Wednesday, March 1, 2017

توقعات من الشرق: الديناميكيات المتغيرة في المناطق القَبَلِيَة السورية

توقعات من الشرق: الديناميكيات المتغيرة في المناطق القَبَلِيَة السورية
توقعات من الشرق: الديناميكيات المتغيرة في المناطق القَبَلِيَة السورية








فيما تتركّز الأنظار كافة على غرب سورية، ستكون التطوّرات في شرق سورية، التي تقطنها بشكل أساسي مجتمعات قبلية، مهمة بالقدر نفسه بالنسبة إلى مستقبل البلاد. لقد حاول العديد من الأطراف المنخرطة في النزاع السوري– بما في ذلك نظام الأسد والإسلامويين المتطرفين وتركيا والأكراد- إدماج قادة القبائل في أجنداتها السياسية، اعتقاداً منهم أن قبائلهم ستحذو حذوهم. لكن هؤلاء المشايخ لم يعد يملكون اليوم السلطة التي كانت لديهم في السابق. إذ أجبر النزاع في سورية المجتمعات القبلية على تحويل اهتمامها إلى المحلّة، ومن شأن هذه المحلاوية أن تواصل تقويض التضامن القبلي.

سياق قبلي متغيّر

  • تفاعلت القبائل منذ القرن التاسع عشر مع سلطة مركزية قوية في سورية. وأدّى ذلك إلى تغيّر العلاقات القبلية، إذ قلّص قدرة المشايخ على تعبئة قبائلهم. مع ذلك، لم يلغِ ذلك سلطتهم الرمزية المتأتية من أنسابهم ومن التقاليد القبلية.
  • خسر نظام الأسد عقب انتفاضة العام 2011 السيطرة على جزء كبير من شرق سورية، التي تقطنها القبائل أساساً، الأمر الذي شرّع الأبواب أمام لاعبين سياسيين جدد، من بينهم الجماعات الإسلامية المتطرفة، للإفادة من الانقسامات القبلية وترقية مصالحهم الخاصة.
  • عزل النزاع السوري العديد من المجتمعات القبلية المحلية. فقد دفعت الحاجة إلى الأمن، فضلاً عن بروز فرص لتحقيق مكاسب مادية، بهذه المجتمعات إلى التركيز على واقعها الداخلي، ما أدّى إلى إضعاف العلاقات القبلية الأوسع.
  • ستبقى القبائل مهمة للحياة السياسية في شرق سورية، لكن يحتمل أن تظل تحت سطوة ونفوذ قوى من خارجها.

القبائل السورية إلى أين؟

  • ليس باستطاعة المشايخ تمثيل قبائلهم بالكامل سواءً على الصعيد السياسي أو العسكري. مع ذلك، سيواصلون لعب دور الوسطاء في عمليات المصالحة المحلية، مساهمين بذلك في إرساء الاستقرار في المناطق التي يسكنها أفراد قبيلتهم.
  • تعني عزلة المجتمعات المحلية القبلية التي تسببت بها سنوات من الصراع أنه من أجل نجاح أي نظام في مرحلة ما بعد الصراع، لابدّ من أن يحقق مصالح القبائل المحلية ويعالج أي خلاف قد ينشأ بينها.
  • سعت القوى الخارجية كافة في شرق سورية إلى تقويض الوحدة القبلية، خوفاً من أن تنقلب هذه الوحدة عليها. مع ذلك، قد تتمكّن الأطراف القبلية الحائزة على مواقع القوة من تحقيق مكاسب، إذا ما أدركت أن فرص اقتدارها على بلورة نظام ما بعد الحرب في شرق سورية، يعتمد على قدرتها على التوحّد حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
  • أضاف صعود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في محافظة الحسكة بعداً كردياً عربياً، على الانتفاضة ضد نظام الأسد. لذا لابدّ من أن يضمّ أي حلّ دائم للصراع السوري الأكراد، بالإضافة إلى القبائل العربية هناك، التي بقيت غالباً موالية للنظام.

مقدّمة: القبائل في سورية اليوم

خضّور باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت تركّز أبحاثه على قضايا الهوية والمجتمع في سورية.
خضر خضّور
باحث غير مقيم
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
المزيد من إصدارات الباحث
تركّز الاهتمام الدولي مؤخراً على القتال في غرب سورية، خاصة في المناطق الحَضَرية الممتدة من دمشق إلى الحدود التركية الأردنية. بيد أن الديناميكيات في شرق سورية لن تكون أقل أهمية بالنسبة إلى مستقبل البلاد.
ففي تلك المنطقة، التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يشنّ غارات جوية ضد الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتيا، وتخوض تركيا غمار معركتها الخاصة ضد كلٍ من الدولة الإسلامية والأكراد في إطار عملية درع الفرات؛ فيما تنخرط قوات سورية الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد في حمأة حملة مدعومة أميركياً لتحرير مدينة الرقّة من قبضة الدولة الإسلامية. هذا علاوة على أن النظام السوري يحتفظ بوجود في المدن الرئيسة في المنطقة: دير الزور والحسكة والقامشلي.
ثمة ضرورة لفهم التركيبة الاجتماعية لهذه المساحة الجغرافية الشاسعة، في ضوء تقاطع المصالح المُتعددة السورية والإقليمية في تلك المنطقة، كمدخل لاستطلاع آفاق المحصلات السياسية المُستقبلية هناك.
يتحدّر شطر كبير من السكان الذين يقطنون شرق سورية من أصول قَبَلِيَة. والقبيلة، في السياق السوري، هي وحدة اجتماعية- سياسية تقوم على العائلات المُمتدة التي تستوطن أراضٍ محددة، تكون عادة بلدات برمتها أو أحياء في المدينة 1. وقد سعت القوى الخارجية منذ اندلاع الانتفاضة السورية في العام 2011، إلى استقطاب الدعم القبلي لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، فتحالفت مع مشايخ القبائل واستخدمت البنية القبلية لتشكيل وحدات مقاتلة. بيد أن قبائل سورية لم تعد مُوحّدة داخلياً ومُستقلة اجتماعيا، بعد أن ارتبط دورها السياسي على نحو وثيق، ومنذ أجيال عدة، بالسلطة السياسية. وهذه الحقيقة أعادت تعريف الطريقة التي يَنتظِم بموجبها السوريون من ذوي الأصول القبلية سياسياً واجتماعياً. بكلمات أوضح: حين تنامت السلطة المركزية في غضون القرنين التاسع عشر والعشرين، أضحى القادة القبليون على نحو متزايد وكلاء الدولة والناطقين باسمها في سياق إدارتهم لمناطقهم. وهذا ما ضعضع مواقعهم أمام أبناء قبائلهم، وسمح للسلطة المركزية بالعزف على وتر التناقضات بينهم في خضم تنافسهم على نيل حظوتها.
يصطدم كل من يسعى إلى التعاطي مع التمثيل السياسي لقبيلة برمتها بمعضلة.
واليوم، يصطدم كل من يسعى إلى التعاطي مع التمثيل السياسي لقبيلة برمتها بمعضلة. فالتركيبة القبلية تبدو ظاهرياً متماسكة، ربما كما كانت قبل أجيال، حيث التراتبيات الرسمية لاتزال موجودة، وأعضاء العائلات الرئيسة يواصلون التربّع على قمّة الهرم الاجتماعي. ثم أن هذه القبائل تواصل السُكنى في المناطق الشاسعة نفسها في سورية كما كانت تفعل قبل تأسيس الدولة السورية الحديثة. لكن الواقع أن العلاقات في داخل القبائل تغيرّت كلّياً حين تُقارن بالحقبات السابقة، إذ تبخّر ذلك الزمن الذي كان فيه شيخ قبيلة قادراً على إبرام الاتفاقات مع قوى خارجية نيابة عن كل أفراد قبيلته.
لم تعد القبائل، كما كانت تُفهم عادة، تُشكّل أساس المشاريع السياسية في سورية. وعلى الرغم من أن هياكلها لم تتغيّر، إلا أنها توقفت عن احتلال الموقع الأرفع في الحياة السياسة والاجتماعية للمجتمعات المحلية. ثم أن العلاقة بين القادة التقليديين للقبيلة وبين أفرادها، تماماً كما العلاقة بين هؤلاء القادة وبين سلطات الدولة، تستند إلى حد بعيد اليوم إلى مصالح كل طرف وليس إلى القواعد الرسمية للسلوك القبلي.
ثمة هنا نقطة أخرى لاتقل أهمية: فقد كان للنزاع الذي اندلع العام 2011 مضاعفات مُدمرّة على المجتمعات المحلية في طول سورية وعرضها، خاصة منها الكيانات المُجتمعية ذات الأصول القبلية في شرق سورية. فالجماعات المُتطرفة على غرار الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (المعروفة الآن بجبهة فتح الشام) رسخت جذورها في هذه المناطق، وأضفت غالباً البُعد القبلي على تشكيلاتها. وهكذا، انطوى القتال الذي انغمست في حمأته هذه الجماعات على هويات وولاءات قبلية، ما ألحق الضرر بالتماسك الاجتماعي، وعَزَلَ المجتمعات المحلية عن بعضها البعض، كما بهّت فرص التضامن وفق الخطوط القبلية.
إضافة إلى ذلك، نزح العديد من مشايخ القبائل عن أراضيهم، فيما أجبر العنف وبروز الجماعات الإسلامية المتطرفة أبناء قبائلهم الذين بقوا في شرق سورية على التركيز على همومهم المحلية المباشرة المتعلقة بأمنهم وبالحفاظ على البقاء. كل هذا شجّع الأطراف السياسية الكبرى على التنافس في مجال التعاطي مع القبائل. وهكذا، حين كان طرف ما يعزّز أجندته مع شيخ قبيلة، كانت الأطراف التي تنافسه تعمد إلى الردّ على ذلك بمناورة مضّادة مع قبائل مجاورة، أو مع قادة آخرين في القبيلة نفسها. صحيح أن القبائل ستبقى مهمة للحياة السياسية في شرق سورية، لكن يحتمل أن تبقى تحت سطوة ونفوذ قوى من خارجها.

القبائل والسلطات المركزية

كيفن مازور
مازور زميل باحث ما بعد الدكتوراه في كلية نافيلد في جامعة أوكسفورد. تتمحور أبحاثه الحالية حول دور الهويات الطائفية والإقليمية، وتلك المرتبطة بالجوار في الانتفاضة السورية. مازور حاصل على شهادة الدكتوراه من قسم العلوم السياسية في جامعة برينستون.
تأثّرت الحياة السياسية للمجتمعات المحلية القبلية على نحو عميق بالسلطة المركزية منذ ستينيات القرن التاسع عشر، حين بدأت الإمبراطورية العثمانية بتشكيل قاعدة إدارية دائمة في شرق سورية، كجزء من الموجة الثانية من برنامج التنظيمات.وقد أسفر كلٌ من وجود السلطة العثمانية وعمليات منحْ الأراضي، عن تحفيز بعض القبائل على الاستقرار والقبول بتكليف ضريبي مُنتظم. وهكذا، حصل عدد من القبائل شبه المستقرة على أراضٍ خصبة على طول نهري الفرات والخابور، وعمدت إلى زراعتها في مقابل دفع مكوس على نسبة من إجمالي المحصول وإعفاء أبنائها من الخدمة العسكرية.
لا بل وصلت التأثيرات حتى إلى تلك القبائل التي لم تستقر، بسبب تزايد توغّل السلطة الامبراطورية. إذ أقامت السلطات العثمانية مخافر الشرطة والقلاع في المناطق التي كانت تجول فيها القبائل في السابق بحرية، وجعلت جنودها يميلون إلى هذا الجانب أو ذاك في النزاعات الداخلية القبلية، ودفعت رواتب لمشايخ القبائل، ماشجع على التنافس لنيل حظوة المحسوبيات العثمانية.3
وسّعت السلطات المركزية في ظل الانتداب الفرنسي سيطرتها.كان هدفها أولاً منع توغّل البدو في المناطق الحضرية الغربية، عبر التدخل لمنع غزوات القبائل وفرض الاتفاقيات لإبقائها خارج المدن. لكن، في أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، سعى الفرنسيون إلى إعادة تشكيل المجتمع القبلي برمته، فدفعوا الإعانات المالية لمشايخ القبائل، وخصّوا قبائل مختلفة بأراضي رعي وحقوق ملكية، ومنعوا أفراد القبائل من حمل الأسلحة في المناطق المُستوطَنَة، وأجبروهم على دفع الضرائب.5
عنت الإعانات الحكومية للقبائل أن المشايخ أضحوا أقل اعتماداً على طاعة أفراد القبيلة لترسيخ سلطتهم، وبدأوا يركنون إلى قدرتهم على توزيع الحصص والمحسوبيات.
هذه الاختراقات قلّصت سيطرة مشايخ القبائل بطريقتين: فقد أدى تزايد استتباب الأمن بفعل توسُّع الدولة إلى تقليل حاجة القبائل إلى الانخراط في عمل جماعي لتوفير الحماية لها، ما قلّص الحاجة إلى المشايخ لتنسيق عمليات الدفاع الذاتي. هذا علاوة على أن الإعانات الحكومية للقبائل عنت أن المشايخ أضحوا أقل اعتماداً على طاعة أفراد القبيلة لترسيخ سلطتهم، وبدأوا يركنون إلى قدرتهم على توزيع الحصص والمحسوبيات.
تتمثّل هذه التغييرات أكثر ماتتمثّل في قبيلة الحسنة التي تتمركز في وسط سورية قرب مدينة حمص. تمتعت هذه القبيلة منذ وقت طويل بمنزلة رفيعة لأنها جزء من اتحاد عنزة القبلي القوي تاريخياً، ولها روابط قُربى مع أسرة آل سعود التي تبسط حكمها على السعودية. وقد بدأت وحدات العائلة الممتدة في الحسنة، بتأثير من الحقائق القبلية المتغيّرة، بالهجرة من تلقاء نفسها في حقبة الثلاثينيات، لأن التواجد المُعزّز للدولة جعل الحماية التي توفّرها الهجرة المنسّقة غير ضرورية.
خلال سنوات الانتداب الفرنسي، حوّلت الدولة مجموعة من المشايخ القبليين إلى أغنياء فاحشي الثراء عبر جعلهم من كبار الملاّك. وحين سعت السلطات إلى تسجيل ملاّك كل الأراضي في البلاد، فيما كان العديد من أفراد القبائل والفلاحين تواقين إلى تجنّب دفع الضرائب التي ترافق عملية التسجيل، عمد مشايخ القبائل إلى تسجيل قرى برمتها باسمهم. وعلى سبيل المثال، سجّل شيخ قبيلة الحسنة، طراد الملحم، وحده أكثر من 20 قرية باسمه.لكن افتقاد مشايخ القبائل إلى السلطة السياسية جعلهم معتمدين على إنفاذ الدولة لحقوق الملكية للحفاظ على ثرواتهم.
مع رحيل الانتداب الفرنسي العام 1946، جرى تقليص هذه المزايا، ما حوّل المشايخ إلى مجرد وسطاء بين الدولة المستقلة وبين أفراد القبائل. وفي العام 1956، ألغت الدولة السورية قانون القبائل الذي منح العشائر البدوية وضعية قانونية مستقلة، بما في ذلك حق حمل السلاح.كما أسفرت الوحدة بين سورية ومصر العام 1958، ثم سيطرة الجناح الراديكالي في حزب البعث (1963 - 1970) على السلطة، إلى اطلاق جهود كاسحة من قبل الدولة (بدافع من الالتزام الإيديولوجي باقتلاع الطبقات القديمة القويّة)، هدفت إلى مواصلة تقليص سيطرة القادة القبليين على أفراد قبائلهم والحد من حيازتهم للأراضي.

القبائل في حقبة الأسد: " أَعْطِ الولاء وافعل ماتشاء"

عمد حافظ الأسد إلى تلطيف مقاربة حزب البعث لمسألة القبائل بعد أن تسنّم مقاليد الأمور العام 1970، فاستلحق شيوخ القبائل في النظام السياسي الجديد وسمح لهم بممارسة درجة أكبر من النفوذ على المجتمعات المحلية ذات الأصول القَبَلِيَة، كما أغدق عليهم مزايا معيّنة.
كان حزب البعث قبل العام 1970 قد نسج روابط مع العناصر القَبَلِيَة الأكثر عُرضة إلى الاضطهاد، وقلّص ملكيات الأراضي الشاسعة التي حاز عليها الشيوخ، وأفسح المجال أمام الأفراد القبليين العاديين للتدرُّج في مناصب السلطة، من خلال الانضمام إلى الحزب والترقّي في مؤسسات الدولة. بيد أن البعث في ظل الأسد أعاد زمام السلطة إلى الشيوخ القبليين، عبر منحهم سيطرة غير رسمية على مجتمعاتهم المحلية وزيادة تعييناتهم في البرلمان.
وهكذا، على سبيل المثال، قبل العام 1970، جاء رئيس مكتب اتحاد الفلاحين في الرقة (وهي إدارة حكم محلي مهمّة)، ورئيس فرع حزب البعث في الرقة، من أصول اجتماعية متواضعة. الأول تحدّر من عبيد شيوخ قبيلة العفادلة، فيما كان الثاني ابن بائع خضار. وهذان، مثلهما مثل العديد من قادة البعث، كانا جزءاً من أول جيل سوري يأتي من الأطراف ويحظى بتعليم حديث. وبالمقارنة، احتل شيخان من العفادلة مقعدين في البرلمان بعد وقت قصير من تسنّم حافظ الأسد منصب الرئاسة.8
علاوة على ذلك، منحت ترتيبات غير رسمية شيوخ القبائل نفوذاً بطريقة أقل علانية. وكان هذا واضحاً في المسائل المتعلقة بخفارة الجرائم الخطيرة. ففي حين كانت الشرطة تتدخّل في الجنايات الصغيرة، إلا أنها لاتفعل ذلك في حالات القتل أو الاغتصاب، وتترك إلى مشايخ القبيلة والعشيرة معالجة هذه المسائل بأنفسهم. وثمة قول شائع في الرقة يصف سياسة النظام بهذه الطريقة: " أَعْطِ الولاء وافعل ماتشاء"،وقد تواصلت هذه الممارسات بعد وصول بشار الأسد إلى سدة الرئاسة العام 2000، ففي ذلك العام، صدر مرسوم بخصخصة كل مزارع الدولة، وسمح لشيوخ القبائل الذين خسروا ملكياتهم الكبيرة خلال عملية توزيع الأراضي في الستينيات باستعادتها، وحتى أيضاً زيادة الأراضي الحائزين عليها.10
بيد أن علاقات المحسوبية هذه التي نزلت برداً وسلاماً على صدور المشايخ، لم تحقق سوى النذر اليسير للمواطنين السوريين العاديين من ذوي الأصول القبلية. فالخدمات حيث يقطنون، ولازالوا، تُعتبر متخلفة بشكل فاحش قياساً بمناطق سورية الأخرى، ولايحظى سكانها سوى بحفنة من وظائف الإدارة العامة السخية، على عكس الأجزاء الأخرى من البلاد. ووفقاً لآخر الإحصاءات (العام 2004)، وظّفت الدولة السورية 31 في المئة من إجمالي القوة العاملة في البلاد. من هذه النسبة، كان 22 في المئة فقط من البلدات التي جاء سكانها من أصول قبلية.11 وبالمثل، وعلى الرغم من أن عدد الأطباء لكل شخص ازداد، لازالت الفجوة عميقة بين المدن الكبرى وبين مناطق القبائل. ففي العام 2010، كان هناك طبيب لكل 372 مقيماً في محافظة دمشق، بالمقارنة مع طبيب لكل 1095 مقيماً في محافظة الرقة.12
يوفّر النظام المكانة والمزايا المالية للمشايخ الموالين له، وهؤلاء يسهّلون إذعان السكان الخاضعين إلى سيطرتهم له.
بالطبع، الامتيازات التي منحها النظام في عهدي حافظ وبشار لشيوخ القبائل كانت جزءاً من صفقة تبادل مفيدة للطرفين: النظام يوفّر المكانة والمزايا المالية للمشايخ الموالين له، وهؤلاء يسهّلون إذعان السكان الخاضعين إلى سيطرتهم له.

جيو- سياسة القيادة القَبَليِة

أدرك نظام الأسد قيمة دور الوساطة الذي يلعبه الشيوخ بين الدولة وبين السكان المحليين من ذوي الأصول القبلية، فدفع المشايخ إلى التنافس للقيام بهذه المهمة. وهذا كان سبب عدم كون القبائل كتلاً متّسقة ويعتريها غالباً التنافس على الزعامة. وعادة يكون لهذه الصراعات الداخلية على السلطة مضاعفات بعيدة المدى في المجالات السياسية وحتى الجيو- سياسية.
لكن، وعلى الرغم من التحوّلات الكبرى التي طرأت على التشكيلات الاجتماعية القَبَلِية في القرن الماضي، لاتزال القواعد التقليدية تتحكّم بعملية اختيار قيادة القبيلة. ففي داخل كل قبيلة تُنتِج دوماً سلالة عائلة معيّنة الزعيم أو الشيخ. وهذه السلالة، التي تُسمى بيت المشيخة أو بيت العشيرة، لها وضعية مرموقة داخل القبيلة، وأي فرد منها- بما في ذلك أشقاء الشيخ وأبناؤه وأولاد عمومته وأبناء الأخ والأخت- يمكن أن يصبح شيخ القبيلة عقب وفاة الشيخ (وهذا يتحدّد وفق الإجماع بين قادة الوحدات القبلية الفرعية)، لكن في العادة يكون الإبن البكر هو من يخلف والده.13 وبالتالي، لا أحد من النظام أو حتى من داخل القبيلة يستطيع فرض شيخ قبلي من خارج بيت المشيخة.
تستطيع السلطات المركزية السورية ضعضعة قدرة الشيخ إلى حد كبير على ممارسة السيطرة على أبناء قبيلته، من خلال نثر بذور التنافس داخل العائلة.
مع ذلك، تستطيع السلطات المركزية السورية ضعضعة قدرة الشيخ إلى حد كبير على ممارسة السيطرة على أعضاء قبيلته، من خلال نثر بذور التنافس داخل العائلة. نظام الأسد غالباً ما مارس هذه اللعبة، فكان يعمد إلى تعزيز أعضاء بيت مشيخة من خارج مشيخة شيخ القبيلة الاسمي، ويكون لهؤلاء الأعضاء علاقات شخصية، وفي الغالب مالية، مع النظام وأجهزته الأمنية. في السنوات الأخيرة، سلّط التنافس بين فرعي مشيخة عائلة ملحم من قبيلة الحسنة الأضواء على هذه الديناميكيات. فكلا الفرعين يتحدران من طراد الملحم، شيخ القبيلة في أوائل القرن العشرين. ووفق العرف، يُحفظ مقعد لأحد أعضاء عائلة الملحم في البرلمان. وقد احتلّ ابن طراد، ثامر، الذي كان شيخ القبيلة حتى وفاته العام 1998، هذا المقعد البرلماني من 1946 إلى 1964، وشغله شقيقه عبد العزيز من السبعينيات وحتى الآن، فيما تسلّم ابن ثامر، عبد الكريم، مقاليد القيادة الرسمية للقبيلة عقب وفاة والده. بيد أن هذا الترتيب بدأ يتداعى حين خاض أحد أعضاء عائلة الملحم، عبد العزيز، المنافسة على المقعد في العام 1998 وهُزِم. ثم مالبثت مخاطر التنافس أن تفاقمت في انتخابات 2003، حين نافس عبد الكريم، الشيخ الاسمي للقبيلة، عمه عبد العزيز على المقعد، فاتخذ التنافس بعدها بعداً جيو- سياسياً أوسع. ولأن العديد من قبائل سورية المُستقرة الآن، بما في ذلك قبيلة الحسنة، هاجرت من عمق شبه الجزيرة العربية إلى مايشكّل الآن سورية وسهل البقاع اللبناني، فإن مشايخ هذه القبائل لهم روابط ببلدان الخليج، وكلا فرعي عائلة الملحم أقاما علاقات مع الدولتين السورية والسعودية. وهذا شمل الزواج من العائلات نفسها كما أعضاء العائلة الملكية السعودية.
بعد انتخابات 2003، نشب خلاف بين أفرع عائلة الملحم حول من يجب أن يحظى بالمقعد. ولمنع اندلاع أعمال العنف، أرسل النظام السوري ضباط من الحرس الجمهوري النخبوي إلى حمص لتنظيم المصالحات. وبما أن العلاقات آنذاك كانت حميمة بين سورية والسعودية (التي دعمت كلاً من عبد العزيز وعبد الكريم في حملاتهما الانتخابية)، عمد النظام إلى إطاحة رابح آخر من مقعده النيابي ومنحته لعبد الكريم، وبذلك سمحت لعبد العزيز الاحتفاظ بمقعده.
بيد أن العلاقات بين السعودية وسورية تدهورت بوتائر سريعة العام 2005، بفعل الشكوك العميقة بأن نظام الأسد كان له يد في اغتيال رئيس الحكومة السعودي- اللبناني رفيق الحريري. وهذا الأمر كانت له تداعيات على بيت المشيخة في الحسنة. ففي الانتخابات النيابية للعام 2007، امتنع النظام السوري عن توفير مقعد ثانٍ لعائلة الملحم كما كان يفعل في السابق. وهكذا، خاض عبد العزيز معركة إعادة انتخابه في مواجهة منافسة من عبد الإله، شقيق عبد الكريم، الذي كان في ذلك الحين قد تسنّم القيادة الرسمية لقبيلة الحسنة بعد وفاة عبد الكريم العام 2007. 14 وهذا أثار نزاعاً جديدا، وأجبر مسؤولي النظام على التدخّل ثانية. وفي حين أن فرعي الحسنة لهما علائق مع العائلة المالكة السعودية، إلا أن الفرع الذي يقوده عبد العزيز حافظ على علاقات وثيقة مع شخصيات في أجهزة الأمن السورية. ولذا، أعلنت السلطات السورية بأن عبد العزيز سيحتفظ بمنصبه، وأن عبد الإله لن يحظى بمقعد نيابي. 15
تواصلت مضاعفات التوتر في داخل عائلة الملحم بعد انتفاضة 2011. فقد غادر عبد الإله إلى السعودية فور حرمانه من المقعد النيابي، وأعلن من البداية دعمه للانتفاضة، كما ظهر مراراً وتكراراً على شاشات التلفاز للتعبير عن آرائه، في البداية من تركيا ثم من السعودية.16 في المقابل، بقي ابن عم عبد الإله، نواف، ابن عبد العزيز، (هذا الأخير لم يعد نشطاً سياسياً بسبب كهولته)، في سورية ووثّق علاقاته بالنظام، وكان يظهر بانتظام على شاشات التلفزة التابعة للسلطة للدفاع عن سياسات النظام. 17
كشف هذا التوتر داخل عائلة الملحم النقاب عن مجالين متناقضين لدى القبائل السورية. ففي حين يواصل إرث القواعد القبلية التحكّم بالنزاع عبر السماح فقط لأعضاء بيت المشيخة بالانخراط في حمأة التنافس على الزعامة، إلا أن القادة لم يكونوا في موقع يمكّنهم من ترقية مصالح القبيلة ككل، ناهيك عن تلبية مصالح أفراد القبيلة بوصفهم جزءاً من المجتمع القبلي. وهم، بدلاً من ذلك، علِقوا في لجج صراع على مواقع كانت الدولة قبل الانتفاضة توفّرها لهم، فكان عليهم في خاتمة المطاف أن يناشدوا الدولة تسوية نزاعاتهم، قبل أن يصطفوا على نحو وثيق خلف الدولة السورية أو الدولة السعودية بعد 2011. وهذا يُظهر كيف أن قضية محددة داخل قبيلة سورية يمكن أن تتخذ أبعاداً إقليمية، حين تتداخل سياسات قبلية مع التنافسات بين الدول.

التطرُّف، النفط، والمحلاوية في دير الزور

دفع مزيج من موارد النفط وصعود نجم الجماعات المتطرفة أقساماً من قبائل منفردة إلى أتون صراعات مع بعضها البعض.
كان للتنافسات بين القادة داخل القبيلة نفسها، والتشظي الذي ضرب مجموعات من خارج بيت المشيخة، تأثيرات فاقعة على الصراعات العنيفة التي اندلعت بين أبناء القبائل في محافظة دير الزور بعد 2011. هذه المحافظة تضم 1.2 مليون نسمة،18 كلهم تقريباً من أصول قبلية. وقد دفع مزيج من موارد النفط وصعود نجم الجماعات المتطرفة أقساماً من قبائل منفردة إلى أتون صراعات مع بعضها البعض، الأمر الذي أبان الأسس المتحوّلة للبُنى والهويات القبلية.
في أواخر 2011 وطيلة 2012، تنحّت المظاهرات السلمية جانباً وبرزت مكانها المقاومة المسلحة ضد نظام الأسد. قاد الشبان في دير الزور الانتفاضة أساساً تحت يافطة الجيش السوري الحر. لكن، قبل نهاية 2012، بدأ العنف المُتمادي والمصالح المتضاربة بتفكيك عرى المعارضة المسلحة ضعيفة التنظيم، وتوارت بسرعة فرص إغلاق ملف العداوات. وقد عجزت فصائل الجيش الحر، وكذلك أي مجموعة تحاول تمثيل المعارضة المسلحة سياسيا، عن السيطرة على المقاتلين كأفراد يسعون للاغتناء الشخصي. علاوة على ذلك، سمح غياب سلطة الدولة المركزية لهؤلاء الأفراد بتوسيع دائرة مواردهم من خلال السيطرة على نقاط التفتيش العسكرية النظامية، والاستيلاء على الأسلحة الحكومية، والمعدات الصناعية، وآبار النفط، والتمويل الخارجي. وسرعان ما تمكّن رواد المقاتلين من اجتذاب ولاء المحاربين والمجتمعات المحلية بمعزل عن الجيش الحر. 19
في أوائل 2013، خرج قسم كبير من محافظة دير الزور عن سيطرة النظام السوري، وبدأت تتشكّل مجموعات مسلحة محلّية بعضها للدفاع عن مناطقها والبعض الآخر للاشتراك في الحملة الثورية الأوسع ضد النظام. هذه المجموعات ارتبطت على نحو متباين بالجيش الحر أو بمنظمات إسلامية أكثر تطرفاً كجبهة النصرة.
والحال أن دير الزور تُعتبر استثنائية من زوايا عدة. إنها حالة قصوى يتجسّد فيها انهيار التضامن القبلي، مايؤدي إلى أعمال عنف بين أبناء القبيلة نفسها. ومع ذلك، يكشف دور القوى الخارجية في تصعيد النزاعات بين القبائل عن وجود استمرارية مع الماضي. كما أن التغيّرات التي أفرزها النزاع المتمادي توازي وتضارع تلك التي حدثت في مناطق سورية أخرى. في الوقت الراهن، تُسيطر الجماعات الإسلامية المتطرفة على محافظة دير الزور، والنزاع هناك يدور أساساً حول النفط. وهذا يُهدد بتقويض الروابط الاجتماعية التي لم تفعل جولات سابقة من توغّل الدولة شيئاً سوى تغييرها بالتدريج.

الصراعات داخل القبائل: العشيرة ضد العشيرة

فيما تفاقمت وتيرة النزاع بين السكان المحليين في دير الزور بعد العام 2011، أضافت الهويات والقادة القبليين درجة أخرى من التعقيد على حقائق تلك المنطقة. صحيح أن الأصول القبلية لهذه المجتمعات المحلية سهَّلت أصلاً تصعيد النزاع وفق خطوط قبلية، إلا أن الصحيح أيضاً أن مثل هذه المجتمعات تُركت من دون قيادة تقليدية كانت لتقوم بالوساطات وتخفيف التوترات، لولا أن سلطة الدولة قوّضت البُنى القبلية قبيل الانتفاضة وطيلة العقود المنصرمة.
تجسّدت هذه الديناميكيات في التفاعل بين سكان بلدتين في محافظة دير الزور، القورية والعشارة، اللتين تحوز كلٌ منهما على وحداتها العسكرية وهويتها الخاصة. إحدى هذه الوحدات، لواء القعقاع المتمركز في القورية، وهي بلدة يتحدّر سكانها من قبيلة القرعان. وفي سياق التحالفات المتقلّبة والوضع الأمني الغامض، جرى اغتيال قائد اللواء، علي المطر أبو صدام في نيسان/أبريل 2013،20 ووُجّهت أصابع الاتهام إلى أطراف محلية عدة، وكذلك النظام، بالقيام بهذه العملية،21 لكن لمّا يبرز دليل واضح يُحدد المسؤول الحقيقي بدقة.
عشيرة القرعان، من جهتها، اتهمت سعود النجرس، وهو شخصية بارزة في عشيرة البوحسن التي تقيم في بلدة العشارة المجاورة، بأنه العقل المدبّر للاغتيال. ومما زاد الطين بلّة أن النجرس كان عضواً في بيت المشيخة من اتحاد العقيدات العشائري 22 الذي يضم كلاً من القرعان والبوحسن.23 وقد قام أعضاء في قبيلة القرعان باختطاف النجرس واحتجزوه لمدة ثلاثة أشهر. وبعدها جرى تشكيل مجلس شورى لحل النزاع يتكوّن من مشايخ قبليين محليين وقضاة شرعيين. وفي نهاية المطاف برّأ المجلس النجرس وأطلقَ سراحه.24 بيد أن هذه الخطوة أغضبت سكان القورية،25 الذين ردّوا بشن هجوم على العشارة بقيادة محمود، شقيق علي المطر، وهم يرفعون علم لواء القعقاع. وقد أطلق هذا الأخير قذائف المورتر على البلدة، مدمّراً منازل، وملحقاً أضراراً بالمسجد المركزي، ومُردياً أطفالاً عدة في البلدة. ويتذكّر سعود النجرس أن أعضاء في جبهة النصرة وبعض الشخصيات القبلية حاولوا التدخل لكنهم أخفقوا في وقف القصف.26
في الفترة بين اعتقال النجرس وهجوم العشارة، أدلى أحد الأنصار مجهول الهوية للنجرس بالتعليق التالي على موقع إلكتروني مؤيّد للانتفاضة:
"الثورة (المزعومة) التي قام بها أهل القورية (القرعان) كانت ثورة (قرعانية ) بحتة (لدى معظمهم). فقد كانت تنادي باسم القرعان والقورية ولم تكن تنادي بالحرية، فكانوا يحاولون إيصال اسم العشيرة (القرعان) ورفع شأنها بين العشائر وكذلك شهرة مدينتهم (القورية). وبالفعل نجحوا في الوصول إلى هدفهم (الشهرة). ولكن في المقابل نجد أن عائلة (النجرس) قد سبقتهم إلى الخروج على النظام الفاسد وقد لمسنا في خروجهم أهدافا سامية وهي الحرية ورفض الظلم، وذلك لأنهم (كما يعلم الجميع) لهم مكانة رفيعة بين العشائر وكذلك عند النظام، فهم ليسوا بحاجة للشهرة وأول من خرج وحرّض على الخروج ضد النظام هو الدكتور (فهد فيصل النجرس) شقيق سعود (وبإمكان الجميع مشاهدة هذه المقاطع على اليوتيوب). 27"
يوضح التنافس بين العشائر الذي يرد مراراً وتكراراً في هذا الموقع الإلكتروني الطبيعة المحلية للنزاع، والدور المتباين للهوية القبلية في مثل هذه الأوضاع. إذ أن الهدف الأول والأخير لهذا المُناصر للنجرس هو "شعب القورية". والموقع يُحدّد اسم القرعان على أنه مجرد أداة لخدمة تطلعات شعب القورية وليس القاعدة الاجتماعية الحقيقية التي تحكم المباديء القبلية. بيد أن الرموز القبلية ليست غائبة تماماً عن مثل هذه التعليقات، والنوايا الطيبة للنجرس واضحة لهذا المناصر، لأن عائلة النجرس تحتل وضعية قبلية بارزة. وفي المقابل، يوحي المناصر ضمناً بأن سكان القورية هم قبليون من مرتبة خفيضة.
يسلّط انهيار سلطة الدولة بعد الانتفاضة، وتشكيل المجموعات المسلحة على المستويات المحلية، الأضواء على التباينات التي تخترق مصالح الأفراد، والبلدات، والقبائل.
يسلّط انهيار سلطة الدولة بعد الانتفاضة، وتشكيل المجموعات المسلحة على المستويات المحلية، الأضواء على التباينات التي تخترق مصالح الأفراد، والبلدات، والقبائل. فبعد اغتيال المطر، لم تدفع العلاقات القبلية الأطراف المتنازعة إلى إضفاء الاعتدال في سلوكياتها استناداً إلى انتمائها إلى القبيلة نفسها، أو حتى إلى مقاربة النجرس بصفته قائداً من بيت مشيخة، بل جرى على العكس اعتقاله.
مثل هذه الديناميكيات تعكس تجذّر وتطور الهويات المحلاوية على حساب القبيلة. وقد قوضّت السلطات المركزية، من خلال تحويل المشايخ القبليين إلى وسطاء مع السكان المحليين في العقود الأخيرة، القاعدة التضامنية التي كان يستطيع الشيوخ استحضارها لحل النزاعات. بدلاً من ذلك، ردّ مشايخ العشائر على واقعة غياب الدولة أو السلطة القبلية الجازمة، بإثارة الهويات المحلاوية لتعبئة السكان، سعياً لتحقيق أهدافهم الخاصة. وهذا سيكون عاملاً رئيساً سيسمح لاحقاً بتوسيع إطار الجماعات المسلحة، خاصة منها تلك الأكثر تطرفا، في دير الزور بعد 2011.

المحلاوية ونجاح الجماعات المتطرفة في دير الزور

كان يمكن لانتهاء سيطرة النظام على شطور كبيرة من محافظة دير الزور في أواخر 2012 وأوائل 2013 أن يسجّل انبعاث البنى القبلية التقليدية. بيد أن الجماعات التي ستُهيمن هناك في نهاية المطاف كانت، أساسا، مجموعات من المقاتلين المحليين اليافعين غير المرتبطين ببيوتات المشيخة، والذين انضموا لاحقاً إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة.
لقد تبخرّت القيادة التقليدية القبلية في اللحظة نفسها التي كانت تشتد فيها الحاجة إليها. وهذا لأن عقوداً من التبعية للدولة، جعلت المشايخ القبليين عاجزين على لعب دورهم التاريخي كسلطات سياسية تتربع على عرش مجتمع قبلي. وبالتالي، أجبرت التنافسات الحاصلة والتعاون بين المجموعات المحلية المسلّحة والمنظمات الإسلامية المتطرفة المجتمعات المحلية على التركيز على مسألة البقاء والمصالح المادية، وليس على مصالح التجمعات القبلية الأوسع. وهذا أدى إلى تشرذم هذه المجتمعات ذات الأصول القبلية، وأعاق بروز السيطرة والتعبئة وفق خطوط قبلية.
تُوضح سلوكيات أعضاء فرع من اتحاد العقيدات القبلي، البوشامل، منحى المحلاوية في منطقة دير الزور. فالبوشامل عشيرة تتضمّن إحدى بيوتات المشيخة في العقيدات، الهفل، ولذا كان يجب أن يكون نفوذ القادة القبليين أقوى، على الأقل، بين أعضاء البوشامل أكثر من الأفرع البعيدة. علاوة على ذلك، تقبع مجتمعات محلية من البوشامل فوق بقعة واسعة من مخزونات النفط والغاز (انظر الشكل 1). وبالتالي، حين انهارت سلطة الدولة في أواخر 2012 وأوائل 2013، أصبحت عائدات النفط والغاز مورداً ثميناً ونفيساً. لاتتوافر أرقام محددة حول كمية الإنتاج في الفترة بين فقدان النظام السيطرة على هذه المخزونات وبين استيلاء الدولة الإسلامية عليها، لكن قُبيل بدء الغارات الجوية الأميركية على تنظيم الدولة الإسلامية في أيلول/سبتمبر 2014، كانت هذه المجتمعات المحلية تحصد ما بين مليون إلى 3 ملايين دولار يوميا، يأتي ثلاثة أرباعها من ريع آبار النفط في محافظة دير الزور28 .ولذا، كانت المجتمعات التي تستخرج النفط وتبيعه قبل وصول الدولة الإسلامية تحصد أرباحاً طائلة (حتى ولو كان هذا الإنتاج مجرد كِسْر مما ستنتجه هذه الأخيرة لاحقا).
تم غداة الانهيار الأوّلي لسلطة الدولة، تشكيل كتائب محلية لها روابط فضفاضة مع الجيش الحر. كانت هذه الجماعات المحلية مُستغرقة أساساً بالدفاع عن بلداتها ومقاتلة قوات النظام. وقد بدأ بعضها بالاستيلاء على منشآت النفظ، فيما برزت في الوقت نفسه مجموعات مسلحة أخرى أقل اهتماماً بمعارضة النظام وأكثر رغبة بالاغتناء الشخصي.29 وحالما انتشر هذا الحس الانتهازي، احتلّت المجموعات المحلية المسلحة العديد من آبار النفط لجني الأرباح، وبدأت العصابات بسرقة النفط من الأنابيب والمطالبة بأتاوات لقاء عدم تدميرها. 30
جرى تشكيل مجالس شرعية لمعالجة هذه النزاعات وغيرها بين القوى المحلية برعاية المجموعات المسلحة، والوجهاء المحليين، وجبهة النصرة. وفي أوائل 2013، استقرت جبهة النصرة في بلدة الشحيل، وبدأت بتوسيع عملياتها العسكرية وتحالفاتها في المنطقة فتعايشت مع العديد من المجموعات المسلحة، ولعبت دوراً مهماً في إقامة الهيئة الشرعية المركزية في الشحيل.31 ارتبط المتطرفون الإسلاميون، في المراحل الأولى لنشاطات الجماعات الراديكالية قبيل بروز الدولة الإسلامية وسيطرتها على الرقة، بالسكان المحليين عبر إغداق وعود المزايا المادية واستخدام اللغة الدينية معهم. وعلى سبيل المثال، بنت جبهة النصرة قاعدتها الشعبية في دير الزور استناداً إلى توفير الخدمات، ودعم المواد الغذائية، وتوفير الأمن للقرى في المنطقة.32
هذه العلاقات بين جبهة النصرة وبين السكان المحليين ستُمتحن من قِبَل المجموعات المحلية المتطرفة التي احتكرت موارد الغاز والنفط، وكانت غير مستعدة للإذعان إلى سلطة الجبهة والمجالس الشرعية. وقد دلّلت الطريقة التي اندلعت فيها المجابهات، والوسائل التي استُخدمت لتسويتها، على أهمية الروابط القبلية على المستويات المحلية.
أحد قادة المجموعات المحلية المسلحة التي سيطرت على منشآت انتاج الغاز كان هويدي الضبع، المُكنَى بـ"جوجو". تحدّر الضبع ومجموعته من بلدة خشام التي جاء سكانها من فرع العنابزة في فرقة البكير التي هي نفسها جزء من عشيرة البوشامل الأكبر.33 هذه المجموعة أفادت من قطعها الكهرباء عن قطاعات كبيرة من محافظة دير الزور ثم المطالبة بدفع خوات لإعادتها.34 بيد أن الضبع ومجموعته كانا ينشطان بمعزل عن بلدات البكير والمجموعات المسلحة.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، سعت جبهة النصرة بالتنسيق مع مجموعات مسلحة أخرى إلى تنظيم عملية استخراج النفط وتوزيع الموارد في المنطقة، فاعتقلت الضبع وسلّمته إلى الهيئة الشرعية المركزية. وحينها جهدت هذه الهيئة لوصف هذا الاعتقال ولخطوة الاستيلاء على الآبار التي كان يسيطر عليها على أنها خطوة موجّهةٌ ضد شخص واحد بعينه وليس ضد قبيلة أو مجتمع محلي. وقد شدّد بيان الهيئة حول هذا الموضوع على أن بعض عائلات قبلية فقط من خشام "مذنبة وليس البكير والعنابزة عموما".35 كما أكدت الهيئة أن سكان خشام سيبقون على رأس القائمة في مجال جني الأرباح من الآبار القريبة.
لكن، ولأن أعضاء جبهة النصرة الذين اعتقلوا الضبع كانوا من فرع صالح الحمد في البوشامل (مركزهم في الشحيل)، فقد فسّر أهل خشام الاعتقال بأنه اعتداء على بلدتهم وعلى العنابزة، وردوا بإقامة حاجز تفتيش خارج البلدة لعرقلة تحركات مقاتلي جبهة النصرة والضغط لإعادة الضبع، الأمر الذي حفز هذه الأخيرة على قصف الحاجز واجتياح البلدة لتوقيف المقاتلين الذي عارضوا قرارها. تمّ إعدام الضبع في كانون الأول/يناير 2014، 36 لكن حين استنفرت العنابزة خشام لصالحها، لم تنضم  إليهما بلدات البكير الأخرى (الذين كان لدى العديد منها طبعاتها الخاصة من الضبع)، الأمر الذي أكد أن هذا النزاع، والحياة الاجتماعية عموما، أصبحت محلاوية حتى قبل أن يُطل تنظيم الدولة الإسلامية برأسه في المشهد في العام 2014.
أدى التداخل بين مقاتلي جبهة النصرة وبين أعضاء فرع صالح الحمد من عشيرة البوشامل إلى تصاعد التوترات، عبر جعل سكان خشام يعتقدون أنهم يُهاجَمون لأسباب تتعلّق بهويتهم القبلية. ومع ذلك، وفي سياق آخر، ربما كانت الروابط القبلية ستساعد على احتواء هكذا حادث في بلدة يقطنها أعضاء فرع صالح الحمد.
من جهتها، خسرت عائلة مزعل، وهي فخذ من صالح الحمد في بلدات النملية والحريجية، السيطرة على آبار النفط في أراضيها لصالح جبهة النصرة، التي سعت إلى توزيع الأرباح على نحو أكثر تساويا. وقد طالب شاب في العائلة بإعادة الآبار إليها، وحين رفضت جبهة النصرة ذلك قام هذا الشاب بإحراق الآبار، مادفع الجبهة إلى مهاجمة النملية وقتل أحد أفراد عائلة مزعل.
قد يساعد التداخل بين الشبكات المحلية العائلية وبين العضوية في جماعة مسلحة، على إدارة الصراع في غياب الدولة التي كان يمكن أن تضبطه.
سعت شخصية بارزة في جبهة النصرة، وهو عم الرجل القتيل، إلى نزع فتيل الأزمة. وعلى الرغم من أن الضحية قُتِلَ على يد الجبهة، إلا أن هذا القائد وصفه بأنه "ابن جبهة النصرة"، وأعلن أن هذه الأخيرة "ستنتقم في الوقت التي تراه مناسبا".37 سمح إخراج الحدث بهذه الطريقة، عبر الزعم ضمناً بأن القتيل كانت ضحية طرف ثالث تتوحّد ضده جبهة النصرة وسكان النملية، لهذين الطرفين بتجنُّب التصعيد الذي كان سيُلحق الضرر بهما معا. وأبانت هذه الواقعة كيف أن التداخل بين الشبكات المحلية العائلية وبين العضوية في جماعة مسلحة، يساعد على إدارة الصراع في غياب الدولة التي كان يمكن أن تضبطه.
الفارق بين هاتين الواقعتين مُعبّر للغاية. ففي الحادث الأول، لم يكن تشاطر هوية البوشامل38 بين  أعضاء جبهة النصرة من فرع صالح الحمد وسكان خشام من فرع العنابزة كافياً لتجنُّب النزاع. إذ كان سكان خشام يعتبرون أفراد فرع صالح الحمد غرباء، (أي سكان بلدة أخرى وأعضاء مجموعة قبلية بعيدة) ويسعون إلى الهيمنة لفرض مصالحهم الخاصة. وهذا التقدير لم يترك مجالاً للتضامن على أساس الهوية البوشاملية المشتركة.
في المقابل، تمكّن في الحادث الثاني فرعان مُختلفان من فرع صالح الحمد من تجنُّب النزاع بعد الهجوم على النملية. وهكذا، أثبتت الشبكات التي تربط العائلات داخل التجمّع القبلي الأصغر الخاص بفرع صالح الحمد، المرتبطة بجبهة النصرة، أنها كانت كافية لتدبُّر أمر التوترات، فيما فشلت الهوية البوشاملية الأوسع في تحقيق ذلك. وتُظهر المقارنة بين هذين الحادثين كيف أن الهويات القبلية غالباً ما تستند إلى شبكات من العلاقات الملموسة والفورية، لا إلى أفكار مجردة تتعلق بالأنساب والواجبات القبلية.
صعود نجم الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور سيُسفر عن المزيد من تعزز المحلاوية وتشظي البوشامل. فبعد الانشقاق عن جبهة النصرة العام 2013، سعت الدولة الإسلامية إلى طرد هذه الجماعة المُنافسة لها من حقول النفط في دير الزور وقطع علائقها مع السكان المحليين. كانت العلاقات بين أهل الشحيل وجبهة النصرة متينة على وجه الخصوص، إلى درجة أن السكان المحليين أطلقوا على هذه الأخيرة اسم "جبهة البوشامل"، في إشارة إلى العشيرة. وبسبب هذه العلاقة الوثيقة، ركّز تنظيم الدولة الإسلامية جهوده الخاصة بالتجنيد على البلدات التي يقطنها البكير، لكن، وعلى الرغم من نجاحه في زيادة حضوره في المنطقة، إلا أنه عجز عن استقطاب معظم الكتائب القوية في البكير، فبقيت اثنتان منها محايدتان، فيما انضمت ثالثة إلى جماعة أحرار الشام الإسلامية المُتمردة.
نتيجة لذلك، يمَّم الدولة الإسلامية وجهه بدلاً من ذلك صوب عامر الرفدان، وهو مقاتل محلي من بلدة جديد عقيدات التي يتحدّر أهلها من فرع مشرف في البكير،39 كان العامل الأهم في إعلان ولاء  الرفدان للدولة الإسلامية ماديا. فحين أخلى النظام أشطاراّ كبيرة من منطقة دير الزور، وجد الفردان نفسه يُسيطر على أجزاء شاسعة من من حقل كونوكو النفطي الذي يُعتبر أحد أكبر الحقول في سورية وأكثرها إدراراً للربح. وبكونه مُنتسباً إلى جبهة النصرة، وفّر الرفدان لهذه الأخيرة جزءاً من العائدات التي كان يحصدها من الحقل. بيد أن البنود والشروط التي اتفق حولها مع الدولة الإسلامية كانت أكثر ملاءمة له ولعبت دوراً في قراره نقل البندقية من كتف إلى كتف.40 وكان من محصلة حيازة الدولة الإسلامية لمبايعة الرفدان لها، تدفّق أعداد مهمة من مقاتلي البكير إلى صفوفه،41والسماح للتنظيم بإقامة مقره العام المحلي في جديد عقيدات في أواخر 20133. كما انضم أيضاً مقاتلون من البصيرة المجاورة التي يقطنها أفراد فرع قبيصة من البكير، إلى الدولة الإسلامية.
أعدّ الدولة الإسلامية، بعد ترسيخ وجوده في جديد عقيدات، المسرح لمجابهة مع جبهة النصرة، ومع هيئةالشريعة المركزية التي كانت تحاول آنذاك تنظيم استخراج النفط من آبار المنطقة لتوزيع أرباحها على السكان والجماعات المسلحة.42 وقد اندلع القتال بين حلفاء الدولة الإسلامية من البكير والسكان من الشحيل المتحالفين مع جبهة النصرة في نيسان/أبريل 2014، 43 حين وصل هؤلاء الأخيرون إلى البصيرة مطالبين بإطلاق زملائهم الموقوفين، وهو طلب جوبه بالرفض. وبعدها قصف مقاتلو الشحيل المرتبطين بالنصرة البصيرة بالأسلحة الثقيلة وقتلوا 15 شخصاً وشرّدوا مئات العائلات.44 هذا القتال، الذي انغمست فيه جبهة النصرة والدولة الإسلامية وجماعات متمردة أخرى، شهد تصاعداً في الشهور التالية إلى أن تمكّنت الدولة الإسلامية من الاستيلاء على الشحيل في تموز/يوليو 2014، بعد أربعة أيام من القصف الذي أردى 28 شخصاً وشرّد معظم سكان البلدة. 45
انطوى القتال في دير الزور على صراع حول الموارد الاقتصادية، مُستنفراً في سبيل ذلك الهويات والشبكات العائلية على مستوى البلدات، كما الإيديولوجيات الإسلامية المتطرفة.
كان القتال للسيطرة على المناطق الريفية لدير الزور مُتعدد الأوجه. فهو انطوى على صراع حول الموارد الاقتصادية، مُستنفراً في سبيل ذلك الهويات والشبكات العائلية على مستوى البلدات، كما الإيديولوجيات الإسلامية المتطرفة. وما سهّل انغماس هذه الجماعات في وطيس المعارك ودَفَعَ إلى تصعيد المجابهات، كان غياب التضامن القبلي أو أي هياكل تنظيمية أخرى فوق المستوى المحلي التي كان يعتمد عليها النظام السوري. فجبهة النصرة كانت رسّخت وجودها في الشحيل، فيما استخدم الدولة الإسلامية روابطه مع البكير للحصول على موطء قدم في المنطقة. لكن، لم يكن في مقدور العلاقات القبلية أن تُنتج نظاماً سياسياً موحداً ومتّسقاً، سواء أكان ذلك تحت مظلة الزعماء القبليين التقليديين، أو الجماعات الإسلامية. أفضل ماكان يمكن أن تقوم به جبهة النصرة هو نزع فتيل التوترات مع المجتمعات المحلية، كما حدث في النملية، لأن الأعضاء الأساسيين فيها كانت لهم روابط فرعية مع سكان البلدة، فيما كان الدولة الإسلامية يستطيع أن يجنّد الأعضاء استناداً إلى ضمان مبايعة زعيم من فرقة البكير. لكن، لا الدولة الإسلامية ولا جبهة النصرة تمكنتا من التوسّع خارج هذه السياقات المحدودة- على الأقل على أساس قبلي- لأن القبائل توقفت أصلاً عن لعب دور الجسر الذي يشد أزر المجتمعات المحلية معاً قبل انتفاضة 2011.
في الوقت نفسه، أسفرت الطريقة التي استغلّت فيها جبهة النصرة والدولة الإسلامية الهويات والشبكات المحلية عن جعل احتمال القيام بأي نوع من العمل الجماعي، أمراً صعب المنال على أساس الهوية البوشاملية، أو الهوية العقيدية. فالنزاع الذي اندلع في شرق دير الزور بين أفرع البوشامل حول توقيف الضبع، كشف النقاب عن كيفية استغلال الجماعات الإسلامية العلاقات
القبلية على المستوى المحلي (الذي يتكوّن من عدد صغير من الأنساب في بلدات عدة، بدلاً من الأنساب المتعلّقة بقبيلة موحّدة يقودها بيت مشيخة)، بهدف حيازة الأراضي.

صعود هوية البلدة: بقرص نموذجا

قد تفرض المحلاوية على أفرع وأفخاذ القبيلة نفسها القتال ضد بعضها البعض، لكنها قد تقلّص أيضاً احتمالات اندلاع النزاع من خلال قطع وشائج البلدة مع القبيلة، مُجبرة إياها على التماهي، بدلاً من ذلك، مع سكان المنطقة المجاورة. هذه الظاهرة تعرضها حالة بلدة بقرص الذين يتحدّر سكانها من عشيرة البوسرايا.
عشيرة البوسرايا ترتبط بشكل فضفاض باتحاد العقيدات القبلي.46 تقع قراها الرئيسة غرب مدينة دير الزور بعيداً عن الأفخاذ الأخرى لقبيلة العقيدة التي تتمركز أساساً إلى الشرق من المدينة (انظر الشكل 2). وبالمقارنة، قرية البوسرايا تقع شرق دير الزور. بعد اندلاع الانتفاضة السورية في 2011، تبنّت البلدات التي يقطنها البوسرايا مواقف شبيهة بتلك التي اتخذها زملاؤهم غرب دير الزور. فبعض سكان هذه البلدات نظّم تظاهرات وانضمّ إلى كتائب الجيش الحر، لكن القسم الأكبر من السكان لم يعلنوا النفير أو ينحازوا إلى النظام، خاصة منهم القيادات القبلية. الزعيم الإسمي للعشيرة كان مهنا الفياض الذي انُتخب عضواً في البرلمان العام 2012. وثمة عضو آخر من بيت مشيخة هو أحمد شلاش، العضو أيضاً في البرلمان الذي كان مدافعاً قوياً عن نظام الأسد طيلة سنوات الانتفاضة.
أما القرى المُحيطة ببقرص فكان يقطنها أبناء البكير وفرع صالح الحمد من البوشامل، الذين كانوا في الجيش الحر، وجبهة النصرة، وفي خاتمة المطاف الدولة الإسلامية. وقد أدّى القتال الذي اندلع في أواخر 2013 إلى قذف سكان بقرص إلى أحضان مأزق حاد: إذ تعيّن عليهم اتخاذ قرار حول التماهي مع جيرانهم المباشرين، الذين كانوا نشطين في صفوف جماعات عسكرية عدة مناوئة للنظام، أو مع أشقائهم القبليين الذين اصطفوا إلى جانب النظام.
في تشرين الأول/أكتوبر 2013، اجتاحت حركة أحرار الشام بلدة البصيرة الشميطية في الجزء الغربي من محافظة دير الزور، حيث يقطن معظم أفراد القبيلة. وقد أسفر القتال بين أحرار الشام وبين أفراد البصيرة عن مصرع العديد من السكان المحليين واعتقال 70 منهم، بمن فيهم مهنا الفياض.47 ردُّ سكان بقرص لم يكن لمساعدة زملائهم في البصيرة، بل لإعلان انفسهم أعضاء في فرع البوحمد، وهذا للقول أنهم مجرد جزء من البصيرة بالاسم فقط، إضافة إلى كونهم من بقرص. بكلمات أخرى، في اللحظة التي كان يُفترض أن تدفعهم الروابط القبلية إلى التعبئة دفاعاً عن أشقائهم القبليين، اختار السكان بدلاً من ذلك التركيز على هويتهم المحلية والنأي بالنفس عن الصراع. 48
على الرغم من وجود انتماءت قبلية عامة، إلا أن القوى القبلية المحلية لها فاعلية مناسبة وتتمتع باستقلال ذاتي كافٍ للسعي وراء مصالحها الخاصة.
هذه الواقعة تشي بأن القبائل أبعد ماتكون عن الانتماء إلى كتل هوية متجانسة، وبأن الهوية القبلية في حالة سيولة في الواقع ويمكنها التأقلم مع الظروف السياسية المتغيّرة. وعلى الرغم من وجود انتماءت قبلية عامة، إلا أن القوى القبلية المحلية لها فاعلية مناسبة وتتمتع باستقلال ذاتي كافٍ للسعي وراء مصالحها الخاصة، لا العمل وفق غرائزها القبلية المزعومة.

كيف استخدمت القوى السياسية الجديدة في شرق سورية القبائل؟

سهَّل نسبياً تشظي المجتمعات المحلية ذات الأصول القبلية بفعل النزاع السوري، قدرة القوى السياسية الجديدة على تنفيذ برامجها السياسية الخاصة في المناطق التي تقيم فيها القبائل، بما في ذلك محافظة الحسكة في أقصى شمال شرق سورية. وقد سعت أطراف عدة إلى توسيع دائرة نفوذها في تلك المنطقة، بما في ذلك الدولة الإسلامية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التي تحرّك لإقامة إدارة حكم ذاتي في شمال الشرق، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً التي بدأت القتال ضد الدولة الإسلامية في العام 2015 وتخضع إلى سيطرة الاتحاد الديمقراطي لكنها تضم بعض الوحدات العربية.
أملت هذه القوى بتجنيد أعضاء من القبائل للقتال إلى جانبها، وأيضاً لإسباغ الشرعية على أجنداتها السياسية. لكن كلاً من الدولة الإسلامية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي كانا حريصين في الوقت نفسه على منع الزعماء القبليين من تعبئة قبائلهم ضدهما. الآلية التي وظّفاها لهذا الغرض كانت متشابهة وسبق أن استخدمها النظام السوري. إذ اعتمدت الجماعات الإسلامية المتطرفة، وكذلك وحدات حماية الشعب، وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، على الشبكات القبلية المحلية لإدارة شؤون السكان القابعين تحت سيطرتهما. بيد أن زعماء المجتمعات المحلية القبلية لطالما استخدموا هذه الجماعات المسلحة لتحقيق أغراضهم المادية والتموضع على نحو مواتٍ لهم في مقابل الأطراف القبلية الأخرى.
وهكذا، ومرة أخرى، تُميط التحالفات المتنوّعة التي يجد زعماء القبائل أنفسهم في تضاعيفها، اللثام عن مدى قدرة الهياكل القبلية على التأقلم مع الظروف السياسية المُتقلبة. كما أنها تُبرز أيضاً مدى عبث المحاولات لتشييد صرح ترتيبات سياسية ذات ديمومة تكون القبائل هي حجر الرُحى فيها.

تنظيم الدولة الإسلامية والقبائل

اعتمد كلٌّ من جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية بكثافة على الشبكات القبلية في معاركهما ضد بعضهما البعض في دير الزور، التي اشتدّت جذوتها في أوائل العام 2014. لكن حين انتصر تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة، سعى إلى الهيمنة على هذه الشبكات وإلى إحكام قبضته على المجتمعات المحلية.
عقد أبو عبدالله االشمري، وهو مواطن سعودي مسؤول عن مكتب العشائر في تنظيم الدولة الإسلامية، اجتماعات عديدة مع وجهاء القبائل المحلية في أواخر العام 2014، في أعقاب الانتصار الذي حقّقه التنظيم في المنطقة. خلال هذه الاجتماعات، وبّخ أبو عبدالله أبناء القبائل بسبب تقاضيهم المال من جهات خارجية، واصفاً إيّاهم بأنهم "صحوات". وهذه كانت إشارة إلى حركة الصحوة السنيّة القَبلية في العراق التي دعمتها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة في العام 2006. 49ويستخدم أفراد تنظيم الدولة الإسلامية هذا التعبير عموماً لوصف المجموعات التي تقاومهم وفق خطوط قبلية. 50
بذل أبو عبدالله وتنظيم الدولة الإسلامية جهوداً حثيثة لإقامة علاقات مع قادة تقليديين من خلال الشبكات القبلية، واستخدما القادة الجدد الذين أصبحوا وكلائهما للتعرّف على القادة التقليديين والتوسّط لعقد اتفاقات معهم. تجسّد هذا المسعى في نموذج أحمد الدهام، الذي انضمّ إلى الدولة الإسلامية في ربيع العام 2013 بعد قتاله إلى جانب جبهة النصرة.51 كان دهام يرتّب الاجتماعات بين القادة التقليديين وأبو عبدالله، 52 الذي أفاد في هذه الاجتماعات من نَسَبَه إلى قبيلة شمّر المهمة، كي  يلتمس دعم القبائل، مشدّداً على الروابط والنقاط المشتركة التي تجمع بين تنظيم الدولة الإسلامية وبين المقاتلين القبليين الشباب.
سعى تنظيم الدولة الإسلامية شيئاً فشيئاً إلى تعزيز دور قادة القبائل والنزعة القَبَلية في المناطق الخاضعة إلى سطوته، لأن الروابط المحلية قد تُستخدم للتأثير في السكان المتحدّرين من أصول قبلية وتعبئتهم.
على الرغم من المخاوف المتعلقة بحدوث "صحوة" قبلية كتلك التي شهدها العراق، سعى تنظيم الدولة الإسلامية شيئاً فشيئاً إلى تعزيز دور قادة القبائل والنزعة القَبَلية في المناطق الخاضعة إلى سطوته، لأن الروابط المحلية قد تُستخدم للتأثير في السكان المتحدّرين من أصول قبلية وتعبئتهم. وهكذا، مدّ أبو عبدالله يده إلى قادة القبائل بعد الهزيمة التي مُنيت بها جبهة النصرة في دير الزور على يد تنظيم الدولة الإسلامية، مُعلناً أن هذا الأخير "شرّع أبواب المصالحة"، وأوعز إليهم بضرورة تسليم سلاحهم مقابل العفو عنهم. لكنه، بدل أن يطلب من المقاتلين تسليم أسلحتهم إلى الدولة الإسلامية، دعا إلى وضعها في عُهدة قادة القبائل التقليديين، على أن يتلقوا بعدئذٍ ورقة من هؤلاء الأخيرين تفيد بأنهم حصلوا على عفو من الدولة الإسلامية.53 كانت هذه السياسة التي منحت القادة  التقليديين قدراً من الاستقلال الذاتي في التعامل مع أبناء قبائلهم، متّسقة ومتناغمة مع الأساليب التي انتهجها نظام الأسد، والسلطات الفرنسية قبله.
بيد أن محاولات تنظيم الدولة الإسلامية الرامية إلى الهيمنة على القبائل لم تتغلّب بالكامل على الديناميكيات المحلية التنافسية. فالصراع الذي نشب بين الدولة الإسلامية وعشيرة الشعيطات، والذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، وأسفر عن مقتل ما يفوق 700 من أبنائها وتدمير العديد من قراها، انطلق من اعتبارات قبلية وغير قبلية على حدٍّ سواء. ويُرجّح أن هذا ما زرع الخوف في أوصال المجتمعات المحلية في المناطق التي شهدت تنافس تنظيم الدولة الإسلامية على السيطرة السياسية، ودفعها إلى احترامه باعتباره كياناً خارج إطار القبائل. لكنه أوقد أيضاً نار الخصومات القبلية؛ إذ حمّلت عشيرة الشعيطات عشيرة البكير مسؤولية المجزرة التي ارتُكبت بحق أبنائها، لأن العديد من أبناء عشيرة البكير ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية.54 النظام السوري، من جهته، وجد في عمليات القتل هذه فرصة لإعادة أفراد الشعيطات إلى كنف النظام. وهو فعل ذلك من خلال وضع برنامج تدريب عسكري في تدمر أطلق عليه اسم المقاومة الشعبية، وفتح أبوابه أمام أبناء الشعيطات.55

التوتّر بين الأكراد والعرب والاستقطاب القبلي

في حين أن دير الزور كانت الساحة التي دارت فيها رحى الصراع بين مجموعات إسلامية متطرّفة، بقيت محافظة الحسكة شمال دير الزور خاضعة عموماً إلى سيطرة كلّ من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والنظام السوري. وهنا أيضاً تشي علاقات المجتمعات القبلية المحلية مع الاتحاد الديمقراطي والنظام بالتصدّعات التي تشوب الهياكل القبلية، والشبكات التي تحفّز على بناء التحالفات السياسية داخل القبائل.
أفسح انسحاب القوات العسكرية والأمنية التابعة للنظام من شمال شرق سورية، باستثناء وسط مدينتَي القامشلي والحسكة الرئيستين، في منتصف العام 2012، المجال أمام حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب لبسط نفوذهما على مساحات شاسعة من الأراضي. وبفضل القدرة التنظيمية الراسخة التي تتمتع بها وحدات حماية الشعب منذ مرحلة ما قبل الأزمة السورية، وأيضاً قرار النظام بعدم مقاتلة هذه الوحدات، تمكّنت هذه القوى من دمج الأكراد المحليين في بيئة سياسية أعرض. نتيجةً لذلك، باتت عدّة مناطق من محافظة الحسكة تُدار راهناً كمنطقة حكم ذاتي متعدّدة الإثنيات تُعرف باسم مقاطعة الجزيرة.
في بعض المناطق الريفية في سورية، حلّ العداء بين الأكراد والعرب مكان الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
منذ أواخر العام 2015، شهدت هذه المنطقة صعود تحالف مسلّح جديد تحت مسمّى قوات سورية الديمقراطية،56 التي تضمّ أيضاً  مقاتلين من البلدات العربية المحلية، على الرغم من أن غالبية مقاتليها وقادتها هم من وحدات حماية الشعب الكردية. وقد أدّى الدعم الدولي الذي حظيت به هذه القوة المؤلفة بغالبيتها من الأكراد، إلى استقطاب سياسي وتصاعد وتائر الاحتقان بين الأكراد والعرب. ومع أن قوات سورية الديمقراطية أرغمت تنظيم الدولة الإسلامية على التراجع، إلا أنها لم تتمكّن من ضمان الاستقرار. ففي ريف محافظة الحسكة وفي مدينة تل أبيض الواقعة على الحدود التركية، حلّ العداء بين الأكراد والعرب مكان الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لأن الكثير من المواطنين العرب يعتقدون أن قوات سورية الديمقراطية ستقوم بتطهير إثني ضد العرب لصالح الأكراد.
نتيجةً لذلك، انقسم قادة القبائل العربية، فدعم عدد قليل منهم الأكراد واتّخذ القسم الآخر موقفاً المعارض. ويخشى الكثير من العرب المحليين من ذوي الخلفية القبلية من مخططات حزب الاتحاد الديمقراطي والأكراد. وهذا ما جذبهم للانضمام إلى عملية درع الفرات، وهي مبادرة تركية للتنسيق بين الجماعات المتمردة في الجيش السوري الحر من أجل الحؤول دون توّسع قوات سورية الديمقراطية والقوات الكردية غربي نهر الفرات.57 في الوقت نفسه، يعمل النظام السوري، من خلال  تواجده في دير الزور والحسكة والقامشلي، على الحفاظ على العلاقات التي تربطه بأفراد من بيوتات المشيخة، يأمل استعادة السيطرة على الأراضي متى اضمحلّت فيها قوة تنظيم الدولة الإسلامية على نحو حاسم.
يُعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الحزب المهيمن في مقاطعة الجزيرة، لكنه يواجه التحديات عينها في مجال تطوير العلاقات مع المجتمعات القبلية العربية وضمان رضوخها له، تماماً كما كان وضع النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الخاضعة إلى سيطرتهما. أما الشريك الرئيس لحزب الاتحاد الديمقراطي فهو حميدي دهام، شيخ قبيلة شمّر والحاكم المشترك لمقاطعة الجزيرة.58 بدورها، تعمل قوات الصناديد، وهي ميليشيا خاضعة إلى سيطرة دهام وتتألف من  أعضاء قبيلة شمّر، مع وحدات حماية الشعب. يشار هنا إلى أن شمّر تُعتبر اليوم قبيلة صغيرة نسبياً في سورية (تتمركز فروعها الرئيسة في العراق وشبه الجزيرة العربية)، لكنها تاريخياً مهيبة وقوية، وتمارس سيطرتها الفعلية على المنطقة الشمالية الشرقية لما يعرف اليوم بسورية قبل قيام دولة سورية الحديثة.59 ونظراً إلى صغر حجم القبيلة واستحواذ دهام على الموارد النفطية في أعقاب انسحاب النظام، تمكّن هو وقوات الصناديد من المحافظة على تحكّمهم بقبيلة شمّر. 60
تحظى مشاركة دهام في حكومة مقاطعة الجزيرة بقيمة رمزية كبيرة بالنسبة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ إنها تُضفي الشرعية على خططه السياسية لإشراك القبائل العربية. كما كسب دهام وشمّر أيضاً عبر الإفادة من الأمن المحلي وعائدات النفط. مع ذلك، تسببت العلاقة التي تربط الحزب بدهام بنزاع مع المجتمعات القبلية الأخرى في المنطقة.
هنا ثمة جانبان ملحوظان: الأول أن سكان القبائل العربية الأخرى فضّلوا التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي بدلاً من قبيلة شمّر. فعلى سبيل المثال، سعت بعض القبائل العربية إلى إرساء الأمن في مناطقها بالتعاون مع الميليشيات الكردية. مع ذلك، حين اقترحت قوات الصناديد بقيادة دهام تنسيق عمليات المجموعات المحلية العربية كافة، رفض السكان العرب المحليون وحزب الاتحاد الديمقراطي على السواء ذلك، إذ إنهم لايرغبون في تسليم قبيلة شمّر هكذا سلطة مماثلة.61 وبغض  النظر عن تسليطها الضوء على تفتُّت المجتمعات القبلية العربية، ألقت هذه الاضطرابات التي تعصف بالقبائل بظلال من الشك على ادعاء الحزب بأن إدارة مقاطعة الجزيرة تجسّد الإرادة الحقيقية لـ"القبائل العربية".
أما الجانب الثاني، فيتمثل في أن الجهود التي يبذلها حزب الاتحاد الديمقراطي للتعامل بشكل منفصل مع كل قبيلة من القبائل العربية- وتشابه هذه الاستراتيجية مع تلك التي اعتمدها تنظيم الدولة الإسلامية- تعكس إرث سياسات الدولة السورية التي سعت إلى خلق انقسامات بين القبائل وحتى في داخلها. ويشكّل ذلك مصدر قلق من التهديد، ولو كان بعيد الأمد، الذي تطرحه وحدة القبائل العربية على القوى الخارجية.
تقاطع خوف العرب من الأكراد في محافظة الحسكة مع الخوف من معاودة صعود قبيلة شمّر لحشد الدعم لصالح نظام الأسد. فأفراد القبائل في المنطقة، ولاسيما في قبيلتيْ الجبور والشرابيون، يخشون من أن تستخدم شمّر قوتها المتنامية للعودة إلى أنماط الهيمنة السابقة وفرض سيطرتها في المنطقة.62 ولهذا السبب قلّة من قادة القبائل فضّلوا العلاقة مع دمشق، وأسسّ الكثير منهم ميليشيات متحالفة بشكل وثيق مع الجيش السوري، مثل قوات الدفاع الوطني أو اللجان الشعبية.
على سبيل المثال، ألقى محمد الفارس، شيخ قبيلة طي في سورية، كلمة في أيلول/سبتمبر 2015 في الحسكة، شكر فيها علناً "الحاج جواد" على تمويل ميليشيا لطي تحمل اسم المغاوير.63 والجدير ذكره  أن الحاج جواد هو لقب شخصية عسكرية إيرانية في سورية، لاتزال هويته الحقيقية موضع تكهنات، لكنه معروف بدوره في تنظيم الميليشيات. وقد ظهرت في المنطقة العديد من الميليشيات المماثلة، التي جرى تنظيمها محلياً بالتعاون مع الجيش السوري.64 كما يعمل نظام الأسد على تجنيد المزيد من أفراد القبائل من دير الزور والحسكة في الجيش النظامي.65
بالنسبة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، والنظام السوري، وتنظيم الدولة الإسلامية، الذين يتنافسون للسيطرة على شمال شرق سورية، يحمل التعامل مع السكان من ذوي الخلفية القبلية العربية في طياته تحديات جمّة.
بالنسبة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، والنظام السوري، وتنظيم الدولة الإسلامية، الذين يتنافسون للسيطرة على شمال شرق سورية، يحمل التعامل مع السكان من ذوي الخلفية القبلية العربية في طياته تحديات جمّة. ويُعتبر أحد أشكال التحالف مع عناصر قوية من المجتمع أمراً لاغنى عنه، لكن الخوف من وحدة قبلية موجّهة ضد أطراف خارجية دفعهم إلى الانخراط في تحالفات انتقائية. ولم يؤدِ هذا النهج المتعدد الأوجه سوى إلى تعزيز الطبيعة المشرذمة للواقع القبلي في المناطق الشرقية من سورية.

خاتمة: ماذا يبقى من القبيلة في سورية؟

تتميّز الحرب في سورية، التي تدخل الآن عامها السابع، بالطبيعة المحلية إلى حدّ كبير للنزاع، على عكس التطلّعات الوطنية التي تمحورت حولها الانتفاضة في بدايتها. ثمة العديد من الأجندات السياسية المتنافسة في المناطق التي تقطنها القبائل. وعلى الرغم من أن العديد من الجماعات المسلحة لجأت إلى اللغة والرموز القبلية لبناء علاقاتها المحلية، لم يتمكن أي لاعب سياسي من حشد مجموعات واسعة من قبيلة ما على أساس هويتها القبلية. علاوةً على ذلك، كانت القبائل عاجزة عن الحؤول دون سعي قوى خارجية لفرض مشاريعها السياسية أو أجنداتها العسكرية، في معاقلها.
والسبب في ذلك يُعزى إلى التغيّر في طبيعة القبيلة الذي طرأ خلال القرن الماضي، باعتبارها وحدة اجتماعية سياسية، بعدما تهاوت هياكل سلطة المشيخة خلال العقود التي فرضت فيها الحكومات المركزية نفسها على القبائل. يواصل السوريون من ذوي الخلفية القبلية التفاخر بتراثهم وهويتهم، وكذا يفعل أفراد بيوتات المشيخة من أصحاب الأملاك الكبيرة ومن المحافظين على الروابط العائلية في ما بينهم التي تكون في كثير من الأحيان عابرة للحدود الوطنية. لكن مع ذلك، تبدّلت العلاقات بين أفراد القبائل وبيوت المشيخة بشكل جوهري.
يُنظر إلى العديد من قادة القبائل بشكل متزايد على أنهم تابعون لقوى خارجية، وغير قادرين على إرساء الأمن وتأمين الرفاه المادي لأبناء القبائل، وبالتالي فهم لايستحقون هذا الإجلال.
لقد جعل الصراع في سورية من احتمال عكس هذا الوضع أقل احتمالاً. فبعد اندلاع الانتفاضة السورية في آذار/مارس 2011، اشتعلت الخلافات داخل القبيلة الواحدة وفي ما بين القبائل حول ما إذا كانت ستقف في صف نظام الأسد أو في وجهه. ثمّ أنها اتّسعت بشكل أكبر أيضاً لأن قادة القبائل بدأوا البحث عن دعم خارجي في محاولة لتعزيز مواقعهم داخل قبائلهم والسير قدماً لتحقيق مصالحهم الخاصة. إلا أن المنافسة على الدعم الخارجي خفضت شرعية بيوتات المشيخة في أعين العديد من أبناء القبيلة. وحيث أن قادة القبائل هم شخصيات مرموقة تاريخياً لابدّ من إطاعتها من دون استثناء، يُنظر إلى العديد منهم بشكل متزايد على أنهم تابعون لقوى خارجية، وغير قادرين على إرساء الأمن وتأمين الرفاه المادي لأبناء القبائل، وبالتالي فهم لايستحقون هذا الإجلال.
إذن، ما تبقى من القبيلة اليوم في سورية ليس سوى إرث تاريخي، وهو مفهوم التنظيم الاجتماعي الهرمي الذي تتربّع على رأسه بيوتات المشيخة. ويبقى الدور التاريخي الذي تلعبه هذه البيوتات مهماً بالنسبة إلى القبيلة نفسها. ونظراً إلى أن بنية القبيلة التقليدية تحتفظ بالقدرة على استنهاض التضامن في أوساط أفراد القبيلة، تُعتبر بيوتات المشيخة الدينامو المحرّك لهذا التضامن. وعلى الرغم من أن سنوات من الحرب والدمار لن تمحو هذا الإرث، إلا أن الديناميكيات في شرق سورية أضافت مستوى جديداً من عدم اليقين بالنسبة إلى القبائل وأبناءها.

هوامش

1 يعكس هذا التعريف الإجرائي حقيقة القبيلة اليوم وكيفية عملها خلال الانتفاضة السورية، بدلاً من أن يكون فهماً تاريخياً أو أنثروبولوجياً لتطوّرها على مر الزمن. وكما يوضح باقي البحث، فإن هذه الوحدة الاجتماعية قد تملي في بعض الأحيان تصرفات أفرادها، لكنها غالباً لا تفعل ذلك.
2 محمد جمال باروت، "التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية"، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ص. 69.
3 Dawn Chatty, From Camel to Truck: The Bedouin in the Modern World (New York: Vantage Press, 1986), 16; Norman N. Lewis, Nomads and Settlers in Syria and Jordan, 1800-1980 (New York: Cambridge University Press, 1987), 8.
4 Christian Velud, “French Mandate Policy in the Syrian Steppe,” in The Transformation of Nomadic Society in the Arab East, eds. Martha Mundy and Basim Musallam (Cambridge: Cambridge University Press, 2000), 80.
5 Chatty, From Camel to Truck, 36.
6 انظر: Dawn Chatty, “The Bedouin in Contemporary Syria: The Persistence of Tribal Authority and Control,” Middle East Journal 64, no. 1 (2010): 34; Dawn Chatty, “Leaders, Land, and Limousines: Emir Versus Sheikh,” Ethnology 16, no. 4 (1977): 386.
7 حول هذه النقطة، انظر حنّا بطاطو، "فلاحو سوريا: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم" (صدر باللغة العربية عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014)، (منشورات جامعة برينستون، 1999)، 23؛ وأيضاً Chatty, “The Bedouin in Contemporary Syria,” 37–8.
8 حنّا بطاطو، "فلاحو سوريا"، 24.
9 مقابلة أجراها المؤلفان مع مقيم منذ وقت طويل في دير حريف في محافظة حلب، بيروت، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2013.
10 Myriam Ababsa, “Agrarian Counter-Reform in Syria (2000–2010),” in Agriculture and Reform in Syria, ed. Raymond Hinnebusch (Boulder, CO: Lynne Rienner, 2011) 83–108.
11 تمّ أخذ هذه البيانات من المجموعة الإحصائية 2004 ("المجموعة الإحصائية 2004، المكتب المركزي للإحصاء في سورية، 2004)،http://www.cbssyr.sy/yearbook/2004/Syr2004A.htm بالإضافة إلى مجموعات البيانات التي جمعها المؤلفان حول هوية القرى. 12 حين كان لدى محافظة دمشق طبيب واحد مقابل 1056 مقيماً في العام 1985، كان للرقة طبيب مقابل 34411 مقيما. كما كان لمعظم سكان المحافظتين الأخريين من ذوي الخلفية القبلية نسب مماثلة لتلك التي من الرقة مع مرور الوقت. فنسب الحسكة هي 1:4016 في 1985 و1:1166 في 2010، أما دير الزور فبلغت 1:2890 في 1985 و1:1184 في 2010. انظر المكتب المركزي للإحصاء في سورية، المجموعة الإحصائية، (دمشق: مطبعة الحكومة، 1985، 2010)، http://www.cbssyr.sy/yearbook.htm
13Hosham Dawod, “The ‘State-ization’ of the Tribe and the Tribalization of the State: The Case of Iraq,” in Tribes and Power: Nationalism and Ethnicity in the Middle East, eds. Faleh Abdul-Jabar and Hosham Dawod (London: Saqi, 2003), 116.
14 تفاصيل عن السيرة الذاتية للشيخ عبد الإله من الموقع الالكتروني لاتحاد عنزة الوائلية (التي تُعتبر الحسنة جزءاً منها)، 5 شباط/فبراير 2017، "من هو الشيخ عبد الإله بن ثامر الملحم حفظه الله"،http://www.3nazh.net/vb/showthread.php?t=35937
15 ما رشح بالضبط بعد التصويت هو موضع خلاف. قال أحد الأعضاء البارزين في قبيلة الحسنة الذين عملوا على حملة عبد الإله بأن مشادات كلامية وقعت بين مسلحين من أنصار كل مرشح في وسط مدينة حمص، ما أدّى إلى تدخل أجهزة الأمن الحكومية لإجبار فرعيْ العائلة على تحديد الفائز في الانتخابات سلمياً (مقابلة خاصة مع أحد أفراد قبيلة الحسنة، اسطنبول، 11 كانون الثاني/يناير 2016). وأجبر آخر السلطات المحلية في حمص على الإعلان بأن عبد الإله هو الفائز، تلاه إعلان من مجلس قيادة الثورة السورية عن إبطال هذه النتيجة وتأكيد فوز عبد العزيز على أساس أن عبد الإله كان غير مؤهل للترشُّح لأن وجهات نظره مختلفة عن توجهات حزب البعث، (كما ورد على الموقع الالكتروني لاتحاد عنزة الوائلية، "الناشط السياسي الشيخ عبد الإله ثامر الملحم"،http://www.3nazh.net/vb/showthread.php?t=38674 [تمّت زيارة الصفحة في  15 حزيران/يونيو 20155]). وبغض النظر عن النسخة الصحيحة، يوضح الحادث الانقسامات بين أفراد القبيلة وقيادتها، وقدرة الدولة على التلاعب بقيادة القبيلة. http://www.3nazh.net/vb/showthread.php?t=38674
16 "الشيخ عبد الاله وانضمامه للثورة السورية"، مقطع فيديو على يوتيوب، 5:14، نشره حساب شبكة فلاش سوريا، 26 نيسان/أبريل 2011، https://www.youtube.com/watch?v=3zlijs49hzo; بيان جديد للشيخ عبد الإله بن ثامر الملحم شيخ قبيلة المنابهة السورية في حمص، مقطع فيديو على يوتيوب، 3:01، نشره حساب شبكة أوغاريت الإخبارية، 9 أيار/مايو 2011،https://www.youtube.com/watch?v=C-o0J0oLYEk إن الإشارة إلى قبيلة المنابهة  ترتبط بمستوى قبلي متوسط داخل الحسنة. للحصول على المزيد من المعلومات حول الانقسامات داخل قبيلة الحسنة، انظر أحمد وصفي زكريا، عشائر الشام (دمشق: مطبعة دار الهلال، 1945)، ص. 434.
17 لم يعد عبد العزيز ناشطاً على الساحة السياسية بسبب تقدّمه في السن. وعشية محادثات جنيف 2 في العام 2014، أعرب نواف عن أمله في إمكانية التوصل إلى اتفاق من أجل "تجفيف ينابيع الإرهاب من تلك [الدول الأجنبية] التي تموّل، وتجمع، وتدرّب، وترسل إلى سورية". وأشار إلى أن الشخصيات القبلية التي تتحدث ضد النظام، مثل ابن عمه عبد الإله، تمثل "3-4 في المئة، أي أقل من 5 في المئة من القبائل"، وأن لا مشكلة بين القبائل وحزب البعث أو موقفه في جنيف 2". "ساعة وعشرون مع الشيخ نواف عبدالعزيز طراد الملحم - فيصل عزوز حاورتهم ربا الحجلي"، مقطع فيديو على يوتيوب، 1:21:18، نشره حساب قناة الإخبارية السورية، 18 كانون الثاني/يناير 2014،https://www.youtube.com/watch?v=cqnH3ZxOtVI
18 "إحصاءات سكانية 2011"، المكتب المركزي للإحصاء في سورية، 2011،http://www.cbssyr.sy/index-EN.htm
19 مقابلة أجراها المؤلفان مع شخصية بارزة محلية من دير الزور، اسطنبول، 14 تموز/يوليو 2015. 20 "شام ديرالزور القورية تشييع الشهيد علي مطر الحسين"، مقطع فيديو على يوتيوب، 3:36، 10 نيسان/أبريل 20133، نشر بواسطة شبكة شام،https://www.youtube.com/watch?v=XLQdpWdjsmo
21 انظر حساب محلي يطلق الاتهامات، نُشر على صفحة شبكة الثورة السورية على فايسبوك، 20 أيار/مايو 2013،https://www.facebook.com/Syrian.Revolution/posts/10152969303325727
22 يُعتبر اتحاد العقيدات العشائري استثنائي إذ يضمّ اثنين من بيوتات المشيخة، النجرس والهفل، نظراً إلى أنه تمّ تأسيسه في القرن الثامن عشر كاتحاد عشائر أصغر. انظر زكريا، عشائر الشام، ص.568.
23 في الواقع، تؤلف عشائر القرعان والبوحسن والبورحمة، العشائر الثلث في قبيلة العقيدات، (انظر زكريا، عشائر الشام، ص.569). كما أن سعود النجرس هو رئيس الثلث الأعلى.
24 مقابلة أجراها المؤلفان مع باحث سوري متخصص في النزاع في منطقة دير الزور، عبر سكايب، 27 كانون الأول/ديسمبر 2016.
25 في المقابل، اتّهم أنصار النجرس جماعات مقربة من النظام بقتل علي المطر وإلقاء اللوم على النجرس من أجل تغطية آثارهم وتقسيم الثورة عبر دفع جماعات معارضة للنظام بعيداً عن النجرس. انظر على سبيل المثال، الحجج التي تمّ تقديمها صفحة شبكة الثورة السورية على فايسبوك، 20 أيار/مايو 2013،https://www.facebook.com/Syrian.Revolution/posts/10152969303325727
26 ملخص الأحداث المذكورة في الفقرات الثلاث اللاحقة تستند إلى مقابلة أجريت مع مواطن من القورية، اسطنبول، تموز/يوليو 2015، إضافة إلى تصريح لسعود النجرس (صفحة أحرار دير الزور على فايسبوك، 18 آب/أغسطس 2013،https://www.facebook.com/A7rar.DeirEzzor/posts/161873424001723( وأيضاً ألكسندر أيوب، "أمراء "داعش".. 3 مؤهلات لـ"المبايعة""، صحيفة العربي الجديد، 15 تشرين الأول/أكتوبر 2014، https://www.alaraby.co.uk/investigations/bed2b867-053e-4971-8f8c-4a6ab3d2c1b8 وعلى الرغم من عدم إيجاد أي تغطية إعلامية لهذا  الموضوع، فإن أياً من المصادر المتعددة التي ذُكرت في هذا البحث لم تعترض على التسلسل الأساسي لأحداث واقعة اعتقال النجرس والإفراج عنه بعد قصف بلدة العشارة ذات الصلة هنا.
27 صفحة شبكة الثورة السورية على فايسبوك، 20 أيار/مايو 2013،https://www.facebook.com/Syrian.Revolution/posts/10152969303325727 زعم سكان من القورية بالتوازي بأنهم كانوا ناشطين في المراحل المبكرة غير العنيفة للثورة وبأنهم قبيلة هامة، مسلطين الضوء على واقع وجود تنافس بين البلدتين. انظر المصدر السابق.
28 Hussein Almohamad and Andreas Dittmann, “Oil in Syria between Terrorism and Dictatorship,” Social Sciences 5, no. 2 (May 17, 2016): 8.
29 مقابلة أجراها المؤلفان مع باحث سوري متخصص في النزاع في منطقة دير الزور، 15 كانون الثاني/يناير 2016.
30 مقابلة أجراها المؤلفان مع صحافي سوري يركز أعماله على منطقة دير الزور، عبر سكايب، 30 حزيران/يونيو 2016. تُرك موظفو شركة النفط الحكومية إلى حدّ كبير لمواصلة عملهم، حتى من قبل الجماعات الجهادية، ربما لأن كل الأحزاب المتنافسة على السيطرة أدركت أهميتهم في عملية استخراج النفط. علاوةً على ذلك، وعلى خلفية عدم قدرتهما على تكرير النفط لتوليد الطاقة بنفسيهما، أبرمت جبهة النصرة وفي وقت لاحق تنظيم الدولة الإسلامية اتفاقات مع النظام لشحن النفط إلى مناطق سيطرة النظام لقاء الاستحواذ على محافظة دير الزور. انظر أيضاً "نفط دير الزور.. من الثورة حتى تنظيم "الدولة الإسلامية"، إصدار خاص مجلة عين المدينة، آب/أغسطس 2015،http://www.3ayn-almadina.com/?p=6373,9
31 هذه هي الهيئة نفسها التي تمّت مناقشتها في القسم السابق، حيث ذُكر سعود النجرس. انظر أيضاً "نفط دير الزور"، مجلة عين المدينة، ص. 14.
32 مقابلة أجراها المؤلفان مع مسؤول إعلامي في مجموعة مسلحة في محافظة دير الزور، اسطنبول، 14 تموز/يوليو 2015. انظر أيضاً "نفط دير الزور"، مجلة عين المدينة، ص. 15.
33 فرقة البكير مهمة بما فيه الكفاية لدرجة أن سكان المنطقة يعتبرونها عشيرة مستقلة في مستوى البوشامل نفسه، ويعزى ذلك جزئياً إلى تاريخهم في مقاومة الفرنسيين. انظر زكريا، عشائر الشام، ص. 579؛ مقابلة أجراها المؤلفان مع باحث سوري متخصص في النزاع في منطقة دير الزور، عبر سكايب، 29 حزيران/يونيو 2016.
34 "إعدام هويدي الضبع "جوجو" في الميادين بريف دير الزور"، موقع All4Syria، 23 كانون الثاني/يناير 2014، http://all4syria.info/Archive/127312
35 "نفط دير الزور"، مجلة عين المدينة، آب/أغسطس 2015، ص. 17، http://www.3ayn-almadina.com/?wpdmdl=6514
36 المصدر السابق. انظر أيضاً خبر نشر على فايسبوك يؤكد وفاته، 20 كانون الثاني/يناير 2014،https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=211082502431072&id=140068466199143
37 انظر أيضاً "نفط دير الزور"، مجلة عين المدينة، ص. 33.
38 تقارير صحافية تشير غالباً إلى السكان في الشحيل على أنهم "من عشيرة البوشامل"، (انظر "قتلى بالعشرات وصلح عشائري يوقف القتال في ريف دير الزور"، موقع عنب بلدي، 7 نيسان/أبريل 2014، http://www.enabbaladi.org/archives/16472(; ويشير السكان المحليون أحياناً إلى عشيرة البكير كفرع مستقل تماماً عن العقيدات بمستوى البوشامل، (على الرغم من أنها تنزلق أحياناً إلى لغة تشمل البكير في البوشامل، التي تُعتبر تقنياً جزءاً منها). ولتخفيف الارتباك، نشير إلى فرع صالح الحمد من سكان الشحيل عند الحديث عن سكان البلدة خلافاً لسكان بلدات البكير الأخرى.
39 الرفدان، الذي لم يكن متديناً ولا متعلماً بل كان مهرباً في مدينة دير الزور قبل الثورة، عاد للانضمام إلى الجيش السوري الحر عندما اندلعت الثورة، ومن ثم انضمّ إلى جبهة النصرة قبل التحوّل إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. انظر أيوب، "أمراء "داعش".. 3 مؤهلات لـ"المبايعة"".
40 مقابلة أجراها المؤلفان مع شخصية بارزة من الشحيل، اسطنبول، 1 شباط/فبراير 2016.
41 تهكم تقرير صحافي قائلاً إن كسب ولاء الرفدان وجديد عقيدات كان إلى حدّ كبير تلقيح الدولة الإسلامية ضدّ هجمات فصائل البكير الأخرى، التي، على الرغم من أنها لن تحشد قواتها لمساعدة الرفدان، من المستبعد أن تهاجم أعضاء آخرين من القبيلة الفرعية. انظر أيوب، "أمراء "داعش".. 3 مؤهلات لـ"المبايعة"".
42 "نفط دير الزور"، مجلة عين المدينة، ص. 17.
43 لم يدعم سكان البصيرة أو جديد عقيدات كافة خطوة الرفدان ومقاتلين آخرين في الانضمام إلى الدولة الإسلامية. فقد حاول البعض الانضمام إلى الجيش السوري الحر، وسعى بعض وجهاء القبائل إلى التوسط بين متمردين آخرين والدولة الإسلامية خلال بدء أعمال القتال، لكنهم فشلوا في التوصل إلى قرار أو ردع الدولة الإسلامية عن إحضار الأسلحة والمقاتلين، وقياداته إلى بلداتهم. انظر "دير الزور... المعارضة على جبهتي النظام و"داعش""، صحيفة العربي الجديد، 10 حزيران/يونيو 2014، https://www.alaraby.co.uk/politics/a3ce5672-30cf-4c6c-9e22-7d6ce21fe083; وأيضاً ""داعش" يتقدم نحو البصيرة بريف دير الزور ومبادرة عشائرية لوقف القتال"، موقع All4Syria، 30 نيسان/أبريل 2014،http://www.all4syria.info/Archive/144615
44 "خلافات النصرة وداعش تتحوّل إلى إقتتال عشائري في دير الزور"، موقع النفير، 28 آذار/مارس 2014، http://www.annafir.com/syria/2014/03/28/1166; وأيضاً سيرين عبد النور، "قتلى بالعشرات وصلح عشائري يوقف القتال في ريف دير الزور"، موقع عنب بلدي، 7 نيسان/أبريل 2014، http://www.enabbaladi.org/archives/16472
45"هكذا يسيطر (داعش) على دير الزور ويحاصر البلدات الثائرة"، صحيفة العربي الجديد، 7 تموز/يوليو 2014، https://www.alaraby.co.uk/politics/48b9db89-3481-4d75--bc04-15cac2455123
46 زكريا، "عشائر الشام"، ص. 577.
47 "المتطرفون السوريون يحرقون قرية في دير الزور"، موقع RT، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2013، https://arabic.rt.com/news/631942-المعارضة_السورية_تحرق_قرية_في_دير_الزور/ أنتجت أحرار الشام مقطع فيديو يوثّق هذا  الاعتقال، انظر "الشيخ مهنا فياض الناصر عضو مجلس الشعب في دير الزور احد مشايخ البوسرايا"، مقطع فيديو على يوتيوب، 0:58، نشره حساب المرصد السوري لحقوق الإنسان، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2013، https://www.youtube.com/watch?v=J3PexISGOmw
48 مقابلة أجراها المؤلفان مع باحث سوري متخصص في منطقة دير الزور، اسطنبول، 15 نيسان/أبريل 2016، وعبر سكايب، 27 كانون الأول/ديسمبر 2016.
49 مقطع فيديو يظهر اللقاء الذي جمع بين أبو عبدالله الشمري وقادة تقليديين في كانون الأول/ديسمبر 2014، تم إرسال الفيديو في مراسلة شخصية، 2 شباط/فبراير 2016.
50 وردت هذ التسمية في المنشورات التي وزّعها تنظيم الدولة الإسلامية لتحذير المجتمعات المحلية من مغبّة المبادرة إلى تنظيم المعارضة ضد التنظيم. انظر: عبد النور، "قتلى بالعشرات وصلح عشائري يوقف القتال في ريف دير الزور".
51 أبو دجانة الزر، القيادي العسكري الأبرز في صفوف داعش... من العسكرة إلى النفط، دير الزور، 12 آب/أغسطس 2015، http://deirezzor24.net/?p=2785
52 "ديرالزور: بيعة شيخ البوعزالدين يقوده ابو دجانة الزر واحد المهاجرين السعوديين"، مقطع فيديو على يوتيوب، 4:44، نشر بواسطة حساب "داعش خوارج بالدليل الشرعي"، 31 كانون الأول/ديسمبر 2014، https://www.youtube.com/watch?v=ncVPyUKo6bw; للحصول على مزيد من مناقشات أبو عبدالله، انظر: Michael Weiss and Hassan Hassan, ISIS: Inside the Army of Terror (New York: Regan Arts, 2015), 207.
53 مقطع فيديو يظهر اللقاء الذي جمع بين أبو عبدالله الشمري وقادة تقليديين في كانون الأول/ديسمبر 2014، تم إرسال الفيديو في مراسلة شخصية، 2 شباط/فبراير 2016.
54 "حوار اليوم – د. طالب ابراهيم، ابراهيم الداير، المقاومة الشعبية في قبيلة الشعيطات، مقطع فيديو على يوتيوب لنشرة أخبار التلفزيون السوري الرسمي، 38:54، نُشر بواسطة "كلام سياسي"، 28 آب/أغسطس 2014، https://www.youtube.com/watch?v=O6AlSg9Kzt0
55 "الجيش يوسع أمان مطار دير الزور و«العشائر» يتطوعون تحت لوائه"، موقع الماسة السورية، 15 كانون الأول/ديسمبر 2014،http://syrianmasah.net/arabic/articaldetails49277.html
56 Aron Lund, “Syria’s Kurds at the Center of America’s Anti-Jihadi Strategy,” Diwan (blog), Carnegie Middle East Center, December 2, 2015, http://carnegie-mec.org/diwan/62158?lang=en.
57 Aron Lund, “After Murky Diplomacy, Turkey Intervenes in Syria,” Diwan (blog), Carnegie Middle East Center, August 24, 2016, http://carnegie-mec.org/diwan/64398.
58 أمين محمد، "معركة الشدادة السورية لتحرير آخر معاقل "داعش" في الحسكة"، صحيفة العربي الجديد، 20 كانون الأول/ديسمبر 2015،https://www.alaraby.co.uk/politics/2015/12/19/معركة-الشدادة-السورية-لتحرير-آخر-معاقل-داعش-في-الحسكة
59 انظر زكريا، "عشائر الشام"، ص. 617.
60 "الصناديد العربية" بين التحالف مع الكرد وأحلام إمارة شمرية، موقع عربي 21، 7 نيسان/أبريل 2015، http://arabi21.com/story/822539/الصناديد-العربية-بين-التحالف-مع-الكرد-وأحلام-إمارة-شمرية أفاد أفراد من قبيلة شمّر عن تعرضهم للطرد والسجن على يد قوات الصناديد، والمسمى سابقاً "جيش الكرامة"، لدعمهم الثورة. انظر أيضاً "بسيف "فارسي": "الصناديد" أول مليشيا عشائرية لذبح السوريين"، موقع أورينت نت، 3 آذار/مارس 2015، http://orient-news.net/ar/news_show/85587
61 مقابلة أجراها المؤلف مع زعيم محلي من قبيلة الشرابية في محافظة الحسكة، عبر سكايب، 1 شباط/فبراير 2016. 62"بسيف "فارسي": "الصناديد" أول مليشيا عشائرية لذبح السوريين"، موقع أورينت نت، http://orient-news.net/ar/news_show/85587
63 "الشبيح محمد الفارس يشكر قيادي في حزب الله على إنشاء مليشيا المغاوير في الحسكة"، مقطع فيديو على موقع يوتيوب، 4:48، نشره حساب كونت القامشلي، 15 أيلول/سبتمبر 2015،https://www.youtube.com/watch?v=wsdmqWuytrk
64 ""قوات المغاوير" جديد معارك الحسكة ودير الزور"، صحيفة الأخبار، 16 آذار/مارس 2015،http://al-akhbar.com/node/229459
65 "الأبطال المتطوعون مع الجيش السوري للقتال ضد داعش في محافظة دير الزور"، مقطع فيديو على موقع يوتيوب، نقلاً عن قناة الميادين، 2:05، نشره حساب Syria HD، 24 كانون الأول/ديسمبر 2014، https://www.youtube.com/watch?v=H8dXaBhNOTI