من هو عليّ..في ذكرى ولايته؟
حين اطلعت على سيرة عليّ في كنانيش التّاريخ الذي كتب تحت رهاب سلطان النّصب ورغائب القيان، أعدت إنشاءه في خيالي حيث لا مجال للتّصرف أو التسامح..وهو هناك متربّع على عرشه ضرغام آجام وليث قسورة..وهو هناك حيث لا يقاس به أحد في الفضل ممن ابتلي بهم وابتلو به..هو هناك في مأمن من مخالب الحرّاني وأنياب الدّرعي..هو قصة من وجد هنا وليس مكانه هنا..وحتى الطفولة كنت أعتقد أنّه مرفوع في السماء..وعليك أن تدرك فحوى ما تصنعه الأسطورة الرمزية..فللأساطير أسباب نزول أيضا..وهي هنا تعني أنّ من تحتضنه الأسطورة هو كائن ضاق بسيرته الواقع..وحينما أنزلناه إلى الأرض بحكم المعرفة التاريخية الواقعية بقيت ألمح الكثير من التعمّل والكثير من التبخيس، فلمّا وجدت أن الواقع لم ينصفه أعدته إلى خيالي في موقف ثوري حيث هناك يجب أن أراه..
للذين استكثروا ولاية عليّ، فعلوا ذلك لأنّهم أنزلوه منزلة خصومه وقالوا بلسان القول والحال: مو شغلنا، ما يخصنا..تلك أمّة...
عليّ مع الحق يدور معه حيثما دار..باب مدينة العلم..أمير المؤمنين..قائد الغرّ المحجّلين..أبو الحسنين..أخ الرسول في حادثة الإيخاء..نفس الرسول في حادثة المباهلة..وصيه في حديث الدار..أبو النسل الشريف..زوح فاطمة..حيدره..
أعود لعليّ في المخيال..والمخيال هو وسيلة ثورية احتجاجية على تاريخ ملتبس..تصوّروا لو أنّ تاريخ لبنان كتبه جعجع وخلد بقوة السياسة في أذهان الأجيال..ماذا يا ترى ستكون عليه صورة أولئك الذين زرعوا الجبال كرامة؟ انظروا كيف يكتب تاريخ المستقبل اليوم لتعرفوا كيف كتب بالأمس..وعلاقة التاريخ بالسياسة..وبالغلب..وبالسلطة..وبالمال..وبالقيان..قيسوا الماضي على الحاضر ثم اسألوا هل أنتم مطمئنون على وعي أبنائكم إن كانوا سيقرؤون تاريخنا على هذا الإلتباس؟
صمد علي في وجه التزييف..خلد على الرّغم من كل محاولات تغيير الصورة..وهذا الصمود ساهم فيه السنة والشيعة معا..فلقد فشل خصوم عليّ أن يطعنوا فيه ولكنهم عجزوا أن يخلدوا في السنة صورة نمطية لذا لجأ آحادهم إلى التحرّش بالتأويل..وأمّا الشيعة فحدث ولا حرج..
في التراث السّني مساحات للإنصاف في شأن عليّ..في كل مذهب من المذاهب الأربعة تجد لعليّ مكانة خاصّة لا يشاركه فيها أحد..ويكفي أنّ ابن حنيل قد أفرد مسندا لأهل البيت..بل إنّ ابن حنبل تفرد بأمرين: أحدهما حين قال في شأن حديث ولاية علي الذي رواه، بأنّ عبارة من كنت مولاه فعلي مولاه كررها أربعة بينما عند سائر الرواة كررها ثلاثا..أما الأمر الثاني فقد أدخل التربيع حيث كان تقليد المسلمين في الخلفاء ثلاثة، ولم يكونوا يذكرون عليّا، ليس تجاهلا بل احتراما لمقام: نحن اهل بيت لا يقاس بنا أحد..ولكن حين جاءت أجيال جديدة حيل بينها وبين أن تتعرّف على عليّ بحكم الظروف الصعبة والحصار: هل تذكرون ماذا قال السلطان لمالك: اكتب كتابا وجنبني رواية علي وابن عباس..حينئذ أدخل ابن حنبل التربيع كطريقة لتحصين مكانة عليّ لأنها كانت تتقوّض في ثقافة الأجيال بصورة ممنهحة..أمّا في الشوافع فحدث ولا حرج، ومنهم الشبلنجي في نور الأبصار ، وأما في الأحناف فانظر القندوزي النقشبندي صاحب الينابيع وفي المالكية انظر ابن الصباغ المالكي صاحب الفصول المهمّة وابن عبد البر صاحب الاستيعاب..وهناك آخرون"كثّر الله خيرهم" حاولوا نسف الصورة النّمطية كما فعل النّسائي المحدّث في الخصائص..ونصيب السّنة من النّضال من أجل علي ستعرف قيمته حين تطّلع على منهاج الحرّاني، شيخ النّصب ومفخرة السبهللة..الذي ولغ في سيرة عليّ كالكلب الأجرب وتطاول على من خشعت لسيرته العبقرية..حتى انبرى له كثيرون ليس آخرهم السّبكي، وفي المتأخّرين حسنا ما فعل أبو الفضل الغماري من أعلام المغرب..ودين الوهّابية اليوم يقوم على ذاك المنهاج..منهاج شريعة القود المتوحّش والقوادة التكفيرية..ورأيي أنّ بين الشيعة والوهابية تنازع لا مخرج منه إلا بأن يزلزل خالقهم جبلّتهم التكفيرية أو تهلكهم الآفات والزمن، بينما ليس بين الشيعة والسنة إلا سوء تفاهم ينحلّ بتحرير محل النزاع والتوافق بعيدا عن تشويش الديانة الوهابية الحرّانية/البريطانية..وهم أقلّية في هذا المنظور، وأقدامهم مليئة بأشواك الكراهية لن ينقشوها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا..هدروا أموال الأمّة في تبخيس عظمائها ورموزها..وشغلوا عقل الأمّة بالدفاع عن البديهيات حدّ الجنون..وي وي وي منك أيّتها النحلة المجرمة التي أوقفت تاريخا كان يراد له أن يسلك على سبيل الجدّ والمحبة لا الكراهية والأحقاد..ولكن سيبقى دائما الأمل..والتفاؤل الذي شكّل العامل الأساسي لبقائنا واستمراريتنا وانتصاراتنا..بعليّ أيّها الحمقى قدّمنا للعالم أصولا جديدة في المقاومة وأسرارها وقوة الصمود..أنسيتم ماذا يعني حيدره؟ حينما قال الصهيوني بخيبر:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وأحينا وأضرب ... الــليوث أقبــلت تلتــهب
قال عليّ الذي اقتلع باب الحصن بيده:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... ضرغام آجام وليث قسوره
على الاعادي مثل ريح صرصره ... أكيلكم كيل السندره
أتساءل ما لهذه الأمّة تخشى من الحقيقة، ومن السؤال، ومن النقد..إنّ مشكلة هذه الأمة وسبب إفراطها في الفرقة والقيل والقال أنّها لا تعطي الأمور حقّها، وظنّت أنّ الغلبة للتاريخ حتى حين يكتب لمرة واحدة بينما حتميته أن يكتب أكثر من مرّة لأن في كل جيل هناك من لا ترضيه الصورة الأرتذكسية للماضي..وفي كلّ جيل هناك من سيتحرر من أسر الأنماط..إذا كانت كل سلطة محصورة في أجيال محددة فالتاريخ أيضا محصور ويجب مراجعته.. عليّ هو للجميع ورمز للأمة كلّها بل للإنسانية كلّها لأنّ حكمته كونية بالغة المعنى والأثر..ولكن يجب كتابتها بانطلاق خارج تأثير البيئة والحسابات الأرتذكسية..كتب العقاد: عبقرية علي بن أبي طالب، وهو عمل كلاسيكي من روائع العقّاد، لكن شيء ما لم يجذبني لأنّ عليّ الذي يسكن في خيالي لم أجد له في عبقرية العقاد ما يملأ دناني..وفي العمل الكبير الذي قام به الأديب اللبناني جورج جرداق: علي صوت العدالة الإنسانية، كنا أمام طفرة، طفرة ليس من حيث أنّ جور جرداق هو سليل ثقافة مسيحية منحت سيرة عليّ وحكمته لونا كونيّا خارج تحكم الصورة النمطية التي تحدّ من المعنى وتأسر عبقرية رموزنا ضمن أنظومة مغلقة وخطوط حمراء، بل لأنّه قرأه من دون تقيّد بشروط التّورخة الأرتذكسية..وهي طفرة لا تغني عن الاستزادة في التحقيق وردم الثغرات والجنوح غير المبرر لما لا ينفع الحقيقة..تنزيل علي من الخيال إلى الواقع بشروطه المزرية يتطلّب جهادا معرفيا كبيرا..يتطلّب السفر من الأقصى إلى الأقصى لامتلاك الصور الممكنة..يتطلب ثورة في المفاهيم وفي الدّماغ..ألم يقل لمن حوله: اسألوني قبل أن تفقدوني..ولكنهم قاتلوه وقتلوه ولم يسألوه..
ومع ذلك ننتظر الفرصة لنقول كلمتنا في هذا الرمز الكبير..في هذا الكائن الذي حارت في عبقريته الهمم..
ادريس هاني: 9/9/2017
Sunday, September 10, 2017
Tuesday, July 18, 2017
هل سقط المبصر المغربي في السرقات الأدبية؟
هل سقط المبصر المغربي في السرقات الأدبية؟
ما بال المبصر المغربي يتحدّث متأخّرا عن سوريا، ما قيمة التبصير بعد أن تسدل الحرب ستارها رويدا رويدا..ما قيمة أن يقول مبصر بعد 6 سنوات من الحرب الضروس إن سوريا ستنتصر وبأن الرئيس بشار الأسد سينتصر وبأنّ سوريا ستصبح سويسرا الشرق الأوسط وبأن السعودية ستنقسم وبأن داعش ستدخل إلى المملكة..هذا المبصّر تحدث متأخرا وسبوتنيك نقلت كلام المبصر في الوقت بدل الضائع بينما أكاد أكون على يقين بأنّ هذا المبصر نقل كل ما كنا نقوله في الزمن الصعب..لم يقل شيئا اليوم لم نقله قبل سنوات وبالتوثيق..قبل سنوات قلنا من على الفضائية السورية بأنّ سوريا ستنتصر وأن الرئيس بشار لن يسقط بالتحليل السياسي وبالتنجيم وبكل شيء. أين كان المبصر يومئذ؟ وقبل سنتين تقريبا أخبرنا من على قناة أخرى بأنّ البغدادي يتواجد الآن بالرقة بينما الجميع كان يعتبره بالموصل، وهذا ما تجاهله الكثيرون ممن أخبرناهم أن البغدادي غادر الموصل منذ أكثر من عام. أين كان المبصر حين قلنا قبل سنوات أن ارتدادات الموقف ستنعكس أولا على كل من تركيا وقطر: فكانت المحاولة الانقلابية في تركيا وقبله الانقلاب السياسي في قطر واليوم لازالت الارتدادات تتجه لتحاصر قطر نفسها..أين كان المبصر لما قلنا أنّ التقسيم وارد في حق السعودية: خمس دويلات في غضون السنوات القليلة وأن داعش ستدخل السعودية ولم نستبعد أن يحصل تراشق يصيب الكعبة بالقصف..أين كان المبصر يوم قلنا أن سوريا بعد الحرب ستكون دولة عظمى في المنطقة وبأنّ تنمية سياسية واقتصادية ستجعلها رائدة في المنطقة..سبقناك عزيزي المبصر بالتحليل السياسي والاستشراف ولا أستبعد بالتبصير أيضا، ولكن ما قيمة أن تحول ما قلناه بالاستشراف السياسي إلى لغة التبصير في الوقت بدل الضائع..ما قيمة أن تقول ما قيل منذ سنوات؟..لذا لا قيمة للتبصير بعد سنوات من الصمت..كانت الكلمة صعبة ومكلفة يومئذ..قلناها يوم بلغ التحريف أوجه وصمت المبصر والمنجم والسياسي واضطررنا أن نقوم بدور المبصر أيضا في زمن الصمت والإجماع الزائف على سقوط سوريا..قلناها صراحا لم يزعمها بعدنا إلاّ كاذب دجّال: سوريا انتصرت وبشّار ارتقى في نبل النضال والمقاومة..انتهى الكلام
Sunday, July 16, 2017
دعوة لتجاوز الطرق التقليدية في خطاب الوحدة والتقريب
دعوة لتجاوز الطرق التقليدية في خطاب الوحدة والتقريب
لديّ فكرة عن المخرج الوحيد للفرقة بين المذاهب الإسلامية، لكن أدرك أيضا أنها فكرة تقتضي أن يكون المتلقّي ضالعا في القول الفلسفي مدركا لنكاته شجاعا من أجل المعرفة، لذا لن أبوح بها حتى لا نصبح مصداقا لقولة منسوبة إلى الإمام ذي الثفنات:
ورب جوهر علم لو أبوح به+++لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
وعليه فإنّ صعوبة هذا الحلّ تقتضي لا جدوى التخاطب به في الفضاء العمومي، وتبقى الشعبوية هي ما يجعل الدين خارج حدود العقل بالفعل. وبما أنّ الدين يحتلّ المساحة العاطفية للناس خارج تقدير العقل فيصبح من الصعوبة بمكان وضع حلول فلسفية. والحل يا ترى؟ الحلّ في السياسة، لأنّها تملك أن تخلق المفارقة بواسطة السلطة العارية من الإقناع العقلي ولكنه تملك نفوذا واسعا وتأثيرا فوريا لأنّ الناس مولعة باتباع الأكثر نفوذا والصلاة وراء من غلب. إذن هي السياسات التي بدأت توظيف الدين سلبا وهي القادرة على توظيفه إيجابا. إنّنا ندرك أنّ السياسة هي الأخرى لم تعد في حدود العقل لأنها لا تستجيب لقواعد علم السياسة بل تستند إلى نظرية الألعاب التي جاءت لتكون بديلا عن بيروقراطية العدالة الكونية، السياسة هي لما جعلت له من أغراض والدين بات تابعا لها ، وأقصد تحديدا التديّن المعرفي ، أي شكل الخطاب الذي تنتجه جماعة محددة في زمن محدد ابتغاء تحقيق غايات محددة. هذا الدين هو ليس دين الله الذي يلخّص آمال المستضعفين في الأرض، التي نستطيع أن نستخلص صورة هذه العدالة من صميم آلامهم نفسها، وإذن بات هذا الدين مشروعا للاستعمال وأداة للحرب كما هي السياسات.
الوحدة والتقريب في نظري قضية شديدة التعقيد، وهي ليست موضوعا متاحا لأنّ مسارات التدين لم تعد في ملك المؤمنين، بل هي حالة معقّدة تلعب فيها جملة من المؤثرات الموضوعية لعبتها التي يستقبلها العقل بحسب أدواتها وإمكاناته في الفهم. العوام يجنحون للصدام ومحاسبة الضمير لأن التدين لدى العموم هو حكاية تقع خارج مدارك المستويات العالية للاشراق والمعرفة. وحين تغيب الفلسفة تحلّ الأيديولوجيا التي هي حصان طروادة السياسة في حروبها على المعنى وإعادة نظم العالم حسب توافقاتها ومقاصدها.
ولا شك أنّ السياسة تتأثّر بعوامل النفوذ، وهي هنا تنتج فهما وتصورا تناكف به سائر التصورات التي تناهض مآربها. المقاومة هنا ضرورة لأنّ تجريد المعنى من أسباب القوة والنفوذ يساهم في الضحالة. هنا لا بدّ من تصريف المعنى تصريفا سياسيا. السياسة وحدها تستطيع مواجهة السياسة، فما لا يتسيّس يكون عرضة للانقهار بأسوأ السياسات. ما يجهله أو يتجاهله الكثير من المهتمين بواقع الاختلاف والصدام بين الفرق والطوائف والمذاهب هو اعتقادهم أنّ المدار هو على القناعة ونبل المعنى، وهذه نظرة بدأت تكشف عن تبسيطيتها حيث لا وجود لمزاج مستقر في خضمّ ما تنتجه السياسات من أسباب الفرقة والتقسيم والحروب بوسائل ومهارات مهنية تنتمي إلى أقرب أشكال العقل للتداول وأكثرها سطحية في المحتوى: العقل الأداتي. لقد أصبحت الطائفية اليوم تستنجد بمهارات العقل الأداتي بينما لا زال دعاة الوحدة والتقريب يتشبثّون بالعقل الأفلاطوني. هناك اختلال كبير في استيعاب مسارات المنطق التواصلي، أستطيع ان أقول من دون تردد بأنّ دعاة الطائفية على غباء محتوى دعوتهم هم متوفقون في تقنيات الخداع التواصلي لأنهم استندوا إلى مخرجات العقل الأداتي ومهارات فعل الكلام التي ساهم فيها التكوين الأمريكي لعديد من دعاتهم لا سيما وأننا هنا نؤكّد على أثر الطفرة النفطية التي كان لها الأثر البالغ في تنمية التدليس الوهابي من أساليبه الكلاسيكية إلى أساليب البرمجة اللغوية العصبية. وهذا ما جعل داعش التي تنطوي على أسوأ مضمون وأشرس مشروع تتقن التواصل مع أوسع شرائح المجتمعات وتستطيع أن تطيح بالوعي الجمعي وتحدث فيه ثقوبا واسعا. بينما دعاة التقريب ذوي النزعة الأفلاطونية المجردة لا زالوا يستعملون الطرق الحجاجية التقليدية التي تصل حد التّخشّب واللافتقار إلى المرونة والانسيابية وتقنية الصورة، لأنّها تفتقر إلى البعد التواصلي وتستند فقط إلى قوة المضمون.
لقد أظهرت السياسات التقليدية العقيمة لمسألة التقريب بين المذاهب فشلها إلى حدّ ما لأنها لم تبدع طرقا أكثر إيجابية وحيوية خارج منطق المجاملة. ذلك لأنّ تداول خطاب التواحد والتضامن في السلم تحصيل حاصل في هدأة الفتن والصراعات وتناقض السياسات، فلم ينتج خطاب التقريب جيوبا لمقاومة السياسة الطائفية حينما دخلت المنطقة في موجة الحرب الطائفية. أكثر القوى والأحزاب والجمعيات والشخصيات التي احترفت الحديث في التقريب زمن السلم انقلبت على أعقابها وبحثت عن أدنى المبررات لتكريس ردّتها باتجاه التوحش الطائفي. بالنسبة لي شخصيا لا يمكن أن أخطئ هذه البروفايلات، لأنّني أعتمد التحليل النفسي للخطاب. الصبر على الوحدة والتقريب ليس ديدن المجاميع التي تتسابق على هذا الخطاب في أيّام الهدنة، بل هنا لا تحدث متابعات بقدر ما تتضخم المجاملات السطحية والموسمية وتكريس الانتهازية والكذب. لا أريد هنا أن أحصي عدد الحالات ولا أضع أرشيفا من عجائب المرتدين عن خطاب التقريب حينما أزفت الآزفة. ليست تلك دعوة للانغلاق، فهذا مرفوض ولا يمكن استنباطه من عمق ما نتحدث عنه بل هي دعوة للحكامة والتدبير الأمثل لاقتدارات الأمّة خارج دائرة الانتهازية وتمكين الوصولية من إفساد أمورنا. إنّ الانتهازية تضحك منّا، ولكي نمارس اقتصادا حقيقيا في مشاريعنا وجب رسم خريطة للانتهازية ووضع قائمة للمنافقين برسم الحذيفية(= نسبة إلى حذيفة بن اليمان)، أعني أنّ أسماء المنافقين كانت تتداول في سرّية تامة بين القادة الكبار ، أي كفى من تعويم وتمكين المنافقين بدعوى تكريس العلاقات العامّة، لأنّ قصة النفاق مع تخريب مشاريع الأمة لا يضاهيها شيء، ومتى كان المنافقون درعا واقعية للوحدة والتضامن؟
إنّ التكرار المملّ للوسائل نفسها والبرامج نفسها وغياب التطوير اللاّزم من شأنه أن يهدر المال والطاقات في لعبة التنافق والمجاملة. أستطيع أن أضيف أمرا قاتلا يجب الوقوف عنده مليّا وتأمّله تأمّلا بالغا: ثمة خلل فظيع في استراتيجا العلاقات العامة، هناك وهم وتواهم مستمر يؤخّر قطف ثمار الموقف الجقيقي والغائب كما ينبغي أن تنهض عليه المشاريع الجادّة.
ادريس هاني 14/7،2017