تقارب روسي-إسرائيلي رغم تصعيد تل أبيب
على الرغم من التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق ضد المواقع الإيرانية في سوريا خلال شهر مايو الجاري، واستهداف نحو خمسين مقراً عسكرياً، وقتل عدد من كبار الضباط الإيرانيين، فيما رآه البعض تعدياً على مكانة روسيا ونفوذها في سوريا؛ إلا أن موسكو حرصت على توجيه دعوة إلى نتنياهو للمشاركة في الاحتفال بيوم النصر على النازية بعد العملية الإسرائيلية بيومين فقط.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن العلاقات الإسرائيلية-الروسية قد شهدت تطوراً كبيراً في الأيام الماضية، حيث تم إبرام تفاهمات عميقة حول الساحة السورية، تضمنت منح تل أبيب الضوء الأخضر لشن المزيد من العمليات الجوية شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى إحداث ضرر أو إصابات في صفوف الجانب الروسي.
وتشير المصادر إلى أن التنسيق العسكري بين المؤسستين العسكريتين الإسرائيلية والروسية قد بلغ أوجه في الأيام الماضية، خاصة وأنهما يتقاسمان مصالح استراتيجية مشتركة، إذ ليس من مصلحة تل أبيب أن ترى سوريا مفككة، تحكمها فصائل متشددة، كما أنها ترغب في بقاء النفوذ الروسي كصمام أمان لكبح جماح إيران و”حزب الله” والنظام، ومنع امتداد الصراع عبر الحدود.
ويبدو أن كلا الطرفين لا يرغبان بتغيير قواعد اللعبة في الوقت الحالي؛ فعلى إثر الضربة الإسرائيلية الأكبر في 10 مايو؛ التقى نتنياهو ببوتين في موسكو (12 مايو) ضمن جهود يبذلها الرئيس الروسي لتخفيف التوتر بين إيران وإسرائيل وذلك بعد أقل من 24 ساعة على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
وجاء توقيت زيارة نتنياهو ملفتاً للانتباه بالنظر للأوضاع المتوترة المحيطة بإسرائيل، حيث خرج “حزب الله” وحلفاؤه منتصرون في الانتخابات النيابية اللبنانية (6 مايو)، وعمدت الولايات المتحدة إلى نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس (15مايو) على وقع مجزرة إسرائيلية أودت بحياة أكثر من ستين فلسطينياً.
في هذه الأثناء يتردد الحديث في بعض العواصم العربية والغربية عن تحول في الموقف الروسي إزاء إيران.
وظهرت ملامح ذلك التحول في تعبير مصادر إيرانية مسؤولة عن قلقها من التقدم الروسي في سوريا مقابل إضعاف الدور الإيراني، حيث علقت صحيفة “آفتاب يزد” التابعة للتيار الإصلاحي الإيراني، على موقف موسكو من الضربات العسكرية بالقول إن: “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترك الأسد وحيداً وتخلى عنه أثناء الضربة العسكرية التي وجهت لمواقع النظام بسوريا… ولم تبدي القوات الروسية أية ردة فعل… بل وقفت موقف المتفرج على الضربة العسكرية”.
وعلى الصعيد نفسه؛ هاجم موقع “تابناك” المقرب من الحرس الثوري الإيراني، رد فعل موسكو إزاء انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، مؤكداً أن: “روسيا تتلاعب بالمصالح الإيرانية، من خلال تصريح نائب وزير الخارجية الروسي بأنه لا يمكن الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني دون تقديم تنازلات من إيران”، مضيفاً أنه: “خلال المائتي عام الماضيين عُرف الروس في الذاكرة الإيرانية بنكثهم للعهود، ونحن نشاهد الآن تغير الاستراتيجية الروسية تجاه إيران بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي”. واتهم الموقع روسيا بالتلاعب بالورقة الإيرانية قائلا: “يبدو أن الروس قد أجادوا اللعب بالورقة الإيرانية، ويرغبون باستخدامها في الوقت الحالي للحصول على امتيازات من الغرب”.
كما هاجم موقع “جهان نيوز” التابع للمحافظين موقف موسكو من القصف الغربي-الإسرائيلي لسوريا، معتبراً أن الهجمات التي تلقاها “محور المقاومة” في سوريا قد تمت عبر “تواطؤ روسي- إسرائيلي”.
ويبدو أن تنامي التوتر الإسرائيلي-الإيراني قد مثل فرصة سانحة لبوتين لتعزيز موقفه الدولي كوسيط فاعل في الشرق الأوسط، حيث رأى موقع “بلومبيرغ” (5 مايو 2018) أن موسكو ترغب في الاستفادة من كونها القوة الوحيدة التي تقيم علاقات مباشرة مع كل من طهران وتل أبيب للعب دور الوسيط في سوريا، حيث عقدت موسكو لقاءات منفصلة بين مبعوثين من إسرائيل وإيران في سوتشي، بهدف التوصل إلى تسوية بين البلدين، الأمر الذي فسر صمت إيران إزاء قصف موقعها في قاعدة (T4)، وردها “الهادئ” المتمثل في الاكتفاء بإطلاق 20 صاروخاً، وسيلاً من التهديدات اللفظية، مقابل الهجمات الإسرائيلية.
وللاستمرار في ممارسة دور الوسيط الفاعل؛ حرصت موسكو على إبقاء حالة من الغموض حول طبيعة موقفها من التصعيد الغربي؛ حيث أبدت استعدادها للإصغاء لشكاوى ومخاوف الإسرائيليين والإيرانيين على حد سواء، وقدمت لهما “وصفات” لتخفيف الاحتقان، دون التحيز لأي من الطرفين، في حين يدرك الإيرانيون والإسرائيليون أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها الذهاب معهم لآخر مدى في التعامل مع المسائل المصيرية، والقيام بنقل الرسائل وقياس المزاج في كل من تل أبيب ودمشق وطهران، الأمر الذي لا تستطيع أي من الدول الغربية القيام به.