مباط عال"، العدد 908، 23/3/2017
تسفي ميغن وأودي ديكل - باحثان في معهد دراسات الأمن القومي
•بعد مرور أكثر من ست سنوات دموية، ونحو نصف مليون قتيل (أغلبيتهم من المدنيين) وملايين اللاجئين والنازحين، كثرت في الفترة الأخيرة المؤشرات الدالة على انتهاء الحرب الأهلية في سورية - حرب بدأت كانتفاضة مدنية، وتطورت إلى حرب تنظيمات جهادية، لتتحول في ما بعد إلى حرب بين متنافسين على الهيمنة الإقليمية تشارك فيها أطراف من القوى المسيطرة في الشرق الأوسط وقوى عظمى عالمية.
•بدأت الانعطافة في الحرب في أيلول/سبتمبر 2015 عندما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل عسكرياً في سورية، بهدف المحافظة على نظام بشار الأسد. ووصلت النجاحات في ساحة القتال التي حققها الائتلاف المؤيد للأسد بقيادة روسيا ومشاركة إيران ومجموعة من الوكلاء (proxies) بينهم حزب الله، إلى ذروتها بعد سقوط مدينة حلب الشمالية المركزية في كانون الأول/ديسمبر 2016. وبذلك استُكمل الجهد الأساسي للمحافظة على نظام الأسد العمود الفقري لسورية، حيث توجد أغلبية السكان ومراكز السلطة. وفي أعقاب ذلك بُذل جهد دبلوماسي بقيادة روسيا من أجل التوصل إلى تسوية تشمل وقف إطلاق نار ثابت ووضع مبادئ للمرحلة الانتقالية في الطريق إلى بلورة وجه سورية والنظام في المستقبل.
•وتحت غطاء النقاشات بشأن المرحلة الانتقالية والنظام المستقبلي في سورية، استمر التغير في موازين القوى الداخلية، وفي قوة ونفوذ اللاعبين الخارجيين المنخرطين في القتال. وتحت غطاء وقف إطلاق النار والمحادثات في أستانه وفي جنيف، تساعد روسيا وإيران قوات الأسد على توسيع سيطرتها في مناطق مختلفة في سورية: في شرقي حلب، وفي غلاف دمشق، ومنطقة حمص (حيث جرى التوصل إلى اتفاق على إخلاء مجموعات من المتمردين). وهناك مؤشرات تشير إلى أن حزب الله بحماية إيران يعمل على إحداث تغيير ديمغرافي خاصة في المناطق المتاخمة للحدود بين سورية ولبنان، من أجل بلورة بيئة ديمغرافية مريحة أكثر في "اليوم التالي" للحرب.
•وفي موازاة ذلك، يقترب الانتصار على تنظيم "الدولة الإسلامية" في شرق سورية وتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرته. ومنذ تولي الرئيس دونالد ترامب مهماته، تعمل الولايات المتحدة جاهدة لإلحاق الهزيمة بتنظيم "الدولة الإسلامية". وتقوم القيادة المركزية الأميركية بالإعداد لهجوم لتحرير الرقة، عاصمة داعش في سورية. وازداد عدد القوات الأميركية العاملة في شرق سورية بمئات من المظليين بالإضافة إلى نحو 500 جندي من القوات الخاصة العاملين في المنطقة. وتقوم القوات الديمقراطية السورية (SDF) بمحاصرة الرقة. وقد تشكلت هذه القوات برعاية أميركية، وهي تضم مقاتلي الميليشيا الكردية YPG بالإضافة إلى مقاتلين عرب سنّة، وهؤلاء هم الشركاء الأساسيون للولايات المتحدة في المعركة البرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية. ويجري هذا كله مع سعي قوات الجيش السوري التابعة للأسد للوصول إلى الرقة من ناحية الغرب.
•وفي ضوء إدراك إسرائيل انتهاء مرحلة أساسية من القتال في الحرب الأهلية في سورية كانت خلالها تراقب من بعيد من دون أن "تذرف دمعة" أسف على سفك الدماء المتبادل بين أعدائها، وإدراكها أن معركة جديدة بدأت من أجل بلورة وجه سورية السياسي، التقى رئيس الحكومة نتنياهو الرئيس بوتين. وقد ركز الاجتماع على التشديد على استياء إسرائيل من الهيمنة الإيرانية في سورية ومن البقاء المتوقع لقواتها ووكلائها في سورية في إطار التسوية المستقبلية. ولم يتوقف الأمر عنذ هذا الحد، فقد أعادت إسرائيل ترسيم خطوطها الحمراء، ومن أهمها منع انتشار قوات إيران ووكلائها في جنوب سورية بالقرب من حدودها. ويبدو أن هذا هو خلفية الهجوم الجوي الذي نُفذ في الأسبوع الماضي في عمق سورية ضد مخزن يستخدمه حزب الله أو القوات التابعة لإيران. وتدل المحاولة السورية لاعتراض الطائرات المهاجمة بواسطة صاروخ أرض - جو من طراز “S.A.5” على نوعية الأهداف التي هوجمت وعلى تغيير كامل في قواعد اللعبة: لم تعد سورية مستعدة للتعرض لهجمات إسرائيلية من دون الرد عليها. لقد كان الهدف من استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو إلى محادثة توضيحية التلميح لإسرائيل باستياء روسيا من توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية في عمق سورية.
•تتعامل روسيا مع إسرائيل كقوة عظمى إقليمية تستطيع أن تؤثر في مجمل التطورات في الساحة السورية. ولدى روسيا مصلحة واضحة في تنسيق خطواتها في المنطقة مع إسرائيل والحؤول دون وقوع احتكاك عسكري معها، ويوجد بين الطرفين [الروسي والإسرائيلي] تنسيق أمني في أجواء سورية أثبت فعاليته، كما أن هناك معرفة روسية باهتمام إسرائيل بمنع تمركز قوات تابعة لإيران بالقرب من حدودها، وتعرف أيضاً حساسية إسرائيل حيال وجود إيران في سورية كلها، وهي لا تعارض التنسيق الاستراتيجي مع إسرائيل بشأن كل ما يتعلق بمستقبل سورية.
•تلمح إيران إلى أنها لا تتخوف من المطالبة الإسرائيلية بمنع تمركز قوات مرتبطة بها في منطقة الحدود بين إسرائيل وسورية، وقد نقلت قوات من ميليشيا شيعية وحزب الله إلى درعا من أجل القتال إلى جانب قوات الأسد سعياً للسيطرة من جديد على هذه المدينة الجنوبية. وأعلن الإيرانيون تشكيل قوة جديدة في إطار الميليشيا الشيعية العراقية حزب الله - النجباء التي تقاتل في سورية تحت قيادة إيرانية. وقال الناطق بلسان القوة إنها لن تغادر سورية إلى أن يجري طرد آخر إرهابي من أراضيها، وبالإضافة إلى القوة التي تقاتل في سورية، شكلت إيران وحدة نخبة لتحرير هضبة الجولان.
•تشعر إسرائيل، التي هي في الحقيقة لم تمد ذراعها إلى المستنقع السوري، أنها لا تملك تأثيراً في التسويات التي تجري بلورتها حالياً في موسكو وفي طهران، وفي أستانه وجنيف. ومن أجل عرض مخاوف إسرائيل وخطوطها الحمراء بحدة أكبر، احتاج رئيس الحكومة نتنياهو إلى لقاء هو الرابع مع الرئيس بوتين منذ العام 2015. وفي وقت قريب من ذلك زار موسكو أيضاً الرئيس التركي أردوغان. ومن الصعب افتراض أنه لم يتحدث مع بوتين في هذه المسائل أيضاً. ومن المتوقع أن تشهد موسكو قريباً زيارة الرئيس الإيراني روحاني. ستحاول موسكو تهدئة مخاوف جميع هؤلاء اللاعبين وستنقل إليهم رسائل سرية كوسيطة. في هذه المعركة تلعب الولايات المتحدة دوراً ثانوياً، ولا تقف في مقدمة المنصة، وما زالت تحافظ في هذه الأثناء على عدم الكشف عن أوراقها.
•إن وجود إسرائيل في معركة جديدة، حيث ستكون أكثر نشاطاً وأقل سرية، جرى التعبير عنه في كلام رئيس الحكومة نتنياهو لدى تطرقه إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير حين قال: "إن سياستنا شديدة الثبات. عندما نكتشف محاولات لتهريب سلاح متطور إلى حزب الله، فلدينا الاستخبارات ولدينا الاستعداد العسكري ونحن نعمل علي منع ذلك. هذا ما كان وهذا سيكون. أستطيع التحدث عن إصرارنا، وهو متين، والدليل على ذلك ما نفعله. وعلى كل شخص أن يأخذ هذا في حسابه. الجميع". يعبر هذا الكلام عن قرار إسرائيل زيادة تدخلها في ما يحاك لسورية في ضوء التقدير بأن موازين القوى تتغير في غير مصلحتها. والسؤال الكبير هو إلى متى سيكون في إمكان إسرائيل الإصرار على المحافظة على الخطوط الحمراء التي وضعتها لمنع تعاظم قوة حزب الله ووكلاء آخرين لإيران في سورية من دون زعزعة علاقاتها الخاصة مع موسكو، ومن دون التسبب بتصعيد واسع في الجبهة الشمالية؟.
0 comments: