Friday, October 20, 2017

النفوذ الإماراتي مقابل التركي - القطري.. من يقف وراء تفجيرات الصومال؟

النفوذ الإماراتي مقابل التركي - القطري.. من يقف وراء تفجيرات الصومال؟

النفوذ الإماراتي مقابل التركي - القطري.. من يقف وراء تفجيرات الصومال؟





كاتب وصحفي مصري، باحث ماجستير في الإعلام، عمل باحثًا سياسيًا ومستشارًا إعلاميًا بعدد من الصحف والمواقع الإخبارية والمراكز البحثية المصرية والعربية.






ثارت تفجيرات مقديشيو الأخيرة التي أسفرت عن مقتل 300 شخص ومئتي جريح جراء انفجار شاحنة ملغمة أمام أحد الفنادق المكتظة بالسكان بوسط العاصمة الصومالية، حالة من الجدل المشوب بالقلق لما يمكن أن تسفر عنه هذه الموجة من أعمال العنف مستقبلاً في ظل ما تشهده الصومال من عدم استقرار سياسي وأمني في الوقت الراهن.
الحادث الذي وصفه الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، بأنه "مأساة وطنية"، جاء بعد أقل من يومين من زيارة رئيس قيادة القوات الأمريكية الإفريقية إلى العاصمة الصومالية، وبعد استقالة وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة لأسباب لم يكشف عنها حتى الآن.
تساؤلات عدة فرضتها تفاصيل هذه التفجيرات والكواليس المحيطة قبل وقوعها خاصة بعد استهداف مقر السفارة القطرية، وما يقال بشأن ما كان يخطط له حيال استهداف الأكاديمية العسكرية التركية عبر معلومات استخباراتية، وكذلك الوقت الذي تعاني فيه العلاقات بين مقديشيو وأبو ظبي من توتر في الآونة الأخيرة بسبب القاعدة العسكرية المزمع إقامتها في أرض الصومال، فما الدافع الحقيقي وراء تلك التفجيرات؟ وهل للأزمة الخليجية دور فيها؟
البحث عن فاعل
رغم أن تفجيرات السبت الماضي تعد واحدة من أكثر الهجمات المسلحة التي خلفت وراءها قتلى ومصابين، فإن أحدًا لم يعلن مسؤوليته عنها حتى الآن، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام، إلا أن الشكوك تذهب إلى حركة الشباب المجاهدين بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ترجيح الصحيفة لمسؤولية الحركة عن هذا الحادث يعود إلى ما تعانيه من فقدان سيطرتها على الكثير من أجزاء المدينة التي كانت تحكم القبضة عليها في السابق، وذلك بسبب الحرب المستعرة ضدها من الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الإفريقي وتعزيزات القوات الجوية الأمريكية، وهو ما دفع بعض أفرادها إلى الانسحاب والانضمام لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتنظيم "القاعدة".
المحللون يعتقدون أن هذا الهجوم ربما يكون انتقامًا بسبب ما تعاني منه الحركة من خسائر خلال الفترات الأخيرة، لا سيما بعد تصعيد واشنطن من ضرباتها الجوية، إذ إن عملياتها الخاصة شنت قرابة 15 غارة جوية ضد عناصر الحركة ومعسكرات تدريب تابعة لها منذ بداية العام، بما في ذلك خمس ضربات في الشهر الماضي، إحداها تسبب في مقتل علي جبل، أحد قادتها وأبرز عناصرها، مما قد يكون دافعًا للانتقام ردًا على ما تتعرض له.
بينما يشير متخصصون في مكافحة الإرهاب إلى تلقي الحركة مساعدات من عناصر القاعدة في اليمن، وإن كان يرون في الوقت ذاته أن مثل هذه الهجمات سيكون لها نتائج عكسية عليها وهو ما يفسر عدم إعلانها رسميًا حتى كتابة هذه السطور، في الوقت الذي قالت فيه المتخصصة في الشؤون الصومالية بالجامعة الأمريكية، تريسيا باكون تعليقًا على تفجيرات السبت الدامي: حين تشعر المجموعة بالضغط ستنفذ هجمات أكبر وأكثر أهمية، ورأت أن الهجوم وقع نتيجة سوء تقدير من الحركة".
الصحيفة كشفت النقاب عن دور الإمارات على وجه الخصوص في المشهد الفوضوي داخل الصومال مشيرة إلى أنها قدمت أسلحة لبعض الحركات الانفصالية المسلحة في عام 2015
علامة استفهام من دون أسئلة 
من التساؤلات التي تفرض نفسها بقوة خلال هذه التفجيرات استهداف السفارة القطرية على وجه الخصوص دون سفارات الدول الأخرى، حيث تعرض مبنى سفارة الدوحة إلى أضرار جسيمة، فضلاً عن إصابة القائم بأعمال السفير القطري في الصومال، بحسب البيان الصادر عن أحمد بن سعيد الرميحي مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية.
كذلك هناك تساؤل آخر كشفت عنه بعض الأنباء الواردة بشأن حصول أجهزة الاستخبارات الصومالية على معلومات عن استهداف الأكاديمية العسكرية التركية في الصومال وأنها ستتعرض لعملية مسلحة كبيرة، حسبما أشارت بعض المصادر.
بحسب شهود عيان فإن الشاحنة المفخخة التي تم تفجيرها بالقرب من أحد الفنادق في مقديشيو كانت تستهدف الأكاديمية التركية لكن اعتراض ضباط الأمن لها عند أحد حواجز التفتيش على مشارف العاصمة عطلها بشكل أو بآخر عن الوصول إلى هدفها، فما كان من السائق الذي كان متوجهًا للموت بإصرار بحسب الشهود، إلا تفجير الشاحنة وسط المدينة قبل أن تصل إلى المكان المطلوب.
النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي
هل للأزمة الخليجية دور؟
كانت الأزمة الخليجية حاضرة بشكل أو بآخر في مشهد الانفجار، وهو ما أكدت عليه الصحيفة الأمريكية التي نقلت على لسان بعض المحللين استغلال حركة الشباب المجاهدين لحالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي جراء الموقف من الأزمة الخليجية، حيث تدعم مقديشيو خيار الحياد وهو ما أثار حفيظة دول الحصار في مقابل دعم أرض الصومال للموقف الإماراتي السعودي.
الصحيفة كشفت النقاب عن دور الإمارات على وجه الخصوص في المشهد الفوضوي داخل الصومال مشيرة إلى أنها قدمت أسلحة لبعض الحركات الانفصالية المسلحة في عام 2015، مما ساعد في تأجيج الصراع، وهو ما سيتم التطرق إليه بعد قليل.
الممارسات التي تقوم بها أبو ظبي في منطقة القرن الإفريقي  تنطوي على خرق واضح للقرارات المتخذة في هذه المنطقة كافة، لا سيما إريتريا والصومال
من زاوية أخرى فإن التصريحات التي أدلى بها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية لمجلة "جون أفريك" تكشف حضور الأزمة الخليجية في المشهد بصورة كبيرة، حيث قال: "الصومال  تعرض إلى أعمال انتقامية لعدم طاعته لدول الحصار، فقد ألغيت المساعدات الإنسانية للدولة، وتعرض بعض السياسيين الصوماليين إلى ابتزاز، ومع ذلك، ظلت الحكومة ثابتة وصمدت".
يذكر أن الحكومة الصومالية الرسمية ارتأت لنفسها اتخاذ موقف حيادي تجاه تلك الأزمة وهو ما تسبب في تعرضها لبعض الضغوط حسبما أشار إلى ذلك أحد الكتاب الصوماليين في مقال له محذرًا من أن الموقف الحيادي لمقديشيو ربما ينجم عنه أزمات سياسية واقتصادية وأمنية لبلاده، معززًا ذلك أن "ملوك العرب وأمراء الخليج لا يعرفون – ولا يعترفون - بثقافة الحياد، ولا دبلوماسية الحياد، ولا بعقلانية السياسة وخصوصيات الظروف الراهنة، بل يمارسون عليك الضغوط المشروعة وغير المشروعة كافة، ناهيك عن الابتزاز الفاضح واستخدام اللعبة القذرة"
التوتر بين مقديشيو وأبو ظبي
حالة من التوتر تشوب العلاقات بين أبو ظبي ومقديشيو خلال الأشهر الأخيرة، وذلك لعدة أسباب أولها التهديد الإماراتي للأمن القومي الصومالي بدعم الفصائل المسلحة المناوئة للحكومة الرسمية، وهو ما كشف عنه التقرير نصف السنوي الصادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال وإريتريا، والذي كشف انتهاك الإمارات للقرارات الدولية المتعلقة بفرض حظر تسليح على البلدين، كذلك دعمها لبعض الفصائل الإرهابية.
التقرير توصل إلى أن الممارسات التي تقوم بها أبو ظبي في منطقة القرن الإفريقي  تنطوي على خرق واضح للقرارات المتخذة في هذه المنطقة كافة، لا سيما إريتريا والصومال، وذلك حسبما كشفت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية وشهادات بعض المصادر المعنية في كلا البلدين.
كما كشف تورط الإمارات في تصدير أسلحة من اليمن إلى عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الصومال، والمصنف إرهابيًا من قبل السلطات الصومالية، وحسبما جاء على لسان الخبراء الذين قالوا إنهم كانوا بمهمة  في إقليم قندلة الصومالي في مارس الماضي، بالتنسيق مع مكتب رئاسة الإقليم وشرطته البحرية، حيث تم خلال الزيارة عرض أسلحة وذخائر صودرت من قبل قوات الأمن في الإقليم من قبل تنظيم الدولة، وحين تم الكشف عنها وجد أن مصدرها اليمن، ودخلت عبر الوسيط الإماراتي، كذلك اتهامها باستيراد الفحم من الصومال، رغم تجريم مجلس الأمن الدولي له، كونه أحد أهم المصادر المالية لحركة الشباب المصنفة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية.
أما السبب الثاني لزيادة حدة التوتر بين البلدين، كان في أعقاب رفض الحكومة الصومالية الاتفاق المبرم بين أبو ظبي وجمهورية أرض الصومال (التي أعلنت انفصالها عن باقي أراضي الصومال 1991 وغير معترف بها دوليًا)، بشأن إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، حيث هدد المدقق العام التابع للحكومة الفيدرالية في مقديشو نور فرح، بأن حكومته ستتقدم بشكوى رسمية ضد الإمارات، متهمًا إياها بـ"انتهاك القانون الدولي".
ووقعت شركة إماراتية العام الماضي اتفاقًا مع "أرض الصومال" بلغت قيمته 442 مليون دولار لتطوير ميناء بربرة الذي يستخدم بشكل أساسي لتصدير الماشية لمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما رفضته مقديشيو، مما تسبب في تفاقم الخلاف بين البلدين بشكل واضح.
النفوذ الإماراتي  في القرن الإفريقي يعتمد على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة مواني ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة
قاعدة عسكرية تركية في المواجهة
بينما ترفض مقديشيو إقامة قاعدة عسكرية إماراتية فوق أرض الصومال، توافق الحكومة الرسمية على إنشاء قاعدة تركية فوق أراضيها هي الأكبر لها  خارجيًا، وذلك في حفل حضره الرئيس حسن علي خيري ورئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار نهاية سبتمبر الماضي.
القاعدة التركية التي شرعت أنقرة في بنائها مارس 2015 والمقامة على مساحة 400 هكتار (173فدانًا) بتكلفة بلغت 50 مليون دولار، وتضم مرافق مختلفة بينها مساكن للجنود ومسجد ومواقع للتدريب، تهدف حسبما أشار الرئيس الصومالي إلى تأهيل الجيش الوطني، حيث تستقبل الدفعة الأولى وهي 1500 جندي بهدف تدريب عناصر كبيرة منه للمساهمة في مكافحة حركة الشباب المجاهدين، كما أرسلت تركيا الشهر الماضي نحو 200 مدرب من الجيش التركي وعددًا من الآليات العسكرية إلى الصومال لتدريب أكثر من عشرة آلاف وخمسمئة جندي صومالي رشحتهم الأمم المتحدة.
أنقرة توسع من نفوذها داخل إفريقيا بافتتاح قاعدة عسكرية لها في الصومال 
النفوذ على القرن الإفريقي
تسعى الإمارات وبشكل مكثف خلال السنوات الأخيرة إلى توسيع نفوذها داخل القارة السمراء، وذلك ضمن خطة  لتكثيف الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي، حققت من خلالها نجاحات على مستويات عدة في الصومال وإريتريا وجيبوتي.
النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي يعتمد على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة مواني ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، كما في ميناءي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية كما في بربرة شمال غرب الصومال، وذلك بغية تحقيق عدد من الأهداف الأمنية والسياسية والاقتصادية.
بينما ترفض مقديشيو إقامة قاعدة عسكرية إماراتية فوق أرض الصومال، توافق الحكومة الرسمية على إنشاء قاعدة تركية فوق أراضيها هي الأكبر لها  خارجيًا
ومن ثم فإن إجهاض هذا المخطط من خلال رفض مقديشيو إقامة القاعدة العسكرية الإماراتية في بربرة وعرقلة تسليم المواني المتفق عليها مع أرض الصومال في مقابل السماح لأنقرة بإقامة قاعدة لها مع فتح قنوات التواصل مع الدوحة لتوسيع مجال حضورها داخل الأراضي الصومالية ربما يعكس حجم الصراع الذي من الممكن أن يدور في هذه المنطقة بين أبو ظبي من جانب وأنقرة والدوحة من جانب آخر.

الإقليم السائل: قراءة في خارطة الجبهة الداخلية لأكراد العراق

الإقليم السائل: قراءة في خارطة الجبهة الداخلية لأكراد العراق
الإقليم السائل: قراءة في خارطة الجبهة الداخلية لأكراد العراق


كاتب وصحفي مصري، باحث ماجستير في الإعلام، عمل باحثًا سياسيًا ومستشارًا إعلاميًا بعدد من الصحف والمواقع الإخبارية والمراكز البحثية المصرية والعربي

كشفت تفاصيل سيطرة القوات العراقية على مدينة كركوك الأحد الماضي عقب انسحاب قوات البيشمركة المفاجئ وإفساحها المجال أمام القوات الاتحادية والحشد الشعبي النقاب عن الكثير من الخلافات داخل الجبهة الكردية الداخلية، ما أثار الكثير من التساؤلات حول طبيعتها وانعكاساتها على مستقبل قضية أكراد العراق، خاصة وأنها جاءت بعد أيام قليلة من الاستفتاء الخاص بانفصال إقليم كردستان.
الاتهامات التي وجهت وبحسب وسائل إعلام كردية إلى حزب طالباني (الحزب الوطني الكردستاني)، بسحب قوات البيشمركة التابعة له من كركوك، وإصدار الأوامر بتسليمها للقوات العراقية، دفعت إلى إلقاء الضوء حول الخارطة السياسية للجبهة الكردية الداخلية والتعرف على أبرز ملامحها وانعكاسات ذلك على مستقبل الإقليم.
الخارطة السياسية الكردية
تتألف الخارطة السياسية الكردية في العراق من 3 أحزاب رئيسية تسيطر على النسبة العظمى من المشهد السياسي، ينبثق عنها عدد من الأحزاب والحركات الأخرى التي لا يمكن تجاهلها، خاصة فيما تقوم به من تحالفات مع تلك الأحزاب وهو ما يعطيها زخمًا سياسيًا على الأرض.
الحزب الديمقراطي الكردستاني: أسسه الملا مصطفى البارزاني عام 1946، يتزعمه اليوم مسعود البارزاني نجل مؤسس الحزب، يعتمد على البُعد العشائري والقبلي بصورة أكبر إذ تغلب عليه النزعة القومية في توجهاته السياسية، ويسيطر ميدانيًا على أربيل ودهوك في النصف الشمالي من كردستان العراق.
تربط الحزب علاقات جيدة مع كل من تركيا والولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، إلا أن علاقته مع إيران ليست بالجيدة معظم الأحيان، غير أنها ليست في موقف عدائي معها في الوقت نفسه.
الاتحاد الوطني الكردستاني: وهو حزب منشق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أسسه جلال الطالباني عام 1975، يتبنى بعض أعضائه توجهات ليبرالية وإن كان الحزب في حد ذاته ينتهج القومية الكردية رغم أن زعيمه الطالباني كان شيوعيًا في السابق.
للحزب جناحان، الأول: نجل جلال الطالباني "بافل" وزوجته، والثاني: جناح كوسرت رسول، كما يعتبر فؤاد معصوم الرئيس العراقي الحالي أحد قيادات الحزب الذي يسيطر تاريخيًا على مناطق سليمانية - حلبجة – كركوك.
تربطه علاقات قوية جدًا مع إيران والتي تعد الداعم الأول له، غير أنه يتبنى مواقف مماثلة للحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن بناء علاقات وروابط جيدة مع حكومة بغداد المركزية وتجنب الصدام معها.
النصر الذي حققه سليماني في هذه المدينة يعود الفضل فيه بالدرجة الأولى إلى حزب الطالباني الذي يسيطر بدوره على كركوك والسليمانية
حركة التغيير: وتسمى أيضًا حركة گوران، أسسها نوشيروان مصطفى عام 2009، بعد استقالته من حزب الطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني)، الحزب يميل إلى التوجه العلماني وله ميول معارضة ضد بقية الفصائل السياسية الكردية الأخرى.
ورغم نفيه الدائم فإن خصومه دومًا ما يتهمونه بـ"بكسر الإجماع الوطني الكردي"، حقق تقدمًا كبيرًا في انتخابات برلمان كردستان عام 2013، ترأس في أعقابها المجلس بعد حصوله على 24 مقعدًا متقدمًا بها على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلا أنه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حصل على 9 مقاعد فقط.
هذا بخلاف حزمة من الأحزاب والحركات السياسية الأخرى التي يمكن القول إنها خرجت من رحم الحزبين الرئيسيين"الديمقراطي الكردستاني" و"الوطني الكردستاني"، وعلى رأسها حزب كادحي كردستان وهو حزب يساري يتزعمه قادر عزيز، وتربطه علاقات قوية بالوطني الكردستاني، كذلك حزب الاتحاد الإسلامي الذي تأسس عام 1992 بقيادة الشيخ صلاح الدين محمد بهاء الدين، ويمثل فكر الإخوان المسلمين  ويميل إلى تجنب استخدام السلاح، وله علاقات طيبة مع الجماعة الأم بمصر، علاوة على الحركة الإسلامية التي أسسها الملا عثمان في الثمانينيات ثم ترأسها الملا علي عبد العزيز، ومنها إلى نجليه الملا علي والملا صادق، وأخيرًا جماعة أنصار الإسلام ويُطلق عليها (پاك)، تأسست عام 2001،وتعد من أكثر الجماعات المتشددة في العراق، ولقبت بأنها "طالبان الكردية".
مسعود بارزاني 
طالباني – بارزاني.. خلاف تاريخي
في قراءة سريعة لخارطة الجبهة الداخلية الكردية يلاحظ أن الخلاف بين جبهة آل طالباني والبارزاني يعد السمة الأبرز في التكوين السياسي لها، حيث اختار كل طرف الانتماء إلى تحالف  يمهد لولايته ويحقق طموحاته السلطوية، ويكون بمثابة ظهير له عسكريًا وسياسيًا، فانحاز طالباني لإيران بينما البارزاني اختار الشريك الأمريكي.
وبالعودة إلى الوراء قليلًا يلاحظ أن الخلاف بين الجبهتين متجذر تاريخيًا وليس وليد اللحظة، فبعد أن أطاح البعثيون بعبد الكريم قاسم من الحكم في فبراير 1963، وتعيين عبد السلام عارف بدلًا منه في منصب رئيس الجمهورية، سافر وفد كردي برئاسة عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني آنذاك جلال طالباني إلى بغداد في محاولة للبحث عن تفاهمات مشتركة بشأن مستقبل الأكراد بعد وصول البعثيين، إلا أن الزيارة لم تسفر عن أي نتائج، وهو ما دفع طالباني لإعادة النظر في تقييمه للمشهد خاصة بعد تقرب عارف من القاهرة وموسكو وهو ما أثار حفيظة إيران وقتها.
وعلى الفور ارتأت طهران التدخل في المشهد الكردي مرة أخرى من خلال زرع بذور الشقاق بين أعضاء الحزب الديمقراطي، لينقسم الحزب بعدها إلى جبهتين، الأولى تضم إبراهيم أحمد وجلال طالباني اللذين كانا أعضاء اللجنة المركزية للحزب، والثانية تضم مصطفى البارزاني ومؤيديه، وبعد استمرار الخلافات انفصلت جبهة أحمد وطالباني لتشكيل نواة المكتب السياسي لحزب آخر جديد يحمل اسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الذي حمل موقفًا عدائيًا ضد الحزب الأم "الديمقراطي الكردستاني" خاصة بعد تشكيله جبهة تحالف مع الحكومة العراقية برئاسة عبد الرحمن عارف وشاركت في حملة عسكرية ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني في 1966.
ومع قدوم صدام حسين مُنح الأكراد حكمًا ذاتيًا نجحوا في الحصول عليه بعد قيام المجتمع الدولي بإنشاء منطقة آمنة في شمال العراق لإيقاف المجازر التي كان يقوم بها نظام صدام ضد ثوار ما سمي بـ"الانتفاضة الشعبانية"، لكن الأكراد حينها رفضوا الهدية، وبدلًا من توحيد الكلمة والموقف نشبت بينهم العديد من المعارك السياسية التي زادت من فرقتهم بصورة كبيرة، حيث انحازت مجموعة مسعود بارزاني إلى الغرب، بينما كانت مجموعة طالباني موالية لإيران.
تسريب للاتفاق المبرم بين قاسم سليماني وبافيل طالباني، كشف بنوده النائب مسعود حيدر عن كتلة التغيير (غوران)، أشار إلى أن هناك 9 محاور رئيسية له على رأسها تقسيم كردستان إلى إقليمين بدلًا من إقليم واحد
وخلال الحرب العراقية الإيرانية انحاز فريق بارزاني إلى صف صدام حسين ضد إيران رغم عدائه الواضح للكرد حينها، نكاية في آل طالباني وهو ما حصدوا ثماره بعد ذلك حين هاجمت قوات صدام مناطق شمال العراق، فانتزعت أربيل ودهوك لتسلمهما إلى حزب بارزاني.
واستمر الخلاف على هذا المنوال حتى بعد سقوط نظام صدام حسين وخلال فترة الغزو الأمريكي وما تلاها، إلا أن الفصائل المتناحرة في كردستان آثرت تبريد الأزمة فيما بينها، خاصة بعد التغيرات والمستجدات الطارئة على المشهد العراقي، وعلى رأسها تمدد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والتي كانت تتطلب توحيد الجبهة الداخلية ولو لفترة مؤقتة حفاظًا على استقلالية ووحدة الإقليم الذي يعد الأكثر استقرارًا داخل الأراضي العراقية خلال الآونة الأخيرة.
ثم جاء الاستفتاء على استقلال الإقليم بمثابة الحجر الملقى في المياه الراكدة، ليخسر معه البارزاني حليفه التركي الذي نجح مؤخرًا في تحسين العلاقات معه بعد سنوات من القطيعة، والذي كان يمثل له الظهير في مواجهة إيران طالباني.
إصرار البارزاني على إجراء الاستفتاء رغم التحفظات التركية والإقليمية يأتي في محاولة منه لإبراء ذمته من الاتهامات التي يكنها لها معارضو الداخل بشأن تفريطه في القضية الكردية ‘رضاء لكل من أنقرة وأمريكا، إلا أن تبعات هذا القرار لم تكن على المستوى المطلوب.
تفتيت الجبهة الداخلية الكردية وتفاقم الصراعات البينية بداخلها وضع بارزاني في مأزق، إذ باتت الخيارات أمامه للخروج من هذه الوضعية صعبة للغاية
انسحاب قوات البيشمركة من كركوك أثار الكثير من علامات الاستفهام
كركوك أولى ضحايا الخلاف
آراء الخبراء والمقربين من دوائر صنع القرار داخل إقليم كردستان يشيرون إلى أن التطورات الأخيرة التي شهدتها مدينة كركوك وتسليمها للقوات العراقية بهذه الصورة، جاء نتيجة تنسيق بين بافل الطالباني نجل زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الراحل من جهة، والجنرال الإيراني قاسم سليماني من جهة أخرى.
ومن ثم فالنصر الذي حققه سليماني في هذه المدينة يعود الفضل فيه بالدرجة الأولى إلى حزب الطالباني الذي يسيطر بدوره على كركوك والسليمانية، ففي الوقت الذي كان البارزاني يحشد قواته لمواجهة قوات الاتحاد والحشد الشعبي، كان حزب الطالباني يمهد الطريق لتسليم المدينة.
بيان الحزب الديموقراطي الكردستاني، اتهم "مسؤولي الاتحاد الوطني بإخلاء بعض المواقع الحساسة لقوات الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني دون مواجهة، وتركوا الأخ كوسرت رسول (قائد البيشمركة)  وحده"، ورغم انتماء القيادي كوسرت رسول للاتحاد الوطني الكردستاني، لكنه ليس مواليًا لجناح بافيل طالباني، بل يوصف بالمقرب من بارزاني ومعه القياديين حجي محمود وشيخ جعفر.
إصرار البارزاني على إجراء الاستفتاء رغم التحفظات التركية والإقليمية يأتي في محاولة منه لإبراء ذمته من الاتهامات التي يكنها لها معارضو الداخل
وفي تسريب للاتفاق المبرم بين قاسم سليماني وبافيل طالباني، كشف بنوده النائب مسعود حيدر عن كتلة التغيير (غوران)، أشار إلى أن هناك 9 محاور رئيسية له على رأسها تقسيم كردستان إلى إقليمين بدلًا من إقليم واحد، وتكفل الحكومة الاتحادية لكردستان (طالباني) المنتظرة بدفع رواتب الموظفين والعاملين، مقابل تسليم بافيل طالباني للمناطق الاستراتيجية للجيش العراقي، وإعطاء آبار النفط للحكومة الاتحادية.
ورغم عدم التأكد من صحة هذا التسريب حتى كتابة هذه السطور، فإنه في حال صحته ستكون ضربة قاسية لحلف بارزاني، إذ أنه بالأمس قد خسر صداقة تركيا – الظهير السياسي الإقليمي له -  حين أصر على إجراء الاستفتاء، واليوم يخسر مورده الاقتصادي الأول وهو النفط، لصالح خصمه طالباني وحلفائه الإيرانيين.
ومن ثم باتت الخيارات أمام بارزاني صعبة للغاية، فإما إعلان الحرب على أكراد السليمانية وحزب طالباني لاستعادة ما فقد منه، وفي هذه الحالة سيفقد الإقليم استقراره الذي كان علامته المميزة طيلة السنوات الماضية، أو يركن إلى قبول الأمر الواقع وفي هذه الحالة ربما يفقد مدينة أخرى وعلى الأرجح ستكون أربيل.