Wednesday, February 5, 2020

الاستمرارية مقابل التجاوز في خطة ترامب للسلام (الجزء 1): الحدود والقدس

الاستمرارية مقابل التجاوز في خطة ترامب للسلام (الجزء 1): الحدود والقدس
المرصد السياسي 3255

الاستمرارية مقابل التجاوز في خطة ترامب للسلام (الجزء 1): الحدود والقدس

 4 شباط/فبراير 2020
تمثل خطة السلام الأمريكية التي تمّ الإعلان عنها حديثاً تحولّاً مهمّاً للغاية لصالح وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية الحالية، خاصةً إذا قورنت بثلاث مبادرات أمريكية سابقة: (1) أطر خطة كلينتون في كانون الأول/ديسمبر 2000، (2) "عملية أنابوليس" لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في 2007-2008، و (3) مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 2013-2014. والرسالة واضحة: أن إدارة ترامب لن تستمر بتلطيف بنود الخطة مع كل رفض من الجانب الفلسطيني، وهو انتقاد وجهه البعض إلى الجهود الأمريكية السابقة.
ومع ذلك، تثير الخطة الجديدة أسئلة مقلقة خاصة بها. هل ستثبت بنودها بأنها غير مؤاتية للدولة الفلسطينية المقترحة بحيث لا يمكنها أن تكون بمثابة أساس لمزيد من المفاوضات؟ وهل أن تجاوز مماثل سيمكّن رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس من التأثير على الدول العربية التي أشارت إلى أنها تريد منح الاقتراح الأمريكي فرصةً، لإقناعها بمعارضته؟ وإذا كان الأمر كذلك، فقد تنتهي الخطة بإدامة المأزق الدبلوماسي الحالي وتُمهد الطريق لواقع الدولة الواحدة الذي يتعارض مع هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
وسيتناول هذا المرصد السياسي المكوَّن من جزأين هذه الأسئلة من خلال دراسة كيفية مقارنة خطة ترامب بالمبادرات الأمريكية السابقة عندما يتعلق الأمر بقضايا الوضع النهائي الأساسية الخمسة للصراع. ويركز الجزء الأول على قضيتين: الحدود والقدس. وسوف يتناول الجزء الثاني، بقلم زميل معهد واشنطن غيث العمري، قضايا الأمن واللاجئين ومسار الخطابات.
الحدود
هل لا يزال الخط الأخضر أساس حسابات الأراضي؟ ارتكزت اتفاقات السلام الثلاثة السابقة على الخط الأخضر (أي حدود ما قبل عام 1967) كأساس للحسابات، واقترحت حصول الفلسطينيين على ما بين 97٪ من الضفة الغربية (في أطر خطة كلينتون) إلى حوالي 100٪. وكان يمكن تحقيق هذه الأرقام من خلال "مقايضة الأراضي" - كانت إسرائيل ستضم بعض الكتل الاستيطانية حيث يعيش معظم المستوطنين الإسرائيليين، وإلى حد كبير (ولكن ليس حصرياً) بجوار الخط الأخضر وداخل الجدار الأمني ​​في الضفة الغربية؛ وفي المقابل، كانت ستمنح الفلسطينيين مساحات معادلة من الأراضي من الجانب الإسرائيلي من الخط الأخضر. وخلال "عملية أنابوليس"، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على فكرة تبادل الأراضي بنسبة 1:1 تقريباً، تضم إسرائيل بموجبها ما يتراوح بين 5.8٪ إلى 6.1٪ من الضفة الغربية، ولكنها تقوم بمبادلة مساحة أقل بـ 0.5٪ من الأراضي الإسرائيلية. وخلال مبادرة كيري، كانت "السلطة الفلسطينية" تعتمد على شروط أفضل، لكن المحادثات لم تصل إلى هذه النقطة.
ولا تستخدم خطة ترامب الخط الأخضر كنقطة مرجعية على الإطلاق، وبالتالي فإن فكرة تبادل الأراضي بنسبة 1:1 بالاستناد إلى هذا المقياس أصبحت الآن موضع جدل. وتم ذكر المقايضات في الخطة، لكنها غير متكافئة، وكان من شأنها أن تشمل كسب إسرائيل المزيد من المناطق الإضافية داخل الضفة الغربية.
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن إدارة ترامب قد وصفتها بأنها "حدود مفاهيمية" يمكن التفاوض بشأن تفاصيلها، مما يعني أن بإمكان "السلطة الفلسطينية" اقتراح بدائل. وغالباً ما تكون مقاربة الرئيس الأمريكي تجاه هذا النوع من الصفقات مصممة لتبدأ بالموقف الأكثر تصلباً لتنتقل بعدها إلى موقف وسطي.
ما هي المساحة المخصصة من الضفة الغربية؟ كما سيظهر في "مشروع المستوطنات والحلول التفاعلية الذي أعده معهد واشنطن"، تقترح خطة ترامب إقامة دولة فلسطينية تضمّ نحو 67٪ من الضفة الغربية (أي 3،907 كيلومتر مربع من مساحتها التي تبلغ 5،834 كيلومتر مربع). ويرتفع هذا الرقم إلى نحو 71٪ عندما نضيف إليه مساحة 259 كيلومتراً مربعاً من مناطق التبادل المقترحة من إسرائيل المتاخمة للضفة الغربية. وعلى وجه التحديد، ستشمل الدولة الفلسطينية ثلاثة مجتمعات عربية إسرائيلية في المنطقة الشمالية الغربية تسمى المثلث، وهي: عرعرة، أم الفحم، وباقة الغربية، وجميعها متاخمة للضفة الغربية.
وتُقر خطة ترامب أن مبادلة هذه المنطقة تتطلب موافقة "الطرفين" - وهي صيغة غامضة من المفترض أنها تعني إسرائيل والفلسطينيين، لكنها لا تذكر ما يقرب من109,000  من عرب إسرائيل الذين يعيشون في هذه المجتمعات الثلاث. وفي الأيام التي تلت إصدار الخطة، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا يفكر في هذا الخيار، خوفاً على ما يبدو من ردود الفعل العربية داخل إسرائيل وخارجها عشية الانتخابات الإسرائيلية.
وبالإجمال، سيحصل الفلسطينيون على 83٪ من الأراضي مجتمعة. وهذا يعني 5،152 كيلومتراً مربعاً من مساحة قدرها 6،195 كيلومتراً مربعاً تشمل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية والربع الشمالي من البحر الميت ونصف مساحة "الأرض المحايدة" بالقرب من القدس ومناطق التبادل.
أين ستكون نقطة الانطلاق في موضوع الأراضي؟ تنطلق خطة ترامب من مبدأ عدم إرغام أي مستوطن إسرائيلي أو فلسطيني على مغادرة منزله. وهذا يعني أن جميع المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في 128 مستوطنة في الضفة الغربية والبالغ عددهم 449،000 نسمة سوف يبقون في أماكنهم. وتحتوي خمسة عشر من المستوطنات على ما يقرب من14,000  شخص وقد تتواجد في جيوب منفصلة في دولة فلسطينية، مع تجميد مؤقت لتوسعها الخارجي لمدة أربع سنوات ينظر خلالها الفلسطينيون في ردهم على الخطة الأمريكية.
إن التناقض مع المبادرات السابقة أمر ملحوظ. وحتى الآن، تمّ افتراض أن المكاسب الرئيسية لإسرائيل قد تتمحور حول الكتل الواقعة على مقربة من الخط الأخضر والحاجز الأمني، أي 51 مستوطنة تشكّل 8٪ من الضفة الغربية وهي أماكن سكن لـ 345،000 مستوطن (أو 77٪ من مجموع سكان المستوطنين). وعندما يأخذ المرء دور عامل القدس الشرقية، يرتفع الرقم إلى حوالي 660،000 إسرائيلي (أو 85٪ من جميع الإسرائيليين المتأثرين) في نفس المساحة تقريباً من الأرض (لم تَحسب إسرائيل سكان القدس الشرقية كمستوطنين منذ أن ضمت المدينة).
ولكن بموجب خطة ترامب، ستضم إسرائيل أيضاً المستوطنات من خارج التجمعات التي تنتشر بعيداً عن الخط الأخضر - وإجمالاً، 77 مستوطنة إضافية تقع خارج الجدار الأمني ​​وتضم 104,000 إسرائيلي. وبالإضافة إلى إقامة دولة فلسطينية مجزأة بشكل كبير، سيزيد هذا الاقتراح من إجمالي حصة إسرائيل في الضفة الغربية من 8٪ إلى 31٪. علاوة على ذلك، سيبقى 3٪ من السكان الفلسطينيين يعيشون تحت السيادة الإسرائيلية، من بينها مجتمعات بني نعيم وقبية ورنتيس وشقبة وكفر قدوم وحجه وإماتين.
ولتوضيح هذه المقترحات، أصدرت الإدارة الأمريكية أيضاً "خريطة مفاهيمية". ولم تصدر الحكومة الأمريكية علناً خريطة تتضمن خطط السلام السابقة، معتقدة أن مثل هذه التفاصيل الخاصة بالأراضي كانت متروكة للأطراف للتفاوض. وفي حفل إزاحة الستار عن الخطة في البيت الأبيض في 28 كانون الثاني/يناير، صرح الرئيس ترامب بأن نتنياهو طرح الخريطة الحالية، وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها أي زعيم لحزب الليكود هذه الخطوة. وخلال مبادرة كيري، رأى نتنياهو أي خريطة كدينامية سياسية يمكن أن تؤدي إلى تنفير [الوزراء الذين يمثلون] المستوطنين في ائتلافه، وخاصة أولئك الذين عاشوا خارج الحدود المقترحة. من المحتمل أنه يعتقد أن إدراج الخريطة هذه المرة يعوّض المبدأ المعلن للخطة وهو أنه لن يتم نقل أي شخص من منزله.
هل من تغييرات في غور الأردن؟ خلال جولات إحلال السلام السابقة، شددت إسرائيل على رغبتها في الحفاظ على سيطرتها الأمنية على الحدود مع الأردن، ليس فقط لمنع تهريب المواد والأفراد، ولكن أيضاً بسبب المخاوف الاستراتيجية الناجمة عن الهجمات العسكرية التي واجهتها على تلك الجبهة في حروب عامي 1948 و 1967. وافترضت الإدارات الأمريكية السابقة أن إسرائيل لن توافق أبداً على تواجد فلسطيني يعمل على حراسة تلك الحدود - تركزت جهود [خطتي] كلينتون وأنابوليس على القوات متعددة الجنسيات التي تلعب هذا الدور، في حين اقترح جهد كيري القوات الأمريكية. ويمضي نهج ترامب إلى أبعد من ذلك، حيث يمنح إسرائيل السيادة الكاملة على معظم وادي الأردن. إن ذلك سيحرّم الفلسطينيين من أي حدود مع الأردن، مما يعني أن إسرائيل ستطوق الدولة الجديدة بشكل فعال وتحدد من يدخل إليها ومن يغادرها.
القدس
التقسيم الجغرافي والوضع السياسي. على غرار المبادرات الأمريكية السابقة، تتصور خطة ترامب أن تكون القدس مدينة غير مقسمة جغرافياً. وركزت الخطط السابقة إلى حد كبير على فكرة مدينة موحدة جغرافياً ذات سيادة مقسّمة: إسرائيل قد تسيطر على الأحياء اليهودية في المنطقة المعروفة رسمياً بالقدس الشرقية، في حين قد تصبح الأحياء العربية جزءاً من الدولة الفلسطينية. ومع ذلك، تتباين تفاصيل خطة ترامب بشدة حول المسألة الأخيرة.
من ناحية، تمثل الخطة الجديدة المرة الأولى التي تعلن فيها الإدارة الأمريكية أنه لا بدّ من قيام عاصمة فلسطينية داخل الطرف الشمالي من الحدود البلدية للقدس الإسرائيلية، وأن الولايات المتحدة ستقيم سفارة منفصلة في هذه العاصمة، وستشجع الدول الأخرى القيام بالشيء نفسه. ومن ناحية أخرى، تنص الخطة على أن تبقى القدس عاصمة لإسرائيل وأنه سيتمّ التنازل عن قسم كبير من المدينة لصالح إسرائيل، مشيرةً إلى أن "العاصمة السيادية لدولة فلسطين يجب أن تقوم ضمن القسم من القدس الشرقية الواقع في جميع المناطق شرق وشمال الجدار الأمني القائم، بما فيه كفر عقب، والقسم الشرقي من شعفاط‎ وأبو ديس" (ص 17). كانت كل من كفر عقب وشعفاط (مخيم للاجئين) من بين ثمانية وعشرين قرية فلسطينية مدرجة ضمن الحدود البلدية للقدس عندما وسعتها إسرائيل بمقدار 70 كيلومتراً مربعاً بعد حرب عام 1967. وتضم هذه المنطقة التي يطلق عليها "الأرض المحايدة" 56,000 فلسطيني من القدس و 70،000 فلسطيني من الضفة الغربية خارج الجدار الأمني.
وإجمالاً، من شأن الصياغة التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية أن تمنح إسرائيل سيادة على مناطق القدس الشرقية التي يقطنها حوالي 294,000  فلسطيني. ويعيش بعض هؤلاء الأفراد في أحياء فلسطينية حصرية مثل بيت حنينا في الشمال وجبل المكبر في الجنوب، لذلك من اللافت للنظر أن الحدود المفاهيمية للخطة لا تعالج هذه الحقيقة الديموغرافية. بدلاً من ذلك، توفر الخطة الفرصة لهؤلاء الفلسطينيين ليصبحوا مواطنين في إسرائيل أو في دولة فلسطين، أو مجرد احتفاظهم بوضعهم كمقيمين دائمين في إسرائيل.
الأماكن المقدسة. تُعتبر خطة ترامب غامضة بعض الشيء بشأن قضية الأماكن الدينية الحساسة للغاية في مدينة القدس. فهي لا تتطرق صراحةً إلى سيادة إسرائيل، كما أنها لا تذكر الإدارة اليومية للأردن على المقدسات الإسلامية كما هو موضح في معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. وبعد أن مدحت الخطة الثناء على إسرائيل لضمانها النفاذ إلى الأماكن الدينية، نصت على ما يلي:
"نعتقد أن هذه الممارسة يجب أن تبقى قائمة، وأن جميع الأماكن المقدسة في القدس يجب أن تخضع لأنظمة الوحكمة ذاتها القائمة اليوم. وعلى وجه الخصوص، ينبغي أن يستمر الوضع الراهن في جبل الهيكل/الحرم الشريف دون انقطاع. فالأماكن المقدسة في القدس يجب أن تبقى مفتوحة ومتاحة للمصلين المسالمين والسياح من جميع الديانات. يجب السماح للأشخاص من جميع الأديان بالصلاة في جبل الهيكل/الحرم الشريف بطريقة تحترم احتراماً تاماً دينهم، مع مراعاة أوقات صلاة كل دين وأيامه، وكذلك العوامل الدينية الأخرى" (ص 16).
ويتمخض استنتاجان عن هذا المقطع. أولاً، بالنظر إلى العلاقة القريبة للرئيس ترامب بالقيادة السعودية، خشيت الحكومة الأردنية من أن تسعى الخطة الأمريكية إلى نقل الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس من عمّان إلى الرياض. لكن ثبت أن هذا الخوف لا أساس له. ثانياً، سيتمّ تفسير عبارة السماح للمصلين من جميع الديانات بالصلاة هناك على أنها تشمل اليهود، رغم أنه بدا أن المسؤولين الأمريكيين قد تراجعوا عن هذا الرأي بعد أن تم إصدار الخطة.
الخاتمة
تشير أطر خطة ترامب حول الحدود والقدس إلى أن الإدارة الأمريكية قد غيّرت موقف الولايات المتحدة بشكل كبير لصالح الحكومة الإسرائيلية الحالية. وفي إطار السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فإن مزيج من مقاربة أمريكية جديدة صارمة والانفتاح المبدئي للدول العربية للنظر في الخطة كنقطة انطلاق، قد يحث الفلسطينيين على الاعتراف بأن الوقت ليس في صالحهم، وربما يدفع الطرفين إلى استئناف المحادثات وإيجاد حلول وسط مناسبة. وفي إطار سيناريو أقل تفاؤلاً، يثبت الغضب الفلسطيني تجاه الخطة أنه كبير للغاية بحيث لا يمكن تبديده، كما أن الضم الإسرائيلي أحادي الجانب في الضفة الغربية ينتج معارضة دولية واسعة للخطة، وينهي أساساً أي احتمالات على المدى القريب للتفاوض أو حل الدولتين.
لقد بدا الرئيس عباس معزولاً في المنطقة قبل الإعلان عن الخطة، غير أن اجتماع الجامعة العربية في الأول من شباط/فبراير في القاهرة واجتماع "منظمة التعاون الإسلامي" في جدة في 3 شباط/فبراير ربما يكون قد غير ذلك بعض الشيء. وخلال المرحلة القادمة، قد يكون قادراً على تصوير التغيير الذي أجرته الإدارة الأمريكية على القضايا الأساسية وكأنه تجاوز أمريكي، وإسكات النقاد العرب الذين ملّوا من الشلل الطويل الأمد للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في معهد واشنطن ومبادر التدوين الصوتي باللغة الانكليزية "نقاط القرار: العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل".

Wednesday, March 27, 2019

هل تقوّض السياسة الإسرائيلية مساعي كوشنر للسلام؟

هل تقوّض السياسة الإسرائيلية مساعي كوشنر للسلام؟

صفحات رأي ومقالات

هل تقوّض السياسة الإسرائيلية مساعي كوشنر للسلام؟

 "بوليتيكو"
19 آذار/مارس 2019
قد تؤدي لائحة الاتهام الأولية الصادرة عن المدعي العام الإسرائيلي المؤلفة من 55 صفحة والتي تربط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بثلاث تهم فساد إلى إلحاق أضرار جانبية: فقد تهدد خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط. 
وحتى الآن، افترض الكثيرون أن نتنياهو قد يفوز في الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 9 نيسان/أبريل، وأن خطة ترامب التي طال انتظارها - وهي محاولة لإبرام ما وصفه الرئيس الأمريكي بـ"صفقة القرن" - قد يتم طرحها بعد فترة وجيزة. ونظراً للعلاقة الوطيدة التي تجمع ترامب ونتنياهو، يبدو من المؤكد أن الخطوط العامة للخطة ستناسب رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى لو قد يعترض على بعض عناصرها.  
غير أن الآمال لم تكن أبداً كبيرة، سواء في واشنطن أو في الشرق الأوسط، في تمكُّن ترامب من إحراز تقدّم جيّد لم يستطيع العديد من الرؤساء الأمريكيين تحقيقه سابقاً. ومع ذلك، لطالما أوعز هذا الرئيس الجديد إلى معاونيه بأن يسعوا إلى تحقيق هذا الجهد، حتى في الوقت الذي انتقد فيه قادة المنطقة ومثقفيها مساعي السلام التي يقوم بها باعتبارها غير واقعية وأحادية الجانب وفي غير أوانها، أو ما هو أسوأ من ذلك.   
لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه ترامب قد يتمثل في الرياح السياسية المتغيرة في إسرائيل. فلا يمكن لرئيس وزراء تحمّل المخاطر الكبيرة المطلوبة للسلام إذا لم يكن قوياً، لكن نتنياهو يكافح من أجل تخطي بضعة أسابيع صعبة. أولاً، اندماج حزبان من الوسط، شمل انضمام غير مسبوق لثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين بإمكانهم إبطال ميزة نتنياهو في مجال الأمن القومي الذي يكتسي أهمية كبيرة. ويترأس هذا الحزب الجديد "أزرق أبيض" رئيس الأركان السابق لـ "جيش الدفاع الإسرائيلي" بيني غانتس، الذي تقدّم فجأة على نتنياهو في استطلاعات الرأي. ثانياً، شكّلت لائحة الاتهام الأولية الصادرة عن المدعي العام بحق رئيس الوزراء سحابة قانونية تطال نتنياهو. وقد يكون أمام غانتس فرصة فعلية لعزل نتنياهو، على الرغم من أن رئيس الوزراء الحالي قد كثف حملاته الانتخابية بشكل مستمر خلال الأسابيع الأخيرة وأبطل تقدّم غانتس. كما أن نتنياهو واثق من إمكانيته جمع ائتلاف أغلبية بسهولة أكبر. ومع ذلك، حتى لو فاز في نيسان/أبريل، ستؤرق القضية القانونية مستقبل نتنياهو السياسي لعدة أشهر قادمة.             
هذا وتؤثر المواجهة بين غانتس ونتنياهو أساساً على الحسابات الأمريكية قبل إطلاق الخطة. فخلال مؤتمر حول الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة عُقد مؤخراً في وارسو، أعلن صهر الرئيس ترامب ومستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر أن الولايات المتحدة لن تُطلق الخطة إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية. ويقوم كوشنر، الذي كلّفه ترامب بإدارة المفاوضات، بالتشاور مع القادة العرب حول الأبعاد الاقتصادية للخطة، آملاً في أن تغطي دول الخليج الأكثر ثراءً تكاليف تركيز الاقتراح على التنمية في المنطقة. وبالطبع، من غير المحتمل أن تُقدم دول الخليج على هذه الخطوة قبل الاطلاع على المزيد من الجوانب الحساسة من الخطة فيما يتعلق بقضايا مثل القدس والحدود.   
ومع ذلك، فإن مجرد قيام كوشنر، خلال مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، بالتذكير بأن الخطة ستتعامل مع مسألة "الحدود" كان كافياً لزعزعة السياسة الإسرائيلية. واعتبر أبرز منافسي نتنياهو في معسكر اليمين، وزير التربية نفتالي بينيت، هذا التلميح بمثابة مؤشر على إقامة دولة فلسطينية وأطلق حملة انتقادات واسعة يتهم فيها رئيس الوزراء بأنه سيخضع لترامب بعد الانتخابات. ويمكن للمرء أن يتوقّع عدم إجراء كوشنر الكثير من المقابلات المستقبلية المماثلة من الآن وحتى نيسان/أبريل.   
وفيما يلي ثلاث نتائج محتملة للانتخابات، علماً بأن أياً منها لا يبشر بالخير لخطة السلام: 
الخيار الأول: فوز نتنياهو وميله إلى اليمين بسبب تركيبة الانتخابات القائمة على تعدد الأحزاب. إذا حدث ذلك، قد يتقلّص المجال المتاح أمامه للتوصل إلى حلول وسط بشكل أكبر. فمن جهة، سيعتبر انتصاره بمثابة تبرئة شخصية من المشاكل القانونية التي يواجهها. ومن جهة أخرى، لنتنياهو خصوم في معسكر اليمين، بمن فيهم الحزب الذي يقوده بينيت وآخر بقيادة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان. وفي وقت لا يزال إصدار لائحة اتهام نهائية بحقه يلوح في الأفق، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى أي مدى يمكن أن يتوقّع أن يتم دعمه من قبل هؤلاء المنافسين؟ من المرجح أن يتحوّل ميزان القوى داخل الائتلاف بعيداً عن نتنياهو طالما تستمر السحابة القانونية في الحوم حوله - مما يترك مصيره السياسي بين أيدي خصومه الذين يعتبرون أن أفكار ترامب تحمل الكثير من المجازفة بالنسبة لإسرائيل.  
الخيار الثاني: فوز نتنياهو ولكن ميله إلى معسكر الوسط. ثمة تكهنات باحتمال قيام نتنياهو باستخدام عرض خطة ترامب بعد الانتخابات لتوسيع المجال السياسي في الوسط - بحيث يعيّن غانتس وزيراً للدفاع والزعيم الآخر في حزب "أزرق أبيض" الوسطي يائير لبيد وزيراً للخارجية. فضلاً عن ذلك، قد يساهم تركيز وسائل الإعلام على خطة السلام في تشتيت انتباه الشعب عن مشاكل نتنياهو القانونية. ومع ذلك، صرّح غانتس بأنه لن ينضم إلى الائتلاف نفسه مع نتنياهو. وإذا وفى بوعده، فإن ما كان يعتبر في السابق السيناريو الأكثر ترجيحاً قد ذهب أدراج الرياح - على الأقل في الوقت الراهن. 
الخيار الثالث: فوز غانتس بفارق كبير وإقامته ائتلافاً معتدلاً من أحزاب اليسار-الوسط، مع احتمال انضمام بعض الأحزاب اليهودية المتشددة للغاية. (ولم يستبعد غانتس أيضاً ضمّ حزب "الليكود" كشريك صغير طالما يتمّ استبعاد نتنياهو). من الناحية النظرية، يجب أن تسرّ هذه المقاربة ترامب إذ سيكون هذا الائتلاف قائماً على التوافق مع واشنطن والشركاء الفلسطينيين. ومع ذلك، ولهذا السبب بالذات، من غير المرجح أن يدعم غانتس خطة سلام لم تتسن له فرصة رسم معالمها، كما أتيحت لنتنياهو خلال الفترة الماضية التي تجاوزت العامين الأخيرين. سيتعين على الولايات المتحدة التشاور مع غانتس الذي قد لا يتولى منصبه قبل أواخر الربيع. 
من جهة، من المرجّح أن ينجذب غانتس - على غرار نتنياهو - إلى تركيز ترامب الإقليمي على الدول العربية، وهي فكرة مصممة لكي تُظهر للإسرائيليين ما سيكسبونه وليس فقط ما سيتنازلون عنه لقاء الوعد بالسلام. وفي الوقت نفسه، لن يرغب غانتس الذي يتوخى الحذر في قيام ترامب بطرح أمر من المرجح أن يرفضه الفلسطينيون، كما يبدو عليه الحال بسبب التوقعات بفرض شروط تعود بفائدة أقل على الفلسطينيين من تلك التي اقترحها بيل كلينتون عام 2000 ووسط تدهور العلاقات بين واشنطن ورام الله منذ أن نقل ترامب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في كانون الأول/ديسمبر 2017. 
أما بالنسبة لغانتس، فإن محاولة المغامرة بكل شيء وحل النزاع برمته كما يفضّل ترامب لن تكون نقطة إيجابية في صالحه إذا كانت النتيجة هي الفشل. فهو يعتقد أنه من الأفضل إحراز تقدّم مع الفلسطينيين، على الرغم من أنه أعرب عن تشاؤمه من احتمال إبرام اتفاق كبير في الوقت الراهن. وفي المقابل، قد يفضّل البعض ضمن معسكر اليمين الإسرائيلي فشل خطة ترامب اذا اعتقدوا أن اللوم برفضها سيلقى على الفلسطينيين وأن بإمكانهم جني ثمار غضب ترامب على الفلسطينيين من خلال ضم أجزاء رئيسية من الضفة الغربية وسط احتجاجات طفيفة من واشنطن.     
إن أي من هذه النتائج الانتخابية الثلاثة قد تضيف شكوكاً جديدة حول قابلية تطبيق الاقتراح. فلطالما كانت خطة ترامب للسلام طريقاً شاقاً، لكن المسار يبدو أكثر حدة في الوقت الحالي. 

ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير "مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن. وقد شغل سابقاً منصب مستشار سياسي بارز في مكتب وزير الخارجية الأمريكي.

Thursday, February 28, 2019

حملة الانتخابات الإسرائيلية: سرد لوجهة نظر الفريقين المتنافسين

حملة الانتخابات الإسرائيلية: سرد لوجهة نظر الفريقين المتنافسين
المرصد السياسي 3084

حملة الانتخابات الإسرائيلية: سرد لوجهة نظر الفريقين المتنافسين

 22 شباط/فبراير 2019
في 21 شباط/فبراير، أعلن حزبان وسطيان رئيسيان في إسرائيل - هما فصيل "مناعة لإسرائيل" بزعامة بيني غانتس وحزب "ييش عتيد" (هناك مستقبل) برئاسة يائير لابيد - عن اندماجهما، مما زاد من الشعور بأن الانتخابات الإسرائيلية متعددة الأحزاب المشهورة  في انقساماتها، ستكون هذه المرة سباقاً بين حزبين، بالإضافة إلى أحزاب أخرى هامشية. ويجمع الحزب المشترك الجديد، تحت اسم "أزرق أبيض" في إشارة وطنية إلى علم إسرائيل، ثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، وهم: غانتس وموشيه يعالون وغابي أشكنازي. وعلاوة على ذلك، تحتدم المنافسة بين غانتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول من هو الأنسب لقيادة البلاد، وهذا تحدٍ لم يواجهه هذا الأخير في أي من الانتخابات الثلاثة الأخيرة التي فاز بها.
وقد تؤدي هذه التطورات إلى قلب الخطة الأصلية لنتنياهو رأساً على عقب، والتي يبدو أنها ترتكز على منح غانتس حقيبة رفيعة المستوى في حكومته إذا ما فاز حزب "الليكود" في انتخابات 9 نيسان/أبريل. والآن بعد أن رأى الحزب الوسطي نفسه كمنافس حقيقي لحزب "الليكود"، من المرجح أن يقوم كل من لابيد ويعالون بالضغط على غانتس لكي يعلن عن عدم انضمامه إلى حكومة نتنياهو إذا ما فاز رئيس الوزراء مرة أخرى. ولزيادة الطين بلة، قد يوصي المدّعي العام أفيشاي ماندلبليت بتوجيه اتهامات بالفساد ضد نتنياهو في الأسبوع المقبل.
سرد حزب "أزرق أبيض": نتنياهو هو مقسِّم
من المرجح أن يحاول غانتس وحلفاءه الجدد جعل الانتخابات استفتاءً على قيادة نتنياهو. فانتقادهم الأساسي هو أنه يحرّض الإسرائيليين ضد بعضهم البعض لكي يحقق مكاسب إنتخابية قصوى، مع إعطائه الأولوية لقاعدته ولبقائه السياسي الشخصي فوق وحدة البلاد. ويبدو أنهم يأملون أن يؤدي الحماس الشعبي المتعلق باندماجهم إلى توليد شعور بالزخم الذي من شأنه أن ينمو إذا أعلن ماندلبليت أنه بدأ عملية الاتهام بأي من تُهم الفساد المختلفة الموجهة ضد نتنياهو.
وبما أن هذا السرد سيعفي إلى حد كبير حزب "أزرق أبيض" من تركيز برنامجه على قضايا السلام المتعلقة بالفلسطينيين، فقد يأمل الحزب في جذب بعض المرشحين على الأقل من الذين يميلون إلى اليمين إلى قائمة الكنيست التي يقترحها (في النظام البرلماني الإسرائيلي، يتم التصويت لصالح الأحزاب، وليس الأفراد). ويمكن لهذا المزيج المحتمل الذي يتألف من قائمة مختلطة من المرشحين، وقادة أحزاب ذوي مؤهلات أمنية رئيسية، وتركيز مواضيعي على الوحدة، أن يستقطب شريحة رئيسية من الناخبين الإسرائيليين، ألا وهي: "اليمين غير المتطرف". ووفقاً لـ "معهد الديمقراطية الإسرائيلي"، فإن 63٪ من الأغلبية اليهودية في البلاد تعرّف نفسها حالياً على أنها متموضعة في مكان ما على الجانب الأيمن من الطيف السياسي، لذلك هناك العديد من الأصوات التي يمكن الحصول عليها في هذا الجانب.
سرد حزب "الليكود": التغيير مجازفة كبيرة
لا شك أنّ نتنياهو يفهم جاذبية هذه الاستراتيجية الناشئة التي يتبعها حزب "أزرق أبيض". إذ تكمن النجاحات السابقة لرئيس الوزراء في قدرته الغريبة على وصف كل انتخابات على أنها تفويض من أجل التصدي للأخطار التي تهدد أمن إسرائيل، حيث يصف نفسه باعتباره الوصي الأكبر على البلاد. ومع ذلك، من المرجح أن تؤدي تركيبة حزب "أزرق أبيض" التي تتألف من ثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين إلى إبطال مفعول هذا التكتيك، الأمر الذي قد يساعد سرد "المقسِّم" الذي يتبعه الحزب الجديد على أن يصبح في الواجهة. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يؤدي إعلان الاتهام الأولي ضد نتنياهو إلى قيام مجموعة من النقّاد بالتساؤل فيما إذا كانت الأصول السياسية السابقة المنقطعة النظير لحزب "الليكود" قد أصبحت فجأة عائقاً له.
وحتى الآن، تُظهر استطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد دمج ["مناعة لإسرائيل" و "ييش عتيد" وتشكيل قائمة] "أزرق وأبيض" أن "الليكود" متأخر في السباق الانتخابي وذلك للمرة الأولى (فوفقاً لاستطلاع صحيفة "يديعوت أحرونوت" حصلت قائمة "أزرق أبيض" على 36 مقعداً مقابل 30 مقعداً لحزب "الليكود" في الكنيست المؤلّف من 120 مقعداً). ولكنّ في انتخابات سابقة نجح نتنياهو في التقدم عندما كان متأخراً في استطلاعات الرأي ويَعلم أن هذه الديناميكية قد تعمل لصالحه. وبشكل عام، يثق الناخبون الإسرائيليون الذين يميلون إلى اليمين بأن الأمر سينتهي بتحقيق نتنياهو فوزاً عاماً في الانتخابات، مما سيقنع الكثيرين بأن لديهم ميزة استخدام أصواتهم لجعل أحزاب أخرى تجتاز العتبة البرلمانية. وبالرغم من ذلك، عندما يكون نتنياهو متأخراً، يتأثر هؤلاء الناس بسرعة بحجته بأن رهانات الخسارة مرتفعة للغاية، وأن عليهم التصويت لصالح "الليكود" لضمان نجاحه.
وفي الواقع، إذا تعلّمنا شيئاً من انتخابات عام 2015، فهو أنّ نتنياهو يصبّ كامل ثقله على اليمين عندما يكون متأخراً، على أمل جذب ناخبي الجناح اليميني المنضمين إلى أحزاب يمينية أخرى إلى جانبه. فقد استخدم تكتيكات "التخويف" في تلك الحملة، وحذّر اليهود من أنّ عليهم التصويت في الانتخابات لأن العرب الإسرائيليين سيخرجون للتصويت بأعداد كبيرة. وقد فعل الأمر ذاته هذا الأسبوع مباشرةً بعد الإعلان عن [تأسيس] "أزرق أبيض"، محذراً من أن الأحزاب العربية- الإسرائيلية قد ترجّح كفة الميزان في الانتخابات. وفي الوقت نفسه، اتخذ خطوة غير عادية تتمثل في تنظيم تحالف يدمج أحزاب يمينية خارج "الليكود" ويضم تلميذ الحاخام "مئير كاهانا"، أحد مروجي الكراهية المتطرفين الذي مُنع من المشاركة في الكنيست عام 1981. ووعد نتنياهو أيضاً بمنح حقيبة التعليم في الحكومة المقبلة لعضو من الحزب ذاته.
وباختصار، لا يقوم أسلوب حملة نتنياهو على المطالبة بإجراء استفتاء شعبي بشأن نهج سياسي معين، بل على إثارة الشكوك الكافية حول خصومه وحول النوايا الفلسطينية تجاه إسرائيل. ومن المرجح أن يشدد على مثل هذه الهجمات في المستقبل، لذلك فإن الشهرين المقبلين سيكونان اختباراً لجدية الخطاب أو ما إذا كان ذلك مجرد كلام أجوف.
وعلى الجبهة الفلسطينية، عطّل نتنياهو بالفعل مسألة ما إذا كانت مفاوضات السلام حكيمة أم لا. فقد أقنع هو ومستشاروه جزءاً كبيراً من الجمهور الإسرائيلي بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليس شريكاً مخلصاً، وصوّر أي شخص يضغط من أجل السلام في البيئة الحالية على أنه ساذج. وكان هذا السرد قوياً جداً بحيث لم يشعر غانتس أو لابيد بأنه من مصلحتهم إدراج ناصِرة السلام تسيبي ليفني إلى قائمتهما، مما دفعها إلى الإعلان مؤخراً عن تركها السياسة.
كما شَرَع مستشارو نتنياهو بتحذير الناخبين من أنه في حال فوز حزب "أزرق أبيض" من دون التوصل إلى اقتراح [لصفقة] كبرى للسلام في الأشهر المقبلة، فسيميل غانتس وحلفاؤه إلى الحد بصورة أحادية الجانب من الأنشطة الاستيطانية خارج الحاجز الأمني. ويقدّر أنّحوالى 85 في المائة من المستوطنين الإسرائيليين يعيشون داخل الحاجز، بينما يعيش حوالي 99 في المائة من فلسطينيي الضفة الغربية خارجه، مما دفع الكثير من المراقبين الإسرائيليين والأجانب إلى المطالبة في الماضي بوضع مثل هذه الحدود [على الاستيطان خارج الحاجز الأمني]. ومع ذلك، يجادل "الليكود" بأنّ ذلك سيكون بمثابة منح الفلسطينيين شيئاً بالمجان.
ونظراً لتعقّد هذه المسألة والتداعيات السياسية المحتملة، فقد تجنّب كل من غانتس ولابيد أي من المقترحات المتعلقة بالضفة الغربية التي تشبه اقتراح فك الارتباط من غزة عام 2005، على الرغم من الفوارق الأمنية الرئيسية بين المنطقتين (على سبيل المثال، الانتشار العسكري الإسرائيلي المستمر في الضفة الغربية). فمن الناحية النظرية، يمكنهما الحفاظ على هذا النهج الآمن من أجل اجتذاب "اليمين المرن"، والتزام الصمت حول مقترحاتهما المرجوة لتحسين الوضع الفلسطيني عبر اتخاذ خطوات ثنائية وأحادية الجانب. بيد، قد يفتح ذلك خطاً آخر لحزب "الليكود" لشن هجوم ضد "أزرق أبيض"، يتمثّل بكون الفصيل غامض جداً أو يقوم بإخفاء أجندته الحقيقية.
ومن المفارقات أنّ نتنياهو قد يجهر في سجله حول انخراط إسرائيل مع الدول العربية، حتى في الوقت الذي يعمل فيه على إعاقة إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وكانت صورته الأخيرة مع الزعماء العرب في وارسو بمثابة تذكير للناخبين بأن تواصله مع مثل هذه الدول لم يكن عديم الجدوى.
وأخيراً، من المرجح أن يعتمد نتنياهو على الحسابات السياسية لكي تصب في مصلحته. [ففي تاريخ الانتخابات الإسرائيلية] لم يحصل أي حزب بمفرده مطلقاً على أغلبية واحد وستين مقعداً لكي يشكل حكومة دون إقامة تحالفات. ولا يخلو من الدلالة أنّ التقدّم الأوّلي لفصيل "أبيض أزرق" في الاستطلاعات [الحالية] لا يترجَم إلى حدوث تحوّل كبير في كتل الناخبين من يمين الوسط والوسط، حيث لا يزال الجناح اليميني متقدم بفارق ضئيل. بالإضافة إلى ذلك، هناك تباين هيكلي في السياسة الإسرائيلية. فبإمكان كتلة يمين الوسط أن تجذب الناخبين المتدينين المتطرفين من خلال تحالفها مع الأحزاب المبتعدة أكثر باتجاه اليمين، لكن يسار الوسط لا يمكنه أن يجذب الكثير من الناخبين العرب الإسرائيليين الذين هم أكثر ميلاً إلى اليسار- ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ الأحزاب العربية تتحفّظ عن الانضمام إلى ائتلاف ما، وكذلك لأنّ أحزاب يسار الوسط تخشى أن تؤدي الأحزاب العربية إلى إبعاد الناخبين اليهود.
وفي النهاية، من غير الواضح أي من سردَي المنافسة سيسود. فقد تزايدت التكهنات حول إعلان ماندلبليت الذي يلوح في الأفق. ومهما كانت النتيجة التي سيخلص إليها، فإن الأيام القادمة قد تُعطي دفعة كبيرة لجانب واحد أو لآخر.

ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير "برنامج العلاقات العربية - الإسرائيلية" في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك (معدينيس روس) للكتاب القادم "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها" (PublicAffairs/Hachette، 2019).

Wednesday, July 25, 2018

تعليقات بوتين حول الجولان: تداعياتها على الأمن الإسرائيلي

تعليقات بوتين حول الجولان: تداعياتها على الأمن الإسرائيلي

المرصد السياسي 2991

تعليقات بوتين حول الجولان: تداعياتها على الأمن الإسرائيلي

 19 تموز/يوليو 2018
في خضم الجدل الذي دار في قمة هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة وروسيا في هلسنكي، ضاعت إشارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى اتفاقية فض الاشتباك [أو فصل القوات] بين سوريا وإسرائيل التي تم توقيعها في أيار/مايو ١٩٧٤، حيث صرّح قائلاً: "يجب أن يمتثل جنوب سوريا امتثالاً تاماً لمعاهدة فصل القوات [بين] إسرائيل وسوريا من عام ١٩٧٤"، مضيفاً أن "ذلك سيحقق السلام في مرتفعات الجولان ويبني علاقةً أكثر سلميةً بين سوريا وإسرائيل"، مع ضمان "أمن دولة إسرائيل". وفي اليوم السابق، ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع وزاري، "سنواصل الدفاع عن حدودنا. وسوف نمد يد المساعدة الانسانية وفقاً لإمكانياتنا. ولن نسمح بالدخول إلى أراضينا، كما سنطالب بالتقيّد بشكل صارم باتفاقية فصل القوات مع الجيش السوري التي تم توقيعها عام ١٩٧٤".
وللوهلة الأولى، تشير هذه التعليقات إلى أن روسيا تدرك المخاوف الإسرائيلية من جهود نظام الأسد لاستعادة جنوب سوريا، وأن موسكو ستساعد في ضمان عدم تهديد الحملة لأمن إسرائيل. غير أن التداعيات طويلة المدى المترتبة على مشاركة موسكو بشكل وثيق في التوسط في الوضع [لا تزال] غير واضحة - بما في ذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الشريك الأصلي لإسرائيل في إرساء وقف إطلاق النار في الجولان.
اتفاقية فصل القوات لعام 1974
طوال أربعة عقود، خضعت العلاقات السورية - الإسرائيلية في الجولان لـ "اتفاقية فصل القوات" لعام ١٩٧٤، التي سهّلت وقف إطلاق النار المفتوح بعد حرب عام ١٩٧٣، وخفضت القوات على جانبي خط فض الاشتباك. واستندت هذه الاتفاقية إلى التزام سوريا غير المكتوب وغير المعلن بمنع تسلل الإرهابيين عبر الجولان؛ وقد التزمت بها دمشق إلى حد كبير في العقود اللاحقة.
واليوم، ما زال نحو ٥١٠ كيلومترات مربعة من الجولان على الجانب السوري من خط وقف إطلاق النار، حيث تشرف "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" ("أندوف") على منطقة عازلة يبلغ طولها ثمانين كيلومتراً تمتد من لبنان إلى الأردن. فبعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، اشتبك تنظيم «جبهة النصرة»، وهو الفرع السوري [الذي كان مرتبطاً] بتنظيم «القاعدة» سابقاً، مراراً وتكراراً مع قوات "الأندوف"، حيث اختطف بضع عشرات من جنودها في عام ٢٠١٣ ومن ثم أطلق سراحهم. وعلى الرغم من هذه الهجمات، لا يزال هناك ما يقدَّر بنحو ١١٠٠ مراقب من قوات الأندوف في الجولان، إلاّ أن مقرّهم أصبح الآن على الجانب الإسرائيلي من خط فصل القوات.
تجدر الإشارة إلى أن الجزء السوري من الجولان يضم سبعة عشر قرية وأكثر من ٢٠٠ ألف نسمة. وتواصل إسرائيل تقديم المساعدات الإنسانية في هذه المنطقة، وإرسال الأدوية والطعام إلى أبناء هذه القرى سعياً لضمان نواياهم الحسنة.
ضمانات نتنياهو من بوتين
كانت إعادة تأكيد اتفاقية عام ١٩٧٤ أحد الأهداف الرئيسية لنتنياهو عندما زار بوتين في موسكو الأسبوع الماضي. ولفهم السبب، علينا أن ننظر إلى الاتفاقية التي دامت عقوداً في سياق التطورات الحالية في سوريا.
منذ أن تدخلت روسيا للمرة الأولى في الحرب عام ٢٠١٥، قام نتنياهو بتسع زيارات [لروسيا اجتمع خلالها] ببوتين من أجل التوصل إلى تفاهمات حول سوريا، لا سيّما فيما يتعلق بدور إيران هناك. والآن وقد حقق بوتين هدفه في تعزيز سلطة بشار الأسد في دمشق، يرى المسؤولون الإسرائيليون أن هناك تباعداً أكبر بين موسكو وطهران. إذ لم تستخدم القوات الروسية صواريخها من طراز "إس-٤٠٠" لاعتراض الضربات الجوية العديدة التي تشنها إسرائيل ضد أفراد الجيش الإيراني ووكلائه داخل سوريا. ففي الواقع، يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن موسكو تنظر إلى إيران كمنافس على النفوذ في سوريا، ولا تشعر بالضرورة بالاستياء إزاء هذه الهجمات - حتى لو لم تعمل على تقييد إيران نفسها.
ومن الواضح أن روسيا فخورة بأنها تمكنت من الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من إسرائيل وإيران. وعلى الرغم من أنها لا تريد أن تقع في حِيْصَ بِيْصَ في حال حدوث تصعيد واسع النطاق بين العدوّين، إلّا أنها ستواصل لعبها على الجانبين في سوريا بقدر ما تستطيع. ولذلك، لا تبدو شريكاً موثوقاً يمكن لأي من البلدين الاعتماد عليه.
حسابات إسرائيل الثابتة في سوريا
طوال سبع سنوات حتى الآن، أبقى نتنياهو "قوات جيش الدفاع الإسرائيلي" خارج الحرب السورية، باعتقاده أنه لا تتوفر وسيلة تضمن نتيجة سياسية مواتية للمصالح الإسرائيلية - وهو درس تعلمته المؤسسة الدفاعية للبلاد من حرب لبنان عام ١٩٨٢. وعلى هذا النحو، حصر "جيش الدفاع الإسرائيلي" دوره في نطاق أكثر محدوديةً، وهو الرد عندما تُطلق القذائف الطائشة عبر الحدود، واعتراض محاولات «حزب الله» نقل أسلحة متطورة من سوريا إلى لبنان. ووفقاً للبيانات العامة الصادرة عن مسؤولي "جيش الدفاع الإسرائيلي"، أدى هذا النهج إلى شن نحو ١٠٠ ضربة داخل سوريا من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠١٧.
إن سياسة إسرائيل المتمثلة في توجيه ضربات مستهدفة مع البقاء خارج الحرب نفسها لم تتغير حتى بعد تدخل موسكو. ومع ذلك، كان الأثر المباشر للمشاركة الروسية هو ضمان إعادة فرض سيطرة نظام الأسد. وبعد ذلك، قررت إسرائيل التعامل مع تداعيات هذه النتيجة، التي بدت وكأنها أمر واقع نظراً إلى تردد واشنطن المستمر في توسيع مهمتها الخاصة في سوريا فيما يتخطى هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية».
والأهم من ذلك، قدّرت إسرائيل أن إيران كانت تستخدم الحرب كذريعة لتوطيد بنيتها التحتية العسكرية في سوريا إلى درجة لم يسبق لها مثيل. كما أن استيلاء «حزب الله» الثابت على لبنان، بجمعه ترسانةً تتألف من ١٠٠ ألف صاروخ على مر السنين، هو بمثابة تذكير تحذيري بأن إسرائيل لا يمكنها أن تدع سوريا بأن تسمح لإيران أو لوكلائها بأن يَجْمعوا بنيةً تحتيةً عسكريةً مماثلة. وفي هذا الإطار، أوضحت إدارة ترامب أنها لن تواجه إيران عسكرياً في سوريا، لكنها ستدعم إسرائيل إذا واجهت هذه الأخيرة إيران هناك. لذلك استنتج "جيش الدفاع الإسرائيلي" أنه يجب عليه التخلي عن ممارسته السابقة المتمثلة في تجنب الصدام المباشر مع الإيرانيين من أجل القضاء على وجودهم في سوريا في المهد، وإن كان في ذلك خطر التصعيد. وقد وصلت هذه الديناميكية إلى ذروتها في ١٠ أيار/مايو، عندما ضرب "جيش الدفاع الإسرائيلي" ستين موقعاً عسكرياً إيرانياً في جميع أنحاء سوريا بعد إطلاق عدد قليل من الصواريخ الإيرانية على الجولان.
وعلى الرغم من تركيزها على الدور الإيراني، ما زالت إسرائيل تراقب الهجوم الأخير الذي شنه الأسد. فبعد إحكام قبضته إلى حد كبير على مناطق رئيسية أخرى، يبدو أنه مصمم على إعادة نشر قواته في الجنوب. ومن وجهة نظر إسرائيل، يفهم الأسد أن جيشه لا يضاهي "جيش الدفاع الإسرائيلي"، لذلك ليست هناك حاجة لمنعه من استعادة السيطرة على الجنوب - طالما أن عملية إعادة الاستيلاء هذه لا تتضمن أعداداً كبيرة من عناصر الميليشيا الإيرانية أو «حزب الله» أو ميليشيات شيعية أخرى. وتشير التقارير الإخبارية الإسرائيلية حول الاجتماع الذي عُقد بين بوتين ونتنياهو الأسبوع الماضي إلى أن موسكو لن تعترض على الضربات التي يوجهها "جيش الدفاع الإسرائيلي" ضد القوات الإيرانية أو القوات الوكيلة لها في الجنوب. وفي المقابل، تتوقع من إسرائيل أن لا تمس قوات الأسد إطلاقاً.
ومع ذلك، يشير النقاد إلى أنه لا يمكن فصل القوات السورية عن القوات الإيرانية بشكلٍ واضح. فحتى قبل نشر قوات الأسد في الجنوب، يقول المسؤولون الإسرائيليون في الجولان إن مئات السوريين قرب الحدود تقاضوا رواتب من «حزب الله» للعمل كمراقبين نيابةً عنه. وفي الوقت نفسه، شكك البعض في فعالية [اتفاق] وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا الذي أعلنته الولايات المتحدة وروسيا والأردن في تموز/يوليو ٢٠١٧، على افتراض أنه لم يُبقِ إيران و«حزب الله» خارج المنطقة.
ما هي أهمية ذكر قرار مجلس الأمن رقم ٣٣٨؟
من المثير للاهتمام أن تعليقات بوتين في هلسنكي شملت إشارة موجزة إلى قرار مجلس الأمن رقم ٣٣٨، وهي وثيقة يتم التذرع بها عادةً لإحياء المقترحات السابقة المتمثلة بـ "الأرض مقابل السلام" وإعادة التأكيد على المبادئ المنصوص عليها في القرار رقم ٢٤٢ بعد حرب عام ١٩٦٧ بين العرب وإسرائيل. وقد يكون لهذه الإشارة تفسيرات كثيرة، على الرغم من أن أهميتها القصوى غير مؤكدة.
ومن بين هذه التفسيرات أن بوتين يعتقد أنه يجب متابعة تنفيذ اتفاقية فصل القوات لعام ١٩٧٤ بمحادثات سلام بين إسرائيل وسوريا حول الجولان، ولكن هذا يبدو غير ممكن بالنظر إلى وضع الأسد كشخصية منبوذة على المستوى الدولي. أما الاحتمال البديل، وربما الأكثر ترجيحاً، فهو أن بوتين ذكر القرار رقم ٣٣٨ لأنه تم تبنّيه بعد الرحلة الطارئة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر إلى موسكو خلال حرب عام ١٩٧٣، وهي الزيارة التي أفضت في النهاية إلى [اتفاق] وقف إطلاق النار. فربما كان بوتين يذكّر العالم بأن موسكو كانت سابقاً طرفاً فاعلاً رئيسياً في تقليص التوترات في الشرق الأوسط، وأنها تنوي احتلال الصدارة من جديد.
وأياً كان الحال، فقد فضّل نتنياهو بشكل واضح تركيز بوتين على الاتفاقية من عام ١٩٧٤ [خلال المحادثات] في هلسنكي. وبقيامه بذلك، عرض دليل آخر على أن إسرائيل قد سلّمت بأن تؤدي روسيا دور الحكم الرئيسي للأحداث في جنوب سوريا، وأن القدس ستحاول أن تحقق أفضل ما يمكن من هذا الواقع بالتركيز على هدفها الرئيسي، وهو إبقاء إيران خارج سوريا. إلا أن التركيز على إيران قد حجب المسائل الأطول أجلاً حول كيفية تأثير الوجود الروسي نفسه على المصالح الإسرائيلية والأمريكية الأوسع نطاقاً.

ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.

Thursday, February 15, 2018

إسرائيل تشير إلى أنّ "ترسيخ" إيران في سوريا باهظ الثمن

إسرائيل تشير إلى أنّ "ترسيخ" إيران في سوريا باهظ الثمن
المرصد السياسي 2928

إسرائيل تشير إلى أنّ "ترسيخ" إيران في سوريا باهظ الثمن

 12 شباط/فبراير 2018
يبدو أن إسرائيل عازمة على إجبار الجهات الفاعلة الرئيسية على الاعتراف بأن مصلحتها تكمن في الحد من الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وذلك من خلال ضرب القوات والمنشآت السورية المضادة للطائرات التي يتمركز فيها الأفراد الإيرانيون كما فعلت في نهاية الأسبوع الماضي. وإذا تجاهل القادة الإيرانيون هذه المصلحة، فإنهم يهددون بجر [المنطقة] إلى تصعيد عسكري سريع.
وفي إسرائيل، صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والعديد من القادة العسكريين مراراً وتكراراً أن مصدر قلقهم الرئيسي هو منع "ترسيخ" الجيش الإيراني على حدودهم الشمالية الشرقية. وخلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، حذّر نتنياهو من أن إسرائيل لن تقبل قيام طهران بتطوير قدراتها الإنتاجية للصواريخ المتقدمة في سوريا ولبنان، وأنها "ستعمل على منع إيران من إنشاء قواعد عسكرية دائمة في سوريا، لقواتها الجوية والبحرية والبرية". وفي الوقت الذي يوجّه فيه «حزب الله»، الوكيل الرئيسي للجمهورية الإسلامية، أكثر من 100 ألف صاروخ باتجاه إسرائيل، تتزايد المخاوف من قيام جبهة مشتركة بين لبنان وسوريا.
لقد جذبت الاشتباكات التي وقعت في نهاية الأسبوع الماضي اهتماماً دولياً، وذلك لأسباب متنوعة. فقد شكّلت أول سابقة يتم فيها إسقاط طائرة مقاتلة إسرائيلية فوق الأراضي السورية منذ مطلع الثمانينيات. وعلاوة على ذلك، كانت تشكّل الطائرة المعنية جزءاً من عملية استهدفت مركزاً للقيادة الإيرانية داخل قاعدة سورية - وهي خطوة غير مسبوقة نظراً لأن الغارات الإسرائيلية في سوريا تركّز عادة على القوات المتميزة لـ «حزب الله». وقد جاءت تعليمات القصف الجوي من مركز القيادة في أعقاب تسلل طائرة استطلاع إيرانية داخل إسرائيل، وبالتالي، فإن تبادل الهجمات قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد.
وأياً كان الحال، يبدو أن إسرائيل حريصة على بعث رسائل إلى عدّة جهات فاعلة:
نظام الأسد. على الرغم من أن انتصار الأسد في سوريا، بدعم من إيران، لا يصب في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية أو المعنوية، إلّا أنّه يبدو أنّ القدس تدرك أنها لا يمكن أن تؤثر بشكل حاسم على حصيلة الحرب. لذلك، فقد زادت التركيز على تغيير دور إيران هناك. وتحقيقاً لهذه الغاية، تريد من دمشق أن تدرك ثمن السماح لإيران بإيواء أفرادها العسكريين في القواعد السورية. وفي هذا الصدد، استهدفت عدد من الغارات الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي، قواعد بعيدة عن الموقع الذي أُطلقت منه الطائرة بدون طيار. لذلك، من المرجح أن يكون الردع جزءاً من المخطط بقدر ما هو رد انتقامي.
ويقيناً، أن بشار الأسد يدين بالفضل للإيرانيين لمساعدتهم على إنقاذ حكمه. لذلك، وبكل بساطة، لا يمكنه إملاء الأوامر عليهم. ولكن، إذا استمرت إسرائيل بالتسبب في وقوع خسائر عالية التكاليف بسبب انخراط إيران، فقد يضطر الأسد أن يطلب - سواء بشكل مباشر أو عن طريق روسيا - أن تتراجع إيران عن وجودها. وفي هذا السياق، أظهر النظام السوري بالفعل علامات تدل على محاولته إقناع طهران بهذا الخصوص؛ ووفقاً لما ذكره مسؤولون إسرائيليون، فخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الأركان الإيراني لدمشق، ظلّ منتظراً لأن الأسد تأخّر في توقيع أي التزامات عسكرية طويلة الأجل.
وعند الإشارة إلى دمشق، يبدو أن قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" تميز بين الأنشطة العسكرية المحلية لنظام الأسد ودور إيران في دعمها. وقد بعث كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين رسائل إلى الأسد عبر أطراف ثالثة تشير إلى أنهم لا يعارضون تمديد نطاق سيادته في سوريا بمفرده، ولكنهم سيعتبرون الوضع مختلفاً جداً إذا فعل ذلك مع إيران و «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى.
إيران. كان المقصود من هذه الضربات أيضاً أن تكون بمثابة تحذير بأن "جيش الدفاع الإسرائيلي" لن يقبل بالأنشطة العسكرية الإيرانية أو المنشآت التي تهدد إسرائيل. وخلافاً لما ورد في بعض التقارير، لا تشكل هذه الضربات رداً على عقود الفوسفات الإيرانية الأخيرة أو غيرها من التحركات الاقتصادية في سوريا. وبالأحرى، يهدف المسؤولون الإسرائيليون إلى عرقلة تطوير الهياكل الأساسية العسكرية الكبرى مثل الموانئ، والمطارات، والقواعد التابعة لوحدات «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، أو مرافق إنتاج الصواريخ الدقيقة التوجيه التابعة لـ «حزب الله».
وقد شنت إسرائيل غارات أخرى في الأشهر الأخيرة لتثبت أنها لا تقبل ببعض حالات الترسيخ المحددة ولتؤكد على [عدم تجاوز] خطوطها الحمراء. وفي أيلول/سبتمبر، أفادت التقارير أن إسرائيل أصابت منشأة بالقرب من بلدة مصياف في شمال غرب سوريا، حيث أفاد مسؤولو "جيش الدفاع الإسرائيلي" بأنها تُستخدم بهدف تطوير الصواريخ القديمة بشكل كبير. وفي كانون الأول/ديسمبر، قصفت إسرائيل ثكنة تابعة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في مدينة الكسوة التي تبعد 50 كيلومتراً عن حدود الجولان. وقد اتخذت مراراً إجراءات انتقامية ضدّ «حزب الله» لانتهاكه منطقة تخفيف التصعيد في جنوب سوريا.
الولايات المتحدة. في أعقاب الغارات الأخيرة، أصدرت إدارة ترامب بيانات تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها لم تقدم أي مساعدة عسكرية (على الأقل علناً) للعمليات ضد القوات الإيرانية في سوريا. وفي هذا الصدد، أعلنت واشنطن أنها تعتزم إبقاء نحو ألفي جندي شرقي نهر الفرات في شمال وشرق سوريا. ولا تزال مهمتهم غير واضحة المعالم، باستثناء هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». وركزت الإدارة الأمريكية أيضاً على إدارة التوترات التركية -الكردية، من خلال زيارة كل من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت رايموند ماكماستر إلى أنقرة مؤخراً. وفي المقابل، هناك بعض المؤشرات الملموسة على الأرض بأن واشنطن تحاول جاهدة الحدّ من النشاط الإيراني في سوريا، فضلاً عن التصريحات العامة التي أدلى بها تيلرسون ومفادها أن استمرار الوجود العسكري الأمريكي يهدف جزئياً إلى كبح نفوذ طهران المحلي.
وقد أعرب بعض مسؤولي "جيش الدفاع الإسرائيلي" عن أملهم في أن الانتقادات المتكررة للرئيس ترامب تجاه طموحات طهران في المنطقة قد تنذر بإمكانية القيام بجهد عسكري أمريكي أوسع نطاقاً ضد النشاط الإيراني في سوريا، ولكن البعض الآخر لا يزال متشككاً. وعلى أقل تقدير، قد يساعد الوجود الأمريكي على طول الحدود السورية -العراقية على منع إيران من نقل الأسلحة إلى «حزب الله» وغيره من الجهات الفاعلة عن طريق البر. بيد أنه بسبب مجموعة من الحساسيات السياسية، من المرجح أن تكون إسرائيل حريصة على عدم استدراج واشنطن إلى القيام بعمل عسكري مباشر ضد المواقع الإيرانية.
وفي الوقت الراهن، من غير الواضح ما إذا كانت المخاطر التي تشكلها الغارات، التي شُنّت في نهاية الأسبوع الماضي، سوف تحفّز واشنطن على تغيير سياستها بأي طريقة تراها مناسبة. على سبيل المثال، هل سيؤدي خطر اتساع رقعة النزاع بين إسرائيل وإيران إلى جعل الإدارة الأمريكية أكثر حذراً إزاء التصعيد، وأكثر نشاطاً في متابعة محادثات السلام في جنيف بشأن ترتيب سياسي جديد في سوريا، وأكثر استعداداً لتنسيق التدابير الأمريكية في المنطقة مع تركيا وإسرائيل؟
روسيا. تشير اللقاءات الأخيرة التي أجراها كاتب هذه السطور مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في إسرائيل إلى أن القدس تعتبر روسيا أملها الأكبر في الحد من أنشطة إيران في البلد المجاور، على الأقل في المدى القريب. وليس من قبيل المصادفة أنّ نتنياهو زار الرئيس فلاديمير بوتين سبع مرات خلال العامين ونصف العام، منذ أن بدأت موسكو تدخلها في سوريا. ونظراً للمنافسة بين روسيا وإيران بشأن سوريا ومخاوف موسكو من توسيع الحرب، يأمل المسؤولون الإسرائيليون بأن تنظر موسكو إلى ضربات "جيش الدفاع الإسرائيلي" بمثابة تحقُّقْ مرحب به بشأن نفوذ إيران. ويعتقدون أيضاً أن دمشق تحتاج إلى روسيا أكثر من حاجتها إلى إيران، خاصة بعد تحقق هدف الحفاظ على حكم الأسد.
وفي هذا الصدد، أظهرت روسيا استعدادها للتسامح مع الغارات الإسرائيلية، التي توفر وسيلة أسهل بكثير للحدّ من وجود إيران في سوريا بدلاً من أن تقوم موسكو بذلك. كما أن كبار مسؤولي "جيش الدفاع الإسرائيلي" مسرورون جداً لأن روسيا لم تسمح لإيران ببناء بنية تحتية عسكرية جديدة بالقرب من المنشآت الروسية في ميناء طرطوس في سوريا أو "قاعدة حميميم الجوية"، وهو أمر لطالما رغبت طهران بالقيام به بهدف ردع الهجمات الإسرائيلية أو أي جهات فاعلة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، امتنعت روسيا عن استخدام أنظمتها المتقدمة المضادة للطائرات من طراز "S-400" للتصدي للضربات الإسرائيلية.
ولا تسلط القدس الضوء على هذه الخطوات المواتية علناً، وذلك لتفادي إحراج موسكو أمام شركائها الإيرانيين و «حزب الله». وفي الوقت نفسه، تدرك إسرائيل تماماً حدود النفوذ الروسي. وعلى الرغم من أن بوتين يبدو مستعداً لتقييد عمليات طهران في سوريا ورفض طلبات [إقامة] قاعدة لها هناك، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات عسكرية ضد المنشآت الإيرانية هناك. وفي الوقت الراهن، لا يزال التحالف مع طهران يخدم المصالح الإقليمية لروسيا، كما أنّ أهداف الكرملين هي أكثر تماشياً مع إيران من اتساقها مع إسرائيل. وتُعتبَر الجمهورية الإسلامية مشترياً كبيراً للأسلحة الروسية، وقد تضافر كلا البلدين مع «حزب الله» ليحولوا دون إسقاط الأسد.
الاستنتاج
على الرغم من أن إسرائيل لا تسعى إلى التصعيد العسكري في سوريا، إلّا أنها عازمة على عدم السماح لإيران بتطوير قدرتها العسكرية التي من شأنها تغيير المعادلة على حدودها الشمالية. ولا شك في أن المسؤولين الإسرائيليين سيحافظون على هذا الموقف حتى لو اضطروا إلى مواصلة التصرف بمفردهم، وإن كان ذلك بمساعدة غير مباشرة من موسكو وواشنطن. وهذا يعني أن الجهود الإيرانية المستمرة لتعزيز وجودها العسكري في سوريا قد تترافق على الأرجح مع ضربات إسرائيلية متزايدة. وفي مرحلة ما، قد تؤدي الجهود الإيرانية المتواصلة إلى إقناع إسرائيل بأن عملية الردع قد فشلت. إن التنبؤ بهذه المرحلة أمر صعب، ولكن إذا حصل ذلك، ستصبح احتمالات التصعيد في سوريا، وربما حتى الصراع الإسرائيلي - الإيراني المباشر، أكثر ترجيحاً.  

ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.

Thursday, October 26, 2017

دور الولايات المتحدة في المصالحة الفلسطينية: ثلاثة سيناريوهات

دور الولايات المتحدة في المصالحة الفلسطينية: ثلاثة سيناريوهات

المرصد السياسي 2877

دور الولايات المتحدة في المصالحة الفلسطينية: ثلاثة سيناريوهات



متاح أيضاً في  
20 تشرين الأول/أكتوبر 2017
بعد الإعلان مؤخراً عن محادثات الصلح بين «فتح» و«حماس» بوساطة مصرية، انضمّت إدارة ترامب إلى القافلة عبر تكرار إلتزامها بما يسمى "مبادئ اللجنة الرباعية" لعام 2006. وكما صيغت من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، أشارت المبادئ إلى أنه لا يمكن قبول «حماس» كفاعل دولي شرعي إلى حين قبولها بالاتفاقات الماضية وإحجامها عن أعمال العنف وقبولها بحق إسرائيل في الوجود. وفي تصريحات علنية نادرة، دعا مبعوث البيت الأبيض إلى المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، جيسون غرينبلات، أي حكومة وحدة فلسطينية جديدة إلى الالتزام بهذه المبادئ "بشكل واضح وصريح لا يحمل اللبس". فقد صرّح في 19 تشرين الأول/أكتوبر قائلاً "إذا كانت «حماس» لتضطلع بأي دور في حكومة فلسطينية، فعليها قبول هذه المتطلبات الأساسية"، مضيفاً أن كافة الأطراف وافقت على فكرة منح "السلطة الفلسطينية" السيطرة الأمنية والمدنية "الكاملة والحقيقية والخالية من أي عوائق" على قطاع غزة. وأشار إلى أنه من الضروري أن "نعمل معاً لتحسين الوضع الإنساني للفلسطينيين الذين يعيشون هناك".
وسيكون دور الولايات المتحدة - المشابه لذلك الذي تبنته الحكومة الإسرائيلية - الأكثر صلة إذا رغب رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس وحركة «حماس» فعلياً بإنشاء حكومة ائتلاف. ولكن هذا الاحتمال يبدو مستبعداً، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن عباس يدرك الخطوط الحمراء الأمريكية والإسرائيلية فيما يخص «حماس» ولذلك سعى إلى تشكيل حكومة تكنوقراط. وحتى إذا حصل ذلك، هناك سيناريوهات أخرى تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار، لا سيما إذا كانت واشنطن تنظر في إصدار بيان رسمي بشأن محاولة تحقيق مصالحة فلسطينية.
السيناريو 1: عباس يريد أن يتولى الحكم، «حماس» تريد استنساخ نموذج «حزب الله». في هذا السيناريو، يسعى عباس إلى إحكام قبضته على غزة لترميم إرثه، الذي يشمل حالياً خسارة غزة في عام 2007 وتولي رئاسة نظام سياسي منقسم على مدى سنوات. ومن شأن البقاء على الحياد أيضاً تعزيز احتمال منح عدوه اللدود محمد دحلان دوراً أكبر في غزة. وقد تأمل الجهة الراعية النافذة لدحلان، الإمارات العربية المتحدة، تعزيز دوره الضئيل حتى الآن، في وقت تنشغل فيه إحدى الجهات الداعمة لحركة «حماس»، قطر، في صدام دبلوماسي كبير في الخليج.
وقد يعزّز هذا السيناريو أيضاً اعتقاد عباس بأن حجب 100 مليون شيكل من أصل 400 مليون شيكل في ميزانية "السلطة الفلسطينية" لدعم غزة في وقت سابق من هذا العام قد جعل «حماس» تخضع بشكل أكبر لمطالب "السلطة الفلسطينية". وبالتالي، حتى إن لم تُظهر الحركة أي مؤشر على حل الميليشيا التابعة لها، فإن أي ضغوط اقتصادية مستقبلية من جانب "السلطة الفلسطينية" قد يكون لها أثر مُحبّذ.
بالإضافة إلى ذلك، سيؤكد هذا السيناريو تنازلاً من نوع ما في أوساط قادة «حماس» - أي الإدراك بأن حُكم غزة كان خسارة على الصعيد السياسي بالنسبة لهم. فقد كانوا يفضلون اتباع نموذج «حزب الله» لتحميل "السلطة الفلسطينية" مهمة القيام بالعمل الشاق المتمثل بحكم غزة التي تعاني من الفقر المدقع في الوقت الذي يتنصلون فيه من المسؤولية ويحتفظون بالسلطة الفعلية على الأرض من خلال الميليشيا التابعة لهم. وتستند نتيجة كهذه على وجهة النظر القائلة بأن مركز الجاذبية السياسية للحركة قد انتقل من خالد مشعل في قطر إلى الثلاثي المقيم في غزة المؤلف من يحيى السنوار وإسماعيل هنية ومروان عيسي، الذين بفضل موقعهم يفهمون معاناة الشعب أكثر من مشعل المقيم في الخارج والذي لم يعد يرأس الحركة. (تجدر الملاحظة أن القائد الوحيد من غير سكان غزة فيما يسمى "قادة «حماس» الأربعة" هو صالح العاروري المقيم في بيروت والذي تعتبره إسرائيل صلة الوصل الرئيسية بين الحركة وإيران والخلايا الإرهابية في الضفة الغربية).
وإذا كانت «حماس» تدرك في الواقع أنه عليها الخروج من ميدان الحكم، فسيفقد البيان الأمريكي حول جهود المصالحة الفلسطينية الكثير من زخمه. أي أنه إذا لم يكن هناك خطر من تشكيل "السلطة الفلسطينية" حكومة مع «حماس»، فإن إعادة التأكيد على الرفض السابق لشرعية الحركة قد لا يؤثر على أي مفاوضات فلسطينية داخلية.
السيناريو 2: لا يأخذ أي من الطرفين الأمور على محمل الجد. على غرار جهود المصالحة السابقة، ستبوء هذه المحاولة بالفشل إذا لم يكن عباس أو «حماس» جادين حيالها. وبموجب هذا السيناريو، يعتبر عباس غزة بمثابة رمال متحركة - أي وضع لن يقدم له سوى القليل من الفوائد والكثير من المتاعب. ووفقاً لهذا التفكير، لن يتمكن عباس قط من السيطرة على غزة طالما تحافظ حركة «حماس» على الميليشيا الخاصة بها، لذا رغبته في المحاولة ليست كبيرة. وعوضاً عن ذلك، يريد أن يبذل جهداً كافياً في المفاوضات التي تجري بوساطة مصرية لتجنب الانتقادات الداخلية عند فشلها، مع توجيه أصابع الاتهام إلى «حماس» لدى انهيار المحادثات. ويفترض هذا السيناريو أيضاً عدم رغبة «حماس» في التنازل عن أي سلطة فعلية في غزة - فالحركة تستخدم فكرة الوحدة من أجل دعم مساعيها لجمع الأموال فحسب في ظل الضائقة الاقتصادية الشديدة في غزة. وبالتالي، فإن أي بيان أمريكي لن يكون مؤثراً، لأن أياً من الطرفين لن يسمح على أي حال بالمضي قدماً في المصالحة.
السيناريو 3.  لا تقدم ولا انهيار [في المفاوضات]. اقترح الوزير السابق في "السلطة الفلسطينية" غسان الخطيب الحفاظ على ما يشبه المنطقة الرمادية بين «فتح» و«حماس». فبرأيه، "لن تمنح «حماس» حركة «فتح» دوراً في حكم غزة من دون أن يُسمح لها أولاً بالانضمام إلى القيادة السياسية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، [و] لن تسمح «فتح» لحركة «حماس» بالانضمام إلى المنظمة ما لم تقبل ببرنامجها السياسي إلى جانب التزاماتها السياسية والأمنية".
غير أن هذا السيناريو الثالث يقر بتدخل قوى خارجية، وبأن قرار المصالحة في غزة لا يعود لعباس أو لحركة «حماس» فقط. وبالتالي، حتى إذا لم يرغب الطرفان بحدّ ذاتهما في تحقيق انفراجة، قد تعتبر الأطراف الفاعلة الخارجية أن انهياراً آخر يحمّل مصالحها الخاصة تكاليف باهظة من الناحية السياسية. ومن بين تلك الأطراف الفاعلة نذكر مصر، القوة المحركة وراء المحادثات الحالية التي يساهم دورها في جعل هذه الجولة من المفاوضات مختلفة عن سابقاتها. وتبدو مصالح القاهرة الذاتية واضحة - فهي تريد رسم حدود سياسية بين «حماس» في غزة وإرهابيي تنظيم «الدولة الإسلامية» في صحراء سيناء المحاذية حيث تكبّد الجيش المصري خسائر جسيمة في الأرواح.
وبالطبع، فإن لإسرائيل حصتها الخاصة أيضاً في المحادثات. فقد أعلن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً رفضه لأي حكومة تجمع عباس وحركة «حماس»، وهو أمر كرره رئيس الوزراء عدة مرات في الماضي. غير أنه في الوقت نفسه، تريد مؤسسة الدفاع الإسرائيلية تجنب أي حرب أخرى مع غزة (علماً بأن ثلاث حروب اندلعت منذ كانون الأول/ديسمبر 2008 وحده). واستناداً إلى هذه الحجة، أشار بعض مسؤولي الدفاع إلى الرابط بين المعاناة الإنسانية في غزة ووضعها السياسي/الأمني.
على سبيل المثال، شمل العدد الأخير لمجلة "بمحانيه" التابعة لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" مقالاً كتبه منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، اللواء يوآف مردخاي، ومستشاره للشؤون الفلسطينية العقيد ميخائيل ميلشتاين. وقد جاء فيه أن الحرب الأخيرة في غزة "عزّزت فهم إسرائيل و«حماس» للعقدة المستعصية القائمة بين الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المدنيون في غزة والواقع الأمني". وقد أوضحا أن على الجميع أن يضعوا في اعتبارهم الاحتياجات الاقتصادية للقطاع، مع تجنب التدابير التي تقوّي «حماس» عسكرياً. ووفقاً للأمم المتحدة، أدت البطالة المنتشرة ونقص المياه النظيفة والوقود والخدمات العامة إلى ظروف معيشية مزرية في غزة.
ولا يستبعد خبراء إسرائيليون بعض التدابير التي قد تتمخض عن المصالحة الفلسطينية، مثل التفاهمات بشأن تطبيق "السلطة الفلسطينية" للشرطة المدنية في غزة، ووقف تخفيضات ميزانية "السلطة الفلسطينية"، وسيطرة "السلطة الفلسطينية" على المعابر الحدودية. وإذا أُخذت هذه التدابير مجتمعة، فإنها ستبدو تدريجية، لكنها قد تساهم في تحسين الظروف الراهنة. وعلى أية حال، قد يكون لأي بيان أمريكي مرة أخرى صلة هامشية مع هذا السيناريو، لأنه لن يكون هناك تغيير في حكومة "السلطة الفلسطينية" القائمة.
الخاتمة: واشنطن تنتظر
من المرجح أن تنتظر الولايات المتحدة لترى أياً من السيناريوهات المذكورة أعلاه سيتبلور. وسيكون تكرار "مبادئ اللجنة الرباعية" مفيداً إذا ما اتجه الطرفان في الواقع نحو مصالحة تامة، حيث يشكّل طريقة فعالة لتحذيرهما بشأن أي من المبادرات يمكن أن تدعمها واشنطن. لكن في إطار كل من السيناريوهات الأكثر محدودية (وربما الواقعية) المذكورة أعلاه، لن يكون أي بيان أمريكي حاسماً أو حتى ذا صلة.
وبناء على ذلك، قد تختلف مقاييس الولايات المتحدة لتحديد مدى نجاح المحادثات. فقد وضع الطرفان جدولاً زمنياً طموحاً نوعاً ما لتطبيق اتفاق المصالحة بوساطة مصرية خلال الأشهر القليلة القادمة. فهل سيتقيدان بهذا الجدول الزمني؟ وهل ستغيّر «حماس» وضعها العسكري خلال هذه الفترة؟ ولا شك أن واشنطن ستتشاور مع مصر وإسرائيل بشأن هذه المسألة الأخيرة. فالمسؤولون الإسرائيليون يقرون أن «حماس» لم تطلق طلقة واحدة تجاه بلدهم منذ حرب عام 2014، لكن الحركة قامت بحفر المزيد من الأنفاق، وحافظت على مصانع القنابل، وبقيت مصرة على رفض حق إسرائيل في الوجود.
وعلى نطاق أوسع، تشير هذه الاعتبارات إلى أن الولايات المتحدة لن تقدّم أي خطط للسلام أو تنخرط في وساطة دبلوماسية عالية المخاطر في الشرق الأوسط إلى حين اتضاح الوضع في غزة. فزيارات المبعوث الأمريكي إلى القدس ورام الله هذا العام لم تُظهر أي تقدم ملموس علناً. وقبل محادثات القاهرة، بدا أن الرئيس ترامب يحذر عباس في الأمم المتحدة خلال أيلول/سبتمبر من أن إدارته لا تملك رؤية مطلقة للدبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، لم يتطرق ترامب إلى القضية الإسرائيلية-الفلسطينية خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبغض النظر عن أهمية هذه اللفتات بالنسبة إلى إحلال السلام على المدى الطويل، أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن محادثات القاهرة سوف تُبقي أي مساعي تبذلها الولايات المتحدة على نار هادئة في الوقت الحالي.
 
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.