مباط عال"، العدد 901، 20/2/2017
يوئيل غوزنسكي
وكوبي ميخائيل - باحثان في معهد دراسات الأمن القومي
•بالنسبة إلى الكثير من الأنظمة السنّية البراغماتية في المنطقة، تعتبر بداية ولاية دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة تطوراً إيجابياً، ولو أن ولاية الرئيس أوباما انتهت. فقد اعتبرت سياسته في نظر هذه الأنظمة مضرة، بل وحتى غدرت بالذين يعتبرون حلفاء تقليديين للولايات المتحدة. ولا يقل أهمية عن ذلك، خاصة في نظر السعودية ودول الخليج، هو توقع أن تكون الإدارة الجديدة أكثر صرامة في سياستها إزاء إيران على نحو يتخطى نظرة أوباما الضيقة التي اقتصرت على المشكلة النووية. وتأخذ هذه الأنظمة على أوباما ليس فقط معالجته للموضوع الإيراني، بل وأيضاً "رفع رأس" الإسلام السياسي الذي قمعته مصر، لكن وجوده وتأثيره ما يزالان يهددان هذه الأنظمة، بالإضافة إلى صعود تنظيم "داعش" بسبب الانسحاب المتسرع للولايات المتحدة من العراق، وسياسة أوباما المترددة حيال الموضوع السوري.
•وانسجاماً مع سياسة "القيادة عن بعد" التي انتهجتها إدارة أوباما، أرادت واشنطن الابتعاد عن مهمتها كقائدة تقليدية، وهو الدور الذي لعبته في العقود الأخيرة في الشرق الأوسط. وفي نظر أنظمة في المنطقة، استبدلت إدارة أوباما زعامتها ونفوذها بالتقارب مع الإخوان المسلمين ومع إيران، التي رأت فيهم عنصراً يساهم في حل المشكلة في المنطقة، بالإضافة إلى ضعفها الظاهر حيال تركيا التي تحركت بخلاف مصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وفي الواقع، اعتبرت القاهرة والرياض وأبو ظبي أن سياسة إدارة أوباما استبدلت العلاقات الوثيقة مع حلفائها (وأبرز مثال على ذلك هو مصر) بالتقرب من أعدائهم. كما تآكلت الثقة وصورة قوة الردع الأميركية بسبب عدم الوفاء بالوعود، والرد الضعيف وأحياناً عدم الرد على الاستفزازات ومحاولات الهجوم على قوات أميركية.
•كانت إحدى النتائج المباشرة لهذه السياسة تصاعد تدخل ونفوذ لاعبين خارجيين في المنطقة وبخاصة روسيا. واضطرت مصر والسعودية واتحاد الإمارات العربية في أحيان كثيرة إلى تبني سياسة أكثر استقلالية دفاعاً عن مصالحها. كما سعت إلى الحصول على دعم دبلوماسي وعسكري خارجي إضافي لم يكن يتلاءم دائماً مع أهداف السياسة الأميركية. لكن المصالح المصرية لا تتطابق تماماً مع المصالح السعودية، وبخاصة تلك المتعلقة بقضية المحافظة على نظام الأسد. فمصر تدعم بقاء الأسد في السلطة ولا تؤيد المواجهة مع إيران، بينما تسعى السعودية إلى العمل لإبعاد الأسد عن السلطة وتعتبر نفسها في مواجهة مع إيران. ونتيجة لذلك يوجد توتر بين الدولتين. لكن على الرغم من ذلك فهما تتشاركان في تعليق آمالهما على تغيّر سياسة الولايات المتحدة. فمصر تشعر بالتفاؤل لمجيء الرئيس ترامب، وفي تقديرها إن إدارته لن تتشدد معها في موضوع حقوق الإنسان، وأنها ستبتعد عن الإخوان المسلمين وستساعدها أكثر في حربها ضد الجهاد السلفي. ومن جهتها، تتخوف السعودية ودول الخليج أكثر من إيران، وهي تعتبر أن إدارة ترامب ستساعدها بصورة أكبر في التضييق على خطوات إيران في المنطقة.
•ستكون للخطوات الأولى التي ستتخذها إدارة ترامب أهمية بالنسبة إلى الطريقة التي سيُنظر بها إليها. لقد بدأ ترامب بالابتعاد عن بعض أقواله المعادية للمسلمين وأطراف عربية، والتي جرّت عليه انتقادات، سعياً إلى فتح صفحة جديدة. وتشعر دول الخليج بصورة خاصة بالتشجيع من لهجة ترامب الحازمة حيال إيران، ومن كون وزير دفاعه جيمس ماتيس يرى في إيران العامل المركزي لعدم الاستقرار في المنطقة، وتأمل هذه الدول أن يجد قلقها آذاناً صاغية لدى الإدارة الجديدة. وستكون السياسة حيال إيران، على ما يبدو، ذات نطاق أوسع وكوابح أقل من تلك التي كانت موجودة لدى الإدارة السابقة في سعيها للجم تحركات إيران الإقليمية.
•وبخلاف ما يقوله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فإن زعماء المعسكر السّني البراغماتي وعلى رأسهم السعودية، لا يريدون في هذه المرحلة إلغاء الاتفاق النووي. ففي نظرهم، الضرر الناتج عن إلغائه سيكون أكبر من فائدته، لأن إلغاء الاتفاق سيؤدي في نظرهم إلى تقوية معسكر المتطرفين في إيران، وإلى معاودة البرنامج النووي من دون رقابة، كما أنه سيجعل من الصعب تشديد نظام العقوبات. وأكثر ما يقلق حكام الخليج هو سلوك إيران الإقليمي الذي أصبح أكثر عدوانية منذ توقيع الاتفاق معها، كما أنهم يتخوّفون من تصاعد نفوذها في العراق واليمن وسورية ولبنان. ويأمل جميع هؤلاء، وبخاصة حكام مصر، ألا يتشدد ترامب في موقفه من حقوق الإنسان في دولهم وأن يسمح بحرية أكبر من أجل قمع تحدي الإسلام السياسي والجهاد السلفي ضد أنظمتهم. صحيح أن ترامب أعلن أن "اجتثاث الإسلام الراديكالي" يتصدر سلم اهتماماته وأن محاربة تنظيم "داعش" والتنظيمات المشابهة له يحتل رأس سلم أولوياته، لكن من المحتمل أن يكتشف ترامب أن صراعاً أكبر ضد الإرهاب "سيجرّه" إلى المزيد من التدخل في المنطقة.
•لقد رافقت انتخاب ترامب مخاوف أيضاً. فمن المحتمل أن يطلب من بعض الأنظمة تحملاً أكبر للعبء الأمني غير شراء أسلحة واستضافة قواعد أميركية. بالإضافة إلى ذلك ثمة تخوف من الأجواء الجديدة التي تبديها واشنطن حيال روسيا ومن انعكاسات ذلك على مستقبل سورية. سيكون من الصعب على ترامب تحسين العلاقات مع دول الخليج وفي الوقت عينه التقرب من روسيا وأخذ مصالحها في الحسبان من أجل بلورة اتفاقات تتعلق بنظام إقليمي جديد. فإذا توصل ترامب فعلاً إلى تسوية مع روسيا تتعلق بالحرب المشتركة ضد تنظيم "داعش" والحل في سورية، فإن هذا سيكون بالنسبة إلى الكثيرين في دول الخليج بمثابة منح الانتصار إلى الأسد وإيران.
•علاوة على ذلك، فإن ترامب، الذي شدد على أنه يقف على رأس أولوياته إعادة أميركا والأميركيين إلى مجدهما، من المحتمل أن يبتعد عن المعالجة التفصيلية لشؤون الشرق الأوسط وأن يقلص التدخل الأميركي في المنطقة. بناء على ذلك، حتى لو أُجريت تعديلات على السياسة الأميركية في المنطقة، فإن بعض انعكاسات سياسة الرئيس السابق أوباما يمكن أن تواصل تأثيرها في المنطقة، وفي طليعتها تنامي قوة إيران وصعود النفوذ الروسي. ويبدو أن المعسكر السّني بقيادة السعودية سيضطر إلى القبول بقيام محور أميركي – روسي - تركي، سيساعد على القضاء على تنظيم "داعش" لقاء بقاء الرئيس الأسد في منصبه، في الوقت الحالي على الأقل.
•بالنسبة إلى إسرائيل، ثمة زعماء عرب ليسوا راضين عن بعض تصريحات ترامب بشأنها، وعلى رأسها تصريحه بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ومع أن الموضوع الفلسطيني ليس في طليعة اهتمامات ترامب، فإن تحقيق هذا الوعد يمكن في تقديرهم أن يؤدي إلى احتجاجات واسعة وربما إلى عنف عام وأن يهدد استقرار أنظمتهم. ومع أن تهديدات الفلسطينيين "بفتح أبواب جهنم" تبدو تعبيراً عن الإحباط وعدم فهم لموازين القوى، فيبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة تأخذ ذلك في اعتبارها، ولذا يجب عليها العثور على وسائل مبتكرة من أجل تحقيق وعد الانتخابات الرئاسية بشأن نقل السفارة.
•إجمالاً، وعلى المستوى الإسرائيلي – الفلسطيني، يبدو أن أنظار زعماء الدول العربية موجهة نحو الخطوات التي سيتخذها ترامب في أعقاب امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن (القرار 2334 المتخذ 23 كانون الأول/ديسمبر 2016) وخطاب المبادئ الذي ألقاه وزير الخارجية (حينها) جون كيري في 28 كانون الأول/ديسمبر 2016. إن وقوف ترامب إلى جانب إسرائيل، كما ظهر من خلال تغريداته على تويتر بعد التصويت في مجلس الأمن وخلال إلقاء وزير الخارجية لخطابه، وخاصة اتخاذه خطوات عملية مهمة بهذه الروحية مع التشديد على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، بالإضافة إلى خطوات أخرى في الشرق الأوسط، ستصبح ممكنة بعد التنسيق مع الرئيس الروسي بوتين، قد توضح أن الولايات المتحدة في عهد ترامب أكثر حزماً وتلتزم بكلمتها ولا تخضع للابتزاز. إن استبطان التغير في السياسة الأميركية من شأنه أن يساعد في إعادة تنظيم المنطقة وأن يساهم في بلورة معسكر مؤيد للأميركيين بقيادة أميركية، ويمكن أن تنضم إليه لاحقاً دول عربية أخرى تتحفظ في هذه المرحلة، وتتخوف من أولويات ترامب الاستراتيجية.
•يمكن لسياسة أميركية حازمة أن تدفع زعماء المعسكر العربي البراغماتي نحو تعزيز التنسيق والتعاون مع إسرائيل ضد إيران، وضد الإسلام السياسي والجهاد السلفي، والضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل من أجل التوصل إلى حل. وفي ضوء واقع زعامة أميركية حازمة، مؤيدة لإسرائيل وتنسق مع روسيا، سيتقلص هامش الإمكانات أمام زعماء المعسكر العربي البراغماتي، وسيصبح خيار الانضمام إلى الولايات المتحدة وضمان دعمها هو الخيار المفضل. وفي مثل هذه الظروف ثمة معقولية للتقدير بأن الانقسام في العالم العربي، بالإضافة إلى الخوف العميق من إيران والإسلام السياسي والجهاد السلفي، سينشئ قاعدة متينة للتعاون مع إسرائيل، التي ستبقى الحليف الأقوى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
0 comments: