Thursday, July 13, 2017

إدارة ديناميات التصعيد مع إيران في سوريا - وخارجها

إدارة ديناميات التصعيد مع إيران في سوريا - وخارجها

المرصد السياسي 2824

إدارة ديناميات التصعيد مع إيران في سوريا - وخارجها





 5 تموز/يوليو 2017
خلال الأسابيع الأخيرة، اشتبكت القوات الأمريكية في سوريا مع قوات النظام أو تلك الموالية للنظام التي تدعمها إيران في ما لا يقل عن ست حوادث. وقد أثارت تلك الاشتباكات مخاوف من أنه في ظل الهزيمة العسكرية الوشيكة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والصراع السائد لملء الفراغ الناتج، ربما تقف الولايات المتحدة على مسار التصادم مع سوريا وحلفائها - إيران و «حزب الله» وربما روسيا. وقد أدت التوترات المتصاعدة في أماكن أخرى من المنطقة بين الولايات المتحدة وحلفائها وإيران إلى تفاقم هذه المخاوف. وفي حين تواصل الولايات المتحدة بذل جهودها غير الرسمية لـ"تجنب المواجهة" مع روسيا، إلّا أنّها بحاجة إلى بذل جهود موازية لمنع اندلاع صراع أوسع نطاقاً مع القوات الموالية للنظام وإيران.
انتشار نقاط الاحتكاك
شملت أحدث التحركات العسكرية الأمريكية في سوريا إطلاق صواريخ موجهة على "قاعدة الشعيرات الجوية" في أعقاب الهجوم الكيميائي الذي شنه النظام على المدنيين في (7 نيسان/أبريل)؛ والحظر الجوي على الميليشيات الموالية للنظام والمدعومة من إيران (18 أيار/مايو، 6 و8 حزيران/يونيو) و[عمليات] الطائرات المسلحة بدون طيار (8 و20 حزيران/يونيو) التي هددت المتمردين السوريين ومستشاري التحالف قرب بلدة التنف الحدودية؛ وإسقاط مقاتلة سورية من طراز "سو- 22" كانت قد شنت هجوماً على وحدات «قوات سوريا الديمقراطية» قرب الطبقة (18 حزيران/يونيو).
وبالإضافة إلى ذلك، يساور المسؤولون الأمريكيون القلق من أن تحرير الموصل قد يدفع بطهران إلى الاستنتاج بأنها لم تعد تستفيد من الوجود الأمريكي في العراق، و[تستطيع] أن تشجع عملاءها العراقيين على مهاجمة القوات الأمريكية هناك.
وتشمل بؤر التوتر المحتملة الأخرى الخليج العربي، حيث غالباً ما تقوم السفن الحربية الإيرانية بمضايقة القوات البحرية الأمريكية؛ ومرتفعات الجولان حيث تنشئ إيران و «حزب الله» بنية تحتية لمهاجمة إسرائيل (علماً بأن طائرة إسرائيلية بدون طيار كانت قد شنت غارة هناك في كانون الثاني/يناير 2015 أودت بحياة جنرال إيراني وعدد من كبار المسؤولين في «حزب الله»)؛ والسعودية والبحرين، حيث أن الادعاءات الإيرانية بأن السعودية مسؤولة عن اعتداء تنظيم «الدولة الإسلامية» في 7 حزيران/يونيو في طهران أثارت مخاوف بشأن قيام إيران بعمل تخريبي محتمل؛ وكذلك مضيق باب المندب، حيث شنّ المتمردون الحوثيون اعتداءً على سفن حربية أجنبية باستخدامهم صواريخ موجهة إيرانية مضادة للسفن فضلاً عن قنابل محملة في قوارب يجري التحكم بها عن بُعد.
وأثار وجود العديد من نقاط الخلاف مخاوف من أن يؤدي أي صدام (سواء كان متعمداً أو عرضياً - كما حصل حين قصفت طائرة أمريكية جنوداً سوريين في أيلول/سبتمبر 2016) إلى اندلاع صراع أوسع نطاقاً مع إيران. فما العبر التي يحملها التاريخ حول تجنّب التصعيد مع إيران ووكلائها وضبطه؟
حسابات المخاطر بالنسبة لطهران
في الوقت الذي تتّبع فيه إيران سياسات مناهضة للوضع الراهن والتي تسبّب توترات مع دول أخرى، فهي حساسة عموماً تجاه المخاطر والتكاليف، وتتوخى الحذر أثناء الأزمات وعند تعاملها مع خصوم أكثر نفوذاً منها مثل الولايات المتحدة. وقد شدّدت بشكل عام على "المعاملة بالمثل" (أي الرد بنفس الأسلوب على مستوى الاعتداء المفترض) فضلاً عن "المراوغة" و"الغموض" و"الصبر" (عبر الاعتماد على الوكلاء لتوفير المواجهة ودرجة من الإنكار) من أجل إدارة المخاطر والحدّ من إمكانات التصعيد.
وهكذا، سعت طهران مراراً وتكراراً إلى تجنّب خوض أي مغامرات خارجية مكلّفة، حتى لو كان ذلك يعني، عملياً، التخلي عن مجتمعات شيعية تتخبط في أزمة - كما فعلت خلال انتفاضة الشيعة في العراق عام 1991، وعندما قتلت حركة "طالبان" الأفغانية آلاف الشيعة الهزارة وثمانية مسؤولين إيرانيين عام 1998، وحرب عام 2006 بين إسرائيل و«حزب الله»، وقمع المتظاهرين الشيعة في البحرين عام 2011. وفي جميع هذه الحالات، ردّت إيران بشكل غير مباشر من خلال وكلائها أو تحركت بعد وقوع الحادثة - فأرسلت «فيلق بدر» العراقي للمساعدة خلال انتفاضة عام 1991 في العراق، وسلّحت "التحالف الشمالي" الأفغاني ضد "طالبان"، وأعادت بناء «حزب الله» بعد حرب 2006، وخطّطت لاغتيال السفير السعودي في واشنطن العاصمة انتقاماً منه على دور بلاده في قمع الاضطرابات في البحرين.
وخلال مواجهة خصومها الأجانب، تحركت إيران بشكل مباشر حين أمكنها ذلك، وبشكل غير مباشر (من خلال وكلائها) أو عبر وسائل أخرى (مثل الإرهاب أو الوسائل الإلكترونية) عندما لم تتمكن، أو عندما أرغمها المنطق على التصرف خلاف ذلك. ولطالما اختبرت حدود خصومها، وتراجعت عندما كان الرد حازماً وأعادت الانخراط في ظل ظروف أكثر مؤاتاة في وقت لاحق. وبالتالي، خلال الحرب الإيرانية- العراقية (1980-1988)، واجهت طهران القوافل البحرية الأمريكية في الخليج بوسائل غير مباشرة (الألغام) وعبر مهاجمة سفن بدون مرافقة، وعندما انخرطت بشكل حازم، قاتلت بما أوتيت به من قوة. ولم تردع التدخلات الأمريكية إيران لكنها أرغمتها على تغيير مقاربتها وتقليص أنشطتها في النهاية بعد سلسلة من المواجهات المؤلمة مع البحرية الأمريكية.
وخلال الاحتلال الأمريكي للعراق، قامت إيران بتسليح الجماعات الشيعية الخاصة - وساعدت المتمردين السنّة - التي استهدفت القوات الأمريكية. وقد ردّت على سلسلة من الهجمات بقنابل لاصقة على علمائها النوويين من خلال محاولة شنّ هجمات بقنابل لاصقة على دبلوماسيين إسرائيليين في جورجيا والهند وتايلندا خلال شباط/فبراير 2012. وبين عامي 2011 و2013، تصدّت للهجمات الألكترونية على برنامجها النووي وللعقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها بهجمات إلكترونية على القطاع المالي الأمريكي وشركة "أرامكو" السعودية. ومؤخراً، ردّت على الدعم السعودي للمتمردين المناهضين للنظام في سوريا وغيرها من الاستفزازات الملموسة من خلال تكثيف دعمها للحوثيين في اليمن.
غير أنه من الناحية التكتيكية أظهرت طهران مرونة أيضاً؛ فعندما تفوق المخاطر الفوائد المرجوة، تتراجع عن التهديدات - رغم أنها قد تعيد إحياء تحدٍ في مكان أو زمان آخر. وبالتالي، عندما أعادت الولايات المتحدة حاملة طائرات إلى الخليج في كانون الثاني/يناير 2012 بعد أن حذرتها طهران من القيام بذلك، عجزت هذه الأخيرة عن اتخاذ أي خطوة رغم أنها حاولت لاحقاً إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار في الخليج العربي خلال تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه ومرة أخرى في آذار/مارس 2013. وفي الآونة الأخيرة، لم ينفذ وكلاء إيران في العراق التهديدات السابقة بمهاجمة القوات الأمريكية المقاتلة إذا عادت إلى العراق، لأنهم كانوا بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية».
وعلى الرغم من توخي طهران الحذر عموماً، لا تزال تميل أحياناً إلى اعتماد سلوك عالي المخاطر - يشمل تفجير ثكنات قوات البحرية الأمريكية [الـ "مارينز"] في بيروت عام 1983 (الذي قامت بتسهيله)، وتفجير "أبراج الخبر" في السعودية عام 1996، والمؤامرة الفاشلة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عام 2011. ولهذا السبب، دائماً ما تنطوي التفاعلات مع إيران درجة من عدم القدرة على التنبؤ. وعندما ترى أنها قادرة على بسط سيطرتها (كما يبدو عليه الحال حالياً بفضل النجاحات التي حققتها في سوريا)، تميل إلى الاستفادة القصوى من ميزاتها - وربما إلى التمادي. 
بؤرة الصراع السوري
إن تدخل إيران في سوريا أمر غير مسبوق؛ فلم يسبق لطهران أن أرسلت مثل هذه الأعداد الكبيرة من القوات لدعم العمليات القتالية خارج حدودها. ومع ذلك، كان أداؤها متّسقاً مع بعض المبادئ الثابتة، وعلى وجه التحديد: تجنبت بشكل عام المخاطر الكبيرة، حتى حين بدا أن التطورات تعرّض مصالحها الأساسية للخطر. وبالتالي، لم تلتزم إيران بتاتاً بأكثر من الحد الأدنى من القوة اللازمة لإبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة. فقد كان عدد رجالها في سوريا يناهز 700 جندي قبل الزيادة الطفيفة في أواخر عام 2015 - عندما أصبح عدد القوات يقارب الثلاثة آلاف جندي - لتعود وتسحب معظمهم بعد ذلك بوقت قصير عقب تكبدها خسائر ملحوظة. ويُعتقد أن عددهم يبلغ حالياً حوالي 1500 جندي، أي نسبة 1 في المائة من قواتها البرية. (في المقابل، نشرت الولايات المتحدة نحو ثلث قواتها البرية خلال زيادة عدد جنودها في العراق بين العاميْن 2007 و2009).    
وقد حاولت إيران تقليص خسائرها الخاصة في سوريا من خلال القتال حتى آخر وكيل شيعي غير إيراني، حتى عندما كان بإمكان قواتها الخاصة أن تكون أكثر فعالية. وعندما تَحوّل تيار الحرب ضد الأسد في عام 2015، عمدت طهران إلى إقناع موسكو بالتدخل، حيث حثّت فعلياً روسيا باعتبارها "وكيل من القوى العظمى". ومع ذلك، فحتى لو كان صناع القرار في طهران يعزفون عن المخاطرة من الناحية الاستراتيجية، كان الجنود الإيرانيون على الأرض يقبلون بالمجازفة من الناحية التكتيكية. يُذكر أن الجمهورية الإسلامية خسرت ما يقرب من 500 عسكري في أكثر من خمس سنوات من القتال في سوريا - رغم أن هذه الخسائر لا تقارن نسبةً لما تكبدته ميلشياتها الوكيلة، والتي تتضمن، وفق الخبير علي آلفونه، أكثر من 1900 عراقي ونحو 1100 عنصر من «حزب الله» اللبناني (1700 وفقاً للتقديرات الإسرائيلية) وحوالي 700 أفغاني وما يقارب من 150 باكستانياً.    
وعلى الرغم من اتّباع طهران سياسة إقليمية أكثر حزماً، إلّا أنّ تعاملها مع المواجهات الأخيرة في سوريا يعكس حذراً إيرانياً تقليدياً. ونتيجة لذلك، اعتمدت إيران على وكلائها من الميليشيات الشيعية لمواجهة المتمردين وقوات التحالف في التنف. وما أن تم استهداف هذه القوات من قبل الطيران الأمريكي، عمدت طهران إلى سحبها واستخدمت الطائرات المسلحة بدون طيار للاستمرار في ممارسة الضغط. وفي نهاية المطاف، قررت الالتفاف حول الجيوب التي يسيطر عليها المتمردون والتحالف وتجنبها. وخلال تصعيدها ضد المصالح الأمريكية في سوريا، خاطرت إيران بأصول يمكن الاستغناء عنها فقط. وقد أدّى الميل الأمريكي إلى الاستجابة بشكل نسبي، ومتوقّع بعض الشيء، إلى تمكين إيران من اختبار الحدود الأمريكية دون تعرّضها لمخاطر كبيرة.       
الاستنتاجات
طالما لا تزال القوات الإيرانية فعّالة في سوريا وتشجع وكلاءها على استهداف قوات المتمردين ومستشاريهم في التحالف، فلابدّ من وجود درجة من الاحتكاك والمواجهة. غير أنه لعقود من الزمن، تجنّبت الولايات المتحدة وإيران صراعاً مفتوحاً، بإظهارهما أن احتمال التصعيد قد يكون مبالغاً فيه - حتى وإن لم يكن هناك ما يدعو إلى الشعور بالاطمئنان. ولزيادة الحد من احتمال التصعيد، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ عدداً من الخطوات للتأثير على طهران - وكذلك على دمشق - وتجنّب نزاع أوسع نطاقاً مع أي منهما: 
أولاً، يجب على الولايات المتحدة وقف الرسائل المتباينة التي قد تدفع بسوريا أو إيران إلى إساءة التقدير. وقد أعلنت إدارة ترامب بأنها لا تسعى إلى رحيل الأسد ولا تعارض العمليات العسكرية التي تمكّن النظام من استعادة السيطرة على جزء كبير من سوريا. ومع ذلك، هدّدت واشنطن بالقيام بعمل عسكري إذا استأنفت دمشق الهجمات الكيميائية التي تعزّز مثل هذه العمليات، كما عارضت الأنشطة الإيرانية التي، من وجهة نظر طهران، تدعم هذين الهدفين. ويشجع مثل هذا الغموض نوع الاختبار الذي قد يؤدي إلى مزيد من المواجهات مع نظام الأسد وداعميه الإيرانيين. 
ثانياً، يتوجّب على الولايات المتحدة أن تسعى للحصول على دعم دولي واسع النطاق لخطوطها الحمراء في سوريا. ومن ناحية إيران، فقد يكون تحدّيها للمصالح الأمريكية أقل احتمالاً إذا كان ذلك قد يساهم في نفور جهات فاعلة أساسية في أوروبا وآسيا والتي كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يحاول استمالتها. وينبغي أن تواصل واشنطن إشراك موسكو كجزء من جهودها الرامية لتطبيق عمليات "تجنب المواجهة" والتأثير على سوريا وإيران من أجل تجنّب نزاع أوسع نطاقاً مع روسيا وشركائها.
ثالثاً، لا بدّ من إيلاء أهمية متواصلة للخطوط الحمراء لكي لا يتمّ التشكيك في تركيز الولايات المتحدة والتزامها. وعند اختبارها من قبل طهران ودمشق، يجب على واشنطن أن تردّ بحزم، لئلا يؤدي التقاعس إلى مزيد من التحديات وخطأ محتمل في الحسابات.
رابعاً، إن الردود الأمريكية التي يمكن التنبؤ بها تجعل من السهل على طهران ودمشق معايرة المخاطر وتقليص تكاليف اختبار الحدود الأمريكية. ولذلك ينبغي أن تكون الردود الأمريكية غير متوقّعة، ويجب أن تستهدف أصولاً ذات قيمة حقاً بالنسبة إلى طهران ودمشق كي يكتنف الغموض حساباتهما الخاصة بالتكلفة والمنافع وانتزاع ثمن غير مقبول لقاء خياراتهما السياسية. 
خامساً، تتمثل الطريقة الأفضل لمواجهة إستراتيجية الوكالة التي تنتهجها إيران في سوريا في اعتماد إستراتيجية أمريكية بالوكالة تنطوي على برنامج متجدد لتدريب المتمردين السوريين غير الإسلاميين وتجهيزهم. وهذا من شأنه أن يمكّن الولايات المتحدة من الضغط على طهران ودمشق بوسائل غير مباشرة. وسيكون الهدف من ذلك إيقاع القوات الموالية للنظام في تمرّد على مستوى منخفض في المناطق التي تسيطر عليها حالياً؛ وعرقلة الهجمات الجديدة ضد المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين في الشرق، أوالجنوب، أو محافظة إدلب وفي الوقت نفسه تقليص احتمال إثارة إيران للمشاكل في أماكن أخرى في المنطقة؛ وكذلك تقويض المساعي الإيرانية الرامية إلى بناء جسر بري يصلها إلى البحر الأبيض المتوسط.
سادساً، ينبغي أن تنظر واشنطن في اتخاذ تدابير مكلّفة ضد إيران في أماكن أخرى في المنطقة، مثل اليمن، من أجل جعل تدخلها هناك أكثر تكلفة، وممارسة ضغوط أكبر على قواتها المرهقة. وقد يقلل ذلك من استعداد طهران لتحدّي المصالح الأمريكية في سوريا. 
وأخيراً، على الولايات المتحدة تعزيز التنسيق السياسي مع حلفائها العرب الخليجيين لمنع اتخاذ خطوات أحادية الجانب ضد إيران وحلفائها التي يمكن أن تخل بديناميات التصعيد الأمريكية-الإيرانية في اليمن أو سوريا أو في أي مكان آخر. وبالفعل، تشير مساعي الحوثيين في تشرين الأول/أكتوبر 2016 لاستهداف السفن الحربية الأمريكية باستخدام صواريخ مضادة للسفن على الشاطئ إلى أن ذلك قد يكون قد حدث بالفعل. وبالتالي، فمن مصلحة الولايات المتحدة منع تكرار ذلك.
 
مايكل آيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.

Wednesday, April 19, 2017

الغارات الجوية على سوريا: دروسٌ تاريخية وتداعياتها

الغارات الجوية على سوريا: دروسٌ تاريخية وتداعياتها
Syrian president Bashar al-Assad and senior Syrian generals.
 الغارات الجوية على سوريا: دروسٌ تاريخية وتداعياتها
 7 نيسان/أبريل 2017
في الساعات الأولى من صباح السابع من نيسان/أبريل، أطلقت الولايات المتحدة تسعة وخمسين صاروخاً جوالاً من نوع "توماهوك" من مدمّرتين في شرق البحر الأبيض المتوسط على قاعدة الشعيرات الجوية جنوب حمص. وأفادت التقارير أنّ هذه القاعدة الجوية شكّلت نقطة انطلاق الطائرات العسكرية السورية التي أطلقت الذخائر الكيماوية على بلدة خان شيخون في الأسبوع الأول من نيسان/أبريل، لتعود وتستهدف أحد المستشفيات الذي كان يعالج الجرحى، مما أسفر عن مقتل ما يصل الى مائة شخص من المدنيين من بينهم عشرات الأطفال.
ووفقاً لبيان لوزارة الدفاع الأمريكية، استهدفت الغارة طائرات، وأماكن إيواء الطائرات المحصّنة، ومواقع تخزين النفط واللوجستيات، ومخازن إمدادات الذخيرة، وأنظمة الدفاع الجوي، والرادارات، لكنّها تجنّبت مرافق تخزين الأسلحة الكيميائية. ومن المرجّح أن يكون تأثير هذه الغارة على العمليات الجوية السورية متواضعاً، إذ إنّ قاعدة الشعيرات ليست إحدى القواعد الأساسية لعمليات نظام الأسد. ومن المرجّح أن يكون التأثير الأولي سياسياً، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان النظام السوري سيوقف الآن هجماته بالأسلحة الكيميائية، وما إذا كانت الجهات الفاعلة الأخرى ستضغط عليه لوقف هذه العمليات.
وربما كان الهدف من الغارة هو ردع القيام بالمزيد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية، وبالتالي استعادة المصداقية الأمريكية. فقد أدّى فشل واشنطن في الحفاظ على "الخط الأحمر" الذي رسمته عام 2012 حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا إلى إضعاف العلاقات مع حلفائها وتقوية خصومها حول العالم. لذلك شكّل استخدام النظام لغاز السارين في الأسبوع الأول من نيسان/أبريل، في انتهاك لالتزاماته بموجب "اتفاقية حظر الاسلحة الكيمائية"، اختباراً مبكراً لإدارة ترامب. ولو لم تقم إدارة ترامب في الرد على إطلاق نظام الأسد للأسلحة الكيمائية لكان ذلك سيضر بالمصداقية الأمريكية، مع عواقب وخيمة في الشرق الأوسط وخارجه.
دروس من الماضي
كيف ستردّ سوريا على هذه الغارة؟ يمكن استخلاص بعض الأفكار المفيدة من الطريقة التي ردّت فيها دمشق على الغارات العسكرية السابقة ومن المحاولات الأمريكية السابقة في الدبلوماسية القسرية.
الغارات الإسرائيلية في سوريا. خلال العقد الأول من رئاسة بشار الأسد، شنّت إسرائيل عدداً من الهجمات في سوريا، من بينها غارة جوية على معسكر لتدريب الإرهابيين في تشرين الأول/أكتوبر 2003، وغارة جوية على مفاعلٍ نووي سرّي في أيلول/سبتمبر 2007، واغتيال العميد محمد سليمان في آب/أغسطس 2008، وهو الضابط في الجيش السوري الذي يقال أنّه كان منخرطاً في نقل الأسلحة إلى «حزب الله». وفي جميع هذه العمليات، تجنّبت سوريا الانتقام.
ومنذ عام 2013، شنّت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على قوافل الأسلحة السورية الحاملة "أسلحةً واعدة" لـ «حزب الله»، ومنها صواريخ روسية متطورة من نوع أرض-جو وأرض-أرض وصواريخ مضادة للسفن. ولم تقرّ دمشق بهذه الغارات أو تردّ عليها حتى وقت قريب. إلّا أنّه منذ سقوط مدينة حلب في كانون الأول/ديسمبر المنصرم، شنّ الأسد هجومين بصواريخ أرض-جو على الطائرات الإسرائيلية التي استهدفت هذه القوافل، متحلياً بثقةٍ واضحة من انتصاراته العسكرية الأخيرة على قوات المتردين. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لتركيز الهجمات الإسرائيلية على منع هذه الشحنات عوضاً عن ضرب أهداف حساسة للنظام، استمرّت هذه القوافل على مر السنين، حيث أفادت التقارير بأن  بعض الأسلحة قد وصلت إلى وجهتها.
ما قبل استخدام الأسلحة الكيميائية.  في آب/أغسطس 2012، أدت المخاوف المتزايدة من احتمال استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ضد المتمردين والمدنيين، إلى دفع الرئيس أوباما إلى تحذير دمشق من أنّ أي استخدام أو نشر للأسلحة الكيميائية هو "خطٌ أحمر" سوف "يُحدث تغييراً في حساباته". وفي تصريحاتٍ لاحقة، أضاف الرئيس الأمريكي أنّ استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون "مرفوضاً تماماً" وسيحمل "تداعيات"، ولكن دون تحديد ماهيتها.
وقد تجاهل النظام هذه التحذيرات، وصعّد استخدامه للأسلحة الكيميائية بشكلٍ تدريجي خلال العام الذي أعقب ذلك، لتبلغ هذه الممارسة ذروتها في هجومٍ بغاز السارين في إحدى ضواحي دمشق في آب/أغسطس 2013 أودى بحياة أكثر من 1500 مدني وفقاً للتقارير. وقد وقع هذا الهجوم بينما كان مفتّشو الأمم المتحدة على بعد بضعة كيلومترات فقط في زيارةٍ للتحقيق في ادّعاءاتٍ سابقة عن استخدام الأسلحة الكيميائية. وفي الأزمة التي أعقبت ذلك، وافقت سوريا - وسط التهديدات العسكرية الأمريكية - على التخلي عن مخزونها من الأسلحة الكيميائية والانضمام إلى "اتفاقية حظر الاسلحة الكيمائية". إلّا أنّ النظام السوري عاد واستخدم غازَيْ الكلورين والسارين ضد المدنيين والمتمردين، في إشارة إلى أنه ربما قد احتفظ بأكثر العناصر فتكاُ في مخزونه من الأسلحة الكيميائية المحظورة. وباختصار، من خلال التدرجية والتعطيل والإنكار، تمكّن الأسد من التصدّي للخطوط الحمراء والقيود المفروضة على استخدامه للأسلحة الكيميائية، والالتفاف عليها في بعض الأحيان.
وتُظهر هذه التجارب ما يلي:
1. عند مواجهة خصمٍ عازم، غالباً ما تراجع الأسد.
2. عند مواجهة خصمٍ غير محدد الالتزام والعزيمة، يختبر الأسد الحدود [حدود هذا الخصم] من خلال استنزافها أو الاحتيال عليها عندما يكون ذلك ممكناً والتراجع عنها عند الضرورة.
3. عند مواجهة خصمٍ عازم على تعطيل أعماله دون أن ينجم عن ذلك تكاليف كبيرة، سيستمر في أهدافه.
ومع ذلك، فإن العوامل الموقعية التي يمكن قد أثّرت على بعض هذه النتائج السابقة قد لا تحدث التأثير نفسه اليوم. فعلى سبيل المثال، قد يعتقد الأسد الآن أنّه أوشك أن يكسر ظهر الانتفاضة التي دامت ستة أعوام بفضل دعم روسيا وإيران و «حزب الله»، الأمر الذي قد يزيد من قدرته على المخاطرة. وبالفعل، تشير جهود سوريا للتصدّي للغارات الإسرائيلية الأخيرة إلى أن الأمر قد يكون كذلك. وقد أفادت الأنباء أيضاً أنّ النظام قد شنّ المزيد من الغارات من قاعدة الشعيرات الجوية بعد ساعاتٍ قليلة من الغارة الأمريكية مستخدماً طائراتٍ تحمل ذخائر تقليدية.
الدبلوماسية القسرية في العراق. خلال تسعينيات القرن الماضي، لجأت الولايات المتحدة إلى الغارات الجوية والهجمات بالصواريخ الجوالة ونشر القوات من أجل نزع سلاح العراق وضبطه وردع عدوانه على الكويت والأكراد. إلّا أنّ بغداد لم تتوقف أبداً عن مقاومة عمليات التفتيش عن الأسلحة وقرارات حظر الطيران، التي اعتبرتها انتهاكاتٍ لسيادتها. وسَعَتْ إلى إضعاف عزيمة الولايات المتحدة من خلال القيام بأعمال تحدية مستمرة. ومالت الولايات المتحدة إلى الردّ بشكلٍ متوقّع، وتوجيه ضربات محدودة ضد الأصول المرتبطة بالاستفزازات (مثل مواقع الدفاع الجوي التي تهدد طائرات التحالف). وقد سمح هذا الأمر لصدّام حسين بإدارة المخاطر، والحدّ من تكاليف مخاطر سياسة حافة الهاوية، وبالتالي الحفاظ على سياسة التحدي التي اعتمدها، مما دفع واشنطن في النهاية إلى التخلي عن دعمها لعمليات التفتيش عن الأسلحة. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان مقاربة أمريكية أكثر عدائيةً أن تكون أكثر فعاليةً، إذ كان صدّام يملك كمياتٍ هائلة من المعدّات العسكرية [التي أراد] التخلص منها، وكانت لديه دوافع كبيرة للمقاومة لأنّه كان يعتقد أنّه يقاتل حفاظاً على حياته وأنّه لا مجال له للظهور بصورةٍ ضعيفة.
وتحمل هذه التجربة العديد من الدروس الرئيسية التي يمكن تطبيقها في سوريا، وهي:
1. يمكن لردع الخصوم العازمين أو قسرهم أن يشكل تحدياً نظراً للاختلاف في الاهتمامات والدوافع والقدرة على المخاطرة.
2. غالباً ما يكون الحفاظ على الدبلوماسية القسرية صعباً مع مرور الوقت.
3. قد تؤدي التكاليف التراكمية للدبلوماسية القسرية إلى إضعاف الدعم المحلي والدولي للسياسة المعتمدة في نهاية المطاف.
ويقيناً، أنّ الوضع الحالي في سوريا فريدٌ من نوعه من عدّة نواحٍ لأنّ الأسد يعتمد بشكلٍ كبير على روسيا وإيران و «حزب الله» لاستمراره في السلطة. ونتيجة ذلك، من المؤكّد أنّ ردّه على غارة الشعيرات أو أي أعمال أمريكية مستقبلية سوف يتأثّر بلا شك وبشكلٍ كبير بروسيا وإيران. وسوف يتأثّر الحلفاء الثلاثة بما يسمعونه من واشنطن، فضلاً عن تقييمهم لنوايا الولايات المتحدة وعزيمتها. وبالتالي فمن غير الواضح ما إذا كانتا طهران وموسكو ستعتمدان المقاربة نفسها؛ على سبيل المثال، هل ستحثّان الأسد على التصرّف بحذر أو خداع أو صبر أو تحدي؟
وماذا بعد؟
تشير التجارب السابقة إلى أنّ الأسد سوف يستمرّ على الأرجح في تحدي المجتمع الدولي والطعن بالخط الأحمر على الأسلحة الكيميائية، وأنّ الحاجة قد تدعو إلى شن المزيد من الضربات لردعه عن القيام بذلك. وفي المرحلة القادمة، من الضروري أن توجّه الولايات المتحدة عملياتها العسكرية بناءً على الاعتبارات التالية المستمدة من الدروس المستفادة من الجهود السابقة في الردع والدبلوماسية القسرية في الشرق الأوسط، وهي:
1. عدم وضع خطوط حمراء إلّا إذا كانت الولايات المتحدة مستعدّة لإنفاذها.
2. الردّ على محاولات اختبار حدود الولايات المتحدة لأنّ عدم الردّ سوف لن يؤدّي سوى إلى ظهور تحدياتٍ إضافية.
3. ردع استخدام المزيد من الأسلحة الكيميائية وغيرها من الانتهاكات من خلال الحرمان والعقاب، وكلاهما يهدفان إلى زرع الريبة في حسابات الأسد للتكاليف مقابل المنافع حول الردود الأمريكية المستقبلية وإلى فرض التكاليف.
4. نظراً لأنّ الردود غير المتناسقة محظورة بموجب "قانون النزاعات المسلحة"، فيجب التصدي للتحديات بصورةٍ غير متماثلة، أي عدم الاكتفاء بضرب مصدر الاستفزاز فحسب، بل أيضاً المواقع القيّمة حقاً بالنسبة للنظام. فضرب الأصول "القابلة للاستبدال" سوف تمكّن الأسد من الاستمرار في تحديه، ومعايرة المخاطر، واختبار حدود الولايات المتحدة بأمانٍ أكبر.
5. توضيح أنّ غارة الشعيرات ليست بالضرورة عمليةً وحيدة من نوعها. وخلافاً لذلك قد يظن الأسد أنّه يستطيع أن يتخطى واشنطن عندما يصبح الرأي العام المحلي معارضاً للتدخل، أو عندما تنشغل الإدارة الأمريكية بأزمةٍ أكثر إلحاحاً في أماكن أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة التهديد بشنّ غاراتٍ إضافية من أجل اختبار احتمالية الدبلوماسية المتعددة الأطراف، مع الضغط على سوريا للتخلّص من مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية غير المعلن عنها، وامتثالها لقرارات وقف إطلاق النار مع مختلف قوات المتمردين في جميع أنحاء البلاد. فهذا هو أمل أمريكا الأكبر في تجنّب "فخّ الالتزام" (الذي تصبح فيه الغارات التالية ضروريةً لإخضاع الخصم المعارض، حتى لو كان ذلك مؤقتاً)، فضلاً عن الخطر المستمر المتعلق بتوسّع أهداف المهمّة وتصعيدها.
وأخيراً، وبعد أن اتّخذت الولايات المتحدة إجراءً عسكرياً مباشراً ضد الأسد، ، يجب أن تضع في اعتبارها أن أفضل أمل لها في استراتيجية خروجٍ تُعزز مصالحها في سوريا (من بينها الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات السلفية الجهادية الأخرى) هو المساهمة في إنشاء قواتٍ من المتمردين غير سلفية فاعلة قادرة على إبعاد السنّة عن المتطرّفين وممارسة ضغوط عسكرية مستمرة على نظام الأسد. إنّ هذه هي الطريقة الوحيدة التي سوف تحرص على احترام قرارات وقف إطلاق النار وتفادي المزيد من التدفقات الكبيرة الجديدة للاجئين. إن التوازن العسكري وحده، والذي يؤدي إلى مأزق مكلف للنظام هو القادر على توليد الضغوط اللازمة للتوصل إلى حلٍ دبلوماسي للحرب، التي كانت المحرك الرئيسي للتطرف الجهادي وحشد المقاتلين في هذا العقد من الزمن. وقد يكون قد فات الأوان على نجاح مثل هذه المحاولة، إلّا أنّ هذا الواقع يجب ألّا يمنع الولايات المتحدة من المحاولة. وقد يكون الحل البديل هو الاستمرار في تطوّع الجهاديين والتزام عسكري أمريكي مطلق في سوريا قد لا ينال دعم الرأي العام إلى أجلٍ غير مسمّى.

مايكل آيزنشتات

مايكل آيزنشتات هو زميل أقدم ومدير مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.
مايكل آيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.