وضع أكثر من معلّق “إسرائيلي” الغارة “الإسرائيلية” في مصياف السورية في سياق الرسالة إلى إيران. من المفهوم أن تتلقف “المحافل السياسية” في “تل أبيب” هذا الإدعاء، بعد أشهر من “الهلع” خاصة في ما يخص الجبهة الجنوبية في سوريا.
غير أنّ التوقف عند الأشخاص “العليمين” في حوادث كهذه يفترض أمراً آخر.
رئيس شعبة الاستخبارات السابق ورئيس مركز دراسات الأمن القومي الحالي اللواء عاموس يدلين تحدث عن “مركز عسكري يتم فيه تطوير وإنتاج صواريخ دقيقة سيكون لها تأثير كبير في الحرب القادمة”، مشيراً إلى أنّ “الهجوم يحمل ثلاث رسائل؛ الأولى: إن “إسرائيل” لن تسمح بإنتاج سلاح استراتيجي. الثانية: توقيت الهجوم، حيث أن القوى تتجاهل الخطوط الحمراء التي وضعتها “إسرائيل”. الثالثة: تواجد الدفاع الجوي الروسي لا يمنع النشاطات المنسوبة لـ”إسرائيل” في سوريا”.
وفي حين التزم الجيش “الإسرائيلي” الصمت حتى الساعة، فإنّ السياق السابق للغارة يوضح الكثير عن أهدافها وتداعياتها.
تكثر مؤخراً التصريحات “الإسرائيلية” عن “الخطوط الحمراء” عند الجبهة الشمالية. ذروة هذه الخطوط قيام المقاومة اللبنانية بتحويل ترسانتها من الصواريخ إلى صواريخ أشدّ دقة.
تتحدث بعض التقارير عن أنّ هامش الخطأ في بعض الصواريخ النوعية بحوزة المقاومة بات يلامس الخمسين متراً (قابلة للتحسين والتطوير). هذا تطورٌ – إن صحّ – يعني الكثير عسكرياً في أيّ حرب مقبلة.
ولئن كان بعض المحللين يميلون إلى ربط الغارة ببدء مناورة الفيلق الشمالي الثلاثاء، فإنّ التدقيق في التفاصيل يشي بغير ذلك، فموعد المناورة كان محدداً منذ ثمانية أشهر، وإن كان الاستنفار “الإسرائيلي” بطبيعة الحال جرّاء المناورة يخدم ويشجع أصحاب القرار على تنفيذ الغارة.
على أنّ السياق الأهم السابق لغارة الفجر ولما يمكن أن يحصل في القادم من الأيام يرتبط بمساعي “إسرائيل” الإستخبارية خلال الأشهر الماضية.
في شهر نيسان من العام 2016، سلمت شركة “رافاييل” للصناعات العسكرية الجيش “الإسرائيلي” برمجية تعزز قدرات التحكم والسيطرة وتعتمد على محرك بحث يعمل وفق خوارزمية معقدة تضيف بشكل دائم كافة المعلومات المحدثة من الساحة السورية. تتيح هذه البرمجية لأصحاب القرار في “إسرائيل” اتخاذ القرار بشكل أسرع عند الحاجة بعد أن صار طلب البيانات الميدانية متوافراً بشكل أسرع لديهم.
هذا الإجراء واحدٌ من مجموعة إجراءات تقنية مماثلة تصبّ جميعها في تقدير قوة محور المقاومة في السنوات الأخيرة، وهي جزء من عملية تركز في الأصل على جمع المعلومات الاستخبارية لخدمة الأهداف العملياتية.
في السياق نفسه، عمد الجيش “الإسرائيلي” إلى تعزيز التعاون بين وحداته العملانية وشعبة الاستخبارات العسكرية. وتم توسيع حجم الإستفادة من عمليات السطع الجوي عبر مشاركة البيانات بشكل مباشر وفوري مع بقية أذرع الجيش والأعضاء الحكوميين المعنيين.
تتيح هذه المسألة تزويد أصحاب القرار بالمعطيات اللازمة لاتخاذ قرار بتنفيذ غارة جوية أو عمل عسكري من نوع أخر متى ما دعت الحاجة.
هذا الإجراء ترافق مع توسيع عمل شبكة الجيش “الإسرائيلي” الداخلية، حيث بات بإمكان أي وحدة مشاركة المعلومات الميدانية “المفيدة” مع بقية الوحدات، في عملية وُصفت بأنها في صلب تطبيق عقيدة “حرب بين الحروب”، ذلك أنّها تسمح لقوات الجو والبحر والبر والقيادة الشمالية التحدث بـ”لغة واحدة” بحسب وصف التقارير “الإسرائيلية”.
القيادة الشمالية نفسها خضعت لإعادة هيكلة آليات عملها لتتناسب والتهديدات المتفاقمة، خاصة في ما يرتبط بـ”بنك الأهداف” في أي مواجهة مقبلة.
وقد كان لافتاً في معرض التقارير “الإسرائيلية” التي واكبت بدء مناورة “نور داغان” الجارية أن سلاح الاستخبارات بصدد إعادة تفعيل عمل وحدة “النسر” التي تهدف إلى رصد الاتصالات العلنية ومحاولة اكتشاف معلومات سرية.
الغارة في مصياف هي نتيجة الدمج بين استراتيجية “حرب بين الحروب” وتكتيك الآليات الاستخبارية المعززة بالعامل التقني، فهل هذا الدمج كفيلٌ بمعالجة هواجس “إسرائيل” أم أن الحرب لن تبقى بين الحروب طويلاً؟
المصدر: الميادين – علي شهاب
0 comments: