المساعدات الأمنية الأمريكية إلى لبنان في خطر
3 آب/أغسطس 2017
يعمل «حزب الله» - الميليشيا الشيعية التي تدعمها إيران - على تخفيف وطأة هجومه على المقاتلين الإسلاميين السنّة في عرسال، القرية اللبنانية القريبة من الحدود السورية. ففي الأسابيع الأخيرة، تقدّم مقاتلو «حزب الله» بدعم غطاء جوي سوري إلى ضواحي عرسال من الجانب السوري لطرد «جبهة فتح الشام»، الجماعة الجهادية السنّية المعارضة لنظام الأسد. بيد، لم يحصل «حزب الله» على دعم سوريا فحسب، بل تمّت العملية بمساعدة "القوات المسلحة اللبنانية" ["الجيش اللبناني"] التي عزّزت وحداتها في محيط عرسال من الجانب اللبناني قبل إطلاق الحملة، واستهدفت بعد ذلك المسلحين بالمدفعية خلال المعركة.
ولا يشكل الدور الذي اضطلع به "الجيش اللبناني" في عرسال سوى أحدث دليل على تنسيقه المستمر مع «حزب الله». وفي حين قد تصب هذه الحادثة الخاصة في مصلحة الولايات المتحدة على المدى القصير، إلّا أنها تعقّد الأمور أيضاً بالنسبة لواشنطن. فمنذ عام 2005، توفر الولايات المتحدة مساعدات عسكرية أساسية إلى "الجيش اللبناني" بقيمة تناهز 85 مليون دولار سنوياً. وفي العام الماضي، تجاوزت المساعدات الأمريكية إلى "القوات المسلحة اللبنانية" 150 مليون دولار. وعلى الرغم من الثناء الواسع النطاق الذي يحظى به "الجيش اللبناني" في أوساط "القيادة المركزية الأمريكية"، إلّا أن أن تعاون الجهات التي تتلقى مساعدات خارجية أمريكية مع المنظمات التي تصنّفها الولايات المتحدة بأنها إرهابية، مثل «حزب الله» أمراً محضوراً.
الخلفية
في أعقاب "ثورة الأرز"، أي الانتفاضة الشعبية التي شهدها لبنان عام 2005 والتي أنهت الاحتلال العسكري السوري للبلاد الذي دام عقوداً من الزمن، زادت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش دعمها السنوي إلى "الجيش اللبناني" من 1.5 مليون دولار ضمن برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي" إلى أكثر من 100 مليون دولار لشراء الأسلحة. وفي ذلك الوقت، أعرب بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية عن أملهم في أن يصبح "الجيش اللبناني" في النهاية ثقلاً موازناً لـ «حزب الله»، في حين سعى آخرون إلى هدف أكثر تواضعاً تمثل بتحسين قدرات "الجيش اللبناني" على مكافحة الإرهاب على الصعيد المحلي. وبغض النظر عن ذلك، تطوّرت "القوات المسلحة اللبنانية" على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، إلى درجة أصبح فيها العديد من ضباط الجيش الأمريكي يعتبرون أن "الجيش اللبناني" - مقارنة بجيوش ذات قوام مماثل - أفضل جيش عربي.
ومع ذلك، لا تكمن المشكلة مع "الجيش اللبناني" في قدراته بل في السياسة المحلية. فلبنان يضمّ ثماني عشرة طائفة معترف بها رسمياً، غالبيتها من السنة والشيعة والمسيحيين، وهو مشحون بالخلافات الطائفية. وفي حين أن "القوات المسلحة اللبنانية" هي "مؤسسة وطنية" تضمّ عناصر من كافة الطوائف اللبنانية إلا أن هذه المؤسسة تعاني من الطائفية. ففي سبعينات القرن الماضي، عندما أوكلت إلى "الجيش اللبناني" مهمة شنّ عملية عسكرية ضد الميليشيات الفلسطينية والمسيحية، انقسم الجيش وسط انجرار لبنان إلى حرب أهلية. واليوم، لا يزال "الجيش اللبناني" عاجزاً من الناحية المؤسسية عن تنفيذ مهام حساسة سياسياً، مثل معارضة «حزب الله» بأي طريقة كانت. وفي انعكاس لهذه الديناميكية، شرّعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في بياناتها الوزارية أسلحة «حزب الله» ومهمة الحزب في "مقاومة" إسرائيل. لكن منذ اندلاع الحرب في سوريا ووصول نحو مليوني لاجئ، منحت الحكومات اللبنانية الأولوية للاستقرار - والأمن - مما انطوى عملياً على تنسيق أوثق بين مؤسسات الدولة و «حزب الله».
نبذة تاريخية عن التواطؤ
في تموز/يوليو 2006، أي بعد أقل من عام على بدء الولايات المتحدة بتمويل "الجيش اللبناني"، شن «حزب الله» غارة عبر الحدود إلى داخل إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى مقتل واختطاف عدد من الجنود وإثارة شرارة حرب دامت أربعة وثلاثين يوماً. وخلال ذلك القتال، أطلق «حزب الله» صاروخ أرض-بحر من نوع "سي-802" أصاب وكاد أن يغرق فرقاطة تابعة للبحرية الإسرائيلية من طراز "حانيت" تُبحر على بعد 10 أميال من الشاطئ اللبناني. ولم تتلقَ "حانيت" تحذيراً مسبقاً للهجوم لأن عناصر من "الجيش اللبناني" سمحت لـ «حزب الله» باستخدام الرادار البحري اللبناني لتعقب السفينة واستهدافها. رداً على ذلك، دمرت إسرائيل كافة محطات الرادارات البحرية التابعة لـ "الجيش اللبناني".
وعندما انتهت الحرب، وفي خطوة لقيت ترحيباً كبيراً، انتشر "الجيش اللبناني" في الجنوب للمرة الأولى منذ عقود. وكانت الآمال معلقة - من دون توقّع أي شيء - على أن يساعد "الجيش اللبناني" على تطبيق "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701"، الذي أرغم الدولة اللبنانية على منع إعادة تسليح «حزب الله» بعد الحرب. بيد، على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية، لم يعترض "الجيش اللبناني" سوى عملية نقل واحدة للأسلحة قام بها «حزب الله»عام 2007، في وقت كان قد تم من جديد تسليح الميليشيا بالكامل. ووفقاَ للإدعاءات الإسرائيلية في ذلك الوقت، كان "الجيش اللبناني" يبلّغ «حزب الله» بالزيارات الميدانية التي تجريها "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل")، حامياً بذلك أصول الميليشيا ومقوّضاً مهمة "اليونيفيل".
وفي عام 2008، أصدرت الحكومة الموالية للغرب آنذاك في بيروت [أوامرها] بإزالة شبكة الألياف البصرية التابعة لـ «حزب الله» من الجنوب وصولاً إلى بيروت وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي في "الجيش اللبناني" العميد وفيق شقير المتعاطف مع الحزب. لكن عندما رفض "الجيش اللبناني" تسريح شقير وأصرت الحكومة على مطلبها، استولى «حزب الله» عسكرياً على مساحات شاسعة من العاصمة، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من مائة مدني. ولم يقدم الجيش في أي مرحلة على صدّ هجوم «حزب الله»، وبعد أن تراجعت الحكومة، استلم "الجيش اللبناني" بالتنسيق مع الحزب مواقع كانت تابعة لـ «حزب الله» بعد انسحابه منها.
وعلى هذا المنوال، منذ بداية الحرب السورية عام 2011، لم يقم "الجيش اللبناني" بأي خطوة لردع، وربما يكون قد سهّل، حركة قوات «حزب الله» وأسلحته من سوريا وإليها، حيث كانت هذه الميليشيا تحارب دعماً لنظام الأسد. ومن الجدير بالملاحظة أنه حتى خلال تسامح "الجيش اللبناني" مع نشر عناصر «حزب الله» في سوريا، اتخذ خطوات لمنع حركة المقاتلين السنّة الذين يعبرون الحدود من لبنان.
وعلى المستوى الأوسع، فإن تدخل «حزب الله» في الحرب السورية - حيث قُتل أكثر من 500 ألف مسلم معظمهم من السنّة - قد أثار بعض الغضب في أوساط اللبنانيين السنّة. وهكذا، شهد لبنان في الفترة ما بين 2013 و 2014 سلسلة من التفجيرات الكبيرة بواسطة سيارات مفخخة استهدفت المناطق الشيعية في بيروت. ولمنع حدوث مزيد من التدهور، أقام "الجيش اللبناني" و «حزب الله» نقاط تفتيش أمنية مشتركة خلال تلك الفترة. وفي حزيران/يونيو 2013 على وجه الخصوص، تخطى التعاون بين الجيش والحزب حدود نقاط التفتيش، عندما قاتلت قواتهما جنباً إلى جنب ضد مائتين إلى ثلاثمائة من أنصار الشيخ السلفي المناهض للأسد أحمد الأسير المدججين بالسلاح في مدينة صيدا الجنوبية. وقد شارك «حزب الله» و"الجيش اللبناني" في مناوشات استمرت يوماً كاملاً، وبلغت ذروتها في هجوم على مجمع الأسير في مدينة عبرا.
وفي الآونة الأخيرة، في نيسان/أبريل 2017، جمع «حزب الله» أكثر من 12 صحفياً دولياً في جولة على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، عابرين بسهولة عدد من نقاط التفتيش التي تضمّ عناصر من أجهزة الاستخبارات الوطنية ووحدات "الجيش اللبناني"، مما يشير إلى درجة عالية من التنسيق. وفي الشهر التالي، سلّم الحزب عدداً كبيراً من مراكزه لمراقبة الحدود السورية إلى "القوات المسلحة اللبنانية"، ويجري حالياً وفقاً لبعض التقارير مفاوضات مع "الجيش اللبناني" بشأن مواقع حدودية أخرى أكثر أهمية. غير أنه من المرجح أن تبقى بعض هذه المراكز التابعة لـ «حزب الله» بيد التنظيم. وأخيراً، في أواخر حزيران/يونيو، أرسل "الجيش اللبناني" 150 طالباً من الكلية العسكرية لجولة في معرض «حزب الله» الحربي في مليتا، قرب النبطية، وهو معلَم يضمّ شهادات "المقاومة" [في حربه] ضد إسرائيل.
ولا يقل عن ذلك تعقيداً - فيما يتخطى هذه الحوادث الخاصة من التنسيق والتواصل وتجنّب المواجهة - هي التقارير المتواصلة بشأن تبادل المعلومات الاستخبارية بين "القوات المسلحة اللبنانية" و«حزب الله». ومن الناحية الإيجابية، يمتلك "الجيش اللبناني" سجلاً من المحاسبة يكاد يكون مثالياً فيما يتعلق بمعدّاته الأمريكية الصنع، حيث أنه لم يحوّل أي منها إلى «حزب الله».
دروس للسياسة الأمريكية
بصرف النظر عن التعاون مع «حزب الله»، لا يزال كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين يدعمون المساعدة العسكرية والبرامج التدريبية. فعلى سبيل المثال، يشيد قائد "القيادة المركزية الأمريكية" الجنرال جوزيف فوتيل بـ "الجيش اللبناني" معتبراً أنه "من بين أكثر الشركاء قيمة وقدرة" في الشرق الأوسط. ففي 15 آذار/مارس، صرّح أمام "لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي" بأن لبنان "شريك أساسي في جهودنا لمكافحة التطرف العنيف"، واصفاً "الجيش اللبناني" بـ "العائد الكبير على الاستثمار" وأيّد زيادة الدعم الأمريكي إلى "القوات المسلحة اللبنانية". كما أشار الجنرال فوتيل إلى أن "الجيش اللبناني" القوي "يمثّل ثقلاً موازناً للذراع العسكرية لـ «حزب الله»"، موضحاً أنه في حين كان الحزب يحارب في سوريا، "اكتسب "الجيش اللبناني" مصداقية متزايدة" في لبنان.
وفي حين أن الجنرال فوتيل صائب بلا شك حول القيمة الكبيرة لـ "الجيش اللبناني" في محاربة المقاتلين الإسلاميين السنّة على المستوى المحلي، إلّا أنّ ادعاءاته بشأن المصداقية المحلية المتزايدة لـ "القوات المسلحة اللبنانية" أو دورها المحتمل كبديل لـ «حزب الله» ليس من السهل إثباتها. فالشعب اللبناني يدعم عموماً دور "الجيش اللبناني" في محاربة الإرهاب، لكن عدداً كبيراً من المواطنين ينتقد تعاونه مع «حزب الله»، إذ يُنظر إليه على أنه يستهدف السنّة حصراً. وفي حزيران/يونيو 2017، كان من الواضح أن "الجيش اللبناني" قام بتعذيب وقتل أربعة موقوفين (سنّة) من اللاجئين السوريين، مدّعياً في البداية أن الأسرى توفوا نتيجة "ظروف سابقة". ولم تطمئن هذه الحادثة عدداً كبيراً من السنّة إزاء مكانة "الجيش اللبناني" كـ "مؤسسة وطنية".
ويمثّل تخصيص أموال لـ "الجيش اللبناني" ضمن ميزانية الولايات المتحدة معضلةً، حتى لو وُضعت جانباً مزاعم التعذيب. فلم يشمل طلب الميزانية الأوّلي للإدارة الأمريكية لعام 2018 أي مساعدة أمريكية لـ "القوات المسلحة اللبنانية"، لكن دعم "القيادة المركزية الأمريكية" للبرنامج يكتسي أهمية كبيرة. ومع ذلك، قد يحثّ التعاون الجلي بين "الجيش اللبناني" والمنظمة التي تصنّفها الولايات المتحدة إرهابية، المشرعين على الاعتراض على المساعدة في المستقبل. ومما يبعث على القلق أيضاً أن الحكومة اللبنانية فقدت الأغلبية الموالية للغرب خلال العقد الماضي بالتزامن مع توطيد الولايات المتحدة علاقتها مع "القوات المسلحة اللبنانية".
ومن الناحية العملية، تساعد المعونة الأمريكية "الجيش اللبناني" على حماية لبنان بشكل أفضل ضد تهديد المقاتلين الإسلاميين السنّة. ولا شك أن لواشنطن مصلحة في منع تدهور الوضع في دولة أخرى في الشرق الأوسط، لا سيما تلك التي تجمعها حدود مشتركة مع إسرائيل. ولعل الأهم من ذلك أن إنهاء البرنامج قد يُعتبر مؤشراً واضحاً من قبل طهران - ودول أخرى في المنطقة - على أن واشنطن تتخلى عن مصالحها وحلفائها الضعفاء في لبنان.
إن برنامج دعم "الجيش اللبناني" الذي تبلغ قيمته 100 مليون دولار سنوياً ليس مكلفاً نسبياً. غير أنه نظراً إلى ديناميكيات لبنان، يجب أن تبقى توقّعات الولايات المتحدة محدودة. فـ "الجيش اللبناني" ليس الدواء الشافي، بل هو مؤسسة مموّلة من الولايات المتحدة تعمل مع «حزب الله». وعلى الرغم من هذا العائق الكبير، قد تبقى واشنطن مهتمة بدعم برنامج يعزّز الاستقرار ويحافظ على مصلحة الولايات المتحدة في لبنان.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
0 comments: