Saturday, December 31, 2016

نهاية الحزب الجمهوري في أميركا؟

 

رضوان زيادة

  

clip_image002[1]

على الرغم من أن نظام الثنائية الحزبية يبدو الأقدم في الولايات المتحدة، والأكثر رسوخاً ومؤسساتية، إلا أن تاريخ الأحزاب في الولايات المتحدة يشهد تعدداً وتنوعاً اختلف عبر الأجيال. ولذلك، ليس اندثار أحد الأحزاب التاريخية مستبعداً بالمطلق، وإنما يعتمد على مدى قدرته على التعبير عن مصالح أفراده ومؤسساته المختلفة.
المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري أنه فقد ما يسمى Center أو المركز، أو ما يستخدمه بعضهم، تعبير Mean Stream، ويعني التيار الرئيسي داخله، فصحيح أن الأحزاب في الولايات المتحدة يطلق عليها اصطلاحاً لقب أحزاب، لكنها في الحقيقة أقرب إلى ائتلاف حزبي Coalition، فكلا الحزبين يعبّران عن تحالف طبقي اجتماعي واقتصادي وسياسي، يضم إثنيات وأقليات أميركية مختلفة، يجمعها فقط تعبير الحزب عن مصالحها، لأنها تعرف تماماً أن وجودها منفردة لن يضمن مصالحها في هذه القارة الشاسعة التي تضم خمسين ولاية، وتمتد على مدى آلاف الأميال، وبالتالي، لا بد لها، ولأسبابٍ ذرائعية محضةٍ، أن تدخل في تحالف حزبيٍّ يعبّر عن الحد الأدنى من المصالح التي ترغب بها، فمثلاً أصبح الحزب الديمقراطي يضم ممثلي الطبقة الوسطى والجامعيين من حملة الشهادات، واليسار الليبرالي بالمعنى الأميركي، والأقليات الإثنية ولا سيما القادمين من أميركا اللاتينية، وبشكل أقل السود، والمدافعين عن حقوق المثليين وحقوق البيئة وغيرهم. أما الحزب الجمهوري فبات يضم المُلّاك وأصحاب العقارات والمحافظين، والمتدينين على اختلاف أديانهم، لكن الإنجليكيين منهم بشكل خاص، ومعارضي الإجهاض وحقوق المثليين وغيرهم. وكما نجد أن هناك ائتلافاً عريضاً يضم كل حزب، فإن ما يدفعهم للدخول في هذا الائتلاف هو رغبتهم في هزيمة الطرف الآخر ذي الائتلاف الواسع. ولتحقيق ذلك، لا بد من ائتلافٍ واسع أيضاً قادر على هزيمة الطرف الآخر.
ما جرى عبر التاريخ أن على قيادة كل من الائتلافين، المسميين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أن تبحث عن النقطة الوسط أو المركز، لكي تتمكن من الحفاظ على الائتلاف أولاً، ومن ثم لتتمكن من تحقيق النصر واستلام الكونغرس، وبشكل أهم البيت الأبيض. ولذلك، يخوض الحزبان معركة طويلة كل أربع سنوات خلال ما يسمى مرحلة الانتخابات التمهيدية، أو الأولية، لاختيار هذه القيادة الوسط. وبالتالي، غالباً ما يجري استبعاد الأصوات القصوى لصالح صوت المركز، أو الصوت الوسط، وهو ما يجري اليوم داخل الحزب الديمقراطي، مثلاً. إذ من الصعب أن ينجح مرشح مثل بيرني ساندرز الذي يحمل أفكاراً اشتراكية كثيرة. وستميل الكفة، بكل تأكيد، إلى هيلاري كلينتون التي تمثل التعبير الأوضح لحزبها الديمقراطي في المركز الوسط.
المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري أنه فقد مركزه تماماً، وبدا ائتلافه متصدعاً للغاية، وغير

"من الصعب أن ينجح مرشح مثل بيرني ساندرز الذي يحمل أفكاراً اشتراكية كثيرة. وستميل الكفة، إلى هيلاري كلينتون التي تمثل التعبير الأوضح لحزبها الديمقراطي في المركز الوسط"

قادر على تمييز الوسط، فهناك داخل الحزب ما يسمى تذرّراً. وأعتقد أن الظواهر الثلاث التي شهدها الحزب، في السنوات العشر الأخيرة، تعبير واضح عن هذا التذرّر الكبير، فالشعبية الكبيرة التي حصلت عليها سارة بيلين، عندما اختارها المرشح الرئاسي الجمهوري في انتخابات العام 2008 جون ماكين، كانت بسبب مواقفها المحافظة، وأشعلت حماسة داخل الحزب، دفعت قاعدته اليمينية إلى البروز أكثر فأكثر على حساب استبعاد فئات أخرى داخل الحزب. كما أنه كانت لصعود حزب الشاي داخل الحزب الجمهوري تأثيرات غير رجعية، نحو انعطاف الحزب بشكل نهائي، نحو اليمين، وخصوصاً على مستوى ممثليه في الكونغرس. ومن ثم جاء ظهور دونالد ترامب ليقود الحزب في مرحلته النهائية، في الصراع داخل فئاته، ولكي يتم تطهير الحزب ممّا بقي من أقليات داخله، خصوصاً بالنسبة للقادمين من أميركا اللاتينية والمسلمين والسود وغيرهم.
وبالتالي، فقد الحزب الجمهوري قدرته على تمييز الوسط، فيكاد ائتلاف الفئات داخله عرضة للانفصام والتفتت، وهو ما نجده تماما في التعبير عن تصريحات ترامب التي تزداد عنصريةً، لكن استطلاعات الرأي تعطيه أفضلية بفارق كبير على منافسيه، الأمر الذي يحمل بداخله مؤشراً واضحاً على انفراط عقد الائتلاف، وبالتالي الحزب الذي ربما يبقى حزباً، بوصفه تعبيراً واضحاً عن إحدى فئاته، وهو ما يعني اليمين المحافظ في حالة الحزب الجمهوري، وهو ما سيعني، بشكل آلي، خسارته على المستوى الوطني أمام منافسه في الحزب الديمقراطي، فلا قدرة لحزب فئوي في الولايات المتحدة على هزيمة ائتلاف حزبي واسع الانتشار على مستوى الولايات المتحدة وامتدادها.
ربما يستطيع الحزب الجمهوري الاحتفاظ بمواقع حكام بعض الولايات، أو الاحتفاظ بتمثيل بعض الولايات على مستوى الكونغرس، بغرفتيه مجلسي الممثلين والشيوخ، لكنه حتماً لن يستطيع الوصول إلى البيت الأبيض.
وقد حذر كثيرون داخل الحزب من هذا الانعطاف اليميني. وقد أشار تقرير أعدته قيادة الحزب

"فقد الحزب الجمهوري قدرته على تمييز الوسط، فيكاد ائتلاف الفئات داخله عرضة للانفصام والتفتت، وهو ما نجده تماما في التعبير عن تصريحات ترامب التي تزداد عنصريةً"

قبل الانتخابات الرئاسية قبل ثلاث سنوات تقريباً، بعنوان "النمو والقيادة"، إلى ضرورة الانفتاح على الأقليات، بسبب التغيّر الديمغرافي الكبير داخل الولايات المتحدة. والأهم أن هذا التغيّر ينعكس في الانفتاح الليبرالي وازدياد عدد الحاصلين على الشهادات الجامعية، ما يدفعهم تلقائياً إلى أحضان الحزب الديمقراطي. وتكفي الإشارة إلى هذا التغيير الديمغرافي أن ثلاثة من أربعة من المرشحين لمنصب الرئيس ونائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الماضية ينتمون إلى الأقليات، وليس إلى الأغلبية التاريخية التي سيطرت على تاريخ السياسة في الولايات المتحدة، وهو ما يسمى WASP، أي أبيض أنجلو ساكسون بروتستانت، فالمرشح الرئاسي الديمقراطي، باراك أوباما، ينتمي إلى الأقلية السوداء، وينتمي نائبه جو بايدن إلى الكاثوليك، في حين أن المرشح الرئاسي الجمهوري، ميت رومني، ينتمي إلى أقلية المورمون، أما نائبه بول راين فكان الوحيد الذي ينطبق عليه وصف الـWASP.
ولد الحزب الجمهوري، في نسخته الحديثة، على يد الرئيس الأميركي، أبراهام لينكولن، الذي يعتبر في نظر معظم الأميركيين من أعظم ثلاثة رؤساء مروا على تاريخ الولايات المتحدة، وهو صاحب المقولة الشهيرة إن "هذا البلد لا يحكم إلا من الوسط". ولذلك، كان أعداؤه ينتقدون باستمرار أنه ثوري، لكن كان يصر أنه إنما يريد عودة أميركا إلى ما كانت عليه في عهد الآباء المؤسسين. والطريف في الأمر، اليوم، أن ينتهي هذا الحزب الجمهوري، بسبب عدم احترام أتباعه حكمة مؤسسه الأول.
ولكن الصراع على السلطة داخل الحزب يدفع سياسييه القصيري النظر إلى الحصول على دعم قاعدة الحزب اليمينية، وحين يحصل عليها المرشح في الانتخابات التمهيدية، يكون قد أضاع جمهوره الأوسع الذي يضمن له الوصول إلى البيت الأبيض. ولا أعتقد أن الحزب سيعي أثر هذه التحولات داخله، حتى يخسر البيت الأبيض مرتين متتاليتين، كما يتوقع حدوث ذلك على يد هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الأقوى. بعدها، سيعيد الحزب حساباته، لأنه سيكون خارج البيت الأبيض 16 عاماً متتالية، وهو ما لم يحدث منذ قرن تقريباً أن سيطر أحد الحزبين على البيت الأبيض هذه الفترة الطويلة جداً. وبالتالي، سيكون درساً قاسياً للجمهوريين للعودة إلى الأصول التي تأسس عليها حزبهم، من حزب مدافع مستميت عن حقوق السود وحريتهم إلى حزب انتهى اليوم، على أيدي دونالد ترامب وتيد كروز، إلى أن يستهدف الأقليات الدينية، لأنها تختلف "عنهم". -
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: