يعود البرنامج النووي الإيراني الى الواجهة مجددا
مع وصول دونالد ترامب الى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات
الرئاسية الأخيرة، وتهديده اثناء حملته الانتخابية بالغائه، او تعديل الكثير من
بنوده على الاقل.
المنطق يقول ان موقف ترامب هذا من المفترض ان
ينزل بردا وسلاما على قلوب المسؤولين في الخليج العربي، بالنظر الى معارضتهم
الشرسة لهذا الاتفاق، وقلقهم الكبير من توقيعه، لدرجة الذهاب الى تل ابيب التي
شاركتهم المعارضة نفسها، والتفكير باتخاذها كحليف، وربما شريك في حرب ضد ايران،
ولكن المنطق شيء، وما يجري على ارض الواقع وبعد ما يقرب عامين من هذا التوقيع شيء
آخر.
الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات
السعودي الأسبق، ورجل المهمات السرية في الحكومة السعودية، مثل ملف التطبيع مع
دولة الاحتلال الإسرائيلي، فاجأ الجميع عندما تحدث في ندوة في واشنطن واعرب فيها
عن معارضته لمطالبات ترامب بإلغاء الاتفاق، وطالب بأن يركز على الحد من المواقف
الإيرانية المعادية لإسرائيل.
كثيرون، ونحن منهم، الذين فوجئوا بموقف الأمير
الفيصل، اعتقدوا انه اجتهاد شخصي، وفي افضل الأحوال يمثل حكومته السعودية وحدها،
ولكن الندوة التي انعقدت في ابو ظبي قبل أسبوع في “منتدى صير بني ياس″، بدعوة من
وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد، وشارك فيها وزراء خارجية من معظم دول
الخليج ودول المنطقة، تبنت رأي الأمير الفيصل وافكاره حرفيا، وأكدت على ضرورة
الحفاظ على الاتفاق النووي مع ايران، والتركيز على الحد من سلوكها العدواني، لان
البديل سيكون امتلاك ايران أسلحة نووية، وعودة التوتر، وربما الحروب الى منطقة
الخليج.
ديفيد اغناطوس الصحافي في “الواشنطن بوست”
الامريكية الذي كان من بين المشاركين، او الحاضرين للندوة المغلقة، فوجيء بإجماع
وزراء الخليج على هذا الموقف، واستغرب ان يحتل البرنامج النووي الإيراني الاهتمام
الأكبر، ودون أي تنازل لجوانب أخرى في سياسات ترامب مثل قراره بإغلاق أبواب أمريكا
في وجه المسلمين.
لا نعرف ما اذا كان الرئيس المنتخب ترامب سيستمع
الى هذا الاجتماع الخليجي، ويتعاطف مع قلق المسؤولين الخليجيين، ويتراجع عن
تعهداته بإلغاء هذا الاتفاق النووي وتعديله، ولكن ما يمكن قراءته من بين سطور
الخطاب الذي القاه اليوم (الأربعاء) المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي
خامنئي امام آلاف من رجال الحرس الثوري الإيراني، يوحي بان ترامب ربما يسير قدما
في تهديداته.
السيد خامنئي هدد في هذا الخطاب بأن بلاده سترد
في حال الغاء الاتفاق، او تمديد العقوبات الامريكية على ايران عشر سنوات من قبل
مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي سيبحث اتخاذ قرار بهذا الخصوص الشهر المقبل، بحجة
انتهاك ايران للاتفاق بمضيها قدما في برنامجها للصواريخ الباليستية، وسجلها السيء
على صعيد حقوق الانسان، ودعم الإرهاب.
بات من الصعب علينا فهم الآلية والارضية التي
تتخذ دول الخليج العربي قراراتها الاستراتيجية بعيدة المدى، فقبل سنتين عارضت
توقيع الاتفاق، والآن تريد الحفاظ عليه، فما الذي تغير وأحدث هذا التناقض؟
هل هو تراجع أسعار النفط، وتبخر معظم الاحتياطات
المالية؟ ام فشل الحزم في حرب اليمن؟ ام دخول روسيا على خط الازمة عسكريا في
سورية؟ ام كل هذه العوامل مجتمعة؟
الإجابة مكتوبة على الحائط، وواضحة وضوح الشمس،
ولاننا كنا من المؤيدين الأوائل لهذا الاتفاق لتجنيب المنطقة العربية وشعوبها
ويلات الحرب، نجد انفسنا منسجمين مع الموقف الخليجي المؤيد للاحتفاظ بهذا الاتفاق
وعدم الغائه، لان البدائل مرعبة، واكثر خطورة على امننا واستقرار منطقتنا، ولا
ننتظر حمدا من احد.
“راي اليوم”
0 comments: