تسوميت همزراح هتيخون"، المجلد 6، العدد 11، 3/11/2016
نير بومس - باحث في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا
•يسعى اللاعبون الذين يتحركون في جنوب سورية بما في ذلك في هضبة الجولان، وهم ميليشيات ومجموعات سكانية محلية (بينهم الدروز)، إلى تمثيل السكان البالغ عددهم وفق إحصاءات غير رسمية أكثر من مليون نسمة. ولا تلتزم هذه المجموعات بخط إيديولوجي متجانس، ويمكن أن تغير انتماءاتها التنظيمية وولاءاتها بناء على اعتبارات براغماتية محلية وتغير موازين القوى على الأرض.
•وفي الواقع، فإن موازين القوى بين مختلف اللاعبين استمرت في التغير مع تقدم المعارك نحو الجبهة الجنوبية وتمركز مجموعات راديكالية مثل "جبهة النصرة" التي كانت تعتبر فرعاً للقاعدة حتى تموز/يوليو 2015، حين أعلنت انفصالها عنها. وعلى الرغم من عقيدتها الراديكالية في ما يتعلق باليهود وبإسرائيل، فقد كان كلاهما هدفين مؤجلين إلى مرحلة لاحقة في نضالها من أجل ترسيخ تمركزها، لذلك لم تتردد في البدء بالاتصال مع إسرائيل. وثمة شركاء محتملون لإسرائيل في الجانب السوري من الذين لديهم أهداف ومصالح متطابقة معها، وأحياناً قيم ليبرالية متشابهة، ولكن في الأساس خصوم مشتركون. ومن بين هؤلاء مجموعات معتدلة تنتمي إلى الجيش السوري الحر، وعدد من المجموعات المحلية المستقلة، مثل مجالس القرى المتاخمة لإسرائيل، التي تنتهج خطاً أيديولوجياً معتدلاً وأكثر براغماتية.
•تأثرت العلاقات المتبادلة بين الجيش السوري الحر وإسرائيل بعوامل جيو - سياسية مختلفة. وبدءاً من العام 2012 نشطت مجموعات تابعة له في جنوب سورية بالقرب من خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وفي بداية 2014 أعلن الجيش السوري الحر إنشاء "جبهة جنوبية" تبدأ من حدود الأردن وتمر بدمشق وصولاً إلى هضبة الجولان، ويبلغ تعدادها نحو عشرين ألف مقاتل وتضم نحو 54 مجموعة متمردين تنشط بتنسيق جزئي. في آب/أغسطس 2014، شاركت "الجبهة الجنوبية" "جبهة النصرة" بالسيطرة على معظم منطقة الحدود الإسرائيلية –السورية في الجولان، لكنها خسرت جزءاً منها خلال العام 2016 من جراء تعاظم التدخل الروسي.
•إن الدروز الذين يشكلون نحو أربعة في المئة من سكان سورية (نحو 700 ألف نسمة) والذين تتمركز أغلبيتهم في منطقة جبل الدروز جنوبي سورية وفي قرية الخضر في هضبة الجولان السورية التي تعتبر موالية للأسد، هم عنصر مهم آخر وله أهميته في السياسة الإسرائيلية. إن لإسرائيل والدروز في سورية تاريخ طويل من الاتصالات التي بدأت في ثلاثينيات القرن العشرين، ومن التعاون الاستخباراتي بعد "الثورة العربية الكبرى"، وقد استمرت هذه الاتصالات في الخمسينيات ووصلت إلى ذروتها في "مشروع يغآل آلون" بعد حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] من أجل توسيع سيطرة إسرائيل على القرى الدرزية ابتداءً من هضبة الجولان وحتى جبل الدروز. لكن منذ احتلال إسرائيل للجولان انتهج الدروز السوريون خطاً موالياً للنظام [السوري] ومعادياً لإسرائيل. وخلال الحرب الأهلية، مع أن الدروز سعوا إلى البقاء خارج مرمى النيران، إلاّ إنهم استمروا في الاعتماد على النظام والتعاون معه، على الرغم من أن كثيرين منهم اختاروا التهرب من الخدمة في جيش الأسد، وبدلاً من ذلك رفضوا الخدمة في الوحدات التي تقاتل خارج مناطق سكنهم. وقد شاركت الطائفة الدرزية في القتال مع الميليشيات الموالية للأسد وضحى أربعة منهم بحياتهم في نيسان/أبريل 2015 في عملية فاشلة "للمقاومة الشعبية" نظمها حزب الله على حدود الجولان ضد إسرائيل. وحافظت أغلبية الدروز الذين يسكنون في الجانب الإسرائيلي من هضبة الجولان، هي أيضاً، على ولائها لنظام الأسد.
•جرت اتصالات بين مجموعات من جنوب سورية وإسرائيل من خلال عدة قنوات، رسمية وغير رسمية. واتسعت هذه القنوات مع توثق العلاقات المحلية بين الجيش الإسرائيلي وسكان الجولان السوري. وكانت قد جرت اتصالات محلية في النصف الثاني من 2014 خلال محاولة الترويج بمساعدة أعضاء من المعارضة السورية في المنفى، لخطة تقضي بإنشاء منطقة آمنة (Safe Zone) في جنوب سورية بدعم إقليمي دولي يمنع سيطرة شيعية أو سلفية – جهادية على المنطقة. وقد طُلب من المجتمع الدولي بقيادة الأمم المتحدة حماية ترتيبات أمنية تشمل فرض حظر جوي على جنوب سورية وإقامة منطقة أمنية بعمق 25 كيلومتراً تمتد على طول الحدود بين إسرائيل سورية ولبنان والأردن. وهذه المنطقة الفاصلة والآمنة، هي مثل تلك التي كانت الولايات المتحدة وتركيا تفكران في إنشائها على جزء من الحدود الشمالية لسورية، كان الهدف منها إتاحة إعادة ترميم البنى التحتية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية للشريط الجنوبي من الدولة، وتحويل المناطق المحصنة إلى مكان يجذب مدنيين ولاجئين. وكان من شأن التطبيق الناجح لهذه الرؤية منع استمرار انزلاق الدعم الشعبي نحو المجموعات السلفية الراديكالية انطلاقاً من حاجات مادية أو أمنية، والقضاء على هذه المجموعات تدريجياً، والتخفيف من الأزمة الإنسانية التي يعانيها السكان في سورية. ونجاح الخطة من المحتمل في نظرهم أن يحوّل منطقة جنوب سورية إلى حلقة أولى في الكيان السوري الجديد الآمن والمزدهر، وأن يشكل نموذجاً للمحاكاة يتمدد تدريجياً نحو مناطق أخرى. وقُسم تطبيق الرؤيا إلى ثلاث مراحل: في المدى القصير - تعبئة ومساعدة دولية مالية وإنسانية تسمح بالتزود بالغذاء، والكساء، والدواء، وبالخيم والغاز؛ في المدى المتوسط - إقامة مستشفيات ميدانية، ومحاكم، ومدارس، وشرطة؛ وفي المدى البعيد - تشجيع التعاون الإقليمي بما في ذلك تعاون سوري - إسرائيلي في موضوعات التكنولوجيا والمياه.
•ومن أجل الترويج للخطة اعتقد اللاعبون المحليون أن هناك حاجة إلى التنسيق مع إسرائيل والحصول على دعم من جانبها. وانسجاماً مع ذلك، قام قادة ميليشيات وزعامات أهلية ورجال دين وزعماء عشائر من منطقة الجنوب السوري (الذي يشمل أيضاً ريف دمشق، والقنيطرة وحوران) بالمبادرة إلى التحاور مع أطراف مدنية، وأمنية، وسياسية في إسرائيل بهدف نقل رسالة مفادها أن لديهم مصالح مشتركة مع إسرائيل وأعداء مشتركين - المحور الموالي لإيران والجهاديون.
•سعى المندوبون السوريون في المرحلة الأولى إلى الحصول على دعم مبدئي من إسرائيل للخطة، وفي مراحل لاحقة على مساعدة من أجل وضعها حيز التنفيذ. وعُزيت إلى إسرائيل أهمية ثلاثية: فمن ناحية عسكرية هناك حاجة للحصول على موافقة إسرائيل ودعمها ومشاركتها من أجل إنشاء منطقة أمنية في الجولان السوري، ومنع تحرك سلاح الجو السوري في مجالها الجوي؛ ومن ناحية سياسية فإن الدعم الإسرائيلي من شأنه تسهيل تجنيد الأردن لتأييد الخطة وكذلك مشاركة المجتمع الدولي؛ ومن ناحية اقتصادية اعتبرت إسرائيل نموذجاً سياسياً، وثقافياً وعلمياً ليبرالياً متطوراً يمكن التعلم منه والاستفادة العملية من التعاون معه في المستقبل. ووفقاً لوجهة نظر بعض المجموعات المحلية في جنوب سورية، فإن العلاقات المتبادلة مع إسرائيل ليست خياراً تكتيكياً طارئاً بل تهدف إلى أن تتحول مع مرور الزمن إلى تحالف استراتيجي يمكن أن يؤدي إلى سلام حار بين الطرفين.
•وفي وقت سابق، في حزيران/يونيو 2014، بادر ممثلو ميليشيات تعمل جزئياً في إطار "الجبهة الجنوبية" إلى وضع خطة محلية محدودة أكثر. أراد هؤلاء تنسيق خطة مع إسرائيل تقضي بالسيطرة على إقليم هضبة الجولان وطرد قوات النظام السوري منها وكذلك الحركات الإسلامية - الجهادية، وإقامة جيب محلي يقيم علاقات سلام وتطبيع مع إسرائيل. ويكون هذا الجيب منفصلاً عن سائر سورية في المدى القريب، لكنه يمكن أن يكون منطلقاً إلى الدولة كلها عندما يحين الوقت المناسب. وقد قُسِّمت الخطة التي تقف وراءها ميليشيات تعمل في القنيطرة إلى مرحلتين: في المدى المباشر، يجري التركيز على الجانب العسكري التكتيكي – توحيد المجموعات المقاتلة على الأرض تحت قيادة مشتركة، تدريب مقاتلين محليين ومنفيين في الأردن، التزود بوسائل قتال وبلورة استراتيجية عسكرية. في المدى البعيد - تطبيق خطة مدنية تشمل مبادرات وإصلاحات في مجالات التعليم والدين والاقتصاد والقضاء والمجتمع والعمل والثقافة ووضع المرأة. وكمرحلة تسبق تحقيق الخطة التقى المبادرون إليها في عدة مناسبات ممثلين إسرائيليين غير رسميين من خلال قناة فرعية في عمان، وبدأوا في عملية التمهيد لجعل السكان يتقبلون فكرة التعاون مع إسرائيل. وفي الحقيقة، فإن هذه الخطط لم تدخل حيز التنفيذ بسبب الصعوبات في بلورة تفاهمات بين الطرفين بشأن تغيير الوضع القائم، لكن عملياً بدأت إسرائيل في القيام بدور معيّن في القطاع الجنوبي من خلال توسيع دائرة المساعدة الإنسانية، وتدخل عسكري ضد لاعبين جهاديين، وحماية معسكر اللاجئين الذي أقيم في المنطقة منزوعة السلاح، وردع خدم أكثر من مرة المجموعات المعتدلة في القطاع الجنوبي.
سياسة في اختبار الواقع
•بينما تستمر الحرب السورية في تكبيد ثمن هائل من الدماء، أكثر من نصف مليون قتيل، وتدفق لا يتوقف للاجئين يغرق تركيا والأردن ولبنان، ظلت الحدود الشمالية في هضبة الجولان هادئة نسبياً ومفتوحة أمام السياح والإسرائيليين الذين كانوا قادرين على الانضمام إلى مراقبي قوة الأندوف ومشاهدة الحرب التي تدور أمامهم وسماع دويّها. وعلى الرغم من وجود "جبهة النصرة" وحزب الله وإيران وداعش وأطراف معادية أخرى، ظل انزلاق المعارك إلى أراضي إسرائيل في حده الأدنى، ويبدو أن الجيش الإسرائيلي نجح في السيطرة على الحدود وعلى خطوط المنطقة من دون صعوبات خاصة ومن دون تكثيف قواته بصورة كبيرة. وبخلاف الوضع في الأردن وتركيا ولبنان، التي انجرّت رغماً عنها إلى المرجل السوري، يبدو أن إسرائيل نجحت في الحد من مجال تدخلها في النزاع السوري وأدارته بصورة تخدم المصلحة الإسرائيلية ومصلحة حلفائها الجدد في الشمال.
•بعد السنوات الأولى ومرحلة سياسة "الوقوف على الحياد" التي اتسمت بإرسال رسائل متناقضة وبسياسة "قررنا ألا نقرر"، تميزت السنتان الأخيرتان بسياسة إسرائيلية أكثر تماسكاً تحدد بوضوح المصلحة الإسرائيلية، على الأقل في ما يتعلق بما يحدث في جنوب سورية، وبتقديم مساعدة إنسانية وبناء شراكة محلية ما وراء السياج الحدودي. إن إنشاء إدارة "حسن الجوار" هي مؤشر مشجع يدل على استعداد إسرائيل لإعلان سياستها واللعب "بأوراق أقل علنية". وبالإضافة إلى المعقولية التي تكمن في إقامة تحالفات من أجل المحافظة على المصلحة الأمنية، تنطوي هذه الخطوة الأخيرة على فرص إضافية ليس فقط من أجل القيام بعمل إنساني إنقاذي، بل وأيضاً من أجل بناء شبكة علاقات نموذجية لعلاقات مع دول مجاورة مستقبلاً.
__________
هناك تقارير كثيرة عن اتصالات وحتى عن مساعدة إسرائيلية لجبهة النصرة. انظر "إسرائيل تساعد جبهة النصرة على مهاجمة دروز سورية"، "هآرتس" 11/9/2016.
- ترجمه عن العبرية: رندة حيدر.
- راجع الترجمة: أحمد خليفة.
هناك تقديرات مختلفة بشأن عدد مقاتلي الجيش السوري الحر أو عدد المقاتلين المنتسبين إلى الجبهة الجنوبية. انظر:
http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2016/09/syria-north-south-opposition-groups.html; https://rfsmediaoffice.com/en/2014/12/13/free-syrian-army-factions-of-the-southern-front-unite-their-forces-against-the-regime-and-extremists/#.V_YRdYVOKM8
يوسي ألفر، سياسة معزولة، بحث إسرائيل السري عن حلفاء في المنطقة (تل أبيب: منشورات مطر، 2015)، صص 74- 76.
أيال زيسر، سورية: احتجاج، ثورة، حرب أهلية (تل أبيب: مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، 2014) صص 250-251؛ إليزابث تسوركس،" منطقة أمنية إسرائيلية للدروز في سورية ستعقد الوضع فقط"، منتدى الفكر الإقليمي 21 تموز/يوليو 2015، http://tinyurl.com/odk68x2, سمير حلبي، "النظام السوري وحزب الله يستخدمان الدروز ضد إسرائيل" بوابة الكرمل، 27 نيسان/أبريل 2015. www.karmel.co.il/index.php?option=com_content&task=view&id=34283، حسن شعلان، روعي قيس وألياؤر ليفي، "المخربون الذين قتلوا بالأمس أولاد مجدل شمس"، ynet 27/4/2015 www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4651130,00.html,
شهادات شخصية للكاتب الذي شارك في هذه اللقاءات
0 comments: