"معاريف"، 2/3/2017
إميلي لانداو - باحثة ومديرة برنامج مراقبة السلاح والأمن القومي في معهد الدراسات الاستراتيجية
•بالنسبة إلى إدارة أوباما، فإن المفاوضات مع إيران بشأن المسألة النووية - والاتفاق الذي وقع - لم يكونا قصة نووية فقط. وعلى الرغم من التصريحات القاطعة للرئيس الأميركي السابق بأنه كان ينوي معالجة الموضوع النووي فقط، إلا أنه أراد المزيد دائماً. فقد أراد أن يثبت لإيران أنه مستعد للتعاون والتصالح معها من خلال إبداء الاحترام تجاهها، ومن دون أن يضعها في مواجهة ماضيها الإشكالي على الصعيد النووي.
•في نظر إدارة أوباما اعتبر الاتفاق النووي إنجازاً مزدوجاً - فقد حقق هدفين أساسيين على صعيد السياسة الخارجية: منع تسلح نووي، ومد يد السلام نحو أعداء الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الاتفاق هو فعلياً إشكالي جداً، ومن عدم ظهور أي مؤشر يدل على التغيير المأمول به في علاقات الدولتين، فقد أصرت الإدارة الأميركية [السابقة] منذ لحظة التوصل إلى الاتفاق النووي على التعامل مع إيران وكأنها غيّرت توجهها. وحتى عندما واصلت إيران التصرف بعدائية في المنطقة واستمرت في تحدي الولايات المتحدة، رفضت هذه الإدارة الرد بطريقة يمكن أن تعكّر الأجواء وتجعل إيران تفقد ثقتها وربما تتخلى عن الاتفاق. وكان التوقع أن تشكر إيران هذه الجهود وأن ترد عليها بما يتلاءم.
•لكن إيران لم تتعاون مع الخطة، ولم يبشر الاتفاق النووي بحدوث تغير في مصالح إيران في الشأن النووي أو في نياتها على المدى البعيد. وأوضح المرشد الأعلى أن النظام الإيراني غير معنيّ بإبداء أي تعاون مع الولايات المتحدة باستثناء ما يتطلبه الاتفاق النووي. وكان امتناع إدارة أوباما عن الرد على نشاطات إيران مريحاً جداً لإيران، إذ إنها لم تعتبر الاتفاق النووي بداية لتغير العلاقات الثنائية، بل كتعبير عن ضعف أميركي يمكن استغلاله من أجل تحقيق أهدافها وتعزيز موقعها الإقليمي. وفي كل مرة لم ترد فيها الإدارة الأميركية على استفزاز إيراني، ازدادت قدرة إيران على الردع وتعرّضت قدرة الولايات المتحدة على ذلك إلى ضربة.
•سيعقد معهد دراسات الأمن القومي غداً مؤتمراً بعنوان "إيران في حِقْبة استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط". إن التحدي الذي تواجهه إدارة ترامب هو استعادة الردع الضائع. والاختبار الأول جاء بعد أقل من أسبوعين من تنصيب الرئيس ترامب عندما أجرت إيران تجربة إضافية لصاروخ باليستي يستطيع أن يحمل رأساً نووياً. جاء ردّ الإدارة على التجربة سريعاً وصارماً ودلّ على تغير حاد في التوجه. فقد فرضت هذه الإدارة عقوبات، وبعثت أيضاً برسالة إلى إيران أنها أصبحت "تحت الإنذار"، وأن الإدارة الجديدة لم تعد تنوي غض الطرف عن أعمال إيران الاستفزازية. وعندما حذرت مقالات في الصحف الإيرانية من القيام بأعمال يمكن أن توفر "ذريعة" للرئيس الجديد لمهاجمة إيران، كان واضحاً أن رسالة الردع وصلت.
•ومع أن الإدارة تحركت كما يجب، فقد وُجّهت إليها انتقادات من داخل الولايات المتحدة بحجة استخدامها لهجة متهجّمة. لكن الرد على دولة عدائية واستفزازية مثل إيران يتطلب إعلان نيات وصرامة. وتحديداً، فإن تهديد الإدارة الأميركية الضمني بعث برسالة رادعة من دون مشاجرة. ويتمثل أساس الردع في أن إيران لا تعرف أي عمل استفزازي من جهتها سيؤدي إلى رد أميركي من أي نوع، وثقتها بنفسها تزعزعت. وهذه نتيجة مطلوبة.
•ليست هناك استراتيجية خالية من المخاطر، وواضح أن إيران تستطيع مواصلة استفزازاتها وإيصال الأمور إلى مواجهة حقيقية. لكن خيار عدم القيام بشيء سيسمح لإيران وسيشجعها أيضاً على زيادة قوتها أكثر فأكثر، وفي النهاية لن يكون ممكناً كبحها من دون مواجهة مع احتمال التسبب بضرر كبير للغاية، أو أن تصل إيران إلى سلاح نووي ويصبح من غير الممكن كبحها بتاتاً.
•إن تغيير التوجه في أسلوب التعامل مع إيران هو أمر مستحسن، لكن من المبكر جداً تحديد فرص نجاحه على المدى البعيد. والنجاح يتطلب أن يواصل الرئيس تركيز اهتمامه على الحاجة إلى كبح إيران. وستضطر إدارة ترامب إلى فحص الأجزاء الأخرى من الأحجية الشرق أوسطية وبخاصة علاقة الولايات المتحدة مع روسيا.
0 comments: