليه، نبذته المجموعة واعتبرته خطراً عليها، وأباحت لنفسها التكتل ضدّه ومحاصرته واضطهاده، وفي بعض المجتمعات قد يصل الأمر إلى حد تجريد الملحد من إنسانيته، لتصبح سهلة وبديهية ومحقة الدعوة لقتله. وهذا ما صرح به بعد لف ودوران، خلال الحلقة، أحد ضيوف الحلقة وهو دكتور مصري متخصص في قضايا الإلحاد، قبل أن تنضح به تعليقات كثيرة تهاجم الضيفين الملحدين، وهما عراقي وسوري، لاجئان إلى ألمانيا.


غير أن اضطهاد الملحدين لا يقتصر على الجماعة التي ولدوا فيها، وإنما يتعداها إلى الدولة التي تحاصرهم بقوانينها. هذا الأمر لا يقتصر على الدول الدينية كالسعودية وإيران، وإنما يشمل أيضاً الدول التي لا تجرّم الإلحاد لكونه إلحاداً، كالعراق وسوريا ولبنان وغيرها من الدول "المدنية". فهذه الدول تلتف لتجد طريقة تجرّم فيها تجليات الإلحاد، فتجرّم قوانينها "ازدراء" الأديان. وهي عبارة فضفاضة حمالة أوجه، قد تتسع لتشمل مجرد شرح الملحد لوجهة نظره أو عرضه لفكره. كما قد تشمل أي نقد يوجه للممارسات الدينية، سواء أكانت طقوساً أو قوانين أو مؤسسات، إذ لا معايير واضحة هنا تسمح برسم الخط الفاصل بين حرية الرأي والمعتقد، وبين التعدي على معتقد الآخر وازدرائه

لذلك، يمكن القول إنه حتى عندما تكون هناك مواد دستورية تحمي حرية المعتقد، كما هو الحال في لبنان، فإن الترجمة العملية لتلك المواد تؤدي إلى إفراغها كلياً من معانيها، فيخرج الإلحاد من نطاق هذه الحماية. ليجد الملحد نفسه، إذا ما تجرأ على التعبير عن رأيه أو فكره، معرضاً للملاحقة بشتى التهم، مثل "التجديف على اسم الله" و"زعزعة عقيدة المؤمن". هذا عدا عن كونه معرضاً لخسارة كل الحقوق التي تربطها هذه الدول بالإنتماء الديني، وعلى رأسها الحق في الزواج والإرث وغيرها من مسائل الأحوال الشخصية

هذا أهم ما في النقاش، ويحمل الإلحاد من الحيز الخاص إلى الحيز العام، ويجعل منه قضية رأي عام. وهذا ما فشلت الحلقة في الإضاءة عليه، إذ مر صامتاً بارداً لا يلفت سمعاً ولا بصراً ولا يعلق في ذهن المشاهد. لا عجب بعدها أن نشهد هجوماً بأفظع الشتائم من قبل المعلقين، وذلك مع إصرارهم على إنكار وتجاهل كل وقائع الإضطهاد التي تحفل بها القوانين ويحفل بها تاريخ العرب لا تجاه الملحدين فقط وإنما من يشتبه بإلحادهم أو ارتدادهم


يبقى أن المفارقة تتمثل في أن هذا المنطق الفوقي، الإلغائي والإقصائي والتعميمي، لم يقتصر على الضيف الإسلامي أو المشاهدين الذين علقوا على الصفحة، وإنما بادر إليه أول المتكلمين في الحلقة وهو مدوّن عراقي، يفترض أنه ملحد، فحفلت مداخلاته بكل ضروب الإساءة لـ"معتقداته"، وهي الإساءة التي من المفترض أنه لجأ إلى ألمانيا هرباً منها. فعمّم واتهم وسخّف واستهزأ وسخر من معتقدات المؤمنين بالجملة، ووصل إلى حد القول إنه "من المستحيل أن أتقبله أو أتخيل وجوده" في إشارة إلى الضيف الإسلامي... غير مدرك أن منطقه هذا، هو نفسه منطق خصمه، وأنه تحول من شخص يشكو عدم الإعتراف بحقه في الاختلاف، إلى شخص يمارسه... فقد تحول إلى الشخص الذي قال إنه مستحيل أن يتقبله ويتخيل وجوده
المصدر : موقع المدن
الأحد27/11/2016
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: