Saturday, March 19, 2022

كيف ستؤثر أزمة أوكرانيا على سياسة الشرق الأوسط؟

 كيف ستؤثر أزمة أوكرانيا على سياسة الشرق الأوسط؟

بواسطة آنا بورشفسكايا, سونر چاغاپتاي, غرانت روملي

١٠ مارس ٢٠٢٢

 Illustration of chess pieces and the Russian and Ukrainian flags - source: Reuters

Open imageicon



عن المؤلفين

Anna Borshchevskaya

آنا بورشفسكايا

آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.

Soner Cagaptay

سونر چاغاپتاي

سونر چاغاپتاي هو زميل أقدم ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.

Grant Rumley

غرانت روملي

غرانت روملي هو زميل أقدم في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، حيث يتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في الشرق الأوسط.

تحليل موجز

يناقش ثلاثة خبراء ما إذا كانت الحرب في أوكرانيا قد تغيّر حسابات واشنطن بشأن التقارب مع تركيا، والانتشار العسكري في المنطقة، والتنافس الأوسع نطاقاً بين القوى العظمى.


"في 3 آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع آنا بورشيفسكايا، سونر چاغاپتاي، وجرانت روملي. وبورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع للمعهد حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط". وچاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير "برنامج الأبحاث التركي" في المعهد. وروملي هو زميل أقدم في "برنامج مؤسسة غليزر" ومستشار سابق لسياسة الشرق الأوسط في البنتاغون. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".


آنا بورشيفسكايا

يبدو أن هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من غزو أوكرانيا هو خوض الحرب الباردة، ولكن مع رسم نهاية مختلفة لها هذه المرة. ورغم الفرحة السائدة بشأن القدرة التي أظهرتها أوكرانيا على التصدي للهجوم الروسي، إلا أن الغزو سيستمر وقد تتحول كييف إلى حلب ثانية.


وتشير ردود فعل دول الشرق الأوسط إزاء الحرب، حتى الآن، إلى أن بوتين قد نجح في بناء علاقات جيدة ونفوذ براغماتي في المنطقة. فالنظامان الإيراني والسوري ووكلاؤهما يدعمون الغزو الروسي في حين تتردد حكومات أخرى في الانحياز إلى أحد طرفيْ النزاع. على سبيل المثال، لا يستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تنفير الرئيس الروسي، بينما تسير إسرائيل على خط دقيق. ومع ذلك، بغض النظر عن مدى المرونة التي سعى بوتين إلى أن يكون عليها، تبقى شراكاته الأقرب مع الجهات الفاعلة المناهضة لأمريكا.


وفيما يتعلق بالتأثيرات المحتملة للحرب على الشرق الأوسط بحد ذاته، هناك عامل أساسي واحد يلعب دوره وهو ارتباط أوكرانيا بالبحر الأسود وبحر آزوف. فموسكو تعتبر هذيْن البحريْن وشرق البحر المتوسط خطاً دفاعياً ثلاثي الجهات يحمي نقطة ضعف روسيا من جهة الجنوب، وبالتالي قد تؤثر نتيجة الحرب على الموقف المستقبلي لبوتين تجاه الدول المختلفة على طول هذه المياه وبالقرب منها. وقد تُعرّض الأزمة أيضاً الأمن الغذائي للخطر، لا سيما في لبنان ومصر وإسرائيل. وقد يؤدي هذا بدوره إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين عبر المنطقة. وقد استخدم بوتين مثل هذه التدفقات كسلاح في الماضي ولن يتردد في فعل ذلك مجدداً. بالإضافة إلى ذلك، نظراً للعلاقات التجارية لروسيا مع دول الشرق الأوسط، فإن تدفق العقوبات الدولية ضد موسكو سيصيب المنطقة مالياً. وقد تأثرت أساساً أسعار الطاقة.


وعلى الرغم من أن بوتين تجنّب الوقوع في مأزق في سوريا، إلا أنه قد لا يتمكن من النجاح بذلك في أوكرانيا. وسيستغل نفوذه الاستراتيجي في الشرق الوسط لمواصلة القتال، ولكن مثلما أكسبه نجاحه العسكري في سوريا الاحترام في جميع أنحاء المنطقة، فإن عدم نجاحه في النهاية في أوكرانيا يمكن أن يهدد مكانته. ومع ذلك، لا ينبغي للمجتمع الدولي انتظار حدوث ذلك. وقد اتبع بوتين نهج يقوم على إشراك كافة الجهات الحكومية للضغط على الغرب، لذلك على الغرب أن يفعل الشيء نفسه لتحديه.


ومن خلال القيام بذلك، على واشنطن أن لا تقلل من شأن قدرة روسيا ورغبتها في اختبار القوات الأمريكية. واستناداً إلى ما ستكشفه فصول الصراع الأوكراني، قد تعتمد القوات الروسية على مثل هذه الاختبارات في سوريا، كما فعلت في الماضي.


وعموماً، يشوب نظرة قادة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الولايات المتحدة قدر كبير من عدم اليقين في الوقت الحالي، ويعمد الكثيرون إلى تنويع سياساتهم الخارجية لأنهم لا يعتقدون أنهم قادرون على الاعتماد على واشنطن. على سبيل المثال، أثّر هذا التصور على دولة الإمارات خلال المداولات الأولية للأمم المتحدة حول كيفية الرد على الغزو. لذلك يجب على المسؤولين النظر بإمعان في النفوذ الأمريكي، وتقييم ما نجح وما يمكن القيام به بشكل مختلف. وعلى الرغم من أن واشنطن لم تمنع الغزو، إلا أنها اتخذت الخطوة الفعالة التي تمثلت في الكشف عن معلومات حول خطط روسيا لخلق عملية خفية سرية كاذبة. وهذا ما ترك بوتين دون أي عذر مصطنع حتى للغزو، وقوّض مصداقيته وسرديته.


وفيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، غالباً ما كان المسؤولون الروس يدافعون عن طهران أثناء المفاوضات. وعلى الرغم من إشارتهم بأنهم يفضلون إيران غير نووية، إلا أنهم يستطيعون تحمّل الانتظار في هذه القضية. لذلك، ينبغي أن يشك المسؤولون الغربيون في أي ادعاء روسي بأن التعاون في أوكرانيا مرتبط بالتعاون في الاتفاق الإيراني.


سونر چاغاپتاي

يمكن وصف سياسة تركيا تجاه الحرب بأنها "الحياد المؤيد لأوكرانيا". وتوفر الأزمة فرصة استراتيجية لأنقرة في المرحلة القادمة لتحسين علاقاتها مع واشنطن.


وبالنسبة للرئيس التركي أردوغان، فكان قد بنى رابطاً مشتركاً مع بوتين منذ تواصل الأخير معه عقب محاولة الانقلاب عام 2016، لكن البلدين ليسا حليفين. وعلى وجه الخصوص، لا يزالان متنافسين على البحر الأسود، حيث تم التركيز مؤخراً على "اتفاقية مونترو" لعام 1936 التي تنظم الوصول البحري. وبموجب شروطها، يمكن للدول الساحلية فقط الاحتفاظ بقوات بحرية كبيرة ودائمة على البحر الأسود، وتركيا هي "الحارس المُعيّن" لتحديد السفن التي يمكن أن تبحر عبر المضائق الغربية أثناء الحرب. ومع ذلك، هناك بعض الغموض حول هذه الجوانب القانونية، ولا تزال روسيا القوة العسكرية المتفوقة.


وبالتالي، تَعتبر أنقرة أوكرانيا حليفاً رئيسياً في إقامة قوة موازنة في وجه موسكو وستبذل جهدها لمنع سقوط كييف في قبضة بوتين. وفي الوقت نفسه، لا يمكن لأردوغان أن يتحمل تكلفة تنفير روسيا إلى حدّ كبير لأن الكرملين يمكنه فعل الكثير لتهديد احتمالات إعادة انتخابه في 2023. على سبيل المثال، إذا استمرت الحرب وأدت المساعدة التركية إلى قلب ميزان القوى لصالح كييف، فبإمكان بوتين القيام بعمل عسكري في سوريا يؤدي إلى تدفق اللاجئين نحو تركيا، و / أو تنفيذ عقوبات تجارية وسياحية تقوّض انتعاشها الاقتصادي. حتى أنه قد يبدأ اشتباكات مباشرة مع القوات التركية أو وكلائها في سوريا.


ومن الناحية العملية، يعني ذلك أن أنقرة ستدعم أوكرانيا دبلوماسياً ومادياً، لكن دون انضمامها إلى العقوبات الاقتصادية ضد روسيا. كما ستنفذ "اتفاقية مونترو" بطريقة "محايدة" بل مفيدة في الغالب، خاصة إذا استمرت الحرب.


ونظراً لأن الحرب أضافت جرعة من الروح الواقعية إلى وجهات نظر تركيا بشأن روسيا، فقد حان الوقت لقيام واشنطن بإشراك أنقرة في محادثات إستراتيجية أعمق - وبشكل مثالي بصورة غير علنية. يجب أن تركز هذه المداولات على التوصل إلى صفقة كبرى تشمل العناصر التالية: زيادة التعاون الثنائي بشأن أوكرانيا؛ إلغاء صفقة صواريخ "إس -400" التركية مع موسكو؛ إعادة النظر في سياسة الولايات المتحدة تجاه القوات الكردية في سوريا؛ إعادة دعوة تركيا إلى مشروع طائرات "F-35"؛ السعي للحصول على موافقة الكونغرس الأمريكي على مبيعات طائرات "F-16" لأنقرة؛ وصياغة اتفاقيات صارمة تتمثل بعدم السماح لروسيا بمضايقة القوات التركية والوكلاء الأتراك في سوريا.


غرانت روملي

على المدى القريب، من غير المرجح أن يتأثر الموقف العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بصورة مباشرة بالأزمة الأوكرانية. فمعظم القوات التي كان قد تمّ تغيير مواقعها لدعم الحلفاء في "الناتو" متمركزة أساساً في أوروبا، باستثناء عناصر الفرقة 82 المحمولة جواً. ومع ذلك، فإن استمرار الصراع لمدة طويلة يمكن أن يقيّد بعض الجهود العسكرية الأمريكية المهمة الطويلة الأمد في المنطقة.


ومن الأمثلة على ذلك البعثات الأمريكية التي تركز على طمأنة الحلفاء. وقد يؤدي القتال طويل الأمد في أوروبا إلى سحب بعض هذه الأصول التي يكثر الطلب عليها من مناطق مثل الخليج العربي لدعم حلفاء "الناتو" بشكل أفضل.


وعلى نطاق أوسع، تشكّل الحرب لحظة توفّر الوضوح للولايات المتحدة وشركائها. فإسرائيل قلقة للغاية من زعزعة استقرار علاقاتها مع روسيا بشأن سوريا. ويشعر الأردن بالقلق حيال الأمن على حدوده، خاصة فيما يتعلق بتهريب المخدرات. وتكترث الإمارات والسعودية لعلاقاتهما الوثيقة وطويلة الأمد مع روسيا، لا سيما في قطاع النفط باعتبارهما أعضاء في كارتل "أوبك بلس". ومن ناحية أخرى، ينظر العديد من الشركاء إلى الولايات المتحدة على أنها قوة آخذة في الانسحاب [من الشرق الأوسط] وأن روسيا والصين هما ملاذاً آمناً في وجه هذا الواقع. وبالتالي، على واشنطن تعزيز موجة الدعم الدولي التي أطلقتها لأوكرانيا، ليتم مقارنة الحشد السريع للغرب للمساعدات العسكرية والعقوبات الاقتصادية مع إجراءات اتخذتها (أو تقاعست عن اتخاذها) قوى عظمى منافسة أخرى في المنطقة وخارجها.


وفيما يتعلق بالعقوبات بحد ذاتها، سيكون للإجراءات المختلفة التي تستهدف اقتصاد روسيا وقطاعها الدفاعي آثار ثانوية على مبيعات الأسلحة الروسية إلى الشرق الأوسط. وعلى الرغم من المخاطر المستمرة لاحتمال الخضوع لعقوبات "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، فقد لجأ شركاء الولايات المتحدة أحياناً إلى الكرملين لشراء معدات كانت إما أرخص ثمناً أو قُدمت بشروط أقل صرامةً. والآن مع ازدياد العقوبات المفروضة على روسيا، سيضطر هؤلاء الشركاء إلى تقييم المخاطر الإضافية عند التفكير في عمليات الشراء هذه. ومن شأن هذا التحوّل في الأحداث أن يمنح المسؤولين الأمريكيين فرصة للتدخل وإعادة هؤلاء الشركاء في المنطقة إلى كنف أمريكا - على الرغم من أنه قد يدفعهم أيضاً للتوجه إلى الصين أو جهات مزوّدة أخرى بدلاً من الولايات المتحدة.

Sunday, January 3, 2021

بوتين و"شارلي إيبدو" وحرية التعبير

 بوتين و"شارلي إيبدو" وحرية التعبير

 بوتين و"شارلي إيبدو" وحرية التعبير

بواسطة آنا بورشفسكايا

٢٣‏/١٢‏/٢٠٢٠


 

Also published in "ذي ناشيونال إنترست"


عن المؤلفين

Anna Borshchevskaya

آنا بورشفسكايا

آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.

مقالات وشهادة

في أعقاب الهجمات الإرهابية التي هزت فرنسا مؤخراً بسبب نشر المجلة الفرنسية "شارلي إيبدو" رسوم كاريكاتورية للنبي محمد، ادعى بوتين أن التعددية الثقافية الغربية قد فشلت. ومع استمرار الكرملين في تقويض القيم والمؤسسات والتأثير الغربي، في الوقت الذي يعبر عن وجهات نظر مشوّهة حول مكافحة الإرهاب، من الأفضل لليبراليين الاستمرار في الدفاع عن الليبرالية.


في المؤتمر الصحفي السنوي الذي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الشهر، زعم أن التعددية الثقافية الغربية قد فشلت. وأدلى بهذا التعليق رداً على سؤال حول التهديدات الأمنية المحدقة بروسيا بعد الهجمات الإرهابية التي هزت فرنسا مؤخراً بسبب نشر المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" رسوم كاريكاتورية للنبي محمد. وادّعى بوتين أن "حرية الإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية شخص آخر. إنها صيغة عالمية"، وأضاف أن أولئك الذين "يتصرفون بشكل طائش، ويهينون حقوق ومشاعر الأشخاص المتدينين، يجب أن يتذكروا دائماً أنه سيكون هناك رد فعل عنيف لا مفر منه".


وفي الوقت نفسه، صرح بوتين أن روسيا "لم تسمح مطلقاً و[لا] تسمح بمثل هذا السلوك العدواني تجاه أشخاص لديهم معتقدات دينية مختلفة". ولكن، من ناحية أخرى، اتضح أن روسيا في عهد بوتين، قادرة على قمع المعارضة المحلية، واستخدام الكنيسة الأرثودوكسية الروسية كأداة سياسية، ورد اعتبار جوزيف ستالين والاتحاد السوفيتي، وإساءة معاملة المسلمين المقيمين فيها، ومساعدة الديكتاتور السوري بشار الأسد على ارتكاب إحدى أسوأ الفظائع الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية ضد شعبه المسلم؛ ومع ذلك يدّعي أن روسيا بلد يحترم الآخرين.


وكانت الأحداث التي ألهمت بوتين للإدلاء بتعليقات مماثلة قد بدأت في تشرين الأول/أكتوبر في فرنسا مع الجريمة الشنيعة التي تمثلت بقطع رأس مدرس التاريخ سامويل باتي بسبب عرضه رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد خلال درس عن حرية التعبير؛ وأعقبت تلك الحادثة شن عدة هجمات وحشية أخرى في كنسية في نيس. ودافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن التقليد الفرنسي القائم على العلمانية، وبصورة أوسع، دافع عن الليبرالية وحرية التعبير.


وبينما كانت فرنسا في فترة حداد، ألقى المستبدون الذين يستغلون الدين أو التهديدات الخارجية بشكل متهكم لضرب الحريات وحقوق الفرد، باللائمة على الضحية - فرنسا نفسها. ولكن في حين انصبّ الاهتمام إلى حد كبير على القادة المسلمين مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استرعى ردّ فعل الكرملين انتباه عدد أقل [من المتتبّعين]، علماً بأنه ردّ فعل جدير بالاهتمام. وقد لا يزال البعض يعتقد أن بوتين، على الرغم من كل أخطائه، يدرك خطر الإرهاب ويمكن أن يكون شريكاً للآخرين. غير أن ردّ الكرملين أظهر عكس ذلك. فقد أكّد السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف أنه من المستحيل أن تتواجد في روسيا مجلة مثل "شارلي إيبدو"، "لأن روسيا هي أيضاً دولة مسلمة جزئياً".


ولا يوافق الجميع على مبررات الكرملين. فقد نشر ميخائيل خودوركوفسكي، ملياردير سابق وناشط حالي معارض لبوتين يعيش في لندن، على صفحته على "فيسبوك" صورة كاريكاتورية لماكرون من صحيفة إيرانية وعلّق قائلاً "لسبب ما لم يقتحم الفرنسيون مكتب التحرير في طهران ويحطمونه ولا حتى السفارة الإيرانية في باريس [ردّاً على ذلك]. هل يمكن ألا تكون الرسوم الكاريكاتورية هي المشكلة؟". من جهته، صرّح نيكولاي أسكوف، رئيس تحرير النسخة الروسية من مجلة "فوربس"، لإذاعة "صدى موسكفي" الليبرالية، "أنا أدعم من دون شك «شارلي إيبدو»، وأعتقد أن إحدى القيم الرئيسية التي رسمت معالم المجتمع الحديث هي حرية الصحافة". أما صحيفة "نوفايا غازيتا"، فقد نشرت تعليقًا محايدًا يركّز على الوقائع المحيطة بجريمة قتل باتي، والتي وصفتها بالصادمة والمروّعة؛ وفي وقت سابق من هذا العام، نشرت "نوفايا غازيتا" عدداً خاصاً في الذكرى السنوية الخامسة للهجمات الإرهابية التي تعرضت لها "شارلي إيبدو" وكتبت أن الرقابة (بما في ذلك الرقابة الذاتية) تؤذي الجميع.


غير أن حدة الرقابة والقمع يتزايدان في روسيا. ومن جانبها، أثارت "شارلي إيبدو" غضب الكرملين، والروس عموماً من قبل، حين سخرت من تحطم طائرة ركاب روسية فوق سيناء في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2015، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 224 شخصاً. ووصف بيسكوف الرسوم الكاريكاتورية بـ "التجديف البحت". وفي ذلك الحين، استمرت المجلة في التهكم على تحطم طائرة عسكرية روسية فوق البحر الأسود في كانون الأول/ديسمبر 2016، حيث توفّي جميع ركابها، بمن فيهم 64 عضواً من "جوقة الجيش الأحمر" المشهورة عالمياً. وجاء في إحدى تعليقات الرسوم الكاريكاتورية العنوان التالي: "الخبر السيئ هو أن بوتين لم يكن على متن الطائرة".      


ومن بين العدد الكبير من السياسيين الروس الذين انتقدوا مجلة "شارلي إيبدو" آنذاك، برز الرجل القوي رمضان قديروف الذي نصبه بوتين لإدارة جمهورية الشيشان، والذي كان حكمه تعسفياً وأشرف على أسلمة المجتمع الشيشاني. وقال قديروف في ذلك الوقت عن مجلة شارلي إيبدو، "لقد قلتها من قبل وسأكررها الآن - إن السياسة التحريرية للمجلة غير أخلاقية وغير إنسانية. وهذا الأمر لا يتعلق بحرية التعبير - لا بشكل مباشر أو غير مباشر". بدوره، حذر بوتين أيضاً الفنانين الروس خلال الشهر نفسه من الإساءة إلى المشاعر الدينية، قائلاً: "ثمة خط رفيع جداً يفصل بين التهريج الخطير وحرية التعبير"، مضيفاً أن الفن يجب أن يتجنب "تقسيم المجتمع". وبالطبع، لم يحدد قط أين يقع هذا "الخط الرفيع" لكن رسالته كانت واضحة بما يكفي - الفن مسموح طالما أنه لا يشكل تحديات.  


ومن هذا المنطلق، ليس من المستغرب أن يكون بوتين قد دافع في مؤتمره الصحفي لهذا العام أيضاً عن قديروف، فبرأيه "لا يدافع رمضان قديروف عن مصالح الشيشان والشعب الشيشاني فحسب، بل عن مصالح الأمة بأسرها أيضاً، ولهذا السبب كان أحد أهداف ما يسمى بمعارضينا في الخارج"، في إشارة إلى العقوبات الأمريكية ضد قديروف.


إن ادعاء بوتين بأنه يقف كحصن منيع في وجه الغرب اللاأخلاقي والمنحط هو موضوع بدأ بالترويج له منذ فترة طويلة، إلى جانب اتهاماته المتواصلة للغرب بمحاولة إضعاف روسيا، والتي تترافق مع تسريع وتيرة كبح الحريات في روسيا وتوفير الدعم للقادة المستبدين في الخارج. لكن في وقت سابق من هذا الشهر، كلّف بوتين وزير الخارجية الروسي بإثارة قضية الدفاع عن مشاعر الأشخاص المتدينين عبر المنظمات الدولية. وبالتالي، [يمكن] المراهنة بأمان بأن تعليقات موسكو تعكس اهتماماً أعمق من مجرد تعليق عابر على الأحداث الراهنة.


من ناحية أخرى، ستبقى مشاكل الإرهاب والتطرف التي تواجه فرنسا في الواجهة خلال المستقبل المنظور. وسيكون من الأفضل أن يتذكر المسؤولون الغربيون أن فلاديمير بوتين، الشخص المهذب، لن يلعب دوراً مفيداً في هذه الجهود. وفي الوقت الذي يسعى فيه بوتين إلى تقويض النفوذ الغربي، إلى جانب القيم والمؤسسات الليبرالية، فمن الأفضل أن يدافع الليبراليون عن الليبرالية.


 


آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.