النصر الأول لسياسة ترامب الخارجية قد يكون في سوريا
في الأسبوع [الأول] بعد تنصيبه، ستكون للرئيس ترامب فرصة استثنائية لوضع تصاميمه الدبلوماسية الجديدة قيد الاختبار في مكانٍ غير متوقّع هو الأستانة (الأستانا)، العاصمة البعيدة لكازاخستان. وإذا كان هذا يبدو وكأنه طرفة تُلقيها شخصية بورات الكوميدية، فهو ليس كذلك. فالأستانة هي المكان الذي ستعقد فيه روسيا جولة جديدة غاية في الأهمية من محادثات السلام السورية، وقد تفاخرت موسكو بدعوتها إدارة ترامب الجديدة.
ولم يُجب فريق ترامب بعد على هذه الدعوة علناً، لكن عليه أن ينتهز الفرصة للعمل مع روسيا وآخرين لحل المشكلة السورية المستعصية، بطريقة طالما راوغت إدارة أوباما. وإذا كان الوقت مبكراً لكي تقدم واشنطن مساهمتها الجدية لمؤتمر أستانة، فإن الاجتماع الذي سيعقب ذلك والذي سيُعقد في جنيف برعاية الأمم المتحدة في 8 شباط/فبراير سيوفر فرصة مواتية ثانية.
وليس هناك شيئاً جديداً، أو سيئاً بالضرورة، في محاولة العمل مع روسيا بشأن سوريا. وقد حاول الرئيس الأمريكي الذي انتهت ولايته باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري القيام بذلك على مدى السنوات الأربع الماضية. وكانت النتيجة هي الفشل، باستثناء الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2013 حول التخلص من معظم (وليس جميع) الأسلحة الكيميائية التي يملكها نظام الأسد. أما بالنسبة للرئيس ترامب، فسيكون إحياء هذا الجهد أمراً جيداً بشكلٍ واضح - شريطة أن يوفر هذه المرة احتمالاً واقعياً لتحقيق الأهداف الأمريكية الإيجابية، بدلاً من مجرد إعطاء المزيد من الوقت للأهداف الروسية السلبية المتمثلة في إبقاء الأسد في السلطة بأي ثمنٍ كان (انظر مقالة منتدى فكرة، "ترامب والشرق الأوسط.. بين الأمل والتوجس").
إن هذا الاحتمال قائم، إذا تم استغلال الوقائع الجديدة على الأرض، والمقاربات الدبلوماسية الجديدة على النحو المناسب. وثمة ما يدعو للاعتقاد أن ترامب يعتزم القيام بهذا بالضبط، بناءً على القراءة الدقيقة لـ مقابلته الغامضة من السادس عشر من كانون الثاني/يناير في صحيفتيْ "تايمز" اللندنية و"بيلد" الألمانية. فقد اقترح فيهما اتفاقاً حول العقوبات المفروضة على روسيا التي يمكن من خلالها أن "يستفيد الكثيرون". وأشار إلى أن تخفيض الأسلحة النووية سيكون "جزءاً منه" - لكنه أشار أيضاً إلى "الوضع الانساني الرهيب" في سوريا.
ينبغي أن يكون التخفيف من هذه الكارثة الإنسانية الهدف الأول لمقاربة أمريكية جديدة. وقد يعني ذلك الذهاب إلى الأستانة مع ثلاث أولويات واضحة وعاجلة وهي: دعم وقف إطلاق النار السوري الواعد ولكن الذي ما يزال متزعزعاً؛ وضمان تأمين الإغاثة الإنسانية الطارئة بشكلٍ أفضل وأكثر حياداً؛ والإصرار على حماية المناطق المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة نسبياً، خاصةً في محافظة إدلب الشمالية ومحافظة درعا الجنوبية. ومن شأن ذلك أن يمنع تلك المناطق من أن تصبح، على حد تعبير مسؤولٍ غربي رفيع المستوى في مجال المساعدة الإنسانية، "ميادين القتل الجديدة والهائلة في المنطقة" - وأن يتفادى تدفق مفاجئ جديد لا يمكن التحكم به من اللاجئين اليائسين إلى الأردن وتركيا وأوروبا، وربما خارجها.
ينبغي أن يكون الهدف الأمريكي الثاني هو تنسيق هجوم أسرع لكن أكثر دقة ضد الإرهابيين التابعين لتنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» داخل سوريا. وقد يعني ذلك أكثر بكثير من مجرد غارة جوية روسية انفرادية. وبالأحرى، يمكن أن يشمل ذلك اتفاقاً لتقليص خطر التصادم بين كافة القوى المصطفة بوجه هؤلاء الإرهابيين: أي ليس فقط الأمريكيين والروس، بل أيضاً قوات النظام ووحدات «الجيش السوري الحر»، بالإضافة إلى الوحدات التركية والكردية، وغيرها أيضاً. وهذا، بدوره، يمكن أن يسهّل تحقيق هدفين أمريكيين رئيسيين هما: تحرير العاصمة المعلنة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة عاجلاً وليس آجلاً، ومنع قيام اشتباكات مباشرة بين أصدقاء واشنطن الأكراد والأتراك، على الأقل على الأراضي السورية.
أما الهدف الثالث ذو المدى الأطول في الأستانة فينبغي أن يكون البدء على الأقل بعملية تمييز الجهات الفاعلة الشرعية والمصالح في سوريا عن الإيرانيين، و «حزب الله» وغيره من الميليشيات الطائفية الأجنبية (انظر مقالة منتدى فكرة، "منع انتشار التطرف في سوريا"). يجب على الولايات المتحدة أن تحثّ المشاركين في المؤتمر على المطالبة بانسحاب الجهات الفاعلة الأخيرة في النهاية، ربما من خلال اتفاق مشترك يتمثل بالحفاظ على خيار نشر قوات حفظ السلام الدولية. وحتى لو لم يكن لمثل هذا التصريح أي تأثير عملي فوري، فمن شأنه أن يساعد على إعادة طمأنة أصدقاء الولايات المتحدة داخل سوريا وخارجها، وربما يمهد الطريق لخطوات مستقبلية من أجل فصل مصالح روسيا والنظام عن مصالح إيران وعملائها الخطرين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا ستقبل روسيا بأي من ذلك؟ يعود أحد الأسباب إلى أن ترامب على استعداد لاستمالتها عبر تخفيف العقوبات الإنتقائية. وما هو أكثر أهمية أنه لن يحتاج إلى تقديم الكثير جداً، إذ تتوافر أسباب إضافية بالنسبة إلى روسيا لكي تتوصل إلى تسوية. أولاً، سيؤدي هذا الاتفاق إلى تأجيل الإجراءات ضد نظام الأسد - الذي يُعتبر ضعيفاً جداً لاستعادة السيطرة على جميع أنحاء البلاد دون دعم عسكري خارجي على أي حال. ثانياً، تريد روسيا حقاً تخليص سوريا من الإرهابيين الجهاديين، الذين تعتبر أنهم يهددون أمنها الخاص. ثالثاً، ستخدم التسوية الحقيقية بشأن سوريا قدرة روسيا على تحقيق التوازن بين الجهات الإقليمية المتنازعة: أي السنة والشيعة، والأتراك والأكراد، وحتى العرب والإسرائيليين.
ويجدر بالذكر أن بعض الجهات الفاعلة العربية، التي هي على جوانب معاكسة من الحرب، أصبحت تدرك حديثاً هذه النقطة الأخيرة المهمة. ففي 9 كانون الثاني/يناير، نشرت صحيفة "الوطن" السورية اليومية الموالية للنظام افتتاحية تحت عنوان رئيسي مثير هو "هل حقاً أن إيران وروسيا تبيعان سورية إلى تركيا؟" - قبل استنتاجها الملاحظة الحكيمة التي تعتبر أن موسكو "تعلم أنها من أجل ذلك يجب أن تتمتع بحد أدنى من العلاقة ليس مع حلفائها فقط، بل حتى مع خصومها". وبعد أربعة أيام، تطرقت جريدة "الغد" الأردنية المستقلة إلى القضية بصراحة أكبر: فارتأت أن روسيا تريد [الآن] "تغيير صورتها كقوة عظمى وقفت بوجه السنة".
وبالعودة إلى نقطة البداية، يشكّل مسرح الأستانة والمشاركين في مؤتمره رمزاً لهذا الاقتران الجديد بين ثقة روسيا وتنازلاتها المحتملة. وكازاخستان هي بلاد موالية لروسيا لكن ذات غالبية تركية، ومن المسلمين بشكل أساسي، ومع ذلك استضافت لتوّها زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وسوف يتضمن المؤتمر مشاركة إيرانيين وعرباً وأتراكاً، وحتى عدد قليل من الأكراد، الذين يواصلون جميعاً التعبير عن آراء متباينة حول سوريا، بالإضافة إلى نظام الأسد وعدد كبير من التيار الرئيسي للمعارضة، الذي ألغى لتوّه تحذيراً بمقاطعة الاجتماع.
وهذه المرة، على عكس مؤتمرات جنيف السابقة حول سوريا التي كانت متنوّعة بنفس الدرجة، من الممكن أن تتوصل الولايات المتحدة إلى اقتراح واقعي قد يضم روسيا إلى مشروعها. وإذا استطاعت إدارة ترامب كنتيجة لذلك تحقيق المزيد من النجاح في هذا الميدان الأساسي، يجب أن يشيد بها الأمريكيون جميعهم، بغض النظر عن انتمائهم السياسي.
ديفيد بولوك هو زميل كوفمان في معهد واشنطن ومدير "منتدى فكرة". وقد عاد لتوّه من رحلة إلى الشرق الأوسط، حيث تشاور مع كبار الخبراء والمسؤولين حول سوريا. وقبل انضمامه إلى المعهد، عمل في "هيئة التخطيط السياسي" التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية بين عامي 1996 و2001، من بين وظائف أخرى.
0 comments: